ماري عجمي.. صاحبة أول مجلة نسائية عربية في سوريا والمشرق العربي



فهد المضحكي
2022 / 3 / 19

ظهرت في سوريا خلال القرن الماضي شخصيات نسائية على مستوى عال من الثقافة والوعي والفعالية في المجتمع، خصوصا في الفترة الزمنية الممتدة بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

ولعل ماري عجمي من أبرز تلك الشخصيات التي كتب عنها وقيل فيها الكثير، لدورها الكبير في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية السورية آنذاك؛ فهي، صاحبة أول مجلة نسائية في سوريا والمشرق العربي، إضافة إلى نشاطات أخرى متنوعة لها لا تقل أهمية عن إصدارها مجلة (العروس) كمساهمتها في تأسيس النادي النسائي الشامي.

بحسب ما ذكرته الباحثة السورية فوز الفارس، فإن ماري عبده عجمي المولودة عام 1888، تنحدر من أسرة حموية الأصل، نزح جدها الأعلى اليان الحموي من حماة إلى دمشق في القرن التاسع عشر، ورحل جدها يوسف من دمشق إلى بلاد العجم(بلاد فارس) بتجارة له في الحلي والمصوغات الذهبية فقيل له: (العجمي).

تلقت تعليمها في المدرستين الروسية والايرلندية. ونالت شهادتها سنة 1903. وقد مارست التعليم عاماً واحداً قبل أن تلتحق بمدرسة التمريض في الكلية الأمريكية ببيروت. كتبت في عدد من الصحف تحت اسم مستعار (ليلى) وحين نالت شهرة ترضيها إلى حد ما، عادت إلى اسمها الحقيقي لتكتب به، ولم تقف عند حدود الكتابة داخل موطنها سورية، بل راسلت صحفا في كل من لبنان ومصر وبات لها قراء وقارئات كثر، فانطلقت تكتب عن الآمال المعقودة على النهضة، وكان التوجه التربوي غالباً على مقالاتها. أثمر التعليم الذي تلقته ماري عجمي والثقافة التي تمتلكها، إضافة إلى رصانة لغتها العربية عن إطلاق أول مجلة نسائية في سوريا عام 1910،أطلقت ماري اسم مجلة «العروس» عليها، لم تكن مجلتها أول مجلة نسائية في المشرق العربي كله فحسب؛ بل كانت مجلة تقدمية، إذ أحدثت ثورة في نظر المجتمع نحو المرأة.

وقد كتبت ماري عجمي في افتتاحية العدد الأول: «إلى الذين يؤمنون أن في نفس المرأة قوة تميت جرائم الفساد، وأن في يدها سلاحاً يمزق غياهب الاستبداد، وأن في فمها عزاء يخفض وطأة الشفاء البشري، إلى الذين لهم الغيرة والحمية، إلى الذين يمدون أيديهم لإنقاذ بنات جنسهم من مهاوي هذا الوسط المشوه بالاوهام اقدم مجلتي».

حوت مجلة «العروس» مقالات وأبحاث قيمة تعالج المشكلات الاجتماعية والتربوية، وتدعو إلى الأخذ بالعلم والوعي الوطني للنساء والرجال معا، مطالبة إياهم الذود عن الوطن والتمسك باللغة العربية. ومن الأسماء التي كتبت في المجلة: جبران خليل جبران، عباس محمود العقاد، فارس خوري، اليأس أبو شبكة، إبراهيم عبدالقادر المازني، احمد شوقي، معروف الرصافي وغيرهم، ومن الموضوعات التي تضمنها العدد الأول:«المستشفى في البيت، طعم المساء، خطرات أدبية».

قسمت المجلة بعد فترة إلى ثلاثة أقسام: «قسم للتاريخ وآخر للأدب وثالث للفكاهة وشؤون المنزل وتمريض الاطفال»، وفي عام 1913 تطورت المجلة تطوراً نوعياً وفنيا، فاتسعت موضوعاتها وكبر حجمها واستمرت حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى فتوقفت عن الصدور، بسبب أزمة الورق، لكنها عادت إلى الظهور عام 1918، واستمرت حتى عام 1935، وتميزت المجلة في تلك الفترة بالطابع الأدبي، لأن صاحبتها أديبة وشاعرة، فكثرت فيها القصائد والقصص، وأخذ يكتب فيها مشاهير الأدباء والمفكرين من بلاد الشام،لكنها ظلت تركز على الموضوعات النسائية.

أسست ماري عجمي مع المناضلة السورية نازك العابد النادي النسائي الأدبي، ثم جمعية نور الفيحاء، ومدرسة بنات الشهداء، كما انتخبت عضوا في الرابطة الأدبية التي أسسها خليل مردم بيك وكانت المرأة الوحيدة فيها، قالت في افتتاح النادي النسائي الأدبي: «إصلاح البلاد لا يتم ما لم يوجد التوازن بين الجنسين في العلم والمعرفة، ليتعاونا معا في الوصول إلى مركزهم العلمي، إن صرخة النساء في طلب المساواة طبيعية لا مناص منها، وبرهاني على ذلك يقتضي الرجوع إلى التاريخ؛ فإن قلبتم صفحاته ترون الأمومة اقدم عهدا من الأبوة».

