مُطلِقة بكسر اللام وافتخر



فؤاده العراقيه
2022 / 2 / 18

المقال طويل نسبيا نظرا لما يحمله من تناقضات لمجتمعنا وعن الأفكار التي لا تطرق ذهن المغيبين فهي مسكوت عنها من قبل الغالبية الذين التزموا الصمت حيال حياتهم التي فقدوا بها الكرامة ومن خلال علاقاتهم المستقيمة بظاهرها والخرِبة بحقيقتها ، عن ازدواجية الرجل الذي يرى شانه عاليا أمام النساء وتناسى نقصه ليُلصقه بالنساء من حوله من خلال تشبثه بذكوريته عساها أن تعوضه نقصانه.
عن قوانين الزواج الفاشلة التي اعتمدت على التمييز ما بين الجنسين والفصل فيما بينهما من خلال تقسيم الحقوق. والواجبات لكل من الرجل والمرأة والتي تكاد تنعدم بها حقوق الزوجة , عن انعدام العدالة والمساواة فيما بينهما بعدّة نقاط منها العصمة التي انحصرت بيد الزوج دون الزوجة لتُمكّنه من فك رابطة الأسر أو الإبقاء عليها، فالقانون اعتبر المرأة قاصرا بأي عمر كانت أو مهما كان وعيها مما جعلها عاجزة عن فك تلك الرابطة فيما إذا تضررت من تلك العلاقة، وغالبا ما يكون الطرف المتضرر لدينا هي ألزوجة وحين تُقرر الاخيرة إنهاء رابطة الزواج يقف الجميع ضدها وإن كانت هي على صواب واللوم يقع عليها دوما وإن كان العيب بالزوج ،فلا صواب للمرأة سوى أن تتقبل الذل وخصوصا عندما تبلغ عمر معين أو يفوت على زواجها سنوات طوال كما حدث معي.. عن النساء اللواتي يتحمّلن الزوج رغم الاذى الواقع عليهنّ لغاية ما تأتيها الرحمة والفرج من الله بموتها أو بأخذ روحه دون أن تأخذ حقها منه وتتصور نفسها بأنها تحررت من عبئه وتتناسى بأنها فقدت جزءً كبيرا من ذاتها بصمتها وتحمّلها، فتمني موت الشريك لتتخلص من عذاباتها هو أكبر تشويه نفسي يحدث لها وأسوء ما يصل له الإنسان لكونه دليلا على الضعف وقلة الحيلة بالخلاص وعذاب شرخ استكانتها وتمنيها لموته سيبقى قائما بوعيها بل سيزيد بموته ويكون مستحيلاً بعدها ان تتخلص منه وتستمر بحمل هذا الانكسار الذي سيلاحقها بقية عمرها والذي سوف لن يزول مهما فعلت من بطولات، ومنهنَّ من تقدم فعلا على القتل دون دراية منها بأنها قد قتلت نفسها قبل أن تقتل قاتلها، ومنهنَّ من تصل للجنون ليصل بها الحال لقتل اطفالها وووووو الكثير من القصص التي هي نتاج لمجتع عاهر ومُعاق عقليا وعقيم فكريا.
اتحدث به عن تجربتي التي هي ليست خاصة بل عامة وتخص غالبية النساء اللواتي تدمَّغت عقولهنّ بأفكار مجتمع غبنَ حقوقهنَّ وعطّل عقولهنّ عن التفكير والتأمل الصحيح لغاية ما اوصلهنّ لحالة من الشلل العقلي والرضوخ للواقع التعيس والقبول به، بل والتمسّك بسلاسل العبودية التي باتت تُشعِرهنّ بالأمان من خلال تواجدهنَّ داخل حلقة القطيع التي رسموها لهنَّ، وكذلك تشمل غالبية الذكور الذين ترعرعوا في مجتمع خلق منهم شخصيات مريضة وتعاني من اضطرابات نفسية خطيرة، فأرضنا خصِبة لخلق هكذا شخوص يتفوّق بها الذكور عن الاناث.

