القانون في خدمة الذكورية قوانين -409-128- نموذجا



نساء الانتفاضة
2022 / 3 / 29

ان القانون هو: ((الشكل الجوهري لخطاب "فعال"، قادر بحكم اشتغاله على ان ينتج اثاره؛ لن يكون تجاوزا القول بأنه يخلق العالم الاجتماعي، شرط ان نتذكر فحسب ان هذا العالم هو الذي يخلق القانون)) كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو.

من المعروف ان القوانين تضعها وتشرعها القوى المسيطرة، فهي من يكون لها السطوة في فرض هذا القانون او ذاك، أي ان القوانين هي انعكاس لعلاقات القوة الاجتماعية القائمة، وهي المعبر عن مصالح هذه القوى المسيطرة، بالتالي فهي تقاتل في سبيل حماية هذه القوانين، وتراها تقف بحزم امام دعوات تغيير او تعديل هذا النص القانوني او ذاك.

قداسة القانون لا تأتي من كونه عادل او مميز او متفق عليه، بل من كونه يحافظ على نمط سائد من العلاقات، فيها يٌضمن بقاء شكل السلطة ويحميها، ويرسخ التقسيم الاجتماعي في كل مناحي الحياة وجوانبها ويؤبده، لهذا فأن محتوى "جوهر" السلطة باق كما هو كقوة قمعية، المتغير الوحيد هو شكلها، فهي تنتقل من شكل لأخر، ديموقراطي، لبرالي، ثيوقراطي، الخ.

لنأخذ القوانين المحافظة على نمط محدد من الحياة الاجتماعية كمثال، والتي من خلالها نستطيع تلمس "الأساس الخفي للسلطة"؛ المادة 409 من قانون العقوبات، تنص على (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات من فاجأ زوجته او احدى محارمه في حال تلبسها بالزنا او وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال او قتل أحدهما او اعتدى عليهما او على أحدهما اعتداء افضى الى الموت او الى عاهة مستديمة ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده احكام الظروف المشددة).

هذا النص القانوني يشير بشكل واضح الى تثبيت دعائم قيم ذكورية تامة، فهو لم يقل "تعاقب بالحبس"، فالفعل "الزنا" ترتكبه المرأة فقط، أي ان المرأة اذا وجدت زوجها في فراش امرأة أخرى فلا يحق لها ان تفعل شيئا، اما هي فيقع عليها العقاب الأقصى والاقسى "القتل"، اما الفاعل "الرجل" فأن عقوبته خفيفة جدا، بل انها لا ترقى حتى لمستوى جريمة سرقة؛ ورغم هذه العقوبة المخففة فأن المشرع "الذكوري" وجد لهذا القاتل الخلاص في المادة 128 من قانون العقوبات فيما يسمى "الاعذار القانونية" التي تنص: ((الأعذار أما تكون معفية من العقوبة أو مخففة لها ولا عذر إلا في الأحوال التي يعينها القانون وفيما عدا هذه الأحوال يكون عذرا مخففا ارتكاب الجريمة لبواعث شريفة أو بناء على أستفزاز خطير من المجني عليه بغير حق)) انه يمنحه هوية آمنة، بل انه اشبه ما يبارك له فعلته.

هذه المواد القانونية ترسخ من فهم ان المرأة موضوع وليست ذات، تبقي من "قوامة" الرجل، تلغي كينونة المرأة تماما؛ حتى اللغة المستخدمة في نصية هذه المواد هي لغة دينية "زنا"، وهو ما يتسق بشكل تام مع شكل السلطات المتعاقبة، وهذه اللغة تعد أيضا من اليات خطاب السلطة القوية والفعالة، التي يكسبها "الشرعية" داخل المجتمع.

طارق فتحي