من تجاربي الشخصية



فؤاده العراقيه
2022 / 5 / 18

حين تُقرر الزوجة إنهاء رابطة الزواج يقف الجميع ضدها وإن كانت هي على صواب ,واللوم يقع عليها دوما وإن كان العيب بالزوج ،فلا صواب للمرأة سوى أن تتقبل الذل وخصوصا عندما تبلغ عمر معين أو يفوت على زواجها سنوات طوال كما حدث معي ...
اتحدث بهذا المقال عن تجربتي الخاصة والعامة بنفس الوقت لكون تجاربنا وما تحمله من معاناة هي مرتبطة ببيئتنا التي احتضنت وعينا منذ الطفولة, وبمحيطنا وما يحمله من اشخاص ارتبطوا بنا والتفوا حولنا لتنتج عن هذا الخليط تجاربنا المتشابهة نوعا ما بشكلها وبأسبابها وبعمقها ولكنها مختلفة بنتائجها لكونها تعتمد على نسبة وعي أصحابها, ولهذا اعتبرت تجربتي وما تحمل من معانات هي تجربة خاصة بعموم النساء اللواتي دُمِغت عقولهنّ بأفكار المجتمع الذي غبنَ حقوقهنَّ وعطّل عقولهنّ عن التفكير والتأمل الصحيح لغاية ما اوصلهنّ لحالة من الشلل العقلي والرضوخ لواقعهنّ التعيس والقبول به، بل والتمسّك بسلاسل العبودية التي باتت تُشعِرهنّ بالأمان من خلال تواجدهنَّ داخل حلقة القطيع التي رسموها لهنَّ، وكذلك تشمل غالبية الذكور الذين ترعرعوا في مجتمع خلق منهم شخصيات مريضة تعاني من اضطرابات نفسية خطيرة، فأرضنا خصِبة لخلق هكذا شخوص يتفوّق بها الذكور عن الاناث.
أما عن ما ذكرته من اختلاف بنتائج تجارب النساء رغم تشابهها فيعتمد على طبيعة ووعي صاحبتها ,فالبعض يرضخن على حساب كرامتهن التي سُحقت بالزواج والبعض يتحججن بقلة الحيلة والمادة والبعض يحتفظنّ بكرامتهن التي يعجز الزوج من ان النيل منها وتحطيمها فتبقى تستنزف عمرها في محاولة للحفاظ على كرامتها في انتظار الحين الذي لابد من أن يأتي, ليس بالصبر بل بالمواجهة التي لابد منها.
المقال طويل نسبيا لكونه مرتبط بسيكولوجية الإنسان و بمظلومية النساء ونظرا لما يحمله في الطيات من تناقضات المجتمع التي لن تُطرق بذهن المغيبين بازدواج معاييره فالتزموا الصمت حيال حياتهم التي افقدتهم كرامتهم من خلال علاقاتهم المستقيمة ظاهريا والخرِبة داخليا ، اتحدث به عن ازدواجية الرجل الذي يرى شأنه عاليا أمام النساء ويتناسى نقصه بل ويُلصقه بالنساء من حوله من خلال تشبثه بذكورته الحمقاء عسى أن تعوضه عن نقصانه ,عن قوانين الزواج الفاشلة التي اعتمدت على التمييز ما بين الجنسين والفصل فيما بينهما من خلال تقسيم الحقوق والواجبات لكل من الرجل والمرأة والتي تكاد تنعدم بها حقوق الزوجة , وعن انعدام العدالة والمساواة فيما بينهما بعدّة نقاط منها العصمة التي انحصرت بيد الزوج دون الزوجة لتُمكّنه من فك رابطة الأسر أو الإبقاء عليها ,فالقانون اعتبر المرأة قاصرا بأي عمر كانت أو مهما كان وعيها مما جعلها عاجزة عن فك تلك الرابطة فيما لو تضررت من تلك العلاقة, وغالبا ما يكون الطرف المتضرر لدينا هي ألزوجة.
