وبها يليق الاحتفاء



عبدالرحمن محمد محمد
2022 / 3 / 28

يرتبط شهر آذار بالربيع، وبالدفء وبالخضرة، وبالطيور وبالفراشات فتختلط هذه المكومات بالذاكرة الجغرافية للعديد من الشعوب، كما نجده في الموروث الثقافي، والفني في فعاليات تلك الشعوب، فآذار ثورة الطبيعة على سكونها، وعلى الجمود وسبات الشجر والثمر، فهو تفجر الحياة بدورتها السنوية من جديد، في الينابيع الدافقة، وفي ولادة البراعم وضحكتها في الأرض الدائمة، وزغرودة الطبيعة الأم، ولآذار حكايات الكون مع الأعياد، وفي الأيام المميزة، ولعل أبرزها على سبيل المثال لا الحصر عيد النوروز الذي تحتفل به الطبيعة، وغالبية الشعوب الشرقية، ومن ثم يوم المرأة العالمي الذي يصادف في اليوم الثامن منه.
بالحديث عن يوم المرأة، ماذا لو طرحنا سؤالاً، هل يكفي المرأة يوم، كي نحتفي بها، ونحتفل بجلال قدرها، وعظيم مقامها، وهل يخلو يوم من عطاء وتضحية، وما للمرأة فيه من أهمية في العمل والبذل، ولما لهما من أهمية في أصول تربية المخلوق البشري، كي يصبح إنسانا فاعلا في الحياة وفي مختلف جوانبها، كيف لنا أن نوفي المرأة حقها ونرد لها بعض جميلها في يوم واحد؟ وهي المعطاءة على مر الحياة، بل وهي صانعة الحياة.
فلم تغب المرأة عن ساحات الوجود، كي تعود إليها، لقد كانت وهي واهبة الحياة، وهي رمز العطاء والتجدد والانبعاث، آلهة الخير، والحب، والجمال، ومن منا لم يسمع بتلك الآلهة، التي كانت تُعبد أحياناً إلى جانب مكانتها، وقداستها، وكانت "الأم الكبرى" وكانت الآلهات "نمو، وأنانا، ورحيا، وأفروديت، وعشتار، وإيزيس، وآرتمس، وكالي ... " وسواهن العشرات، وربما المئات، هل يكفي أن نهب من وهب الحياة يوماً واحداَ، وهي التي وهبت الحياة لنا، وأرضعتنا حليب الحياة من صدرها؟
المرأة التي كانت وما تزال وستبقى اكسير الحياة، ونسغها ومعنى وجود البشرية، كانت المضحية، التي أعطت دون مقابل، ووهبت دون انتظار لشكر أو ثناء، واحتملت، وحملت أعباء الحياة وتبدلاتها، فكانت الآلهة القديرة، والأم المعطاء، والأخت المحبة، والقائد الجسور، والمخترعة الذكية، والكاتبة والشاعرة والمبدعة، والفنانة الذواقة، وسيدة الأعمال الناجحة، وعلاوة عن كل هذا، وذاك، هي نصف المجتمع في كينونته وفي إبداعه، وفي وجود ناتجه الفكري الثقافي، وهي مربية النصف الآخر، وشريكته وملهمته، وسنده ومعينته، إنها معنى الوجود كله، فهل يكفيها يوم للاحتفاء، أم أنها تستحق الاحتفاء بها على مدى الأيام والأعوام؟
يوم المرأة العالمي ربما كان أو الأجدر؛ أن يكون يوما لمراجعة الذات للرجل، أو للمرأة، على حد سواء، ليسأل الرجل ذاته:" ماذا قدمتُ للمرأة؛ لأمي، ولأختي، ولشريكة حياتي ولمعلمتي، كيف أعيش معها، وكيف أقتسم الزمان والمكان معها، وكيف أتعامل مع شخصيتها الوجودية، وكيف أترفع عن كل ما يبعدني عنها، وما نظرتي المفسّرة لكيانها، أما زالت في ذهني، أنها مخلوق تنقصه أشياء، أم أضحت المرأة متغلبة على لب الرجل الحازم فهي الند له، والشريك وصانعة الحياة؟" وللمرأة أيضا أن تسأل ذاتها: "ماذا قدمت لذاتي في إنسانيتي وفي أنوثتي، هل تجاوزت عقدة النقص، وتعرفت على ذاتي، كي أعرَف بها سواي، ماذا قدمت لذاتي، لأعود واهبة للحياة والحب، هل نزعت عن نفسي رداء الخنوع، وتجاوزت عقدة النقص، والانكسار، ماذا فعلت؟، وسأفعل لأكون الأخت، والأم والشريكة في كل عطاء، وفي كل إنجاز، لأحافظ على ما أنجزت وأزيد".
في يوم المرأة العالمي العالم مدين للمرأة بوجوده، والحياة مدينة لها؛ لأنها هي من وهبتها، في يوم المرأة العالمي العالم مطالب، أن يحتفي بالمرأة ثلاثمئة وستة وستين يوماً؛ ويوم.