ولا أدري كيف كان وقع الطلاق(الخُلع بمفهوم قوانينا) عليَّ مختلفاً عن ما هو سائداً عليه لدى غالبية النساء اللواتي تنهال دموعهنّ لحظة وقوعه دون أن يتمكنَّ من السيطرة عليها رغم إن الطلاق كان برغبة منهنّ، وهنا تكمن وجهة الغرابة، فبالرغم من رغبتهنّ بالطلاق، وبالرغم من الاذى الواقع عليهنَّ من قبل ازواجهنَّ، لكنهنّ يرتعبنَّ من سيرته، أهو الخوف الذي زرعه المجتمع بعقولهنَّ, أم هو الانكسار الذي التصق بهنّ منذ طفولتهنّ، أم هي نظرة العار المتخلفة من قِبل المحيطين والتي ستُلحق بهنّ ، أم للندم على اعمارهنّ التي ضاعت سدى بخطأ ألاختيار, أو لانعدام ألمادة, وفي كل الأحوال ينبع تفكيرهنَّ هذا من الضعف والهوان الذي أصابهنَّ طوال السنوات التي قضيناها في مؤسسة فاشلة بكل ما تحمل الكلمة من معنى لكونها اعتمدت على تقسيم الأدوار وانعدام العدالة بها، ومن خلال مطالبة الزوجة بالتنازلات تباعاً، وتُلحقها أنانية وحب التملّك لدى غالبية الأزواج، فالزواج لدينا يعني فرض قيود الزوج على زوجته بالقوّامة، أي الإنفاق عليها، فصارت غالبية النساء لا يمتلكنّ شجاعة الانفصال عن ازواجهنَّ حيث تنتابهنّ المخاوف من فقدان المُعيل أحيانا وخصوصا لو كان لديهنّ أطفال أو فات على زواجهنّ سنوات، وأحيانا الخوف من الوحدة ومن نظرة المجتمع لها وحيث ان لكل قرارٍ مصيري ولكل تغيير سيرافقهما الخوف من العواقب لكثرة الموانع والعقبات التي تحيط بالنساء ، وبسبب هذا الخوف تمكث النساء العمر كله تحت سوط الزوج، هذا الخوف الذي اتقنَّا فنونه هو ما يُعيق الإنسان دوما عن ممارسة حياته بشكل طبيعي, ولكن الغريب هنا بإن الزوجة تستمر بعلاقة مُدمّرة لها حتى وإن كانت مُستقلة ماديا تحت ذرائع ساذجة وواهية منها التضحية من أجل الأبناء، لينتهي بها المطاف لتكون أنقاض إنسان لا تعرف طعم التمرد ولا تؤمن بوجودها ولا بقدراتها بسبب الضعف الذي نالها ونخر ذاتها، والشعور الملازم لها بانعدام الأمان الحقيقي، فما الذي يجبر النساء ليتحمّلن الاذى ومرّ الحياة رغم استقلالهنّ المادي؟ وهل الاستقلال المادي هو الأساس في شعور الإنسان بقوته وبكونه حُراً كما يفكر البعض, أم هي طبيعة أفكاره و وعيه ومعرفته؟
كذلك نظرة المجتمع المتخلفة التي حصرت دور المرأة بالامومة بالوقت الذي لا يمكن للإنسان أن يحصر دوره بأي فعل أو أي مهنة مهما علا شأنها، هذه النظرة تؤكد بأن الأم المثالية هي تلك المُضحّية والصابرة دوما لتصل التضحية احيانا للموت البطيء أو للموت الفعلي كأن تُقتل بفورة من الفورات الذكورية كما نسمع عن الكثير من الحوادثبهذا الشأن في يومنا الأغبر هذا ، قصص يُشيب لها شعر الرأس، وأحيانا تكون عكسية أي هي التي تقتل زوجها بعد ان أُصيبت بأمراض سيكولوجية نتيجة للضغوطات المستمرة عليها، أو أصيبت بأمراض بيولوجية مُميتة نتيجة لنقص مناعتها كنتاج للقهر الواقع عليها ، ولا من يُحرّك ساكنا من ذويها حتى لو توفيت، المهم لديهم هذه النظرة الدونية والثابتة والتي سوف لن تتغير مهما فعلت المرأة،والمحيط سيُدينها وهي مُدانة دوما، فلن يبالي أحد لعذاباتها مهما صبرت ومهما تحمّلت، فنجد غالبية النساء تتحمل أزواجهنَّ لهذه الأسباب التافهة بحقيقتها والمُدمِرة والقاتلة لها، كذلك تعلّمت النساء بإن صفة الصبر على الظلم والتحمّل هي صفة حميدة ودليل على القوة بالرغم من سلبيتها التي ستدفع ثمنها باهضا بمرور السنوات، فتستمر الزوجات بهذه العلاقة مهما بلغ الازواج من طغيان مع انعدام الاعتداد بالكرامة التي مُسحت لديهنّ بسبب مفاهيم المجتمع المنغلق على ذاته بذكوريته الحمقاء
التي شوّهت طبيعة الرجل قبل المرأة بعد أن لصق سِمات الضعف بالانوثة، والشجاعة والقوة بالرجولة، فما على المرأة سوى الانصياع وتقبّل ظُلمها وطغيان المجتمع لها برحابة صدر..
