الفصل الحادي عشر: اللينينيات والنسويات و”النساء المخلصات”



جودي كوكس
2022 / 3 / 21

مجموعة من الثوريات الشجاعات والكفوءات شاركن حياتهن مع فلاديمير لينين: ناديا كروبسكايا وإينيسا أرماند ووالدته وزوجة والده وشقيقاته آنا وأولغا وماريا، إضافة إلى مناصراته الثوريات مثل كولونتاي ومجموعة واسعة من السكريتيرات. وغالباً ما ذُكرْنَ في السير الذاتية عن لينين حيث وُصفْنَ دائماً كـ”نساء جذابات وخاضعات”.(95) وعادة ما تعامل معهن المؤرخون كما لو أنهن تابعات للينين، ككواكب صغيرة تدور حول الشمس. مع ذلك، كل النساء المحيطات بلينين وصلن إلى عالم السياسة بشكل مستقل عنه. لقد عانين ظروف السجن والمنفى الصعبة، وعشن بعيداً وناضلن في الحركة السرية الثورية. وفي اللحظات الحاسمة زودْنَ لينين دعماً مادياً وعملياً. آنا وماريا أوليانوفا، على سبيل المثال، بقيتا على اتصال بلينين عندما كان منفياً ونشرتا كتاباته. كما أنهما قدمتا الدعم السياسي في اللحظات الحاسمة من المسار الثوري. ولا يعقل أن النساء اللواتي تشاركن تطلعاتهن السياسية وحياتهن وبيوتهن ليس لهن أي تأثير سياسي عليه أو أي فكرة متميزة خاصة بهن.

شهر آب/أغسطس عام 1914، كان كارثة على الحركة الاشتراكية الأممية. تجاهل الحزب الألماني الاشتراكي الديمقراطي الكبير سنوات معارضته للحروب الامبريالية وصوّت إلى جانب حكومته. انهيار الأممية كان صدمة كبيرة لأولئك الذين عارضوا الحرب بكل تصميم. في ألمانيا، كانت روزا لوكسمبورغ وكلارا زيتكين معزولات ومدمرات. شكّل الثوار الروس عصبة صلبة من المناضلين/ات المناهضين/ات للحرب، من بينهن آنا وماريا أوليانوفا، وناديا كروبسكايا، وأرماند وكولونتاي ولينين. وكانت كولونتاي وأرماند القوة المحرّكة لتشكيل أول تجمع أممي مناهض للحرب، مؤتمر برن عام 1915.

عندما علم لينين ببدء ثورة شباط/فبراير، أول أمر قام به كان الكتابة إلى كولونتاي، مشدداً على الحاجة إلى ثورة بروليتارية أممية والاستيلاء على السلطة. فتذكرت كم اغتبطت بأفكاره وكيف سارعت إلى الذهاب إلى بتروغراد من أجل إقناعهم بالشعار الثوري: خبز، سلام، أرض. وصل لينين إلى محطة فنلندا في نيسان/أبريل 1917 وهاجم بخطابه الحكومة المؤقتة مسبباً صدمة واستنكاراً بين صفوف البلاشفة وسواهم من الاشتراكيين. وعندما ألقى خطابه الأول في سوفيات بتروغراد الذي شدد فيه على الحاجة إلى المضي قدماً في الثورة بروسيا، قاطعه الجمهور بأصوات الاستهجان.

كانت كولونتاي البلشفية الوحيدة في ذلك الاجتماع التي تبنت علناً أطروحات نيسان التي طرحها لينين. “ابتسمت لها ناديا كروبسكايا وإينيسا أرماند، الجالستان في الصف الأمامي، حيث قدمتا لها الدعم فقط. استنكر وقاطع أغلب الحضور كلمتها، ومنحتها الصحافة البرجوازية بسبب خطابها لقب “فالكيري الثورة””.(96) تذكرت كولونتاي: “كنت الوحيدة التي وقفت إلى جانب وجهة نظر لينين في وجه مجموعة واسعة من البلاشفة المترددين”.(97) اعتقد البعض أنها مجنونة أو متوهمة. كانت روسيا فقيرة ومتخلفة للغاية لتخيل قيام ثورة اشتراكية، كما حاججوا. يجب السماح للبرجوازية الروسية تطوير روسيا قبل أن تكون الاشتراكية ممكنة. في حين حاجج لينين وأنصاره أن الثورة الاشتراكية يمكن أن تكون الشرارة التي تطلق الثورة الاشتراكية العالمية.

المجموعة نفسها كانت متحدة في تشرين الأول/أكتوبر في اللحظة الحاسمة للثورة. كانت كولونتاي في اجتماع اللجنة المركزية التي صوتت لصالح الاستيلاء على السلطة. عشية الثورة، يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر كان لينين غاضباً من افتقاد الحزب لعنصر المبادرة. فقرر أن يصل اللجنة المركزية باللجان البلشفية في المنطقة. وأصر على تسليم كروبسكايا مسودة بيان بهدف توزيعه على أعضاء الحزب. في السطر الأخير منه نقرأ: “الحكومة تترنح. يجب وضع حد لها بأي ثمن. كل تأخر له كلفة مميتة”.(98)

هذه المجموعة من النساء دعمت لينين في اللحظات الحاسمة وساعدته في صياغة الاستراتيجيات التي تشرك الإمكانات الهائلة في صفوف العاملات. ازدهرت الحركة النسوية في روسيا في وقت كان العديد من الاشتراكيين مناهضين لفكرة تنظّم النساء بشكل منفصل. بالتأكيد عارضت كروبسكايا فكرة إنشاء مكتب نسائي خلال الحرب العالمية الأولى. مع ذلك، غيّرت تجربة النضالات العمالية كل ذلك. أولاً، عندما دفعت أزمة في التوظيف في شهر أيلول/سبتمبر عام 1917 الرجال إلى الدعوة لطرد النساء وتخفيض أجورهن، فعارض البلاشفة ذلك، أدركوا أن النساء قد أصبحن يشكلن جزءاً واسعاً من الطبقة العاملة، وخطوة مماثلة ستؤدي إلى تقسيم وإضعاف مجمل الحركة النقابية. ثانياً، أثبتت العاملات عن قدرتهن على النضال والتنظيم. فقاتلت النساء من أجل تحسين ظروفهن المعيشية، ومن أجل تغيير سياسي شامل. وقد استطعن انتزاع الحق بلعب دور في النقابات والمنظمات الاشتراكية.

كانت النساء المقربات من لينين من أول المنظِّمات وأكثرهن حماسة من أجل تحقيق المساواة للنساء. كان لينين ملتزماً جعل قضية حق المساواة للنساء قضية مركزية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ بدايته. كان متعاطفاً مع دعوات النضال السياسي بين النساء، فأيد إنشاء كل من جينوتديل ورابوتنيتسا. تدل خطاباته عن النساء وإليهن ومحادثاته مع كلارا زيتكن أنه ملتزم بشدة بمشروع تحرير النساء من عبء العمل المنزلي. تحدث في المؤتمر النسائي الأول ودعم كل المبادرات التي تستهدف العاملات. كثيراً ما قيل أن الثورة الروسية لم تكن لتفوز بدون لينين. يمكننا أن نضيف أن لينين لم يكن لينتصر بدون المناضلات اللواتي دعمنه وساعدنه في صياغة أفكاره ووضعها موضع التنفيذ.

الهوامش:

Larissa Vasilieva (editor), Kremlin Wives, (London, 1994), p.9.
Porter, Alexandra Kollontai, p.248.
Liebman, Leninism, p.131.
Rabinowitch, The Bolsheviks Come to Power, p.265.
Share this: