(فطومة)



نساء الانتفاضة
2022 / 5 / 4

((وتوقف أنين الرحى برهة، وأخذت فطومة تمسح يدها الندية بثوبها الأزرق الراهل، وتطلق نظراتها الساهمة في عطاف الليل الحادب فوق الخرائب))

قصة كتبها الاديب الكبير القاص عبد الملك نوري، وقد حازت على الجائزة الأولى في مسابقة الاقصوصة العربية التي أجرتها مجلة الاديب البيروتية عام 1948، فيها يكشف عن واقع الريف في العراق، وتحديدا واقع المرأة فيه.

حياة فطومة بائسة جدا وحزينة، انها تنتظر زوجها المتجبر والمستبد، رغم قسوته المفرطة ورغم الاذلال والضرب الذي كانت تتلقاه منه، رغم كل ذلك فهي تبقى بأمل رجوعه، مضت خمسة عشر عاما من الانتظار "خمسة عشر عاما ً.. آه يا ظالم.. لا مكتوب .. لا كلمة.. ولا رسول .. حي ، ميت" ؟، لكنها متعلقة بأمل "سيأتي غدا ً مع شروق الشمس، سيأتي منصور ومعه خير كثير".

يصورها عبد الملك نوري وهي تدير رحى الطحن، في رمزية عالية، فالرحى دائما تصور على انها الحياة، ولان عملها مهلك فأن حياة فطومة متعب، الأطفال والعائلة وواجبات المرأة الريفية المتعب والشاق، وانتظار زوج هاجر لا تعلم الى اين، فهي تعتقد ان برجوعه "يتوقف انين الرحى".

منصور يترك قريته بسبب الفقر، ويترك فطومة لأنها لا تلد الا الاناث: "لعنة ثالثة .. يا أم اللعان ! هه .. هذا بطنك القذر لا يحمل غير الاناث"، كان يسميها "ام اللعان"، حتى انها تصير مثلا سائرا في القرية.

كانت تتدفق منه الشتائم البذيئة دائما، ويداه كانت تعمل في جسدها الوشوم، كان دائما يقول لها "اذا بليت النعل ماذا يصنع بها صاحبها... يجب انتعال أخرى جديدة"، الاهانات والاذلال لا يفارق حياتها المرة مع منصور، الفحل، الذكر، المتجبر والمستبد؛ ابيها تدمع عيناه لرؤيتها، ويطلب منها الخلاص من منصور، لكنها ترفض، اخوها يقول هي دائما ترفض، انها تحب الضرب والاهانة.

تتذكر أيام زواجها من منصور، تتذكر دخلته عليها وهي ابنة الثمانية عشر عاما، تتذكر كلماته المزعجة وهو يهمس في اذنيها "اتدرين كم كلفتني يا فطومة"؛ فهي سلعة؛ انها تنتقل من ذكرى مؤلمة لذكرى اكثر ايلاما.
بعد خمسة عشر عاما يعلن عن مقدم منصور، متزوج ولديه أبناء ذكور، فترفع فطومة بصرها الى السماء.

انها لوحة فنية رائعة رسمها عبد الملك نوري، عن معاناة المرأة في الريف، عن واقع بائس ومزري، عن فحولة وذكورة "سي السيد"، الذي يرمي كل شيء وراءه، غير مبال بأي شيء، فهو يترك فطومة واطفالها مثلما يلقي منجله.

#طارق_فتحي
https://www.alnaked-aliraqi.net/article/25609.php