هذا المجتمع يقف عاجزا عن فهم زوجة تطلب الطلاق حيث يضع عليها آلافا من علامات الاستفهام وتتشكل مقصلة شكوكهم واسألتهم الغبيّة لها:
كيف ترفضين سلوك الغالبية وعاداتهم وكيف تتجرأين على الخروج من قطيعنا الذي آمن إيمانا مطلقا بالموروث؟
._كيف ترفضين زوج اعطاكِ حق الخروج (اعطاكِ) !!لكونهم يعتبروا حرية خروجها هبة يتفضل بها الزوج عليها .
. - _كيف لا تتقبلين حياتنا وأن حملت الكثير من الأخطاء والغباء والسادية.
بالبدأ تكون الأسئلة هي نتاج استغرابهم للفعل ، ثم يأتي السؤال الأخير ليُبدد هذا الاستغراب، ما الذي ستصنعيه بعد الطلاق ؟!! وكأنها كانت تصنع المعجزات بزواجها العقيم..
بلا شك بأن هذه الأسئلة تكررت على مسامعي ايضا ومن كثرة تكرارها صرت اسأل نفسي بغتة : فعلا ما الذي سأفعله في دنيا قتلت الإنسان بداخلنا، فيها حياة الأحياء كالاموات بعد أن اقتصرت على تلبية الغرائز وتطويرها، بل والتفنن بها، بعد أن مات الإنسان ولم يتبقى بداخله سوى الحيوان الكامن والذي أخذ ينمو ويكبر ويعزز قناعة صاحبه بأنه على الطريق السوي لكونه يقف من ضمن القطيع، بعد أن نسب قوته للمجموع الذي استند أحدهم به على الآخر، وليضع ضعفه وهوانه فوق ضعف وهوان الآخرين ليتوهم الأمان من خلال هذه الجموع، فليست من الأمانة في نظره ولا هو من الشرف أن يكون مخالفا للسلوك العام، فالكذب أصبح ذكاء والسرقة أصبحت شجاعة ومن السلوكيات المألوفة التي تُرتكب يوميا، ولكنها مألوفة، وعليه سيكون غريبا ذلك الذي يرفضها أو يحتج عليها. غريبا ذلك الذي يرفض تلك السلوكيات القذرة وطبيعيا من يطمس في وحلها ويتعوّد على رائحة عفونتها التي تفوحُ منها ليلا ونهارا, هكذا هم الطبيعيون لدينا حيث صاروا يستغربون النقاء ويرفضونه ويتباهون بغبائهم ويتفاخرون بقدرتهم على الكذب والخداع ويعتبروها قوةً وذكاءً لكونها صفات شائعة والشيوع علامة الصحة لديهم وإلا لم شاع. وتشعب ,
يتوقف الإنسان لدينا عند نقطة معينة فيبدأ بالتراجع بفعل الزمن الذي يدعس كل الماكثين بأماكنهم ويرفضون أي تغيير، فكيف لامرأة بنظرهم ترغب بالتغيير والعيش من دون رجل!!، فهي أما راغبة بالزواج أو راغبة في ان تعيش انفلات الحياة أو إنها تعاني من اضطرابات نفسية، بمعنى وضع الاولوية للرجل بحياتها، رغم إن التجارب أثبتت عكس هذا تماما، فحين ينفصل الزوج عن زوجته أو تتوفى الزوجة نجد غالبية الذكور لا يتوانون لحظة في التفكير بزواج ثاني بعد أيام معدودة فقط لكونهم كانوا معتمدين عليها بكل صغيرة وكبيرة فيعجزون عن البقاء بمفردهم ، في حين نجد أغلب النساء قادرات على الاستمرار بمفردهنّ بل وتكون حياتهنّ أكثر تنظيما واصفى بالاً لهنّ .
