قراءة في كتاب بواكير النهضة النسوية في العراق



نصير الحسيني
2022 / 2 / 20

يبحر قارب أحمد الناجي هذه المرة باتجاه بواكير النهضة النسوية في العراق في منجزه الصادر عن منشورات اتحاد ادباء وكتاب العراق لعام 2022م، حيث استهل منجزه بالإهداء إلى أمه حيث يقول: إلى: الإنسانة التي ما زلت أقارع الأسى لفقدها، وتبقى مهما طالت الأيام بي، حاضرة إلى جانبي، ولا سيما حين نسجت صفحات هذا الكتاب. إلى أمي تحية وفاء... وعرفاناً جميلاً.
وكأنه يهديها بعد أمهِ إلى كل الأمهات عرفاناً بدور المرأة التي تهب حياتها من أجل ابنائها، وتبقى جذراً تغذي الأبن حتى بعد الممات. وهنا يشير إلى أنها رمز القوة والسلطان في المخيال الفردي والجمعي الغير معلنة سوى بسلطة الأب وتمثيلاته في الحب والاحتواء.
أسس الكتاب على مقدمة وثمانية فصول وخاتمة. تناول الناجي في الفصل الأول المرأة في فكر رواد النهضة العربية وأوائل مناصريها وما تعانيه المرأة من تعسف واضطهاد وصولاً إلى خطى رجال التنوير في مسيرتهم؛ لمناصرة قضية المرأة في المحرمات والاختلاط والحجاب والطلاق والعمل والتعليم، وسواها من الأمور التي قيدت المرأة في المجتمع. وتطرق الناجي إلى آراء قاسم أمين (محرر المرأة) الذي يصفه بأول مثقف مسلم يفتح طريقاً أحادي الاتجاه نحو الغرب ص28. ويعرج الباحث نحو ردود أفعال الناس العامة.
أما في الفصل الثاني فيسير نحو مكانة المرأة العراقية في العهد العثماني التي ابتدأت من مصر بتوجيهات أعلام اليقظة من المصريين والشاميين منذ أواخر القرن التاسع عشر عبر كل من مجلات: الهلال، والضياء، والمقطم، والمؤيد، وكيف كانت المرأة عورة في نظر المجتمع ولا يسمح لها بالخروج سوى مرتين في الوجود، مرة عند زفافها، ومرة عند مماتها ص45. ويطالها الغبن حتى في مماتها، إذ كان لا يقام لها مجلس فاتحة مثلما يقام للرجل، فضلاً عن التفافها بالسواد لأخفائها عن الناظرين ص50.
واستمر المرأة تعيش تحت وطأة تقاليد باليه وقيود غير إنسانية مرهقة، وفي غاية التخلف وبعيدة عن الثقافة طيلة عقود من الزمن، ويذكر الباحث من الحوادث الطريفة عندما قرر والي بغداد نامق باشا إقامة مدرسة للبنات عام 1899م، ووافق عليها رجال الدين لكنهم اختلفوا على مواصفات البناية ص51.
وينعطف الناجي في الفصل الثالث على المرأة العراقية في عهدي الاحتلال والانتداب البريطاني منذ احتلال بريطانيا العراق، وتدهور الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي انعكست على تدني مكانة المرأة. ثم أن نشاط المرأة بدأ بالظهور منذ عام 1921م بشكل متصاعد بأول مقال للرائدة الصحفية مريم خرمة بتاريخ 29 ايار في مجلة دار السلام، وتذكر في المقال قول نابليون (إذا اردتم أن تعرفوا رقي أمة فأنظروا إلى نسائها) ص103.
ويتطرق الباحث إلى سلسلة من المهرجانات والاحتفالات والمقالات ومنها احتفال سوق عكاظ وسواه من الاشارات إلى تطور في دور المرأة العراقية. ويقف الباحث في الفصل الرابع عند جدلية السفور والحجاب واشكالياته المتعددة، والتي ما زالت لغاية يومنا هذا تشكل موضع جدل قائم، وكيف كانت تمارس من قبل النساء في العصور القديمة، وتاريخ ظهوره في الغرب قبل الشرق، ويتناول افكار وطروحات قاسم أمين والدكتور علي الوردي والزهاوي والرصافي وسواهم من ذكر لأبيات قصيدة كتبها نصير المرأة وفخر العراق الشاعر الزهاوي تحت عنوان (تباشير الانقلاب) والتي القاها عام 1932م ومنها نقتطف: ص186.
من بعد ما أنتظرت حقابا ثارت فمزقت الحجابا
ثم يعرج الناجي في الفصل الخامس على نهوض المرأة العراقية في عقد الثلاثينيات ودور النخب الواعية وحرص المرأة على الحضور والتواجد والتنسيق في معظم المؤتمرات النسوية العربية، وتعدى ذلك للمشاركة في المؤتمرات العالمية مثل المؤتمر النسائي العالمي من اجل السلم المنعقد في باريس 28 ايلول – 1 تشرين الاول 1947 برعاية عقيلة رئيس الوزراء الفرنسي. وكذلك المشاركة في الاتحاد النسائي العربي في بيروت عام 1950م ثم في بغداد عام 1952م.