عن النساء اللواتي يتحمّلن الزوج رغم الاذى الواقع عليهنّ لغاية ما تأتيها الرحمة والفرج من الله بأخذ روحها أو روحه, سيان يكون الوضع لديها ,ومتصورة بأنها قد تحررت من اعباء الشريك بموته فيؤول حالها احيانا لتمني موته حتى قبل أن تأخذ حقها منه متناسية بأنها قد فقدت جزءً كبيرا من ذاتها بموته وبصمتها وتحمّلها ،فتمني موت الشريك للتخلص من عذابها هو أسوء ما يصل له الإنسان وأكبر تشويه نفسي يحدث له لكونه دليلا على الضعف وقلة الحيلة بالخلاص وسيبقى عذاب شرخ استكانتها وتمنيها لموته قائما بوعيها بل وسيزيد بموته وسيكون مستحيلاً بعدها ان تتخلص منه وستستمر بحمل هذا الانكسار الذي سيلاحقها بقية عمرها والذي سوف لن يزول مهما فعلت من بطولات بعد موته، ومنهنَّ من تقدم فعلا على القتل دون دراية منها بأنها قد قتلت نفسها قبل أن تقتل قاتلها الفعلي ، ومنهنَّ من تصل للجنون ليصل بها الحال لقتل اطفالها وووووو هناك الكثير من القصص التي هي نتاج لهذا المجتمع المُعاق عقليا والعقيم فكريا.
ولا أدري كيف كان وقع الطلاق(الخُلع بمفهوم القانون لدينا) عليَّ مختلفاً عن ما هو سائداً عليه لدى غالبية النساء اللواتي تنهال دموعهنّ لحظة وقوعه دون أن يتمكنَّ من السيطرة عليها رغم إن الطلاق كان برغبة منهنَّ، وهنا تكمن وجه الغرابة, فبالرغم من رغبتهنّ بالطلاق، وبالرغم من الاذى الواقع عليهنَّ من قبل أزواجهن, لكنهنّ يرتعبنَّ من سيرة الفراق، أهو الخوف الذي زرعه المجتمع بعقولهنَّ؟
أم هو الانكسار الذي التصق بهنّ منذ طفولتهنّ؟
أم هي نظرة العار التي ستُلحق بهنَّ من قِبل المحيطين ؟
أم للندم على اعمارهنّ التي ضاعت سدى بخطأ ألاختيار؟
أم لانعدام ألمادة لديهنّ؟
وفي كل هذه الأحوال ينبع تفكيرهنَّ هذا من الضعف والهوان الذي أصابهنَّ طوال السنوات التي قضيناها في مؤسسة للزواج فاشلة بكل ما تحمل الكلمة من معنى لكون العدالة بها منعدمة فهي اعتمدت على تقسيم الأدوار وإعطاء حقوقا اضافية للزوج لا يستحقها بالمطلق ومطالبة الزوجة بالتنازلات تباعاً، وتُلحقها أنانية وحب التملّك لدى غالبية الأزواج، فالزواج لدينا يعني فرض قيود الزوج على زوجته بالقوّامة، أي الإنفاق عليها، فصارت غالبية النساء لا يمتلكنّ المادة التي ستعطيها مُتنفسا وبالتالي بعضا من شجاعة الانفصال وعليه ستنتابهنّ المخاوف من فقدان المُعيل أحيانا وخصوصا لو كان لديهنّ أطفال أو فات على زواجهنّ سنوات، وأحيانا الخوف من الوحدة ومن نظرة المجتمع لها, وحيث ان لكل قرارٍ مصيري ولكل تغيير سيرافقهما الخوف من العواقب لكثرة الموانع والعقبات التي تحيط بهنّ وبسبب هذا الخوف تمكث النساء العمر كله تحت سوط الزوج، هذا الخوف الذي اتقنَّا فنونه هو ما يُعيق الإنسان دوما عن ممارسة حياته بشكل طبيعي, ولكن الغريب هنا بأن الزوجة تستمر بعلاقة مُدمّرة لها حتى وإن كانت مُستقلة ماديا تحت ذرائع ساذجة وواهية منها التضحية من أجل الأبناء، لينتهي بها المطاف لتكون أنقاض إنسان لا تعرف طعم التمرد ولا تؤمن بوجودها ولا بقدراتها بسبب الضعف الذي نال كيانها ونخر ذاتها علاوة على الشعور الملازم لها بانعدام الأمان الحقيقي، فما الذي يجبر النساء ليتحمّلن الاذى ومرّ الحياة رغم استقلالهنّ ألمادي؟
وهل الاستقلال المادي هو الأساس في شعور الإنسان بقوته وبكونه حُراً كما يفكر البعض, أم هي طبيعة أفكاره و وعيه ومعرفته؟