مؤكد بأن الانفصال هو خسارة للطرفين لكون كل طرف منهم سيذهب لطريق يبحث به عن حياة جديدة ومأوى جديد متكبداً عناء الحياة ومسؤولياتها بمفرده، ولكن الخسارة ستكون أفدح للطرف المُتضرر فيما لو استمرت تلك الرابطة تستنزف طاقاته ، وبعكسه سيكون الطلاق ربحاً وفيراً وكفة الميزان ستميل للطرف المُتضرر بخلع تلك السنوات التي قضاها في تعديل بناء آيل للانهيار حيث يبذل جهودا يومية في تعديل الخراب الذي يحدثه الطرف الآخر بجدران البناء الذي بنيَّ على أساسٍ هش في محاولة عقيمة منه لابقائه مستقيما، فيقضي الحياة وهو يُرمم ويُرمم بالخراب الذي أحدثه هذا الأساس بالجدار، وتنقضي الأيام في استنزاف لطاقاته بأعمال مُكررة وغبية تضيع معها الجهود سدى.
كنتُ عكس السائد لدى هؤلاء النساء اللواتي يشعرن بالانكسار واللواتي تشبعنّ بتلك المفاهيم فكان من الصعب عليّ أن أبقى صامتة وساكنة سكون الأموات , راغبة بالحياة لا بالعيش كما تعيش الأخريات وبشتى الوسائل، مُتشبِثة ببقايا أنفاس استطعت أن احافظ عليها وجعلتها تصمد لآخر اللحظات حيث كان من العبث أن استجيب للموت أو أن أكون من الأحياء الأموات في نفس الوقت لكون الصعوبة تكمن في اننا نصطنع الموت ونحن أحياء , ففكّرت أن أخلق عالمي من تحت هذا الرُكام وكان شعوري مختلفا تماما ليكون الفخر من نصيبي بهذه التجربة التي بددتْ لديَّ سنوات القهر لتختفي برمشة عين وبنشوة الخلاص، فعاودتْ أنفاسي شهيقها بعد إقرار انفصالي مما جعل قلبي ينبض بالحياة مجددا لاسترد ذاتي التي كدتُ افقدها، كان شعوري كمن خلع حذاءاً ضيّقا كاد أن يكسر عظام قدمي ويدميها،وكان من الغباء أن أبقيه بحجة إني قد دفعت به ثمنا باهضا وعليّ ان لا اخسر ذلك الثمن، لكون طعم الحرية لا يضاهيها طعم مهما دفعنا بها من أثمان، وثمنها سيكون اقل بكثير من ثمن العبودية الذي يصل احيانا للحياة نفسها، هذا الثمن دفعته غاليا من عمري في علاقة سامة ، وكان من الصعب عليَّ الانفلات منها حيث كنت كمن تغوص في رمال متحركة على مدى سنوات وكلما أحاول النفاذ منها كلما كانت تسحبني للأسفل لاجد قدماي تغوص اكثر في وحل لا قرار له، وفي دوامة لا فرار منها، كنت أخرج من دائرة ضيّقة وادخل لأخرى أضيق منها، وكانت الدوائر تضيق من حولي كلما مرّت الايام، اقطع خيط من خيوط الشبكة, التي التفّت حولي, بجهد جهيد لأسقط بخيوط بدلا من واحد، فمن أصعب العلاقات التي يتبناها مجتمعنا تلك التي تسحبنا للأسفل حين يُسقط الطرف الاخر عيوبه علينا،ليس فقط هذا بل علينا أن ندفع ثمن عيوبهم من جيوبنا، ونتحمل نتاج أخطاء لا ناقة لنا بها ولا جمل وكل ذنبنا إننا نحيا وسط قطيع من الخرفان، لنجد انفسنا شيئاً فشيئاً وقد أصبحنا مرايا تعكس وجوههم القبيحة، وإن نوازن ما بين الامور علينا أن نكذب كما يكذبون وعلينا أن نسرق كما يسرقون، علينا أن نخدع ونراوغ لنسقط شيئا فشيئا في هاوية رذيلتهم ونحن محاصرين ومُجبرين للعيش تحت رحمتهم، وفي نفس الوقت علينا أن لا نتخلى عن انسانيتنا ونُحافظ عليها ما استطعنا اليها من سُبل رغم انعدامها، اعتقد الموازنة ستكون صعبة وخصوصا في مجتمع بائس يُنفّس به الذكور عُقدهم برأس من يحيط بهم من النساء، وفي ظل الانهيار الشامل للمجتمع تكتمل سبحة القهر والحصار فعلينا أن نتجاوز الصعاب داخل البيت وخارجه من دون معين يُذكر.
