أسلمة المجتمع من الأسفل عبر مدارس البنات!



نادية محمود
2022 / 2 / 6

ضمن حملات أسلمة المجتمع وبالقوة، تقوم إدارات مدارس البنات بفرض الحجاب على الطالبات. فما قامت به مدرسة أغادير في الموصل، وإعدادية النصر للبنات في الكرح الثالثة في بغداد، ومدارس أخرى في كركوك والبصرة من طرد البنات غير المحجبات، هو عمل سياسي مخطط ومدروس من أجل أسلمة المجتمع.
ما تقوم به هذه المدارس هو ليس سياسة من اجل "تشذيب السلوك الفردي"، او "التربية" بل هي سياسة تهدف الى تعزيز قوة سياسية في المجتمع، وهي الاحزاب الاسلامية. فعبر أسلمة المجتمع، وأسلمة سلوك الافراد الذي تقوم به ادارات مدارس البنات، يستهدف الى تكييف سلوك الشخص المسلم الاجتماعي وايضا السياسي. فالهدف من أسلمة المجتمع، جعل المواطن المسلم ينتخب المرشح المسلم في وقت الانتخابات، ويقبل منصاعا لسياسات حكام اسلاميين، ويقدم الفرائض المالية من زكاة وخمس الى اوليائه. ان مشروع الأسلمة هو مشروع سياسي اقتصادي متكامل يهدف الى احكام قبضة احزاب وجهات اسلامية دينية على التحكم بمصير الملايين من الناس.
الاسلوب الذي تتبعه ادارات مدارس البنات يعبر بشكل واضح وصريح عن مشروع الأسلمة هذه، أو ما يطلق عليه نهج "الأسلمة من الأسفل".
لتوضيح ذلك، هنالك نهجان في أسلمة المجتمع، النهج الأول، وهو ما طبقته الجمهورية الاسلامية في إيران لأسلمة الدولة والمجتمع من الأعلى، أو من فوق، حين فرضت الحجاب الاجباري وبالقوة على النساء في إيران بعد سيطرة الإسلام السياسي الشيعي متمثلا بالخميني على زمام السلطة في ايران بعد أعوام ثورة 1978-1979. حيث قامت مؤسسات الدولة وشرطتها وجامعاتها ودوائرها بالفرض القسري على ارتداء الحجاب، فشرطة الدولة كانت تتعقب بنفسها تنفيذ فرض الحجاب من الاطفال من سن التاسعة فما فوق.
أما في العراق، فقد انتهجت الأحزاب الإسلامية والقوى الدينية الأخرى ما يطلق عليه منهج " الأسلمة من الأسفل". والمقصود بالـ"أسفل" هنا، هو فرض الأسلمة في البيوت، في الشارع، في المدارس والجامعات والاماكن العامة والخاصة. وذلك عبر التخويف ومضايقة الأفراد، بشن هجمات ثقافية واخلاقية عليهم في حالة عدم ارتداء البنات في أسرهم الحجاب. فما قامت به الميلشيات الاسلامية بقتل النساء السافرات في عموم وسط وجنوب العراق ومنذ عام 2003، وما تلتها من سنوات، هو أحد أشكال الفرض ألقسري لارتداء الحجاب.
أي لم يصدر قانون من الدولة في العراق بعد عام 2003 بفرض الحجاب، ولكن قامت به جهات غير رسمية، من الميلشيات، إدارات المدارس، اماكن العمل، تمت الدعاية له في الجوامع، عبر المنظمات غير الحكومية الدينية وخطاباتها وبوستراتها عن " الحجاب الصحيح"، في ممارسة شعائرها.
ان قيام المدارس بشن حملة ضد الطالبات غير المحجبات يعكس بما لا يقبل الشك حقيقة لا لبس فيها هو رد فعل واضح وصريح وشرس من قبلها على أمر الامتناع عن ارتداء الحجاب من قبل البنات وأسرهن كما كان هو الحال عليه في القرن المنصرم، وبدون حجاب. لم تتمالك إدارات مدارس البنات نفسها إزاء هذه " الجرأة والتجاسر" على ما أرادوا فرضه خلال العقدين الماضيين، فبدأوا بهجمة مضادة بفرضه بالقوة. فرغم مرور عقدين من سياسة الفرض القسري للحجاب، إلى إن ألأسر العراقية عادت الى سابق عهدها في ارتداء ملابس مدنية.
لقد بدأ خلع الحجاب ينتشر نسبيا مقارنة بالسنين ما بعد الحرب، خاصة بعد انكشاف حقيقة الاحزاب الاسلامية التي رفعت الشعارات الدينية الاسلامية المنادية بالقيم الاسلامية، وبالحياء والعفاف من جهة، وهي تسرق وتفسد في البلاد بدون أي حياء. لم يعد في وسع الاحزاب الاسلامية لعب ورقة "الدين" والاخلاق والقيم. لان سرقاتهم وفسادهم اصبحت معلومة للقاصي والداني. لذلك، لم تعد تنطلي دعواتهم التي نشروها بالعنف بنشر القيم والاخلاق على أحد. وعادت الأسر الى وضعها السابق وهو عدم ارتداء الحجاب.
أمام انتشار ظاهرة خلع الحجاب التي تهدد مشروع أسلمة الدولة بكامله، فالحجاب، يشكل علامة فارقة وبامتياز على إسلامية الدولة، أنيطت مهمة فرض الحجاب وبشكل قسري الى أدارات المدارس. من هنا، تتحول المدارس الان الى ساحات مواجهة بين ادارات المدارس التي تريد فرض الحجاب وبين الأًسر العراقية التي ضاقت ذرعا بممارسات هذه الاطراف ومن يمثلها في ادارات المدارس.
تسعى إدارات هذه المدارس إلى التضييق على الأسر، إلى استدعاء أولياء أمور الطالبات، الى الطلب اليهم بتوقيع تعهدات خطية وما إلى ذلك بقصد محاصرة الافراد وارغامهم قسرا على تحجيب بناتهم.
لذا، فإن وقوف الآباء والأمهات وأولياء الأمور بمواجهة هذه الادارات، واعطاء ورقة الموافقة على خلع الحجاب خلاف لما تطالب به بعض المدارس الان، هو في الحقيقة تخندق سياسي- اجتماعي في معسكر المدنية والمواجهة مع الاحزاب الاسلامية والجهات الدينية، التي لديها مصالح سياسية واقتصادية في ابقاء طابع المجتمع "اسلاميا". انه عمل من اعمال مقاومة الاسلام السياسي ومشروعه في أسلمة المجتمع والدولة. انه ليس اختلافا في الرأي او الرؤية بل هو صراع سياسي واجتماعي من الطراز الاول. لذلك نهيب بكل الآباء والامهات وأولياء الأمور الى الالتفات الجاد والتعامل الجدي مع مساعي الأسلمة هذه، والتخندق في خندق المواجهة مع الاسلام السياسي عبر الدفاع عن احد الحقوق الفردية والمدنية الا وهي اختيار السفور، المعركة التي بدأت منذ اوائل القرن الماضي، ولما نزل، علينا الدفع بها للأمام، بفضل محاولات قوى الاسلام السياسي.