نساء الحكومة المحجوبات والصامتات



امال قرامي
2022 / 2 / 5


يكثر الحديث خلال هذه الأسابيع (التي بدأت تلوح فيها بوادر السنوات العجاف فعلا لا قولا)، عن الإشكالية التواصلية التي تعترض سبيل رئسية الحكومة،

وأغلب المشاركين/ات في هذه الحكومة، وهم/ن يواجهون وضعا مركّبا اتّسم منذ البدء، بالتأزم. وقد يكون من المفيد مقاربة هذه الأزمة التواصلية من منظور مختلف عن الطرح المألوف. فماذا لو اختبرنا مسألة الزعامة النسائية والأداء النسائي في المجال السياسي؟
لقد استبشرت مجموعة من التونسيات/يين بتعيين أوّل رئيسة حكومة وعدد من الوزيرات في مواقع صنع القرار وصياغة السياسات التي من المفروض أن تغيّر طريقة تصوّر السياسة ونمط ممارستها. فبعد أن خبرنا عقدا من الزمن هيمن فيه الرجال على الحكومات وفرضوا علينا تصوراتهم وقيمهم وطريقتهم في إدارة المرحلة (وفق منطق الغنيمة) فانتزع بعضهم المناصب بفضل بنى القرابة والمصاهرة أو الولاء وغيرها من المعايير، ها أنّ الفرصة تُتاح للنساء(بعد أن أغرقت القيادات السفينة) حتى يدلين بدلوهن ويفرضن ذواتهن ويبتكرن حلولا تتلاءم مع الوضع. فهل استطعن عرض رؤيتهن الشخصية لإدارة البلاد في هذه المرحلة العصيبة، وتغيير أساليب العمل، ومن ثمّة إرباك التمثلات الخاصة بعلاقة النساء بالسياسة؟

لا نحسب أنّ كلّ التونسيين والتونسيات يعرفون الوزراء والوزيرات يكفي أن تسأل حتى تفاجأ بلامرئية أعضاء الحكومة باستثناء بعض الوجوه كوزير التربية الذي حافظ على موقعه. وإسدال الحجاب على أعضاء الحكومة رجالا ونساء يستفيد منه الرئيس فيكون دائما في المركز، وبؤرة التحديق باعتباره منتج الخطاب وموجّه الرسائل ومفسّر الأوضاع، وصاحب السردية الرسمية، وواضع السياسات... ونزعم أنّ تحكّم «الرئيس» في أشكال حضور الوزيرات /اء وتقييد مجالات مشاركتهم/نّ في وسائل الإعلام يرسّخ أوّلا: أبويّة الدولة إذ يُجمع الرئيس/الأب/الحامي في المجلس الوزاري الأبناء/الوزراء/ات من حوله ممارسا سلطة الخطاب والتوجيه والانتقاد... وثانيا: حجب النساء، وتصميتهن.

ولاشكّ أنّ الرضوخ لقرار عدم التعامل مع وسائل الإعلام إلاّ في بعض الحالات التي تستدعي التوضيح والردّ، كان له انعكاس على مرئية رئيسة الحكومة، والوزيرات، من جهة، ومثّل سببا أعاق مسار بناء صورة القياديّة ، والزعامة النسائية، من جهة أخرى. فبالرجوع إلى مقومات الزعامة السياسية نتبيّن أنّ من أركانها: القدرة على ممارسة السلطة الفعلية بما فيها سلطة التواصل مع الجميع، والمشاركة في صياغة السياسات،وبناء الثقة في الحكومة، والتأثير في الجماهير، وهي أمارات غائبة مما يجعلنا نعتبر أنّ حضور النساء في «حكومة بودن» باهت ولا يعكس آمال عموم التونسيات، ولا التوقّعات التي حدّدتها الأدبيات النسوية للأداء النسائي المميّز والمشاركة السياسية الفاعلة.

لا نعتقد أنّ الوزيرات مقتنعات بمثل «زُر غبّا تزدد حبّا» وأنّهن زاهدات في المرئية ذلك أنّ ممارسة السياسية تقتضي القدرة على المواجهة والتفاعل المستمر، والظهور، والتواصل لاسيما في عصر هيمنة الصورة كما أنّ النمط «الأنثوي» المجدّد لممارسة السياسية يولي للتفاعل والتواصل مع الآخرين أهميّة بالغة.
ولكن مادامت «بودن» والوزيرات منخرطات في بنية ذكورية لممارسة السلطة والسياسية فإنّه يعسر عليهن التغيير لاسيما وأنّ الرجال هم أيضا محجوبون ومتقبّلون للأمر الواقع. كما أنّ نساء الحكومة مقتنعات بأنّ «الطاعة» أسلم من «التمردّ والعصيان والمقاومة»، وأنّ من دخلت عالم السياسة وانتفعت بالامتيازات لا يجوز لها «نكران الجميل.

ونذهب إلى أنّه ليس بمقدور الوزيرات تفنيد تقييمنا لشكل حضورهن في السياسية مادمنا لا نراهن ولا نسمعهن إلاّ لماما. بل أنّى لنا أن نُنصفهن ونقدّر جهدهن أو نتبيّن وجود قرارات مستقلة وجريئة... والمعلومة محجوبة ولا واحدة كسرت القاعدة وأفصحت عن تصوراتها!
إنّ مقاومة التونسيات لتاريخ من الإقصاء والتهميش والتصميت، ونضالهن الطويل من أجل المشاركة السياسية المنصفة وبناء القدرات واتخاذ القرار وبناء الزعامة النسائية، وتحقيق الريادة في المنطقة يجعلهن اليوم أكثر إحساسا بخيبة الأمل وشعورا بالغبن.