مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي الحلقة 4



صبحي خدر حجو
2006 / 9 / 10

3ـ التشريع المدني ( القوانين والتشريعات المدنية الحديثة

بالنظر لوجود وتعايش الايزيدية في بلدان متعددة ، فقد خضعوا لتطبيق التشريعات المدنية المختلفة لهذه البلدان ( العراق ، سوريا ، تركيا ، جورجيا، ارمينيا ، واخيرا المانيا). ولذلك ، كان هنالك تفاوت بهذه الدرجة او تلك ، بين تشريعات هذه البلدان ، وانعكس ذلك على احوال الايزيدية بدرجات متفاوته أيضا. مثلا ، في ارمينيا وجورجيا وأذربيجان ، كانت التشريعات المدنية لهذه البلدان واحدة ، وكانت متقدمة قياسا للبلدان الاخرى . فقد كانت تنظر بعين المساواة للمرأة والرجل في مختلف مجالات الحياة . وقد انعكس ذلك ايجابيا على المرأة الايزيدية في تلك البلدان ، حيث استفادت من الزامية التعليم لمرحلتي الابتدائية والمتوسطة واحيانا الثانوية ، والبعض منهن تقدمن في مضمار التعليم والدراسة اشواطا بعيدة ، وحصلن على شهادات عالية وفي اوقات مبكرة قياسا للنساء الايزيديات في البلدان الاخرى . كما انها ( المرأة ) إستفادت بشكل جيد من زوال ظاهرة تعدد الزوجات . اذ ان القانون السوفياتي السابق ، كان يحّرم ويمنع تعدد الزوجات بالاضافة الى الاستفادة من المساواة في الحصول علىالميراث ، وايضا في مسائل اخرى لا تقل اهمية، كفرص العمل والدراسة واجازات الامومة والرعاية الصحية ، ومنع الاعتداء الجسدي ومقاضاة الرجل قانونيا في حالة وقوعه على المرأة ، والمساواة في حق الطلاق وحق الام في حضانة الاطفال بعد وقوع الافتراق ، وحقها في التملك ( ملكية الاشياء ).
وبالرغم من انعكاس هذه القوانين ايجابيا على المرأة الايزيدية ، كما قلنا ، ولكن كان هنالك اختلاف كبير في درجة تطبيقها، وبالتالي الاستفادة منها ، ما بين الذين يسكنون المدينة والريف ، فالذين يسكنون ايرفان وتبليسي والمدن الكبيرة الاخرى كانت استفادتهم اكثر من الذين يسكنون الريف ، ولم تؤدي هذه القوانين الى تطور وضع المرأة الاجتماعي بنفس الوتيرة . اذ بقيت المرأة في ريف هذه البلدان تعاني من معاملة الدرجة الثانية ، اي تعامل وفق النظرة والاسلوب العشائريين ، وتتعرض الى اشكال كثيرة من الاضطهاد البيتي ، وواجباتها اكثر بكثير من حقوقها .
اما في تركيا فقد كان يطبق القانون المدني ولم يكن الايزيديون ليراجعوا الدوائر الحكومية، الاّ عندما يضطروا الى ذلك ، حيث كانت تعاملهم الحكومة التركية وتسجلهم لدى دوائرها على انهم فرقة من الاسلام وعلى ( المذهب الخامس ) ، ولم يرضخ الايزيدية لهذه التسمية او القبول بالاسلام ، فقد سُجلوا في السجلات والمعاملات الحكومية على انهم ( اي الايزيدية دينسيسية اي بدون دين !! ) ، وعدا حالات الاضطرار للخضوع للمعاملات الرسمية ، فقد كان الايزيدية يطبقون فيما بينهم وفي قراهم والتي كانت بعيدة في اغلب الاحوال عن المراكز الحضرية والمدنية ، يطبقون القوانين والعرف العشائري في علاقات الزواج والاسرة والموقف من المرأة ....الخ .
وفي سوريا ايضا كان الامر شبيها كما في تركيا في بداية الامر ، حيث كانت الاغلبية الساحقة من الايزيدية تتجنب قدر الامكان التعامل مع الدوائر الحكومية ؛ اذ كانت تلك الدوائر تعامل الايزيدية على انهم مسلمون وتسجلهم في سجلاتها على هذا الاساس حتى الفترات الاخيرة . وحدث تغيير في وضعهم منذ بداية السبعينات من هذا القرن ( الماضي ) * . حيث حدث بعض الانفتاح عليهم وسمح لهم بتسجيلهم كونهم ايزيدية . وبسبب تنامي حاجتهم للتعامل مع دوائر الدولة بسبب الوظائف او المعاملات التجارية والمدارس و.....الخ .
