المرأة الاردنية وامكانية الانبعاث من الهامش



صالح أبو طويلة
2022 / 3 / 8

تبدو المؤشرات المرتبطة بالمرأة الاردنية في أدنى مستوياتها عالميا وعربيا خصوصا في المجال الاقتصادي، حيث بلغت نسبة النساء النشيطات اقتصاديا 14.5%، وارتفعت نسب البطالة لتصل الى ما يقارب 30% بين فئات النساء عامة، ولتزيد عن 60% بين فئة الشابات منذ بدء جائحة كورونا، وتنخفض نسب الملكيات العقارية والمالية والمشاركة الاقتصادية لدى النساء الى أدنى حدودها، كما تعيش النساء العاملات في القطاعات الزراعية والصناعية والحرفية أحوالا سيئة للغاية، أما في المجال السياسي فإن المرأة تشارك من خلال الكوتا بنسب مقبولة؛ غير أنها لا تتمكن من إحداث التغيير المنشود، ولا تحظى بالدعم المجتمعي الكافي.
إذن نحن أمام حالة متردية مهما حاولت الحالة الإعلامية تجميل هذا الواقع، وتضع الحكومات مقاربات لتمكين المرأة سياسيا واقتصاديا، في المجال السياسي تقترح رفع نسب مشاركة النساء في الاحزاب والمجالس المحلية والبرلمان، وفي المجال الاقتصادي وحيث أن النساء لا يحزن على رؤوس أموال كافية لاستثمارها، وغالبيتهن يعشن ظروف التعطل والفقر والهشاشة، فيتم توجيههن نحو العمل المنزلي أو المشاريع الصغيرة والمبادرات الخفيفة كالخياطة والحرف والزراعة المنزلية وغير ذلك، وهذه المبادرات الى جانب انها لا تغطي الا نسبة ضئيلة جدا من النساء؛ فإنها لا تحقق الاستدامة ولا تحل مشكلة العوز، وتبقى النساء في وضعية التبعية والدونية، وتعمل على اقصائهن عن المشاركة الحقيقة الفاعلة في المجالين الاقتصادي والسياسي.
إن أبرز التحديات التي تواجه المرأة الأردنية في ظل هيمنة النظام الابوي الذكوري هي تحديد نطاق حركتها في المجال العام، وتقنين أنشطتها واستغلالها وتزييف وعيها وتأبيد تبعيتها، وتلعب القوى السياسية الرجعية والتيارات الفكرية العقائدية والسلطات القديمة دورا كبيرا في تحجيم المرأة وتهميشها واقصائها عن المجال العام، ومن هنا فإن تحرير المرأة من تلك المعوقات يحتاج الى تقديم مقاربات سهلة التطبيق، تدفع المرأة الى الانخراط في المجال العام وإنشاء التنظيمات المؤسسية الاجتماعية التي تدعمها وتمكنها وتخفف من معاناتها.
في هذا السياق هناك خطان متوازيان لكنهما متناقضان، الخط الاول هو التشكيلات التي تتيحها السلطة، وهي تشكيلات تعاني من التعقيدات التشريعية، ويتم خنقها وابتزازها وتوريطها بالقروض والمنح والمساعدات، كما يتم اجبارها على تبني نماذج اجتماعية وثقافية وسياسية معينة قد لا تتلاءم مع واقع واحتياجات النساء، والخط الثاني هو التشكيلات الشعبية خارج اطار السلطة الرسمية؛ سواء في الواقع الحقيقي أو الافتراضي، وهي تشكيلات قد تتعرض ايضا الى التضييق كما تحتاج لبنيات مؤسسية تحمل خبراتها المالية والادارية والفنية وهذه البنيات تتيحها السلطة وفق شروطها، لكنها في آخر المطاف تشكيلات سهلة التشكيل والتطبيق وذات نتائج ايجابية، ومن ايجابيات المقاربة الثانية أنها تنهض من الواقع وتحدد احتياجاتها واولوياتها بشكل مستقل وبدون الالتزام بنموذج معين، كما أن تؤسس لنقاش عام يثري الأفكار حول واقع النساء محليا، وينقر باستمرار على البناء الاجتماعي والثقافي المهيمن.
يمكن للنساء من خلال تطبيقات وبرامج الميديا الجديدة، البدء بإنشاء مجموعات محلية على الفضاء الرقمي، تنشأ على هذه المجموعات فضاءات عامة تناقش قضايا النساء وحقوقهن، وتحدد اولوياتهن واحتياجاتهن، وتسهم في ايجاد مجموعات شبه منظمة، وبذلك يتم اثراء الجانب الثقافي لدى النساء والجانب العملي في التأسيس لتيارات اجتماعية قادرة على تقديم خطاب نسوي محلي ووطني يحمل في أحشائه بوادر التغيير.