هل تحتاج النساء حقاً -للكوتة-؟



نها النجدي
2022 / 3 / 8

لا يستطيع أحد أن ينكر أن الفتيات والنساء في عصرنا هذا قد حصلن على الحق في التعليم في البلاد العربية، ونرى الآن العديد من خريجات أرقى الجامعات وحتى الحاصلات على درجات الماجيستير والدكتوراة والأستاذات بتلك الجامعات. وقد اقتحمت المرأة بخطى ثابتة مجال البحث العلمي وأصبحت الكثير منهن باحثات وعالمات وحتى رئيسات للمجموعات والمراكز البحثية. وبالرغم من أن نسبة النساء المشتغلات بالبحث العلمي مازالت أقل من تلك النسبة للرجال، إلا انها وصلت لمعدلات ليست سيئة أبدا، فنسبة النساء الباحثات عالميا تقدر بحوالي 30% وتمثل النساء الباحثات في البلاد العربية نسبة أفضل وهي 39.8%. ولكن إذا ما نظرنا للكيف وليس الكم فإن تلك النسب سوف تتغير تماماً، وأعني هنا بالكيف هو مدى جودة تلك الأبحاث وقوتها العلمية وتأثيرها على المجتمع والبشرية.
هناك عدة طرق لقياس مدى تأثير البحث العلمي والشخص العالم في المجتمع منها ال h-index وعدد الإشارات للبحث وغيرها، ولكن للتسهيل على القارئ سوف نأخذ جائزة نوبل على سبيل المثال، وهي مقياس جيد -ومفهوم بالنسبة للقارئ- لقياس مدى تأثير الإنتاج العلمي والمسيرة العلمية لأي عالم، حيث إنها أرفع جائزة علمية في العالم وأكثرها شهرة حتى الآن.
إذا ما تتبعنا الإحصائيات سنجد أن جائزة نوبل تم منحها للنساء 58 مرة فقط على مدار عمر الجائزة وهذا يُمثل حوالي 6 ٪ فقط من إجمالي 609 جائزة مُنحت منذ عام 1901 حتى عام 2021 (609 جائزة ولكن منحت لعدد 975 شخصاً حيث تمنح العديد من الجوائز في السنة الواحدة بالمناصفة مع اثنان أو ثلاثة آخرين). وإذا ما أخذنا في الاعتبار عدد المرات التي منحت فيها المرأة الجائزة مناصفة أو بالمشاركة مع بعض الرجال، تصبح نسبة السيدات اللاتي حصلن على الجائزة فقط 2.8٪ من مجموع الحاصلين على الجائزة في كل المجالات. أما إذا نظرنا لعدد النساء الحاصلات على جائزة نوبل في العلوم الطبيعية نجد أن الفجوة أكبر، فمن مجموع عدد 975 شخص تم منحهم جائزة نوبل في الكيمياء والطب والفيزياء يوجد 23 سيدة فقط، أي بنسبة 2.3%. والنسبة تصبح صفر% إذا ما حاولنا حساب عدد الحاصلات على الجوائز في العلوم الطبيعية من السيدات في البلاد العربية، حيث انه على مدار عمر الجائزة لم تمنح مرة واحدة في الكيمياء، أو الطب أو الفيزياء لسيدة عربية!
أما بالنسبة للكيمياء بشكل خاص، إذا ما نظرنا لعدد النساء اللاتي حصلن على جائزة نوبل في الكيمياء بالمقارنة لعدد الرجال منذ عام 1901 حتى عام 2021، نرى بوضوح الفرق الشاسع في العدد حيث حصلت سبع سيدات فقط على تلك الجائزة في مقابل 179 رجلاً على مدار عمر الجائزة، وهن:
1911 ماري كوري، منحت جائزة نوبل "تقديراً لخدماتها للنهوض بالكيمياء من خلال اكتشاف عناصر الراديوم والبولونيوم، من خلال عزل الراديوم ودراسة طبيعة ومركبات هذا العنصر الرائع."
1935 أيرين كوري، منحت جائزة نوبل بالاشتراك مع زوجها فريديريك جوليو "تقديراً لتوليفها عناصر مشعة جديدة".
1964 دوروثي كروفوت هودجكين، لتحديدها بتقنيات الأشعة السينية لهياكل المواد الكيميائية الحيوية المهمة.
2009 أدا يوناث بالاشتراك مع فينكترامان راماكريشنا و توماس زايتس، لدراسة بنية الريبوسوم ووظيفته".
2018 فرانسيس أرنولد، لتطوير الإنزيمات.
2020 جينيفر دودنا، لتطوير طريقة لتحرير الجينوم.
2020 إيمانويلا شاربنتير، لتطوير طريقة لتحرير الجينوم.
أما على مستوى الجائزة في باقي المجالات فيوجد سيدتين فقط من المنطقة العربية حصلن عليها مؤخرا وهن "ناديه مراد" من العراق، و"توكل كرمان" من اليمن وكلاهما حصلن على جائزة نوبل للسلام.
وهذا الفارق الكبير أو الفجوة الجنسية Gender gap في الإنتاج والتأثير العلمي للنساء هو ما جعل المؤسسات العلمية كلها تشجع على تخصيص جوائز علمية للنساء فقط لا يتنافس فيها معهن الرجال.
وبالرغم من رفضي على صعيد شخصي بتخصيص أي "كوتة" للنساء ("كوتة" كلمة بالمصرية تعني نسبة مخصصة، وتكون عادة مخصصة للأقليات أو لذوي الاحتياجات الخاصة) لإن هذا يجعلهن يظهرن وكأنهن أقلية بالرغم من أنهن يمثلن نصف البشر، فكيف لنصف تعداد البشر أن يعاملن معاملة الأقليات! كما أن الكوتة أيضاً تظهر النساء بمظهر ذوي الاحتياجات الخاصة، أو أنهن لسن على نفس قدر القدرة العقلية للرجال ويحتجن لأن ينافسن بعضهن البعض فقط دون أن يكون هناك رجال وإلا أطاحوا بهن من الجوائز العلمية! وهذا في رأيي ليس مقبولاً في وقتنا هذا وبه تقليل من شأن المرأة في العلم. إلا أن المجتمع العلمي أعتبر النساء أقلية في مجال العلوم حيث إن نسبة النساء الذين يعملن في البحث العلمي عالميا كما أوردنا سابقاً لا تتعدى 30%. وقد يكون هذا تعويض من المجتمع العلمي للمرأة التي تم منعها وحجبها من التعليم لزمن طويل في معظم بلاد العالم، فإذا نظرنا للموضوع من هذا الجانب فيمكن تفهم لماذا تعطى المرأة كوتة في الكثير من المنح والجوائز العلمية وحتى المناصب السياسية. وباعتبار النساء الدارسات والعاملات في مجالات العلوم الأساسية أقلية، فقد تم تخصيص عدة جوائز ومنح لتشجيع النساء وعدم منافسة الرجال لهم في تلك الجوائز، ومنها العديد من الجوائز المخصصة لسيدات في العالم النامي مثل جائزة مؤسسة "إلسفير" للعالمات من النساء في سن مبكرة في العالم النامي، و جوائز "لوريال-اليونسكو" للنساء في العلوم، ومنحة "أميليا إرهارت" والتي تمنح الزمالة إلى 30 امرأة موهوبة وتتابع درجة الدكتوراه في العلوم المتعلقة بالفضاء أو الهندسة المتعلقة بالهندسة الفضائية في جميع أنحاء العالم، وجائزة الجمعية الكيميائية الأمريكية ACS، وجوائز المرأة التشجيعية والتقديرية بمصر، وجائزة المراعي للإبداع العلمي بالمملكة العربية السعودية، وغيرهم الكثير من الجوائز والمنح.
لا أعتقد أن السبب في تأخر المرأة علمياً اليوم يتمثل في عدم توافر الفرص لهن من قبل المؤسسات العلمية، على الأقل المؤسسات العلمية الغربية، فلا يُمنع النساء من منافسة الرجال في أي منصب علمي أو جائزة أو منحة في أي هيئة علمية بالعالم، بل إن في أي جامعة أو مؤسسة علمية غربية هناك دائما أولوية في القبول للأقليات، ومن ضمن الأقليات يعتبرن النساء خاصة في المجالات العلمية التي تندر النساء فيها مثل الهندسة وتكنولوجيا المعلومات والفلك والرياضيات. وهذا يعتبر تحيز إيجابي. وهذا ما يشجع بل ويفرض علينا أن ننقل قضية المرأة اليوم لمستوى آخر وهو قضية الكيف وليس الكم، فقد أصبحت قضايا المساواة للنساء اليوم في الوطن العربي في رأيي تتعدى فقط المساواة الكمية إلى المسواة الكيفية، وأصبح من الواجب على تلك السيدات ان يقمن بالمساهمة الفكرية في المجتمع العلمي بنفس الكيف الذي يقوم به أقرانهن من الرجال كجودة وتأثير للإنتاج العلمي والفكري على المجتمع وليس فقط ككم خريجات الكليات العلمية أو ككم مشتغلات بالبحث العلمي وكعدد أبحاث منشورة. يجب أن يصلن النساء للمسواة على المستوى الفكري والعلمي بشكل حقيقي بدون اللجوء إلى الكوتة لتجميل الصورة، بل باللجوء إلى أصل المشاكل الحقيقية التي تواجهها النساء في العلم وحلها من جذورها.
المراجع:
“Nobel Prize Facts.” NobelPrize.org. Accessed March 2, 2022. https://www.nobelprize.org/prizes/facts/nobel-prize-facts/
UIS database, Fact Sheet No. 51 June 2018 FS/2018/SCI/51, http://uis.unesco.org