نظرة المجتمع المتخلفة حصرت دور المرأة بالأمومة بالوقت الذي لا يمكن للإنسان أن يحصر دوره بأي فعل أو أي مهنة مهما علا شأن تلك المهنة, هذه النظرة تؤكد بأن الأم المثالية هي تلك المُضحّية والصابرة دوما لتصل التضحية احيانا للموت البطيء أو للموت الفعلي كأن تُقتل بفورة من فورات الذكورة كما نسمع عن الكثير من الحوادث بهذا الشأن في يومنا الأغبر هذا ، قصص يُشيب لها شعر الرأس، وأحيانا تكون عكسية أي هي التي تقتل زوجها بعد ان تُصاب بأمراض سيكولوجية نتيجة للضغوطات المستمرة عليها، أو بأمراض بيولوجية مُميتة كنتاج للنقص الذي سيُحدثه القهر في مناعتها ، ولا من يُحرّك ساكنا من ذويها حتى لو توفيت، المهم لديهم هذه النظرة الدونية والثابتة والتي سوف لن تتغير مهما فعلت المرأة،والمحيط سيُدينها وهي مُدانة دوما، فلن يبالي أحد لعذاباتها مهما صبرت ومهما تحمّلت,
فنجد غالبية النساء تتحمل أزواجهنَّ لهذه الأسباب التافهة بحقيقتها والمُدمِرة والقاتلة لها.
كذلك تعلّمت النساء بإن صفة الصبر على الظلم والتحمّل هي صفة حميدة ودليل على القوة بالرغم من سلبيتها التي ستدفع ثمنها باهظا بمرور الوقت، فتستمر الزوجات بهذه العلاقة مهما بلغ الازواج من طغيان مع انعدام الاعتداد بالكرامة التي مُسحت لديهنّ بسبب مفاهيم المجتمع المنغلق على ذاته بذكورته الحمقاء
التي شوّهت طبيعة الرجل قبل المرأة وما على المرأة سوى الانصياع وتقبّل ظُلمها وطغيان المجتمع لها برحابة صدر.
هذا المجتمع يقف عاجزا عن فهم زوجة تطلب الطلاق حيث يضع عليها ألآلاف من علامات الاستفهام
كيف ترفضين سلوك الغالبية وعاداتهم التي تطالبك بالرضوخ والتنازلات؟ _كيف لا _ كيف تتقبلين حياتنا وأن حملت الكثير من الأخطاء والغباء والسادية؟
_كيف تتجرئين على الخروج من قطيعنا الذي آمن إيمانا مطلقا بالموروث؟
_كيف تتمردين على زوج أعطاكِ الحق بالخروج (اعطاكِ) لكونهم يعتبروا حرية خروجها واختيارها هبة يتفضل بها الزوج عليها .
بالبدء تكون الأسئلة كنتاج لاستغرابهم لفعلها ، ثم يأتي السؤال الأخير ليُبدد هذا الاستغراب، ما الذي ستصنعينه بعد الطلاق ؟!! وكأنها كانت تصنع المعجزات بزواجها العقيم.
وبلا شك بأن هذه الأسئلة تكررت على مسامعي ايضا ومن كثرة تكرارها صرت اسأل نفسي بغتة : فعلا ما الذي سأفعله في دنيا قتلت الإنسان بداخلنا، فيها حياة الأحياء كالأموات حيث اقتصرت على تلبية الغرائز وبتطويرها, بل والتفنن بها، بعد أن مات الإنسان ولم يتبقى بداخله سوى الحيوان الكامن الذي أخذ ينمو ويكبر ويعزز قناعة صاحبه بأنه على الطريق السوي لكونه يقف من ضمن ألقطيع, بعد أن نسب قوته للمجموع الذي استند أحدهم به على الآخر، وليضع ضعفه وهوانه فوق ضعف وهوان الآخرين ليتوهم الأمان من خلال هذه الجموع، فليست من الأمانة في نظرهم ولا هو من الشرف أن يكون مخالفا للسلوك العام، فالكذب أصبح ذكاء والسرقة أصبحت شجاعة ومن السلوكيات المألوفة التي تُرتكب يوميا، وعليه سيكون غريبا ذلك الذي يرفضها أو يحتج عليها. غريبا ذلك الذي يرفض تلك السلوكيات القذرة وطبيعيا من يطمس في وحلها ويتعوّد على رائحة عفونتها التي تفوحُ منها ليلا ونهارا, هكذا هم الطبيعيون لدينا حيث صاروا يستغربون النقاء ويرفضونه ويتباهون بغبائهم ويتفاخرون بقدرتهم على الكذب والخداع ويعتبروها قوةً وذكاءً لكونها صفات شائعة والشيوع علامة الصحة لديهم وإلا لم شاع وتشعب.

