اليسار العراقي وتحرر المرأة!



ناصر عجمايا
2022 / 3 / 19

بدون تحرر المرأة، لن تكون هناك ثورة، وبدون ثورة لن تتحرر المرأة.(لينين).
ليس غريباً على القاريء والمتابع والمناضل في ظل اليسار العراقي، الدور المميز الذي لعبه اليسار العراقي عموماً، وبشكل خاص دور وتضحيات الحزب الشيوعي العراقي، من أجل التحرر والتقدم الفكري والسياسي والأجتماعي والثقافي والأدبي لعموم العراق، ومن ضمنها المرأة بشكل خاص، فبصماته كانت ولازالت واضحة لعموم العراقيين في هذا الجانب بلا منافس، بغية أقامة مجتمع تسودة الحرية وتحرر الفلاحين من العبودية الأقطاعية وأنهاء دورهم المتسلط والمستبد القامع للكادحين الفلاحين، ونضالهم الجسور من أجل خلق العدالة الأجتماعية في العراق وصولاً للمساواة، فكان ميالاً وعاملاً بفاعلية الى تغيير مسار الحياة الأجتماعية والأقتصادية لعموم المجتمع بشكل عام، والطبقة العاملة بشكل خاص، ومعالجة وضع المرأة المتدني أسوة بأخيها الرجل.
حيث لعب الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه في 31 آذار 1934، الدور المتميز لمعالجة وضع المرأة في العراق، فأختار منذ تأسيسه عنصر قيادي من المرأة العراقية ضمن قوام اللجنة المركزية، ثم بادر الى تأسيس رابطة المرأة العراقية منذ منتصف القرن العشرين أحدى منظمات المجتمع المدني العراقي، حتى فرض على المنتسب الحزبي بالزواج من أمرأة واحدة دون غيرها، وهو القرار المثبت في أدبياته السياسية وخاصة النظام الداخلي للحزب، حيث صادق عليه في جميع مؤتمراته الحزبية، كما وبقية قوى اليسار الأخرى (الأحزاب والحركات الشيوعية بكافة مسمياتها فيما بعد) المنبثقة من حزب الأم (الحزب الشيوعي العراقي)، وتمكن أن يوصل أول أمرأة في الشرق الأوسط، الى موقع وزاري في عهد عبد الكريم قاسم المتمثلة بالوزيرة القيادية في الحزب الشيوعي الدكتورة نزيهة الدليمي عضو اللجنة المركزية، وأوجد أول أمرأة تقود مسيرة الحزب الشيوعي في العراق نهاية عام 1978 المتمثلة بالقيادية عائدة ياسين عضو اللجنة المركزية، التي غيبت وأعدمت من قبل السلطة الفاشية عام 1980 دون محاكمة في دهاليز الأمن الصدامي، ودون معرفة تواجد رفاتها فأستشهدت بتحدي لجلاوزة النظام الصدامي الفاشي .
كل القوى اليسارية باتت تعمل من أجل خلق مجتمع تسودة العدالة الأجتماعية والمساواة على المستوين الجماعي والفردي، وبالأخص دور المرأة الفاعل والضامن عملياً من أجل حريتها ومساواتها بالرجل من حيث الحقوق والواجبات، وتحررها أقتصادياً من عبودية الرجل خصوصاً والمجتمع عموماً، حيث لا تتحرر المرأة أجتماعياً وسياسياً، الا من خلال تحررها أقتصادياً. بعكس القوى الأسلامية والقومية الظلامية، كلها تشترك بكراهية المرأة معتبرينها ناقصة دين وعقل لتأتي المرتبة الثانية أنسانياً بعد أخيها الرجل، في حين الواقع العملي والعلمي أفنى هذا الأدعاء الهابط من الناحية الأنسانية، كونه مخالفاً لها ولتوجهاتها في أحترام الأنسان لأخيه الأنسان، كون المرأة جزأ كبير لا يتجزأ من الأنسانية.