مع هذا استطعتُ أن اتحرر من قيود الزواج التي كانت تُكبّلني بالرغم من معارضة الجميع وبالرغم من إنعدام الدعم ، حيث وقف البعض أمام قراري مكتوف الأيدي لتصورهم بخطئه ، والبعض كان معارضا له نظرا لما يحملون من تفكير لا يتخطى ابعد من ارنبة انوفهم الضيقة، وعليَّ أن اتحمّل عِضات غبية من هذا وذاك أنا لستُ بحاجة لها وخصوصا عندما تكون نابعة من أناس إستحالة لهم أن يشعروا بمعاناة غيرهم، وأكثر موضوع يُركز عليه هؤلاء هو وجوب التضحية وفناء ما تبقى من العمر لأجل الأبناء والذين بدورهم اطاحوا بحظهم واخفقوا بتربيتهم واعاقوا تفكيرهم، فالابناء الصالحين بنظرهم ينبغي أن يكونوا المطيعين دوما لهم والمتفوقين بدراستهم بمدارس هي بالاصل تهدف لقمع العقل وإماتته من خلال المُدرسين الذين بُرمجوا بدورهم على الاخطاء ومن خلال مناهج افيونية تقتل العقل قبل أن تقوّمه ، الابناء الصالحين بعد أن ينالوا شهادات الريبورتات عليهم أن يبحثوا عن الزواج وخصوصا الفتيات ومن ثم التناسل وهكذا تتتناسخ الأجيال وتدور بنا نفس الدائرة بدوامتها الغبية..
والأم الصالحة هي تلك التي تُفني عمرها من أجل ابنائها وحصروا مهمتها بالإنجاب فقط ، والطبيعي والسائد في مجتمعنا هو أن تتحمل الزوجة وتستمر في العطاء والتضحية من أجل أبنائها فقط، وهذا لعمري من اغبى الأفكار التي سمعتها لكون ضرر الابناء سيكون أفدح فيما لو استمروا في العيش في محيط لا ينم للصحة النفسية بأي حال من الأحوال , فهم مسؤولية وليسوا هم واجهة ومظهر نُكمل به أشكالنا ,هم بحاجة إلى قدوة والام ينبغي عليها أن تكون تلك القدوة التي لا ترضخ ولا تسكت على الخطأ وأن تُدافع بل وتستميت بحقها, ولكون ابنائها مسؤولية وسعادتهم هي أهم من سعادتها فعليها أن تتمسك بفكرة الانفصال لتفصلهم معها وتأخذهم لأجواء تلائم الإنسان السوي، هي فكرة توارثها الناس كما توارثوا بقية أفعالهم والتصقت بعقلهم اللاواعي، عن امهاتنا وجداتنا اللواتي فنينّ اعمارهنَّ تحت أحمال واثقال الأزواج، اقول هنا اللاواعية لكون الوعي ينبغي عليه أن يتجدد ويتحدث دوما، وتتجسد هذه الأفكار من خلال أمثالنا البالية التي استمر في تداولها الناس ، الرجّال رحمة وان كان فحمة، وظل رجل ولا ظل حايط والخ مما تدل على ان المرأة ضعيفة وهي بحاجة لحماية ولسند متمثلان بزوج يسندها ويستر عليها وكأنها عار أتى لهذه الحياة والرجل مُلزم بستره وبحمايته.