الإنسان لدينا متوقف عند نقطة معينة ويرفض التغيير فكيف لامرأة بنظرهم ترغب بالتغيير والعيش من دون رجل!!، فهي أما راغبة بالزواج أو راغبة في ان تعيش انفلات الحياة أو إنها تعاني من اضطرابات نفسية، بمعنى وضع الاولوية للرجل بحياتها، رغم إن التجارب أثبتت عكس هذا تماما، فحين ينفصل الزوج عن زوجته أو تتوفى الزوجة نجد غالبية الذكور لا يتوانون لحظة في التفكير بزواج ثاني بعد أيام معدودات فقط لكونهم عاجزين على البقاء بمفردهم وتحمّل مسؤولية انفسهم حيث كانوا معتمدين عليها بكل صغيرة وكبيرة ، في حين نجد غالبية النساء قادرات على الاستمرار بمفردهنّ بل وتكون حياتهنّ أكثر تنظيما واصفى بالاً لهنّ.

مؤكد بأن الانفصال هو خسارة للطرفين لكون كل طرف منهم سيذهب لطريق يبحث به عن حياة جديدة ومأوى جديد متكبداً عناء الحياة ومسؤولياتها بمفرده، ولكن الخسارة ستكون أفدح للطرف المُتضرر فيما لو استمرت بتلك الرابطة التي تستنزف طاقاته ، وبعكسه سيكون الطلاق ربحاً وفيراً عندما يحدث الانفصال وكفة الميزان ستميل للطرف المُتضرر من خلال خلع تلك السنوات التي قضاها في تعديل بناء آيل للانهيار حيث يبذل جهودا يومية في تعديل الخراب الذي يحدثه الطرف الآخر بجدران البناء الذي بنيَّ على أساسٍ هش في محاولة عقيمة منه لإبقائه مستقيما، فيقضي الحياة وهو يُرمم الخراب الذي يحدثه هذا الأساس بالجدار، وتنقضي الأيام في استنزاف للطاقة بأعمال مُكررة وغبية تضيع معها الجهود سدى.

لكني كنتُ عكس السائد لدى هؤلاء النساء اللواتي يشعرن بالانكسار واللواتي تشبعنّ بتلك المفاهيم فكان من الصعب عليّ أن أبقى صامتة وساكنة سكون الأموات , راغبة بالحياة بشتى الوسائل رغم ندرتها , ورافضة العيش كما تعيش الأخريات ، مُتشبِثة ببقايا أنفاس استطعت أن احافظ عليها وجعلتها تصمد لآخر اللحظات حيث كان من العبث أن استجيب للموت أو أن أكون من الأحياء الأموات في نفس الوقت فالصعوبة تكمن في اننا نصطنع الموت ونحن أحياء , ففكّرت أن أخلق عالمي من تحت هذا الرُكام وكان شعوري مختلفا تماما ليكون الفخر من نصيبي بهذه التجربة التي بددتْ لديَّ سنوات القهر لتختفي بنشوة الخلاص وبرمشة عين حين عاودتْ أنفاسي شهيقها بعد إقرار انفصالي مما جعل قلبي ينبض بالحياة مجددا لاسترد ذاتي التي كدتُ أفقدها ,وكان شعوري كمن خلع حذاءاً ضيّقا كاد أن يكسر عظام قدمي ويدميها،وكان من الغباء أن أبقيه بحجة إني قد دفعت به ثمنا باهضا وعليّ ان لا اخسر ذلك الثمن، لكون طعم الحرية لا يضاهيها طعم مهما دفعنا بها من أثمان، وثمنها سيكون اقل بكثير من ثمن العبودية