رحلتي من النسوية إلى الماركسية: لماذا انضممت إلى التيار الماركسي الأممي



إيريكا رودل
2022 / 3 / 19

أتذكر أنه كان يقال عني أني نسوية في وقت مبكر من الصف الرابع، لأنني كنت أعارض بشدة ارتداء الفساتين واللون الوردي. لم يكن لدي أي اعتراض على تسميات “نسوية” أو “مسترجلة” لأنني فهمت أنه حتى عندما يتم قولها على أنها إهانات، فإنها كانت اعتراضات على فكرة أنني لا أتوافق مع الوضع الراهن. كفتاة صغيرة تستمتع بواجبها في الرياضيات، وتفوز في مسابقات التجشؤ، وكان لديها مجموعة من القمصان الفضفاضة، لم يروقني الوضع الراهن. لقد ربطت بين النسوية وحرية أن أكون على طبيعتي منذ سن مبكرة.


لاحقاً، كمراهقة، تعرفت على الفتيات الصغيرات في بلدان أخرى، مثل الهند ونيجيريا، حيث كان الذهاب إلى المدرسة امتيازاً كان عليهن الكفاح من أجله – وكن غالباً ما يخسرنه. بدأت بربط الحركة النسوية بمكافحة الظلم الذي تواجهه الفتيات في جميع أنحاء العالم، وعلى سبيل المثال شرعت في مساعدة الفتيات في أجزاء أخرى من العالم على شراء منتجات النظافة النسائية حتى يتمكن من البقاء في المدرسة،.

في المدرسة الثانوية، تعرفت على النظام الأبوي، ومفهوم “ثقافة الاغتصاب” و”السقف الزجاجي”.[1] لقد عرفت النطاق الحقيقي لاضطهاد النساء، فضلاً عن عدم المساواة الإثنية ورهاب المثلية الجنسية، ومجموعة من الأساليب الأخرى التي يتم بها تقسيم وقمع أغلبية مجتمعنا. النسوية بالنسبة لي كانت تعني محاربة الظلم من أي نوع. أصبحت “النسوية” جزءًا من هويتي، على الرغم من أنني ما زلت أتشبث بكلمات “المسترجلة” و”المتعنتة”. كان فهمي للطبقة سطحياً في أحسن الأحوال. من الواضح أن “الفقراء” كانوا يعانون أكثر من “الأغنياء”، بنفس الطريقة التي كان بها السود يعانون أكثر من البيض. لكن “اللامساواة الاقتصادية” كانت مجرد شكل آخر من الظلم كان علينا محاربته.

في الكلية، بدأت في التساؤل. كيف، بالضبط، أحارب هذا الظلم؟ من الواضح أن هذه المشاكل لم تكن مقتصرة على سطح التفاعلات الاجتماعية، ولم يكن بالإمكان حلها ببعض الإصلاحات القانونية ورشة من الكومبايا (kumbaya)*[2]: “لماذا لا يمكننا أن نتعايش”. لذلك تعمقت في دراسة النظرية النسوية. ونظراً لأنها فتحت عيني على ما هو خاطئ في العالم، فمن المؤكد أنها يمكن أن تساعدني على إصلاحه.

كان كتاب “غرفة تخص المرء وحده”[3] مقررا في أحد فصولي. لقد درست تاريخ حق النساء في الاقتراع في الولايات المتحدة، وكتاب ماري ولستونكرافت “دفاعاً عن حقوق المرأة”، والموجة الثانية من النسويات في الستينيات، وقضية “رو ضد وايد”[4]. وقرأت مقتطفات من كتاب “الجنس الآخر”، ومقالات غلوريا ستاينم، وخطابات أنجيلا ديفيس، ومقالات أندريا دوركين.

كنت أتعمق أكثر، وأبحث عن أفكار أكثر راديكالية. لكن كلما تعمقت، قل معنى كل شيء. لم تتلاءم قطع الأحجية مع بعضها، ووجدت المزيد من التناقضات داخل النظرية. في الحقيقة، لقد أدركت أنه لم تكن هناك نظرية نسوية، بل بالأحرى مجموعة كبيرة من الأفكار. في فصل دراسي، كتمرين، كان علي تحليل عمل ديني “من منظور نسوي”. الاستنتاج الصحيح، وفقاً للأستاذ/ة، هو أن هذا العمل بالتحديد كان نسوياً ومعادياً للنسوية في نفس الوقت، اعتماداً على وجهة النظر الشخصية التي اتخذها. كان الدرس المستفاد هو أن تحرير امرأة هو اضطهاداً لأخرى، الأمر الذي لا يجعل أياً منهما قريبة من إلغاء النظام الأبوي. بالنظر إلى ما مضى، أدرك مدى ملاءمة خط التفكير الفردي ما بعد الحداثي هذا لأولئك الذين يريدون الحفاظ على الوضع الراهن!


