زوجة طه حسين



حسن مدن
2022 / 4 / 13

ربما ما كان طه حسين سيتزوج في حياته إطلاقاً، مقتدياً في ذلك سيرة أبي العلاء المعري.

هذا، على الأقل، ما ينقله الدكتور محمد الدسوقي في كتابه «مع العميد في ذكراه». وكان الدسوقي قد لازم العميد في سنواته الأخيرة، قارئاً له ما ينتخبه العميد من كتب، ويذكر أنه قرأ له يوماً خبراً في صحيفة عن الزواج ومشكلاته في بعض دول العالم، فعلق طه حسين: «كان مذهبي هو مذهب أبي العلاء في العزوف عن الزواج»، ولما سأله الدسوقي لماذا أخذ بهذا المذهب، كان رده: «لأني مثل أبي العلاء في العاهة، ولأنني أحببته وكتبت عنه رسالتي للدكتوراه».

لم يأخذ طه حسين فعلياً، كما بتنا نعلم جميعاً، بمذهب معلمه وملهمه أبي العلاء وتزوج من الفرنسية سوزان التي تعرّف عليها فترة إقامته للدراسة في فرنسا، لذا قال له الدسوقي في المحادثة إياها: «يبدو أن زوجتكم كانت السبب في عزوفكم عن مذهب أبي العلاء»، فأجاب العميد: «إن زوجتي كانت تقرأ لي في الجامعة بأجر، فأعجبني صوتها وطريقة حديثها، فأحببتها وغلب حبها على مذهب أبي العلاء، فطلبت منها الزواج فاستشارت بعض أهلها، فأشاروا عليها بعدم الزواج مني لأنني أجنبي وكفيف، لكنها لم تأخذ بمشورتهم».

هنا سأله الدسوقي: «لو قدّر لكم الزواج بامرأة أخرى فهل كان هذا سيؤثر عليكم»، فكان رد طه حسين بالإيجاب، في إيماءة إلى أنه ربما ما كان سيجد نفسه معها، وسيعود إلى مذهب أبي العلاء، موضحاً أن زوجته قرأت له الأدب الكلاسيكي الفرنسي، وعاونته في دراسة اللغة اللاتينية، وفتحت له آفاقاً فكرية وأثرت في ثقافته وأدبه تاثيراً واضحاً.

لكن لنعد إلى ما روته الزوجة سوزان لحكاية زواجهما، كما أوردتها في كتابها عنه، الذي حمل عنوان «معك»، حيث قالت إن ثمة قارئة كانت تأتي بانتظام لطه حسين الذي سكن، كمستأجر، في غرفة ببيتهم، وإن سيدة أكبر في العمر تصحبه إلى السوربون، «لكني شيئاً فشيئاً أخذت أتدخل في ذلك، وأصحبه، أنا الأخرى، إلى الجامعة، وكنت أقرأ له عندما يكون وحيداً. كنا نتحدث بكثرة وكان يحقق تقدماً عظيماً في اللغة الفرنسية».

ذات يوم باغتها طه حسين بالقول: «اغفري لي، لا بد من أن أقول لك ذلك، فأنا أحبك». أذهلتها المفاجأة وصرخت بفظاظة، حسب تعبيرها: «ولكني لا أحبك!». فقال بحزن: «آه. أعرف ذلك جيداً، وأعرف كذلك أنه مستحيل».

مضى زمن، وأتى يوم آخر حين وجدت سوزان نفسها تقول لأهلها: «إنني أريد الزواج من هذا الشاب».

«لاشك أنك جننتِ، قال الأهل، من أجنبي؟ وأعمى؟ وفوق ذلك كله مسلم؟!».