الذي يصل احيانا للحياة نفسها، هذا الثمن دفعته غاليا من عمري في علاقة سامة ، وكان من الصعب عليَّ الانفلات منها حيث كنت كمن تغوص في رمال متحركة على مدى سنوات وكلما أحاول النفاذ منها كلما كانت تسحبني للأسفل لأجد قدمي تغوص اكثر في وحل لا قرار له، وفي دوامة لا فرار منها، كنت أخرج من دائرة ضيّقة وادخل لأخرى أضيق منها، وكانت الدوائر تضيق من حولي كلما مرّت الأيام, اقطع خيط من خيوط ألشبكة التي التفّت حولي بجهد جهيد لأسقط بخيوط بدلا من واحد، فمن أصعب العلاقات التي يتبناها مجتمعنا تلك التي تسحبنا للأسفل حين يُسقط الطرف الاخر عيوبه علينا،ليس فقط هذا بل علينا أن ندفع ثمن عيوبهم من جيوبنا، ونتحمل نتاج أخطاء لا ناقة لنا بها ولا جمل وبلا ذنب سوى إننا نحيا وسط قطيع من ألخرفان, لنجد انفسنا شيئاً فشيئاً وقد أصبحنا مرايا تعكس وجوههم القبيحة، وإن نوازن ما بين الامور علينا أن نكذب كما يكذبون وعلينا أن نسرق كما يسرقون، علينا أن نخدع ونراوغ لنسقط شيئا فشيئا في هاوية رذيلتهم ونحن محاصرين ومُجبرين للعيش تحت رحمتهم، وفي نفس الوقت علينا أن لا نتخلى عن انسانيتنا ونُحافظ عليها ما استطعنا اليها من سُبل رغم انعدام تلك السبل, اعتقد الموازنة ستكون صعبة وخصوصا في مجتمع بائس يُنفّس به الذكور عُقدهم برأس من يحيط بهم من النساء، وفي ظل الانهيار الشامل للمجتمع تكتمل سبحة القهر والحصار فعلينا أن نتجاوز الصعاب داخل البيت وخارجه من دون معين يُذكر.
مع كل هذا استطعتُ أن اتحرر من قيود الزواج التي كانت تُكبّلني بالرغم من معارضة الجميع وبالرغم من انعدام الدعم ، حيث وقف البعض أمام قراري مكتوف الأيدي لتصورهم بخطئه ، والبعض كان معارضا له نظرا لما يحملون من تفكير لا يتخطى ابعد من ارنبة انوفهم الضيقة، وعليَّ أن اتحمّل عِضات غبية من هذا وذاك أنا لستُ بحاجة لها وخصوصا عندما تكون نابعة من أناس استحالة لهم أن يشعروا بمعاناة غيرهم، وأكثر موضوع يُركز عليه هؤلاء هو وجوب التضحية وفناء ما تبقى من العمر لأجل الأبناء والذين بدورهم اطاحوا بحظهم واخفقوا بتربيتهم وأعاقوا تفكيرهم لكون الابناء الصالحين بنظرهم ينبغي عليهم أن يكونوا مطيعين دوما ومتفوقين بدراستهم بمدارس هي بالأصل تهدف لقمع العقل وإماتته من خلال المُدرسين الذين بُرمجوا بدورهم على الاخطاء من خلال مناهج افيونية تقتل العقل قبل أن تقوّمه ، الابناء الصالحين بعد أن ينالوا شهادة تؤلههم أن يكونوا ريبورت عليهم أن يبحثوا عن الزواج وخصوصا الفتيات ومن ثم التناسل وهكذا تتناسخ الأجيال وتدور بنا نفس الدائرة بدوامتها الغبية.
