الفصل العاشر: تشريع من أجل التحرر



جودي كوكس
2022 / 3 / 13

الفصل العاشر من كتاب ثورة النساء: روسيا 1905-1917



التزم البلاشفة مسألة تحرر النساء، ولكن إنجازاتهم في هذا المجال كثيراً ما أهملها أغلب المؤرخين. فحياة الكثير من الفلاحات لم تتغير سوى قليلاً منذ القرون الوسطى. فاستغلال النساء كان شرعياً، ولكي يثبت الرجل مدى حبه لزوجته كان يضربها بشكل منتظم. غالباً ما كانت الأسواط تعلق فوق أسرّة الفلاحين.(88) وكانت حياة النساء تدمر بفعل كثرة الحمل، والإجهاض العفوي وارتفاع معدل وفيات الأطفال. كان يجري بيعهن كالماشية. ولا يمكنهن الحصول على حقهن بالإرث أو التملك، ولا يمكنهن الحصول على عمل أو الحصول على جواز سفر من دون إذن أزواجهن. في الشرق الإسلامي من روسيا، يشبه نظام تسعير العرائس هناك ذلك المتبع في قرى الفلاحين بغربي روسيا، حيث كثيراً ما كان يبيع الآباء بناتهن في زيجات مدبرة. يعبر أحد الأمثال عن وضعية المرأة آنذاك: “الدجاجة ليست عصفوراً والمرأة ليست إنسانة”، ومثل آخر يقول: “اعتقدت أنني رأيت شخصين يسيران في الشارع ولكنه ليس سوى رجل مع زوجته”.

زارت الاشتراكية الألمانية كلارا زيتكين مركزاً بلشفياً للنساء حيث استمعت إلى قصة إحدى النساء: “كنا مستعبدات صامتات. كان علينا الاختباء في غرفنا والتبرج قبل مجيء أزواجنا الذين كانوا كذلك أسيادنا. باعنا أهلنا بعمر العاشرة، وحتى أصغر. وكان أزواجنا يضربوننا بعصي وكانوا يعيدون الكرة كلما يحلو لهم ذلك. إذا أرادوا أن نجلس دون حركة، كنا نفعل ذلك. بناتنا، فرحنا وسندنا في أعمال المنزل، يبيعوهن، كما باعنا أهلنا”.(89)

بدأت الحكومة المؤقتة بالتصدي لمسألة النساء. في شهر نيسان/أبريل عام 1917، عقدت أول مؤتمراً للنساء المسلمات الروسيات، مع مشاركة 59 مندوبة أمام 300 امرأة. حيث ناقشن الشريعة وتعدد الزوجات وحقوق النساء والحجاب. تشينا ميفيل وصفت كيف وافق المؤتمر على 10 مبادئ، من بينها: “حق النساء بالتصويت، والمساواة، وعدم إلزامية الحجاب”.(90) وفي وقت أدت ثورة شباط/فبراير إلى بعض التحسينات في وضع النساء، من بينها الحق بالتصويت، شرّعت ثورة تشرين الأول/أكتوبر مجموعة مذهلة من القوانين التي لم تهدف فقط إلى تحقيق المساواة مع الرجال، إنما إلى تحرر حقيقي.

سعى النظام الثوري إلى كسر سلاسل البطريركية والهيمنة الذكورية. فشرّع قوانيناً تقضي على الهيمنة الذكورية على العائلة وتمنح النساء مساواة كاملة. بعد 6 أسابيع على الثورة، شرّع الزواج المدني، وأصبح الطلاق شرعياً ومتاحاً للجميع. كانت كولونتاي منخرطة بشكل أساسي في صياغة مشاريع القوانين الجديدة ورحبت بالأخيرة واعتبرتها نصراً عظيماً. وأصبح الاحتفال بالزواج بسيطاً وأضافت كولونتاي ملحقاً يفيد أنه يمكن للأزواج اختيار اسم العائلة عند الزواج. وأقر قانون الزواج والرعاية في تشرين الأول/أكتوبر. أتاح القانون للزوجين بالحفاظ على حقوقهما الملكية ومكتسباتهما، وألغى كل التمييز بين الأولاد الشرعيين و”غير الشرعيين”، وأتاح الطلاق الذي أصبح ممكناً بمجرد طلبه. وأصبحت المثلية شرعية. وأشار طارق علي: “كان قانون العائلة لا سابق له في التاريخ”(91)، وهو واحد من عدد قليل من المؤرخين الاشتراكيين و المؤرخات النسويات الذين/اللواتي اعترفوا/ن بمدى طموحات الحكومة السوفياتية تجاه المرأة فضلاً عن التغييرات التشريعية لوضع العائلة.(92)