ورغم الجوانب الايجابية للقوانين المدنية في سوريا غير انها ايضا مبنية علىاسس الشريعة الاسلامية ، مع ذلك يلاحظ ازدياد نسبة الايزيدية الذين يتعاملون مع هذه القوانين خاصة الساكنين منهم في المدن . وبخلاف ذلك فانهم يطبقون قوانين العرف العشائري فيما بينهم في الريف خاصة .
اما في العراق ، وعلى اعتبار ان الاكثرية الساحقة من الايزيدية يعيشون في هذا البلد فانهم ولاعتبارات كثيرة، منها بعدهم عن مراكز المدن ، وانتشارهم في القرى والارياف ، والخشية التاريخية الطويلة الامد من الانظمة المركزية والشكوك الدائمة بنواياها ، وما تعرضوا له من اضطهادات ومظالم كثيرة ، اضافة الى ضعف الوعي الاجتماعي وانتشار الامية ، الى جانب عوامل اخرى ، كانت تجعل الايزيدية لا يحبون التعامل مع الاجهزة الحكومية وان اضطروا لهذا التعامل فبحذر شديد . ولم يكونوا يرتأوا ان تكون لدى السلطات المركزية اية معلومات او سجلات عنهم الاّ في حالة اضطرارهم الى ذلك (1) . لهذه الاسباب لم يكونوا ليهتموا بوجود قوانين مدنية للاحوال الشخصية ، فضلا عن انهم كانوا يتحفظون لعلمهم ايضا من ان تلك القوانين موضوعة استنادا للشريعة الاسلامية . اضافة الى القصور الذي كان يسود اساليب الحكومات المتعاقبة لارشاد الناس بالروية والاساليب التربوية وانعدام استخدام طرق الاقناع والافهام والتوعية الصحيحة باهمية وضرورة الاستفادة من تلك القوانين لحل مشاكلهم الاجتماعية .
لذلك نلاحظ ان الايزيدية وبشكل عام كانوا يعتمدون على انفسهم وعلى ما هو متعارف عليه ( العرف العشائري ) في تسيير وحل مشاكلهم . وبطبيعة الحال كانت تنتاب هذه الحلول النواقص والثغرات وتترك وراءها مشاكل حادة في اغلب الاحوال .
ويمكن القول ان الوضع اختلف منذ اواسط الستينات من هذا القرن ( الماضي )* . اذ حدثت تطورات هامة كمية ونوعية في وضع الناس التعليمي والثقافي والاختلاط ، والحاجة المتزايدة للتعامل مع دوائر الدولة ... الخ . من العوامل التي ساعدت على زيادة التوجه للاستفادة من تلك القوانين ، ولكن ليس في جميع الحالات ،وعلى الاغلب يتم اللجوء اليها عندما يقرر الرجل ذلك . ولكن وفي كل الاحوال ، ورغم وجود ثغرات في تلك القوانين الا انها كانت خطوة متقمة للمجتمع ومنهم الايزيدية ، واثرّ بشكل ايجابي الى حد ما على وضع العلاقات الاجتماعية . اذ في حالات غير قليلة وعند نشوء خلافات بين العوائل او العائلة الواحدة يتم اللجوء الى القانون المدني . رغم ذلك ما زال الامر محصوراً ولم يتحول الى ظاهرة شاملة . ويمكن القول ان مجرد المعرفة بوجود هذا القانون وتوفر امكانية اللجوء اليه ، يعطي قوة وزخما للذين يشعرون بالغبن ، وفي نفس الوقت يحسّن المواقف ويجعل امكانية التراضي وابداء قدر من التساهل موجودا لدى الكثيرين ، بينما كان للناس في السابق خيار واحد فقط ويتمثل بالعرف العشائري والذي كان لصالح الرجل كلياً.
9/9/2006
يتبـــــع

الهوامش
:

* كل اشارة نجمة واردة هي من الكاتب ويشير الى القرن الماضي .
1ـ د . سامي سعيد الاحمد ( الايزيدية ، احوالهم ومعتقداتهم ) بغداد 1971 ، الجزء الثاني ص 72