أما الأم الصالحة فهي تلك التي تُفني عمرها من أجل ابنائها حيث حصروا مهمتها بالإنجاب فقط ، والطبيعي والسائد في مجتمعنا هو أن تتحمل الزوجة وتستمر في العطاء والتضحية من أجل أبنائها فقط، وهذا لعمري من اغبى الأفكار التي سمعتها لكون ضرر الابناء سيكون أفدح فيما لو استمروا بالعيش في محيط لا ينم للصحة النفسية بأي حال من الأحوال , فهم مسؤولية وليسوا واجهة ومظهر نُكمل به أشكالنا ,هم بحاجة إلى قدوة والأم ينبغي عليها أن تكون تلك القدوة التي لا ترضخ ولا تسكت على الخطأ وأن تُدافع بل وتستميت لحقها, ولكون ابنائها مسؤوليتها وسعادتهم هي أهم من سعادتها فعليها أن تتمسك بفكرة الانفصال لتفصلهم معها وتأخذهم لأجواء تلائم الإنسان السوي , هي فكرة توارثها الناس كما توارثوا بقية أفعالهم والتصقت بعقلهم أللاواعي عن امهاتنا وجداتنا اللواتي فنينّ اعمارهنَّ تحت أحمال وثقل الأزواج، اقول هنا اللاواعية لكون الوعي ينبغي عليه أن يتجدد ويتحدث دوما، وتتجسد هذه الأفكار من خلال أمثالنا البالية التي استمر الناس في تداولها، الرجّال رحمة وان كان فحمة، وظل رجل ولا ظل حايط والخ مما تعني ان المرأة ضعيفة وهي بحاجة لحماية ولسند متمثلان بزوج يسندها ويستر عليها وكأنها عار أتى لهذه الحياة والرجل مُلزم بستره وبحمايته.
افكار مثل هذه تهتز لها السطور وتأبى الكلمات أن تُسطّر نفسها لشدة حماقتها ، منها صفات لصقوها بالمرأة دون الرجل وهي الصبر وتحمّل الأزواج مهما بلغوا من سوء وعليها ولأجل الابناء أن تُنهي حياتها وتتحمل، كلما تحمّلت أكثر كلما علا شأنها بنظرهم القاصر عن الرؤيا، يطالبها الجميع بالتضحية من أجل الأبناء ليكملوا حلقة التضييق والخناق عليها بنصائح عكسية لا تمت للإنسانية بصلة، حيث يوّسعوا عليها دائرة الهاوية لتكون أكثر عمقا لتنغرس بها أعمق وأعمق دون أن تكون لها القدرة على مواجهة هذا الكم الهائل من المتخلفين.
وكذلك المرأة الاصيلة بنظرهم هي تلك التي لا تتحدث بالسوء عن زوجها وأن لا تُظهر عيوبه مهما بلغت تلك العيوب، ولا أدري السبب في أن نعزو هذا الفعل للأصالة؟
أي مبرر يجعلنا نُخفي العيوب ونكبت معاناتنا سوى إننا شعب يخاف أن تصفعه ألحقيقة, شعب يعشق الظلام والتخفي وحجب الحقيقة،ويتستر بالأقنعة دوما ليخفي بها حقيقته.
الموضوع الثاني الذي يتكرر على ألسنتهم هو موضوع العمر الذي من خلاله سيُطلِقون على كيانها طلقة الرحمة الأخيرة, موضوع العمر الذي لن يتبقى منه بقيةتيستوجب معه أي تغيير ، بمعنى علينا أن نبدأ بحفر قبورنا والتكيّف مع الواقع والإستكانة لقدرنا وتبديد ما تبقّى من اعمارنا ، هذا التبديد بأغلى ما نملكه هو دليلا قاطعا على إننا شعوب بلا حياة، فلكون لم يتبقى من العمر أكثر مما ذهب فهو رأس مالنا الذي تبقّى لدينا وعلينا أن لا نُبدده بقهرٍ لا مُبرر له بعد أن استنزفنا اغلبه وسط محيط موبوء بجهله ،فلا ينبغي علينا أن نستهين بالعمر كل هذه الاستهانة لكونه يزداد سرعة ومع السرعة ينقص والمفروض مع نقصانه نزداد يقيننا بأهميته لا وليس العكس, وعليه نحتاج لاستغلال كل لحظة به قبل أن ينتهي بنا ويذهب هباء، أما أن نستكين له فهذا يعني الموت بكل معانيه ونحن أحياء، فلا أدري ماهية الربط ما بين العمر وما بين الكرامة والحياة والرغبة بتصحيح المسارات ألخاطئة؟
فهل هو الضعف والهوان واليأس الذي احاطنا من كل جهة بانعدام التغيير ؟
أم هو مجتمعنا الذي تعوّد أن لا يكتفي بتضحيات الزوجة مهما بلغت من عطاء بل يطالبها بأن تسفك آخر قطرة من دمائها وهي الممنونة.