وبعدها يتطرق إلى الجمعيات النسوية التي بدأت تتأسس منذ مطلع الثلاثينيات مثل جمعية حماية الاطفال 1928م، ونادي المعلمات عام 1932م، وجمعية الهلال الأحمر عام 1932م، وجمعية بيوت الأمة عام 1938م، وجمعية مكافحة العلل الاجتماعية عام 1937م، وجمعية البيت العربي عام 1948م، وجمعية أخوات الرفق بالفقير عام 1948م، وجمعية الأخت المسلمة عام 1950م. ثم يميل الناجي نحو الصحافة النسوية واسهامها منذ مطلع العشرينيات وبداية المقالات التي كانت تظهر تحت شتى العناوين وبأسماء مستعارة، مثل فتاة غسان الامعة وبنت الحجاب وإلى غير ذلك.
ويعرج الناجي إلى المرأة العراقية بعد الحرب العالمية الثانية في فصله السادس وتداعيات الحرب وتركاتها وتأثيراتها على المرأة وانتقالها من الفئة النخبوية إلى الفئات العامة وبالتحديد الكادحة، وظهور جمعيات عدة تنادي برفع مستوى التوجه اليساري الذي تبنى قضية المرأة وتثقيفها مستغلى الوضع العالمي وصولاً إلى تأسيس الاتحاد النسائي العراقي. الذي جرى اجتماعه التأسيس سنة 1945م في النادي الأولمبي في الاعظمية وبحضور كافة ممثلات الجمعيات النسوية وانتخبت السيدة آسيا توفيق أول رئيسة له.
ويتجول الناجي في نشاطات الاتحاد واصداراته وإلى غير ذلك وصولاً إلى دور المرأة العراقية في وثبة كانون 1948 مروراً بالوعود في اطلاق الحريات العامة.
ويبحر الباحث في الفصل السابع إلى نضال المرأة العراقية في عقد الخمسينيات بعد أن عانت الحركة الوطنية أواخر الأربعينيات بين مد وجزر إلى تأسيس رابطة الدفاع عن حقوق المرأة، أو رابطة المرأة العراقية، التي ضمت في عضويتها كل من: نزيهة الدليمي، ثمينة ناجي يوسف، بشرى عبد الجليل برتو، مادلين مائير، زكية شاكر الحسيني، ناهدة العبايجي، وعلى ضوء التطورات الجارية في البلاد لم تستسلم الهيئة المؤسسة للإجراءات الحكومية المتعسفة، بل استمرت في مواصلة النشاط النسوي، وانعقاد أول اجتماع موسع وسري للنساء العراقيات في بغداد بتاريخ 10 آذار 1952 في بيت سلوى اسماعيل صفوت، في جانب الرصافة في منطقة العيواضية، وضم العديد من النساء، وصولاً إلى تأسيس الجمعية التي حددت اهدافها بالآتي:
1- النضال من اجل السلم والتحرر الوطني والديمقراطية والسلام
2- العمل من اجل حقوق المرأة ومساواتها.
3- العمل من اجل حماية الطفولة وسعادتها.
ويتطرق الناجي في كتابه إلى تأسس الرابطة واجتماعاتها السرية ودور الطبيبة النسائية نزيهة الدليمي في نشاطها في عيادتها في حي الشواكة من جانب الكرخ. وكذلك إلى برنامج الرابطة الذي كان برعاية الاتحاد النسائي المدعوم من الدولة، بما في ذلك الجمعيات الخيرية الأربعة المجازة، المنضوية في اطاره التنظيمي، وهي حماية الاطفال والهلال الاحمر، وبيوت الأمة والرعاية الاجتماعية، وإلى غير ذلك من اقتران النشاط السري والعلني. ومن خلال ذلك يمر على مختلف انواع النشاطات وصولاً إلى الكونفرنس الأول للرابطة سنة 1954م.
ويرسي قارب الناجي في الفصل الثامن على تطورات حقوق المرأة السياسية وتطور اسهاماتها الوطنية المتصاعدة خلال عقد الخمسينيات، ابتداءً من أول صحيفة بهذا الشأن التي اطلقتها الصحفية بولينا حسون متزامنة مع انعقاد الاجتماع التأسيس الأول وما تلاه من مقالات نشرت في مجلة (ليلى) وإلى غير ذلك من إضاءات حول حقوق وحريات المرأة في مواجهة اشكالٍ شتى من التحديات التي ما زالت تعاني منها المرأة في طريقها المليء بالمطبات والاشكاليات المتعددة في الشخصية العراقية. وصولاً إلى سعي الاتحاد النسائي بمطالبته بحقوق المرأة في مذكرته في شباط 1958 وجاء في نصها: "إن الاتحاد النسائي العراقي يطالب بمنح المرأة العراقية حق ممارسة حقوقها كناخبة ومنتخبة..". ويختتم الناجي دراسته بالقول أن المرأة العراقية من خلال ما تقدم استطاعت أن تحقق تقدماً ملحوظاً في منحى نيل حقوقها المدنية والسياسية بالتزامن مع ثورة 14 تموز 1958.
ونهل الباحث من عدد غير قليل من المصادر والمراجع تجاوزت المائة داعماً لدراسته التي بدت رصينة ومتزنة غير أنها ميالة إلى جانب اليسار... ومن الجدير بالذكر أن الباحث أحمد الناجي من مواليد الحلة 1955م وعضو اتحاد ادباء وكتاب العراق وعضو اتحاد المؤرخين العرب، ونشر العديد من البحوث والدراسات، واصدر نحو عشرة من الكتب تناولت شتى انواع المواضيع الجادة التي تستوجب الدراسة والبحث والتأويل.