بحلول عام 2014، كان بحثي يزداد تعمقا إلا أنني الم أكن أقترب من طريق تحرير النساء. كان هذا قبل حركة #MeToo، وقبل مظاهرات الاثنين الأسود للنساء البولنديات، والإضراب النسائي الضخم في إسبانيا، قبل أن تنفجر الحركات العالمية التي تكافح العنف ضد النساء. لم تكن هناك “حركة نسوية” يمكن الحديث عنها حينها، وكانت معركة شاقة فقط لإقناع البعض بأن المساواة القانونية في البلدان الرأسمالية المتقدمة لا تعني انتهاء الكفاح من أجل النساء. ظهرت الممثلة إيما واتسون كناشطة نسوية في خطاب وتعرضت للهجوم بسبب ذلك، وكان دعم النساء اللواتي تعرضن للتحرش خلال #GamerGate ضئيلاً، وكان يقتصر إلى حد كبير على النشاط عبر الإنترنت.

في ذلك الوقت، قدمت النسويات اللاتي قرأت لهن وتحدثت إليهن في المنتديات ومجموعات المناقشات نظرة قاتمة وقصيرة النظر تتوافق مع الظروف في ذلك الوقت. معظم المدونات والنشرات الإخبارية وثقت ببساطة التمييز والعنف ضد النساء وحقيقة أنه لم يتم فعل أي شيء حيال ذلك. كانت كل وجهات النظر الطويلة الأمد متشائمة ومقتصرة على تغيير أنماط الحياة الفردية: قوموا بتربية أبنائكن بشكل أفضل! افتحِ ملجأ نسائي! انتقلي إلى مجتمع بعيداً عن كل الرجال!

الرد العقلاني على هذه “الحلول” هو الاشمئزاز. لقد صرت أشعر بالمرارة والغضب والتشاؤم مثل البقية. حينها كنت قد أصبحت واعية بما يكفي لدرجة أنني رأيت دليلاً على قمعي في كل مكان. كان “الحل” الأكثر جاذبية والأكثر عملية الذي وجدته تجاه ظلم النساء هو التعرف عليه ورفع وعي الجميع حوله. لقد كان الأمر يتعلق بفكر تسلطي، بشكل أساسي، وتعلم أن هذا كان حلاً غير مستدام وغير قابل للتطبيق كان درسا صعباً. من الصعب التعبير عن مدى شعوري بالسحق عندما سمعت أشخاصاً كانوا قريبين جداً مني يلقون خطباً معادية للنساء، كانت مختلفة تماماً عن تصوري عنهم، أحياناً قاموا بذلك بعد لحظات فقط من تعبيرهم عن اتفاق مع أيديولوجية نسوية تتماشى مع تفكيري الخاص. لم تستطع نظريتي النسوية تفسير هذا التطور غير المتكافئ لوعيهم السياسي.

لم انفصل عن هويتي وأيديولوجيتي النسوية بسهولة، لكن ذلك كان ضرورياً. لقد رأينا كيف يقوم السياسيون، مثل هيلاري كلينتون، بتكييف النسوية وفق أجندتهم الخاصة. حتى تيريزا ماي تصف نفسها بالنسوية. يمكن لليبراليين واليمينيين يتبنوا النسوية بسهولة لأنها حركة تمحو التمايز الطبقي. إنها تعزز الوهم بأن جميع النساء لديهن نفس المصالح – على الرغم من أن نساء الطبقة السائدة لديهن مصلحة خاصة في إبقاء النساء العاملات مستغلات ومضطهدات مع بقية طبقتهن. تمثيل النساء في الحكومة لا معنى له عندما يستخدم هؤلاء “الممثلين” مناصبهن لقصف نساء أخريات في سوريا!


بقدر ما كان الأمر مثبطاً للهمة، لأنني خرجت فارغة ومضللة بعد كل العمل الذي قمت به في رحلتي النسوية، إلا أنني لست نادمة على ذلك. كجزء من البحث عن مخرج، تعلمت أهمية الأممية. لطالما رفضت الكفاح من أجل تحرير النساء في بلد واحد فقط. تعلمت أهمية دراسة التاريخ والنظرية من أجل وضع خطة للمستقبل. لقد تعلمت عن جذور اضطهاد النساء في العالم المادي، وأنه من أجل تحرير النساء نحن بحاجة إلى نظام جديد تماماً. أثناء دراسة التاريخ النسوي، خلصت إلى أن الحركات ستصعد وتهبط، لكن بصفتنا ثوريين/ات، يجب أن نبني شيئاً يدوم طويلاً ودائماً. باختصار، قطعت بي النسوية جزءًا من الطريق – لكنها لم توصلني إلى النهاية.

