آنا (1864-1935) وماريا أوليانوفا (1878-1937)



جودي كوكس
2022 / 4 / 4


القسم الثاني: سير ذاتية لحياة ثوريات بلشفيات

كتاب ثورة النساء: روسيا 1905-1917

الكاتبة: جودي كوكس

آنا وماريا، اللتان هما تباعاً شقيقتا لينين الأكبر والأصغر منه، قلما ما يتذكرهما مؤرخو الثورة. كتب فالينتينون، ثوري التقى في لينين لأول مرة عام 1904، أنه كان كـ”الشمس في النظام الشمسي”، حيث تكاد ماريا “تعبده” وترى فيه ماريا “نبياً”(102). من المؤكد، أن لينين هو من عرّف شقيقتيه على الماركسية. أحد المعاصرين كتب عن آنا لاحقاً، متأثرة بالقراءات والنقاشات الماركسية مع فلاديمير إيليتش، تكوّنت آنا ماركسياً.

تميل السير الذاتية للينين إلى ذكر شقيقتيه فقط خلال طفولته أو في بدايات الحقبة الثورية، ولاحقاً خلال فترة مرضه عندما اهتمت به ماريا. بالكاد تظهر النساء في معظم الكتابات عن الثورة الروسية، وعندما يحصل ذلك، غالباً ما تستعمل لغة مجندرة للغاية. على سبيل المثال، يصف روبير سرفيس ماريا، التي لم تتزوج على الإطلاق، بأنها “عانس مزاجية”.(104) في حين كتب آخرون أن آنا عكّرت حياة زوجها مارك من كثرة “نكدها”، وبحسب كتاب سرفيس ولّد وَلَه شقيقتيه ميول لينين الاستبدادية:

“لقد كان محاطاً بما يمكن تسميته هالة التشجيع. كان يعطي انطباعاً عاماً بأنه على الآخرين التماشي مع رغباته. وهكذا أصبح “زعيماً بالفطرة”. لكن ذلك حدّ كذلك من إدراكه بالصعوبات التي تسبب بها. لقد كان معتاداً على المضي قدماً، لدرجة أنه، إذا تعرض للنقد أو الرفض كانت تصيبه نوبة من الغضب. كان يكره أن يحبطه أحدهم. عندما كان شاباً، استمر تدليعه من قبل أربع نساء.”(105)

لكن آنا، التي كانت الأكبر، كانت ناشطة في الدوائر الماركسية لسنوات قبل أن ينضم إليها لينين. كانت كل من آنا وماريا ثوريتين ملتزمتين طوال حياتيهما. بدءا من 1890ات وصولاً إلى عام 1917، عملت آنا وماريا كثوريتين بشكل مستقل عن لينين. استعملتا معتقداتهما السياسية وأحكامهما، بالإضافة إلى خبرتيهما ومهارتيهما كثوريتين. عملت آنا وماريا بشكل وثيق مع العديد من القادة البلاشفة، من بينهم بوخارين ولوناتشارسكي وستاسوفا. وكالعديد من الثوار، عاشت آنا وماريا حياة تشرد خلال السنوات السرية، حيث سافرتا كثيراً في كل أنحاء روسيا وأوروبا، في كثير من الأحيان للقيام بواجبات حزبية، ولكن كذلك للهروب من الاعتقال وأحياناً لتمضية فترات في المنفى. واصلت آنا وماريا تحريضهما الثوري عندما كانتا تحت خطر الاعتقال، ولكن حتى داخل المعتقل، حيث حرضتا من دون ملل العمال والجنود والمعتقلين.

لعبت آنا وماريا دوراً أساسياً في إنتاج الصحف والمنشورات البلشفية، والتي كانت شديدة الأهمية للحركة الاشتراكية الديمقراطية. سمحت هذه المنشورات بتداول الأخبار والأفكار بين أعضاء الحزب وكانت واحدة من الروابط القليلة التي تربط المجموعات الثورية المتفرقة والمتباعدة جغرافياً. شاركت آنا وماريا في نشر كل المنشورات الأساسية خلال فترة العمل السري. لعبتا دوراً بارزاً في انتاج جريدة الإيسكرا، نشرة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأساسية. ساعدت آنا بتأسيس الجريدة خلال وجودها خارج روسيا بين عامي 1900 و1902، وعملت في منظمات الإيسكرا، بداية في باريس، ولاحقاً في برلين. كما كتبت مقالات في الجريدة. بدأت ماريا بالعمل في الإيسكرا بموسكو، حيث استلمت الجريدة المخفية داخل أغلفة الكتب المرسلة من الخارج. كما كتبت إحدى المؤرخات خلال سنوات العمل السري “لم يكن هناك أعمال تافهة وأخرى عظيمة، عندما كان العمل العظيم يعتمد على العمل التافه، فتؤدي خطوة غير مبالية إلى انهيار المنظمة، فينهار كل شيء لسبب تافه”.(106)

