يا لضآلة حق النساء أمام حقوق الرجال في القانون العراقي



فؤاده العراقيه
2022 / 4 / 10

التقيت بها صدفة ,امرأة حائرة كبقية النساء بعيونها المنكسرة وبرأسها المُنكس للأسفل بسبب زوج استغل سلطته عليها لسنوات وما أن انتهت مهمتها قام برميها للشارع بكلمة واحدة فقط وكذلك بقية الحقوق التي تجعله يتزوج ويطلق وفقا لشهواته ومن دون حساب سوى دفع بضعة دنانير لا تُضاهي ما دفعته هي من سنوات عمرها ، تزوج عليها ورماها للشارع وهي الآن لا تطمح بأكثر من الحصول على راتب للرعاية الاجتماعية عسى أن يكفيها خبزا حافا لتستمد منه الطاقة وتساعد انفاسها على الاستمرار في شهيقها وزفيرها لمجرّد إنها خُلقت في عالم يسلب حياة النساء وحريتهنّ ويهين كرامتهنّ, جلستُ بقربها بانتظار طلبي وسألتُها عن حالها فقالت والبؤس يعلو وجهها بأن زوجها قد طلّقها وتزوّج من أخرى وهي الآن تسكن مع أختها المتزوجة التي ضاقت بها ذرعا رغم أن لا طلبات لديها سوى من لقمة فائضة عن الحاجة لتسد بها رمقها وكذلك هي لا تؤثر عليهم لكونها تشغل مكانا ضيقا من البيت وهو عبارة عن فراغ متروك تحت السلّم ,مؤكد بأن اختها ايضا لا قوة لها فالقرار بيد زوجها كعادة هذا المجتمع، ولتبرر هذا التوحش قالت بأن الناس لم يعودوا يتحملوا بعضهم البعض والرحمة انعدمت لديهم بسبب الفقر والقهر الذي اخذ يتصاعد أخيرا ,فتساءلتُ بسريرة نفسي : هل نُبرر قهرنا للآخرين واستعبادنا لهم بنفس القهر الذي وقع علينا لنقهرهم بسببه ، أم إن سلوكنا هو امتداد لثقافة مجتمعنا العقيمة بأصولها؟
كثير ما كنّا نسمع سابقا ولا نزال نسمع عن أزواج طلقّوا زوجاتهم بسبب رغبة أو نزوة اعترتهم بالتغيير فسرعان ما يبادروا بتغيير زوجاتهم تحت ذريعة الطبيعة الكامنة بهم والتي هي مختلفة عن طبيعة زوجاتهم وهي حب التغيير التي يتفاخرون بها رغم إنها إدانة لهم وتستوجب الخجل , فللذكور طبيعة شبقية مختلفة عن الإناث ورغبات يعجزوا عن مقاومتها وهي ضعفهم امام الجنس الناعم ومن ثم يلصقون ضعفهم بالنساء والقوة بانفسهم رغم أن النساء قادرات على كبح جماح غرائزهنّ وضبطها وعدم التمادي بها ورغم إن هذه الطبيعة تُدرج لصالحهنّ ولضعف في الذكور لكونها تعطي للنساء قوة مقاومة تلك الرغبات ومع هذا يصفونها بغلبة العاطفة وبالضعف , وكذلك يتذرعوا بأسباب تطليق زوجاتهم بالخلل الكامن بهنّ رغم إن المنطق يقول بأن الخلل يكمن بثنايا عقولهم المزدوجة وبفكرة التفوق التي استمدّوها من مفاهيم وأسُس شوهت طبيعتهم وضخّمت ذواتهم بمفاهيم الذكورة الحمقاء التي جعلتهم يُصدّقون بأنهم الجنس الأسمى,ولا يزال ليومنا هذا من ضمن حقوق الذكر هو حقه في الخيانة وتعدد العلاقات خارج منظومة الزواج .
