(ادم عصري وحواء وراء حجاب)



نساء الانتفاضة
2022 / 3 / 6

تلك كانت كلمات عنوان الفصل الأول من رواية صغيرة اسمها "حوراء" للروائي الكبير ذو النون أيوب، كتبها في ثلاثينات القرن العشرين، يصف فيها الواقع البغدادي، والحياة الاجتماعية، تدور احداثها حول الشاب "سامي" العائد من باريس، بعد اكماله لدراسة الطب، والذي يتعرف على "حوراء"، في بيت "ام جني"، الذي كان بمثابة صالون ثقافي، يجتمع فيه عددا من المثقفين على مختلف مشاربهم، يتناقشون في كل القضايا الحياتية.

"حوراء" شخصية جريئة جدا، تؤمن بالمساواة المطلقة بين المرأة والرجل، تذهب لبيت سامي بنفسها، لأنها اعجبت به، فتطرق عليه الباب، ليفاجئ بقدومها فيقول لها: "انا لا استغرب ولا استنكر، لكنك يا حبيبتي قفزت قفزة رائعة في مشروح حرية المرأة"، فهي التي بادرت بالمجيء اليه.

قضية مساواة المرأة في العراق تمثل هاجسا كبيرا، وذو النون أيوب ادلى بدلوه في هذه القضية، فهو ليس بعيدا عما كان يدور من نقاشات وسجالات بين الأوساط الثقافية وحتى السياسية، فيذكر القاص والمؤرخ خيري العمري في كتابه "حكايات سياسية من تاريخ العراق الحديث" كيف بدأت "معركة السفور في العراق"، منذ أيام الدولة العثمانية، الى أيام الرصافي الذي هاجم المحافظين والمتعصبين في قصيدة له قائلا: لقد غمطوا حق النساء فشددوا عليهن الا خرجت بغطاء.

الى "بولينا حسون" التي اصدرت مجلة خاصة بالمرأة أسمتها "ليلى"، وقد كانت لسان حال المرأة وكانت كانت تدعو الى النهضة النسوية؛ الى مجموعة الشباب الذين درسوا في أوروبا أمثال "محمود احمد السيد، سامي شوكه، عوني بكر صدقي، سليم فتاح، حسين الرحال مصطفى علي"، والذين اثاروا نقاشا وجدلا كبيرا داخل المجتمع حول قضية المرأة في العراق، خصوصا رائد الفكر الماركسي آنذاك "حسين الرحال" الذي كان يقول: "الحجاب عادة دور الاقطاعيات وعادة الطبقة الارستقراطية في الدور المذكور والنساء المتحجبات عندنا منسوبات الى اسر من انقاض الدور الاقطاعي والمتشبهات بهن، اما بنات الشعب الصميمات فلسن بمتحجبات ولا يمكن ان يتحجبن.. ان الحرم والحجاب ليس لهما وجود في طبقة الشعب وسيزولان عندما تسود طبقة الشعب وتكون هي الحاكمة كما جرى في تركيا ومصر".

اما "سامي شوكه فقد تهكم على المحافظين بالقول "ان المطالبين في بقاء تستر المرأة وأسرها يكون طلبهم منطقيا ازيد ومعقلا أكثر إذا ما طلبوا الغاء التعليم ورفع التهذيب والبقاء على الحالة الهمجية".
وتستمر المعركة في كل المحافل الاجتماعية، حتى تأسيس "نادي النهضة النسائية" 1924، برئاسة السيدة "أسماء الزهاوي"، ونعيمة السعيد نائبة ومجموعة رائعة من النسوة "ماري عبد المسيح، فخرية العسكري" اللواتي قدن حركة نسوية لرفع مستوى الوعي للمرأة في العراق.

ان النضال النسوي في المجتمع لم يتوقف لحظة واحدة، رغم القوى اليمينية والمحافظة والرجعية التي حكمت البلد، وليس اخرها قوى "الإسلام السياسي" الذكورية الرجعية، والتي هي اليوم في اوج هجمتها على المرأة، فهي تعمل جاهدة وبكل قوة على سلب كل حقوقها ومكتسباتها.

ان رواية ذو النون أيوب "حوراء" تتحدث عن واقع العراق في منتصف العقد الثالث من القرن العشرين، وعندما تقرأ الرواية تصاب بالدهشة من حالة التمدن والتحضر في المجتمع في ذلك الوقت، وان هذا المجتمع يطمح بشكل قوي وفعلي لأن يكون في مصاف المجتمعات المتحضرة، ولا يريد ان يكون في حالة همجية؛ ان ذو النون ايوب يصف بطلته "حوراء" وعلى لسان "ام جني" بالقول: "هي قوية جدا في الجدال. لو رأيتها وهي تقذف عباراتها بشدة وحماس حينما يدور الموضوع حول المرأة وتحريرها والمطالبة بحقوقها. لو رأيت وجهها المحمر وعينيها العابستين وهي تقدم الحجة والكل سكوت كأن على رؤوسهم الطير".

طارق فتحي