أعدم ألكسندر أوليانوف، الابن الأكبر لعائلة أوليانوف، عام 1887 لمحاولته اغتيال ألكسندر الثالث. كانت آنا وألكسندر أعضاء في ذات المجموعة وشاركا في ذات الاجتماعات والمظاهرات. في الليلة التي حاول فيها ألكسندر اغتيال القيصر، فتشت شقته حيث اكتشفت الشرطة برقية مرسلة إلى آنا. فألقي القبض عليها. وعندما حكم على ألكسندر بالإعدام، حكم على آنا بالنفي. نظمت والدة آنا حملة ناجحة للسماح لابنتها قضاء عقوبتها في المنزل العائلي بدلاً من خارج البلاد. بدءا من عام 1893، شاركت آنا وماريا من دون كلل في الحركة الثورية السرية و”غير الشرعية”. هربت آنا من الاعتقال عام 1900 واتجهت إلى فرنسا وألمانيا حيث انضمت إلى المجموعات الاشتراكية الديمقراطية هناك، وغالباً ما زارت لينين في جنيف وميونيخ. في شهر كانون الثاني/يناير عام 1904 ألقي القبض على آنا وماريا فأمضيتا شهوراً في السجن. صيف العام 1905 وصلت ماريا إلى سانت بطرسبرغ وانضمت إلى آنا في العمل الكثيف للجنة البلاشفة فيها. بعد هزيمة ثورة عام 1905، تحملت ماريا فترات طويلة من المنفى وأقامت تنظيمات اشتراكية في البلدات التي أرسلت إليها. سافرت آنا، التي تزوجت وتبنت طفلاً، في كل أنحاء روسيا وقامت بتحرير وتنظيم منشورات سرية مثل رابوتنيتسا.

عام 1917، انخرطت آنا وماريا في النضال الثوري. حصلت ماريا على آلة كاتبة وبدأت في كتابة الشعارات حتى توزع في بتروغراد. بدأت الشقيقتان بالعمل في رابوتنيتسا التي أعيد إطلاقها: تمكنت آنا من طباعة وتوزيع 12 ألف نسخة من الطبعة الأولى من الجريدة، كما تمكنت من إصدار 7 أعداد بين 23 شباط/فبراير و26 حزيران/يونيو عام 1917. في 8 آذار انضمتا إلى اللجنة المركزية للحزب البلشفي. كتبت آنا وماريا مقالاً عن الثورة في جريدة البرافدا: “كم كان سريعاً كل ما حصل! كقصة، كخيال جميل ومهيب. في يوم واحد، عشنا أحداثاً أكثر مما عشناه في السابق خلال عام واحد، خلال أيام قليلة تخلصت الجماهير من الماضي.”(107) بين عامي 1917 و1924، وصلت آنا وماريا إلى مناصب متقدمة في النظام البلشفي. ساعدت آنا على إقامة قسم حماية الطفولة ولاحقاً أصبحت رئيسته، في حين باتت ماريا السكرتيرة التنفيذية لجريدة البرافدا، وقائدة رابسل كور، منظمة عمالية.

وصفت تقارير الشرطة قبل الثورة بشكل جيد وضع آنا وماريا في المنظمة البلشفية. حيث أشارت إلى آنا باسم إليزاروفا: “لديها ميول مدمرة، تستخدم معارفها الأجانب لإدخال المنشورات غير القانونية داخل الامبراطورية. كما تنقل المعلومات عن الأحداث الجارية في البلاد إلى المناضلين الثوريين الأجانب وكذلك المنشورات السرية، وتقدم الدعم والخدمات للمنظمات الثورية. وبسبب أهمية إليزاروفا الشديدة، تطلب إدارة الشرطة وضعها تحت المراقبة”.(108)

كما وصف تقرير آخر ماريا وبقية العائلة: “”ماريا الثانية” تدعم من دون شك التقاليد الثورية لعائلتها، والتي تتميز بميول مدمرة. أعدم شقيقها ألكسندر عام 1887 لمشاركته في مؤامرة إرهابية، وأرسل فلاديمير إلى سيبيريا بتهمة الخيانة، ووضع ديمتري مؤخراً تحت رقابة الشرطة لمشاركته في نشر الأفكار الاشتراكية الديمقراطية. الشقيقة آنا على اتصال دائم بعملاء أجانب، وهي مثل زوجها ألكسندر تيموفيفيتش إليزاروف، تحت رقابة الشرطة”. (109)

الهوامش:

Turton, Forgotten Lives, p.23.
Quoted in Turton, Forgotten Lives, p.34.
Service, Lenin, p.447.
Ibid., p.84.
Quoted in Turton, Forgotten Lives, p.63.
Ibid., pp.126-7.
Ibid., p.68.
Ibid., pp.69-70.