ولكن في الآونة الأخيرة كثُرت حالات الطلاق في العراق وبنسب مخيفة وغالبا ما يكون الطلاق بطلب من النساء وهذا شيء مفرح ودليلا على إن النساء بدأن برفض الظلم وبمعرفة ما لهنّ وما عليهنّ بفضل الانفتاح الذي كان سببا في انهيار الكثير من الأسس التي بُنيت على اساس هش , حرّك الانفتاح المياه الآسنة التي كانت تسكن عليها الأسر ومعها تحرّك السكون الذي كان السبب في بقاء تلك العلاقات مستمرة على اكتاف وصبر وتحمّل الزوجات وبدأ يتجلى لعيونهنّ الظلم الواقع عليهنّ ولكن بشكل فوضوي ودون وعيا منهنّ وهذه الفوضى هي نتاجا طبيعيا لانعدام الوعي الذي كان السبب في تفكك المجتمع وهذا ما تبتغيه أي سلطة لتهيمن على العقل فلا شيء يرعب السلطات سوى العقول الحرّة والواعية ,واليوم لو خيّروا الأزواج من كلا الجنسين فيما لو حصلوا على الانفصال مقابل توفير احتياجاتهم من الحاجة التي غُصِبوا بسببها على إكمال حياتهم الزوجية ’’ المصلحة المتبادلة ’’لحصلنا على نسبة 99٪ منهم يرغبون في الانفصال ,فحينما تشتد الأزمات ويغيب عقل الإنسان ستظهر حقيقته المُستترة بقناع المصلحة والزيف, وهذا دليلاً قاطعا على إن الزواج في مجتمعنا مبنيا على أساس هش سرعان ما ينهار عند مهب اول ريح لكونه مجرّد شراكة اعتمدت على معادلة الربح والخسارة، فإن حصل وأن توافقت المصلحة فيما بينهما تم العقد وتأتي بعدها مرحلة التباري بين الطرفين بمَن منهم الأكثر قدرة على تخريب الثاني فيتحمّل أحدهما الثاني مُجبر بحجة الأبناء وشغف الحياة وصعوبتها , ويكون الخراب على أشدّه فيما لو كان الطرفان جاهلا وعادة الجاهل بأنه لا يعطي أهمية للخراب لكونه مُشبّعاً به من الداخل فلا يشعر بتأثيره السلبي بل لا يهمّه الأمر ,ولكون الزواج في مجتمعنا هو ليس لبناء أسرة جديدة بل هو رغبة غريزية وشر لا بد منه فيكون التخريب من خلاله على أوسع نطاق ونحو المزيد من الأسر المُهدّمة، وتمر السنوات ويستمر بها الخراب النفسي والعقلي للطرفين ليُنتجوا من خلالها أبناءً مشوهين توارثوا اضطرابات آبائهم النفسية وعلى رأسها النرجسية التي يتمتع بها الرجل العراقي أكثر من المرأة تبعاً لمفاهيم المجتمع التي عززّت بداخله تلك النرجسية ,أما النساء فتنتهي ادوارهنّ بعد الزواج مباشرة لنفس السبب,هذه المفاهيم التي حصرتهنّ بالزواج ومن ثم الإنجاب ودوّامة الخدمة ستقتل ما تبقّى من خلايا عقلهنّ بسبب روتين العمل المنزلي الغير مُنتج ,وحين يبلغ الأبناء عمر معين سينهون بكِبرِهم صلاحية الأمهات في الحياة وما عليهنّ سوى انتظار الموت رغم إنها كانت ميتة سريرياً باستثناء حركتها الديناميكية تلك .
وتأتي الحقوق تباعاً للذكر فمن حقه أن ينفعل ويفقد اعصابه ويتقلب مزاجه وتستمر التبريرات له بانعدام قدرته على ضبط نفسه ويُعادي المرأة فيما لو تبادلت معه نفس الأفعال ,ولا تزال الاسس التي تأسست عليها حقوق الذكور واهية بتطليق زوجاتهم في أي وقت يشاءوه ويتزوجوا لغاية أربع نساء , ومن ثم حقهم في أن يُطلقوا أي واحدة منهنّ فيما لو رغبوا بالخامسة حتى وإن لم يكن هناك سببا مقنعا ولكن لرغباتهم سلطة تعلو فوق سلطة العدالة وفوق مشاعر جميع النساء بغض النظر عن مقامهنّ ووعيهنّ بشرط أن يُدفع لهنّ مهورهنّ من مقدم ومؤخر , فالقوانين اعتبرت النساء سلعة تُباع وتُشترى ، وليس من حق الزوجة أن تُعارض على زواج زوجها لكونه حقا شرعياً له وبمقابل هذا الحق الذي يبيح له رميها إلى الشارع أعطوها حق تطليق نفسها دون أخذ الاعتبار لسنوات عمرها التي انقضت في خدمة الزوج فلا يهم هذا أمام نزوات الذكور ,فيا لضآلة حقها أمام حقه .