نَسَوي أم نِسْوَنْجي؟*



سهير فوزات
2022 / 3 / 9

الوجه الخفي الحديث للذكوريّة الذي يعتبر لشدة تنكّره وكأنه مناصرة للمرأة: موقف التعاطف معها وتخصيصها برعاية استثنائية تبدأ بجمعها في خانة واحدة مع الأطفال والشيوخ وتمر بتخصيص رصيد نقاط إضافي لها لمجرد كونها أنثى وتصل حد تأليهها.
أسميه وجها حديثا دون ألغي جذوره التاريخية التي يستشهد بها من حين لحين بمقولات تراثية وبتاريخ الآلهة الأنثى وعصر الأمومة و(رفقا بالقراقير) وحبا بالفرافير وغيرها من المقولات المعلبة الجاهزة للاستخدام السريع بلا صحن ولا ملعقة. رؤية القرن الماضي التي مازالت سارية المفعول وستبقى إن لم نشر إليها ونفككها.
هذا الدور الذي انطلى حتى على المرأة نفسها وراحت تمجّده وتنتشي به: موقف رجل ينذر حياته من أجل النساء وحقوقهن وبالمقابل يفصّل "من جلودهن عباءة ويبني أهراما من الحلمات"
الرجل العاشق/ العابد/ الشاعر الذي يرى في المرأة (مفعولا)، موضوع إلهام ووحي وجمال وغزل وتعاطف.
هل من السهل التمييز في هذا الوسط المختلج من الأفكار الحديثة والقديمة أو الصارمة والمتساهلة، بين الرجل المتوازن الند رفيق الدرب والرجل الذي -عن أنانية أم أم عن انصياع هرموني أم عن نبل ساذج أم عن معرفة وقصد- مازال يتخبّط في موروثه الثقافي الذكوري؟
-رجل يحب النساء بالجملة، يحرص على مشاعرهنّ، يعاملهن ك(شعب) ويحاول فهمهنّ ك(كتلة) لها سمات عامة وميّزات وسلبيات وسلوكيات يختبرها تحت المجهر.
رجل يرى المرأة متفوقة لمجرد أنها أنثى، خالقة الحياة، مكمن الجمال والإثارة، ملهمة لمجرد وجودها، دون أن تفعل شيئا مميزا، في رأيه-أو لاوعيه هي أصلا هي لم تخلق لتبدع بل لتُلهِم كتلك الأغنية السخيفة التي تربى ورقص عليها جيلنا "شفافك ما خلقت لتحكي شفافك خلقت لتنباس"
رجل مبدع يرى أمه عظيمة لمجرد أنها أنجبته، وزوجته عظيمة لأنها وراءه ويؤكد على عظمة عطائها –وراءه- دون أن يفكر للحظة بأن إبداعه كان على حساب وقتها وإبداعها ربما لأنه أصلا اختارها امرأة عادية، ديكور تكميلي لحياته الإبداعية الثمينة (هنا أتكلم عن التقديس لا عن التقدير، عن التعظيم لا عن الامتنان)
رجل يقول إنه يعشق المرأة المفكرة وصاحبة الشخصية القوية والمستقلة ولا يترك فرصة لمديحها وحين يريد الزواج -ومنح اسمه- يتزوج المطيعة التقليدية التي تناسب ذوق أمه وبيئته.
رجل يناقش زوجته ويأخذ برأيها بحنان أبوي مُرَبّتًا على كتفها (أو على شيء آخر) وكأن حرية التعبير عندها إنجازه الشخصي، وفي وقت التنفيذ يرى الأخذ بوجهة نظرها انتقاصا لرجولته أو مخاطرة عليه تجنبها.
رجل يعطي نساءه (زوجة، ابنة، أخت، أم، حبيبة) الحرية المطلقة وينتظر منهن الوفاء لعطائه بالالتزام بمخططه العبقري لحياتهن وسلوكهن أو ينتظر لحظة الهفوة ليثبت نقصهنّ.
رجل يرى أن المرأة العاملة جوهرة ثمينة يقدر لها عدم تأثير عملها على واجباتها المنزلية التي هي -بلا نقاش- جزء ملتصق بتصميمها البيولوجي مثلها مثل الحمل والإنجاب.
رجل يدعم خيارات زميلته في العمل ويبدي تشجيعه لها وحماسه وحين تبدأ في التقدم والإنجاز يقلق ويكرس نفسه لوضع العصي في الدواليب سرا.
هذه الحالات وكثير غيرها على الرجل أن يتساءل حولها إن كان صادقا مع نفسه ليعرف هل هو حقا نسوي ومناصر للنساء أم مجرد نسونجي بقناع حضاري يناسب موضة العصر؟
قد تبدو الأسئلة قاسية على الرجل، خاصة أننا في عصر تضيق فيه الخيارات لدرجة أن الحرية تصبح مجرد كلمة نتغنى بها دون أن نتمكن من ممارستها ضمن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحلية والعالمية التي نعيشها لكنها الطريقة الوحيدة للتفاهم والعبور بين حالتين ليستا نهائيتين وتعتمدان أيضا على الوعي والسعي: بين النسوي والنسونجي!
هل أطلب الكثير إذ أطلب من الرجل المبدع -تحديدا- وقفة تفكير لمحاولة الخروج من لغة العصر المنصرم والتعامل مع المرأة ككائن حي عاقل وكندّ؟ أن أطلب منه التركيز على علاقة باتجاهين بدل الاستمتاع باتجاه واحد؟
هل أطلب الكثير إذ أقول للرجال: نحن مثلكم، وإن اختلفت طريقتنا في الحضور: منا العاقلة والمجنونة والفيلسوفة والساذجة والمفكرة والبسيطة والعالمة والمتعلمة والشاعرة والمستشعرة والمحبة والحاقدة والمتسامحة واللئيمة، والعميقة والتافهة. مثلكم تماما فكفوا عن معاملتنا ككتلة وحاولوا فهم أنفسكم أكثر لتفهموا الشريكة!
...
*نسونجي مصطلح سوري يطلق على زير النساء