افكار مثل هذه تهتز لها السطور وتأبى الكلمات أن تُسطّر نفسها لشدة حماقتها من هؤلاء الذين ينظرون للأمور بمنظار معكوس بعد أن غُرِست بعقولهم تلك الأفكار ، منها صفات لصقوها بالمرأة دون الرجل وهي الصبر وتحمّل الأزواج مهما بلغوا من سوء وعليها ولاجل الابناء أن تُنهي حياتها وتتحمل، وكلما تحمّلت أكثر كلما علا شأنها بنظرهم القاصر عن الرؤيا، يطالبها الجميع بالتضحية من أجل الأبناء ليكملوا حلقة التضييق والخناق عليها بنصائح عكسية لا تمت للإنسانية بصلة، حيث يوّسعوا عليها الهاوية لتكون أكثر عمقا ولتنغرس بها أعمق وأعمق دون أن تكون لها القدرة على مواجهة هذا الكم الهائل من المتخلفين الذين هم بدورهم قد غرقوا في شبرٍ من الماء فيحاولون إغراق غيرهم.
وكذلك المرأة الاصيلة بنظرهم هي تلك التي لا تتحدث بالسوء عن زوجها وأن لا تُظهر عيوبه مهما بلغت تلك العيوب، ولا أدري السبب في أن نعزو هذا الفعل للاصالة؟ فأي مبرر يجعلنا نُخفي العيوب ونكبت معاناتنا سوى إننا شعب يخاف أن تصفعه الحقيقة، شعب يعشق الظلام والتخفي وحجب الحقيقة، يتستر بالأقنعة دوما ليخفي بها حقيقته .
الموضوع الثاني الذي يتكرر على ألسنتهم هو موضوع العمر الذي من خلاله سيُطلِقون على كيانها طلقة الرحمة الاخيرة، موضوع العمر الذي لن يتبقى منه بقية يستوجب معه أي تغيير ، بمعنى علينا أن نبدأ بحفر قبورنا والتكيّف مع السيء وتبديد ما تبقّى من اعمارنا والاستكانة لقدرنا، هذا التبديد بأغلى ما نملكه هو دليلا قاطعا على إننا شعوب بلا حياة، فلكون لم يتبقى من العمر أكثر مما ذهب فهو رأس مالنا الذي تبقّى لدينا وعلينا أن لا نُبدده بقهرٍ لا مُبرر له بعد أن استنزفنا اغلبه وسط محيط موبوء بجهله ،فلا ينبغي علينا أن نستهين بالعمر كل هذه الاستهانة لكونه يزداد سرعة وكلما ازدادت سرعته ازداد نقصه ومع نقصانه يزداد يقيننا باهميته لا بموتنا, وعليه نحتاج لاستغلال كل لحظة به قبل أن ينتهي ويذهب هباء، أما أن نستكين له فهذا يعني الموت بكل معانيه ونحن أحياء، فلا أدري ماهية الربط ما بين العمر وما بين الكرامة والحياة والرغبة بتصحيح المسارات الخاطئة، فهل هو الضعف والهوان واليأس الذي احاطنا من كل جهة بانعدام التغيير ؟أم هو مجتمعنا الذي تعوّد أن لا يكتفي بتضحيات الزوجة مهما بلغت من عطاء بل يطالبها بأن تسفك آخر قطرة من دمائها وهي الممنونة.