وقد أثارت ماري قضايا لم يسبقها أحد إليها،حيث دعت إلى دعم الإقتصاد المحلي وتشجيعه، والاعتماد على المنتوجات المحلية، ولها موقف جرئ لم يكن معتادا ممن ينتمون إلى المدينة في ذلك الوقت، تجلى في دعم العامل والفلاح، وقد كتبت قصيدتها( أمل الفلاح ) لتنال عجمي الجائزة الأولى من الإذاعة البريطانية عام 1947. وعلى صعيد مسيرتها النضالية، تذكر مجلة «جنى» النسائية، التقت بالمناضل السوري بتروباولي وقد جمعت بهما روح النضال والكفاح ومحاربة الظلم والاستبداد ولكن قبض عليه الأتراك وسجن ثم اعدم مع من اعدم من الشهداء سنة 1915 وهي كانت تتحدى الجنود الأتراك وتذهب إلى زيارته في السجن في دمشق وتنقل إليه الرسائل وتشجعه وتشد من ازره، وهي لم تنس حبيبها الذي ذهب ضحية الاستبداد واستمرت في النضال ضد الأتراك تعمل لاستقلال وطنها.

كما واجهت الاستعمار الفرنسي الذي نكل بالشعب السوري. في ذلك الوقت، لعب النضال الثوري التحرري للشعب السوري بقيادة الحركة الوطنية والتقدمية السورية، والتضامن الاممي، دورا مشرقا في مقاومة الاحتلال الفرنسي من أجل الاستقلال والحرية والديمقراطية.

يقول الشاعر والأديب أمين نخلة( 1901- 1976) عن ماري عجمي: «لا اعرف في الأقلام النسوية قلماً كالذي تحمله ماري عجمي فهو شديد شدة أقلام الرجال، لطيف لطف أقلام النساء، في آن معا، ولعمرك هيهات أن يجتمع النساء والرجال على شمة واحدة واجتماعهم في أدب ماري عجمي».

بينما خليل مردم بيك يقول في كتاب «ماري عجمي»: «جمعت ماري بين الصناعتين النثر والنظم، فلها المقالات والخطب والقصائد وعالجت الترجمة كما عالجت الإنشاء». شكل اسم ماري علامة فارقة ومميزة في مسيرة النهضة، تمتعت بالأصالة في فكرها والانفتاح على الآخر من دون أن تتخلى عن جذورها، فها هي تفضح دور مدارس الانتداب في محو التاريخ والهوية الوطنية: «لاشك أن هذه المدارس أرقى من المدارس الوطنية، لكنها لا تفرق ببن مصلحتنا ومصلحتها، فهي تعلمنا لغة وتاريخ بلادها، وتثير احترامنا لتقديس راياتها. وتضع في أفواهنا نشيدا وطنيا لبلاد لم تقع أعيننا عليها، ولا أزال أذكر كم بكيت في طفولتي على الملكة فكتوريا يوم حضرتها الوفاة إذ رأيت الدموع في عيني معلمتي».

أكدت ماري من خلال قلمها وخطاباتها ومواقفها السياسية وعيها بأهمية المثقف ودوره في تأكيد قيم التحرر من الاستعمار وفضح زيف طموحاته عن الحرية والإخاء والمساواة، فقد دافعت عن حق بلادها بالاستقلال، تقول: «من ذا الذي يقول إننا أمة لا يليق بها أن تمنح الاستقلال، لا تعرف أن تحكم ذاتها بذاتها؟ وا اسفاه! حتى الآن لاتزال الأغراب تلعب بنا، والضعف يكمم الأفواه، والتحديات تمثل بنا، فلنسدل على الماضي حجاباً كثيفاً، ولنعمل معا على أحياء الوطنية في قلوب أبناء سورية وبناتها، لأنه إذا استولت علينا فرنسا لا تجعلنا فرنسيين، ومحال إن حكمتنا بريطانيا أن نصير بريطانيين». في مقالة أخرى لماري عجمي عن الحرب والمجد تتضح لنا إبعاد رؤيتها الإنسانية وعداؤها للحروب وتحقيق الأمجاد عبرها، إذ تعتبر الحرب امتهان لكرامة الإنسان وسلوك وحشي يتساوى فيه القاتل والبطل، وليس هناك فرق يذكر بين فرعون ونيرون وتيمورلنك الذين وصمهم التاريخ بالوحشية وبين الإسكندر وبونابرت ممن أثنى التاريخ عليهم وجعلهم أبطالا، لأنهم برأيها بحثوا عن مجد زائل وقادتهم أوهامهم إلى مزيد من الموت والقبور للبشرية ألتي تترتم باناشيد الموت وهي تحسبها ألحان الحياة.

توفت ماري عجمي في دمشق عام 1965، بعد أن عاشت نهاية عمرها في عزلة بسبب المرض، ويصف أحد الأدباء جنازتها بألم: «ماتت ماري عجمي من دون ضجيج أو جلبة حتى أنه لم يرافقها إلى المقبرة سوى 16 شخصًا من أقاربها ليس بينهم أديب إلا فؤاد الشايب».