مع هذه الدروس المكتسبة بشق الأنفس والشعور بالتفاؤل الذي انتعش من جديد، وأثناء متابعة الدراسة في مدرسة جديدة، تعثرت بالتيار الماركسي الأممي. أدركت أن التاريخ الذي درسته لا يمثل إلا كلمة واحدة في كتاب مؤلف من 10.000 صفحة في مجلد واحد من 500 مجلد. فتحت لي دراسة المادية التاريخية وتاريخ الصراع الطبقي آفاقاً جديدة وألهمتني، وأكدت الاستنتاجات التي توصلت إليها بالفعل بمفردي، وقدمت لي تفسيراً أعمق للحركات الثورية. لم تنشأ الثورات والتقدم من تلقاء نفسيهما، ولم تكن مجرد “حوادث تاريخية”، بل تطورت من ظروف مادية. كان عام 2014 عبارة عن الهدوء الذي يسبق العاصفة. إن تحركات نساء الطبقة العاملة التي نراها اليوم هي تتويج لعمليات نشأت تحت سطح المجتمع ولم تترك للنساء العاملات أي خيار آخر سوى الانتفاض والكفاح.

من خلال دراسة الفلسفة الماركسية والمادية الديالكتيكية، تمكنت من إدراك أن “الحلول” المروعة التي قدمتها النسوية كانت متجذرة في المثالية الفلسفية. وبالنظر إلى ما مضى، يبدو واضحاً بالنسبة لي الآن أننا لم نكن نستطيع التفكير في طريق للخروج من الاضطهاد. لقد فهمت أن اضطهاد النساء متجذر في الظروف المادية، لكنني لم أتلق سوى مقاربة مثالية لتحرير النساء، فكرة أنه يمكننا تشكيل العالم المادي ببساطة عن طريق تغيير واعي لطريقة تفكيرنا. لكن لا يمكننا أبداً “التخلي عن المعرفة” بكراهية النساء إذا كان المجتمع يعزز باستمرار اضطهادنا من خلال الظروف التي نعيش في ظلها ونعمل فيها في كل ثانية من كل يوم، طالما أننا نواصل العيش في نظام يستفيد من التمييز والقمع.


كنتيجة لدراستي للاقتصاد الماركسي، عرفت لماذا كانت النظرية النسوية شديدة التناقض. بدون تحليل طبقي، ينتهي المطاف بالنسويات بمحاولة التوفيق بين مجموعتين ذات مصالح متعارضة: نساء الطبقة الرأسمالية – الرؤساء التنفيذيون “اللاتي كسرن السقف الزجاجي” – والنساء اللواتي يعملن في المصانع التي تستغل العمال. لا يمكن أن يوجد عدد كافي من دور إيواء النساء يمكنه خدمة جميع النساء المعنفات. غالباً ما تغرق المؤسسات الخيرية، التي تساعد النساء الأكثر معاناة من الاضطهاد على النجاة من هذا النظام القاسي، من كثرة الطلب وخفض التمويل الناتج عن التقشف الذي لا مفر منه في أوقات الأزمات الاقتصادية. إن المعركة من أجل الحصول على الرعاية الصحية الإنجابية شاقة، وتفقد زخمها طوال الوقت. لقد تم تقليصها إلى مجرد محاولة إيقاف إدخال مشاريع قوانين جديدة تقيد الوصول إلى الإجهاض والتي تجبر المزيد والمزيد من العيادات على الإغلاق كل عام.

من هنا يأتي تشاؤم الحركة النسوية. إنها لا ترى مخرجاً من هذا النظام، لأنهن لا يستطعن أو لا يتصورن الانفصال عن الرأسمالية. تمنع الصيحات المطالبة بإضراب للنساء فقط من قبل القيادات النسوية (كما في إسبانيا في 8 مارس) حركة جماهيرية ضد الرأسمالية لأنها تمنع الطبقة العاملة بأكملها من الاتحاد ضد مستغلينا المشتركين. وأفضل ما يمكنهن تقديمه هو الإصلاحات التي تخفف من ظروف النساء مؤقتاً – التنازلات التي سيتم التراجع عنها خلال الدورات الانتخابية القليلة المقبلة أو الأزمة الاقتصادية المقبلة.

تقدم الماركسية فهماً شاملاً للتاريخ والاقتصاد والفلسفة. والأهم من ذلك أنها تقدم طريقاً حقيقياً للمضي قدماً. طالما بقيت الرأسمالية، فإن دور نساء الطبقة العاملة سيظل دائماً محكوماً بإنتاج الأرباح وإعادة إنتاج القوى العاملة. لن تتوقف الهجمات على الحقوق الإنجابية وتمويل التعليم والرعاية الصحية طالما استمر النظام.