لا أعير أهمية لآراء هذا النفر الضال أكيد ولا أبالي بالمؤثرات الخارجية بل هي تزيدني قوة ويتوضح الفارق الكبير فيما بيني وبينهم لكون من يرتقي بوعيه ويتعمق بحقيقة هؤلاء وكيف آلو لأشكال مشوهة يصل لمرحلة من انعدام الشعور بوجودهم، ولكن المصيبة تكمن في تغلغل هذه الأفكار لعقول أناس يحسبون انفسهم مثقفين ومحسوبين على التنويريون والفئات الواعية ويؤمنون بالتقدمية من خلال ترديدهم لشعارات الحرية والمنطق السليم، فلا تعترف هذه الفئة وهم غالبية تغلبت بالعدد حيث لمستُ ببواطن عقولهم وخفاياها جذور الذكورة التي عجزوا في أن يتغلبوا عليها ،فسرعان ما يظهر الصدأ الكامن في أعماقهم ما أن نحرّك الآسن من أفكارهم ونحتك بقشر الطلاء الذي طلوا جلودهم به ونزيل لمعانه الذي احاطوا أنفسهم به، فلا تعترف هذه الفئة بإنهاء أي علاقة كان بها الاختيار خاطئ، فلو أخطأت المرأة عليها أن تُعاقب نفسها وتجلد ذاتها وتتحمل تبعات خطئها ، هؤلاء النفر يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر في بيوتهم ويغضّون أبصارهم عن حقائق كثيرة منها حقيقة الفشل الذي هو بداية لكل نجاح حسب قانون الأضداد بالطبيعة الذي يُظهر لنا عكس ما يفكر به هؤلاء، فلا نجاح بدون فشل ولا فشل بدون نجاح، ولا جمال بدون قبح ولا قبح بدون جمال، ولا خير بدون شر والى آخره من هذه الاضداد التي تُطفي للحياة معنى وجمالاً، فالمنطق السليم يقول بأن علينا تصحيح الخطأ أينما حللنا ومهما تأخرنا عنه فإن نصل متأخرين أفضل من أن لا نصل، كذلك من لا يُخطئ فهو إنسان فاشل لكونه ساكن ولا يعرف التغيير، فالأموات لا يُخطئون لكونهم في سكون أبدي ، ولكون طبيعة الحياة هي التغيير ولا سكون بها، ولكوننا متغيرين دوما فعلينا أن لا نقف حائرين أمام العمر وأن لا نجعله حائلا أمام التغيير. فحين تكون العلاقة مصدر تعاسة لطرف من الاطراف فعليه أن لا يتوانى معها أكثر ويُنهيها فورا دون أن ينظر خلفه ولا للنتائج المرافقة لقراره ،المهم أن يخطو الخطوة الاولى وأن يمتلك الشجاعة ومن ثم تترتب الأمور وفق حياة جديدة يختارها هو،ولكن التهاون للأسف هو ما يحدث لدى عموم الناس الذين يتحججون بالفقر وبوضع البلد المزري وضعوا الاولوية لهذه الامور ليخضع الغالبية لهذه العقبات ولحياةٍ بها مأكلٍ ومشرب فقط ويبقى الوضع على ما هو عليه ولتستمر أنفاسهم تعلو وتهبط لغاية مماتهم. وكذلك من أسوأ ما اكتشفه عقل المغيبين هو عبارة الطلاق "هجمان بيوت" هذه العبارة الساذجة هي بمثابة نكتة سمِجة لكونهم يطلقون على خرابة آيلة للانهيار بأية لحظة مفردة بيت، فعن أي بيوت يتحدثون وهم يغضون بصرهم عن الأساس الهش ليهتموا بشكليات علاقاتهم وليعيشوا مع مشاكلهم برحابة صدر وبغلق أبوابهم عليها ليُكمموا رائحة عفونتهم .