وأقر مبدأ “أجر متساوٍ لعمل متساوٍ” بموجب قانون. بحلول العام 1920، شرّع الإجهاض للروسيات- قبل 53 عاماً من الولايات المتحدة و47 سنة من بريطانيا. قدمت وزارة حماية الأمومة والطفولة الدعم للعاملات، من بينها 16 أسبوع عطلة مدفوعة وتأمين بدل مالي لمن يساعدها على الولادة. هذه الإصلاحات كانت متقدمة جداً مقارنة مع ما كانت تتمتع به النساء في غرب أوروبا. ولكن، مع ذلك، لم تشكل تحريراً حقيقياً. في صلب الكتابات الماركسية حول النساء كانت فكرة أن النساء يجب أن تتحرر من الواجبات المنزلية داخل الوحدة العائلية الخاصة. في حين استمرار النساء بالطبخ والكوي والتنظيف ورعاية الأطفال داخل عائلاتهن، لن تتحقق المساواة والحرية لهن. لذلك، بدأت الحكومة السوفياتية بتنفيذ حلول جماعية يمكن أن تحرر النساء من عبء رعاية الأطفال والعمل المنزلي. فأطلقت المبادرات الرامية إلى إنشاء المغاسل في الأحياء والمطاعم لتحرير النساء من عبء الغسيل. كما أقامت الحضانات والمدارس لتحرير النساء من رعاية الأطفال وإتاحة الفرصة لهن للعمل. عام 1919، أتيحت لحوالي 90 بالمئة من الشعب في بتروغراد المطاعم العامة والمغاسل ورعاية الأطفال.

كما أطلق البلاشفة حركة تهدف إلى تمكين المرأة. بقيادة ألكسندرا كولونتاي وإينيسا أرماند وناديا كروبسكايا، نشرت هذه الحركة، الجينوتديل، أخبار الثورة، وعززت قوانينها ونظمت دروساً في التثقيف السياسي وصفوف لمحو أمية نساء الطبقة العاملة والفلاحات. وصف أحد المؤرخين جينوتديل بأنها “واحدة من أكثر المحاولات طموحاً لتحرير النساء من قبل الحكومة”.(93) خريف عام 1918، اجتمعت أكثر من ألف امرأة في أول مؤتمر لعموم نساء روسيا للاستماع إلى خطابات قوية ألقتها أرماند وكولونتاي وسامويلوفا. أنشئت شبكة لجان للنساء. واعتبرن أن العاملات يمكن أن تكون مورداً أساسياً للنظام المحاصر، كما طورن أفكاراً حول المرأة الجديدة، امرأة المستقبل المستقلة والمتحررة جنسياً. سافرت عاملات جينوتديل في كل أنحاء روسيا، ناشرات رسالتهن الداعية إلى تحقيق المساواة والحقوق، وواجهن عنف الرجال الذين خشوا من المطالب المرفوعة. كما سافرن إلى وسط آسيا، وارتدين الحجاب ونظمن “الخيام الحمر” و”القوارب الحمراء” للوصول إلى المسلمات ونظمن حملة محو الأمية.

نظمت عاملات جينوتديل النساء للقتال في صفوف الجيش الأحمر وفي وحدات حرب العصابات. ونظمن أنشطة وأندية ومؤتمرات لتشجيع النساء على البحث عن حلول جماعية لمشاكلهن وبناء ثقتهن بأنفسهن. أعطت جينوتديل النساء صوتاً وأملاً بحياة مختلفة. كان النضال لإزالة إرث قرون من الاضطهاد عملاً جباراً. وحصلت نقاشات حادة حول إذا كان ممكناً تحقيق الثورة في الحياة الشخصية قبل تطور الاقتصاد، وحول طبيعة الجنسانية والعلاقة الجنسية المثالية. مع الأسف، لا يمكن بناء المستقبل الذي ناضل من أجله الثوار في بلد مدمر ومزقته الحرب. لم تكن الموارد اللازمة لخلق بدائل عن العائلة موجودة. كانت المرافق التي أنشئت قليلة وغير كافية وقليلة الموارد. إقرار القوانين كان خطوة، ولكن تغيير المواقف والتوقعات والافتراضات العميقة كان أكثر صعوبة.

على الرغم من الصعوبات المادية الهائلة التي واجهت نساء عام 1917، إنما قدمن لأشهر وجيزة مثالاً عما يمكن أن يقدمه المجتمع الاشتراكي للنساء. مع فشل الثورتين الألمانية والمجرية، تركت روسيا السوفياتية معزولة ومفقرة تماماً. ولا يمكن بالتالي تحقيق تحرر النساء في مثل هذه الظروف الصعبة. على الرغم من كون المكاسب كانت مؤقتة، إلا أنهن حققن من خلال الثورة أكثر مما حققته النساء في بقية المجتمعات خلال سنوات من الحملات والاحتجاجات التقليدية. في هذا المسار، تركن لنا رؤية ملهمة لكيف يمكن للاشتراكية أن تخلق الإمكانية لتحرر النساء. كما قالت كولونتاي لبيسي بيتي: “حتى لو احتلت بلادنا، لقد قمنا بأشياء عظيمة، نحن نجتاز طريقاً، ونلغي الأفكار القديمة”.(94)

الهوامش:

88. Porter, Alexandra Kollontai, p.283.

89. Ali, Dilemmas of Lenin, p.273.

90. Miéville, October, p.122.

91. Ali, Dilemmas of Lenin, p.269.

92. See for example, Sheila Rowbotham, chapter ‘If You Like Tobogganing: Women in Russia Before and After the Revolution’, Women, Resistance and Revolution: A History of Women and Revolution in the Modern World (London, 1973).

93. R C Ellwood, Inessa Armand: Revolutionary and Feminist, (Cambridge, 1992) p.240.

94. Beatty, The Red Heart of Russia, p.380.