الأحزاب الأسلامية والقومية يعملون جاهدين بالضد من نصف المجتمع الذي توجده وتكونه المرأة، ودورها الفاعل في الجوانب العديدة من النواحي الأجتماعية والسياسية والأقتصادية، فهي الأم والأخت والبنت، وفي غياب المرأة ليس هناك زيادة سكانية، وغياب المرأة هو غياب المجتمع بأسره، كما تعثر أدائها يعني منع تطور المجتمع نحو الأفضل، كونها حاضنة للطفولة ومعتنية بها وبنشأتها وتعلمها، فصدق المثل القائل، (الأم مدرسة أن أعددتها أعددت الرجال).
عليه فقوى اليسار العراقي معنية بتوحيد أدائها وبرامجها العملية الفكرية، فالثبات الدائم للمباديء التي تحملها من خلال الأيديولوجية الماركسية، في معالجة وضع المجتمع عامة والمرأة خاصة. يفترض توحيد مساراتها وتوجهاتها في نقاط الألتقاء الكثيرة، مع نبذ الأختلاف وصولاً الى برامج توحيدية فكرية عملية تقنية، بموجب النهج العلمي الماركسي المتطور من الناحية التاريخية الحضارية المستقبلية، للعمل الوحدوي السياسي والفكري نحو مجتمع معافى ومتعافى من أمراضه النفسية والمصالحية الذاتية ومع العموميات الخادمة للمجتمع برمته كونه جزأ منه. وهنا لابد من خلق المشتركات الكثيرة المتواجدة أصلاً للعمل بموجبها ووفقها، مع نبذ الخلافات المعرقلة لعمل جميع قوى اليسار العراقي، كونها لازالت قاصرة النظرة لتوحيد العمل، فهو معرقل كبير لا تنصب في خدمة المجتمع العراقي عامة ومن ضمنه المرأة.
وهنا لابد من دراسة الواقع المؤلم الساري بتخبطات اليسار العراقي كمعرقل لتحالفاته وممارساته التاريخية المطلوبة، بأجادة النقد الجريء وصولاً الى جلد الذات، حيث أثبتت التجارب العلمية والعملية، ليس هناك قوى وأحزاب خارج النقد، وهذا مثبت في أنظمة الأحزاب الداخلية عبر مسيرتها لعقود من الزمن الغابر الكارثي المملوء بالدماء الذكية، حباً بالقضية الوطنية والأنسانية على وجه خاص، تلك الدماء الساكبة المؤلمة، ما كانت تقع وتراق بنضال شاق لا مثيل له بالتاريخ القديم والحديث، فلولا الأفكار الوطنية والأنسانية، التي روجتها تلك القوى اليسارية المعنية، في معالجة قضايا الناس المجتمعية نحو الأفضل وللصالح العام، لما حصلت التضحيات الجسيمة التي تحملها الشعب العراقي عامة واليسار خاصة، لما يقارب التسعة عقود من الزمن.
وهنا على اليسار العراقي أن يعي مهامه ويدرس منهاجه ليحاول تطبيقه على أفضل وجه، فالتحول المطلوب يبدأ بخطوة واحدة، والخطوة هي أفضل من لاخطوة، وأن تأتي الخطوة متأخرة فهي مطلوبة ولابد منها وأفضل من أن لا تأتي، فالتأخير ليس مشكلة ولكن عدم العمل الوحدوي أو التنسيقي هو المشكلة بذاته، فلابد من قبول الآخر المختلف، في الأختلاف صحة وليس العكس، وفي غياب الأختلافات المطلوبة ليس هناك تطور يذكر في الحياة، ولكن أختلافات وجهات النظر لا يمكن تحويلها الى خلاف، لأن هناك بوح شاسع بين الخلاف والأختلاف، فالأول مرفوض والثاني مطلوب.

منصور عجمايا
آذار-2022