لا يدعي الماركسيون أن الثورة الاشتراكية ستنهي الحاجة إلى النضال ضد الاضطهاد بين عشية وضحاها. ولا نقول إن الكفاح ضد الاضطهاد يجب أن ينتظر إلى ما بعد الثورة. ولكن إلى أن نغير القاعدة الاقتصادية التي يُبنى عليها المجتمع، فإن أي حركة ضد الاضطهاد ستكون محدودة. إن تأمين الحقوق الإنجابية بشكل دائم، وكذلك التعليم الجيد والرعاية الصحية والأجر المتساوي للعمل ذي القيمة المتساوية والتحرر من العبودية المنزلية، يتطلب إلغاء الرأسمالية وبناء الاشتراكية. إن تنمية الوعي الطبقي أمر حاسم في الكفاح ضد الاضطهاد، لكنه ليس كافياً. لهذا السبب نحن بحاجة لثورة اشتراكية لتدمير الأسس المادية التي يقوم عليها النظام الأبوي وإرساء الأساس لإنهاء جميع أشكال الاضطهاد!


إن القوة الهائلة للعمال عندما يبدأون النضال واضحة: الملايين في إسبانيا الذين أضربوا في 8 مارس وخرجوا إلى الشوارع ضد نظام “العدالة” بعد الحكم في قضية لامانادا، والملايين الذين صوتوا في الاستفتاء الايرلندي، والمد الأخضر في الأرجنتين الذي كافح من أجل الإجهاض القانوني، النساء في تشيلي اللواتي احتجوا في أكثر من 20 كلية وجامعة ومدرسة ثانوية يطالبن بتعليم خالٍ من التمييز على أساس الجنس والتحرش الجنسي، أكثر من 20.000 شخص غمروا شوارع كوريا الجنوبية مطالبين باتخاذ إجراءات ضد الكاميرات الخفية التي تحول حياتهن اليومية إلى مواد إباحية، بالإضافة إلى النساء اللواتي شاركن في #MeToo، وهو ما أنهى وصمة العار بكونهن ناجيات من العنف الجنسي.

نتعلم جميعاً من التجربة – ولكن يجب علينا أيضاً التصرف بناءً على تلك المعرفة المكتسبة بشق الأنفس. الدرس الحاسم لأي حركة هو أن هناك حاجة إلى قيادة جريئة، قيادة مستعدة للنضال حتى النهاية، واثقة من أن النصر ممكن. قد تنقل القادة النسويات محاربة التحيز الجنسي إلى إدارات الحرم الجامعي والكونغرس وهوليوود والمحاكم. لكن أيديولوجيتهن لا تستطيع ولن تستطيع أن تقود جموعاً في معركة حياة أو موت ضد الرأسمالية لكل استغلال. لذلك، أطلب بكل احترام من جميع النسويات أن ينظرن بشكل نقدي إلى قادتهن وأفكارهن. لقد وصلن بكن إلى هذه النقطة، لكن هل هذا كاف؟ إذا كنتن على استعداد لاتخاذ الخطوة التالية، انضمن إلي وإلى آلاف النساء الأخريات حول العالم اللواتي انضممن إلى التيار الماركسي الأممي والكفاح من أجل الاشتراكية في حياتنا!

الهوامش:

[1] : السقف الزجاجي هو استعارة تستخدم من أجل تمثيل حاجز غير مرئي يحافظ على ارتفاع مجموعة ديموغرافيّة معيّنة (تطبّق عادةً على الأقليّات) إلى ما يعد مستوى معيّن في التسلسل الهرمي.تم استعارة هذا المصطلح المجازي لأوّل مرّة من قبل النسويّات في إشارة منهنّ إلى الحواجز الموجودة في طريق وصولهنّ إلى وظائف النساء عالية التحصيل -المترجم

[2] : الكومبايا هي لون غنائي ديني أمريكي ذو جذور إفريقية، يعتقد العديد من مؤرخي الموسيقى أن أصل الكلمة هو ترجمة صوتية – للنداء المصلي إلى الله: “Come By Here”. وتستخدم في المجال السياسي كدعوة للتصالح وتجاهل الخلافات.

[3] : رواية لفرجينيا وولف، تبحث في تاريخ النساء ككاتبات وشخصيات خيالية في الأدب الغربي

[4] : كان قرار “Roe v Wade “، قراراً تاريخياً بين عامي 1971 و1973 من قبل المحكمة العليا الأمريكية التي قضت بأن قانون ولاية تكساس الذي يحظر الإجهاض (لإنقاذ الأم) غير دستوري، وأن حق المرأة في طلب الإجهاض محمي بموجب التعديلين التاسع والرابع عشر من الدستور.

إيريكا رودل
19 يوليو/تموز 2018

ترجم عن النص الأصلي:

My Journey from Feminism to Marxism: Why I Joined the IMT