هذه الأخطاء شائعة لدى شريحة واسعة جدا من المتزوجين حيث يستمروا بعلاقة باتت غير انسانية ويبرّروا استمرارهم هذا بحجج غبية وواهية، وخصوصا النساء اللواتي تتسرب منهنّ انسانيتهنّ ويفقدنها شيئا فشيئا بسبب إجبارهنَّ للعيش تحت ظروف غير إنسانية تجعلهنّ عاجزات على أن يتمردنّ عليها، هذه الإنسانية استُثنيت منها النساء لكون الأساس لدينا هو الرجل الذي سلبوه بدوره لانسانيته فبات هذا السلب شيئا طبيعيا عليها ولا يحق لها أن تتمرد على الطبيعي والسائد في المجتمع ، فتمرّد النساء يأتي في آخر المطاف لكونهنّ الجنس الادنى ولا يحق لهنّ أن يتمرّدن على أي شكل من أشكال الظلم طالما يتوفر لهنّ المأكل والمشرب وكأنهن بهائم وعليهنّ التزام الصمت حين توفير العلف لهنَّ. يستمر الأزواج بعلاقة لا إنسانية فتنقلب الأمور لديهم ويكون الاستمرار بهذه العلاقة من ضمن الطبيعي وإن حاولوا تصحيح المسار سيُدينهم الجميع ويعتبروا فعلهم غير سويا لكونهم تعوّدوا على الخراب بعلاقات بُنيت على أساس قانون فاشل تبصم به الزوجة بحق الوصايا عليها من قبل الزوج فلا مفر للمرأة من هذه القوانين التي تُطيح بكرامتها أرضا بعد الزواج، وسيُكمل المجتمع الموبوء بامراضه عليها لتجد نفسها مُحاصرة من قبل الجميع والسبب في هذا هو إننا مهما امتلكنا من الوعي الذي هو سندنا الرئيسي في اختيار ما يناسبنا ستكون هناك عقبات كثيرة تُحيلنا للدمار أقوى من وعينا ذاته،ولكون الإنسان في مجتمعنا قد نشأ على الكذب والمراوغة ونسبة عالية من ازدواج الشخصية التي ارتفعت بين أوساط الذكور أكثر مما هي عليه لدى النساء لهذا نجد النساء تتحمل العبء الأكبر وتعاني أكثر. اوجه كلامي للنساء الحائرات وهنالك الكثيرات منهنّ وممن يحلمنّ بالخلاص من ازواجهنّ ولكنهنّ لا يمتلكنّ شجاعة الاقدام ويقفنّ حائرات أمام نظرة المجتمع وأمام قلة حيلتهنّ المُتعددة الأسباب، أقدم لهن خلاصة فكر وتجربة لم تأتي من فراغ وعسى أن تُغنيهنّ من ضياع أعمارهن، واقول مهما كانت الصعوبات أنتِ قادرة على تجاوزها بالقليل من الشجاعة والحكمة قبل أن تكتمل سبحة تشويهك في مجتمع يشوه النفسيات وينتزع من الإنسان، والمرأة خاصة، اسمى صفاتها، فلا تبالي لنظرة مجتمع مثل هذا واهلا بالوحدة التي يُكمن بها خلاصكِ من تنغيصات زوج لا يمتلك سوى قوانين ذكورية فارغة إن سحبتيها منه سرعان ما يتأدب لكون قوته وعنجهيته نابعة من تلك القوانين، فتجرعي مر الدواء لأجل ان تنالي الشفاء ، واهلا بالعوز المادي لو حفظ كرامتكِ كإنسان مكتمل فتدبر الأمر سواء كان ماديا أو معنويا يتطلب حياة صافية وخالية من المنغصات التي تعيشينها ,فلا شيء يعوّض الكرامة عندما تُمس وخصوصا لو كان من يمسها شخصا أدنى فكريا وعقلياً من الممسوس به، فهذا هو الكفر بعينه في مجتمع يتفاخر بكونه بعيداً عن الكفر، بل ويعتقد بأنه الأسمى من بقية الشعوب "كما توهم الذكر بأنه الأسمى" فكانت الغُلبة بهذه المجتمعات لجنس الذكور دوما معتقدة بأن الذكر هو دوما على حق ، في الوقت الذي ينبغي به أن تكون الغُلبة لعقل ولوعي الإنسان فقط، دون إعطاء الاولوية للجنس او للمعتقد أو غيرها من الفروقات الغير مرئية أمام الانسانية. فما أجمل أن يمتلك الإنسان مبدأ معين ويُدافع عنه حتى لو كان مختلفا عن بقية التصورات, وما أقبح الإنسان المستسلم عندما يعيش على هامش الحياة باختياره .
الموضوع شائك ومعقد وطويل لكونه مرتبط بسيكولوجية الإنسان و بمظلومية النساء ويستحق أن أكتب به كتابا كاملا ولكنني اوجزتُ به قدر المستطاع .