لا أعير أهمية لآراء هذا النفر الضال أكيد ولا أبالي بالمؤثرات الخارجية بل هي تزيدني قوة ووضوح بمدى الفارق الكبير فيما بيني وبينهم لكون من يرتقي بوعيه ويتعمق بحقيقة هؤلاء وكيف آلو لأشكال مشوهة يصل لمرحلة من انعدام الشعور بوجودهم، ولكن المصيبة تكمن في تغلغل هذه الأفكار لعقول أناس يحسبون انفسهم من الطبقات الواعية وهم محسوبين على التنويريين ويؤمنون بالتقدمية من خلال ترديدهم لشعارات الحرية والمنطق السليم، فلا تعترف هذه الفئة وهم غالبية غلبت اعدادها ولمستُ ببواطن عقولهم وخفاياها جذورهم الذكورة التي عجزوا في أن يتغلبوا عليها ،فسرعان ما يظهر الصدأ الكامن في أعماقهم ما أن نحرّك الآسن من أفكارهم ونحتك بقشر الطلاء الذي طلوا جلودهم به ونزيل لمعانه الذي احاطوا أنفسهم به، فلا تعترف هذه الفئة بإنهاء أي علاقة كان بها الاختيار خاطئ، فلو أخطأت المرأة عليها أن تُعاقب نفسها وتجلد ذاتها وتتحمل تبعات خطئها ، هؤلاء النفر يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر في بيوتهم ويغضّون أبصارهم عن حقائق كثيرة منها حقيقة الفشل الذي هو بداية لكل نجاح حسب قانون الأضداد بالطبيعة الذي يُظهر لنا عكس ما يفكر به هؤلاء، فلا نجاح بدون فشل ولا فشل بدون نجاح، ولا جمال بدون قبح ولا قبح بدون جمال، ولا خير بدون شر والى آخره من هذه الاضداد التي تُطفي للحياة معنى وجمالاً، فالمنطق السليم يقول بأن علينا تصحيح الخطأ أينما حللنا ومهما تأخرنا عنه فإن نصل متأخرين أفضل من أن لا نصل، كذلك من لا يُخطئ فهو إنسان فاشل لكونه ساكن ولا يعرف التغيير، فالأموات لا يُخطئون لكونهم في سكون أبدي ، ولكون طبيعة الحياة هي التغيير ولا سكون بها، ولكوننا متغيرين دوما فعلينا أن لا نقف حائرين أمام العمر وأن لا نجعله حائلا أمام التغيير. فحين تكون العلاقة مصدرا لتعاسة طرف من الاطراف فعليه أن لا يتوانى معها أكثر ويُنهيها فورا دون أن ينظر خلفه ولا للنتائج المرافقة لقراره ،المهم أن يخطو الخطوة الاولى وأن يمتلك شجاعة الإقدام والتغيير ومن ثم تترتب الأمور وفق حياة جديدة يختارها هو،ولكن التهاون للأسف هو ما يحدث لدى عموم الناس الذين يتحججون بالفقر وبوضع البلد المزري حيث وضعوا الاولوية لهذه الامور ليخضع الغالبية لهذه العقبات ولحياةٍ بها مأكلٍ ومشرب فقط ويبقى الوضع على ما هو عليه ولتستمر أنفاسهم تعلو وتهبط لغاية مماتهم.
وكذلك من أسوأ ما اكتشفه عقل المغيبين هو عبارة الطلاق "هجمان بيوت" هذه العبارة الساذجة بمثابة نكتة سمِجة لكونهم يطلقون على خراب آيل للانهيار مفردة بيت، فعن أي بيوت يتحدثون وهم يغضون بصرهم عن الأساس الهش ليهتموا بشكليات علاقاتهم وليعيشوا مع مشاكلهم برحابة صدر فيُكمموا رائحة عفونتهم بغلق الأبواب عليها.
هذه الأخطاء شائعة لدى شريحة واسعة جدا من المتزوجين حيث يستمروا بعلاقة باتت غير انسانية ويبرّروا استمرارهم هذا بحجج غبية وواهية، وخصوصا النساء اللواتي تتسرب منهنّ انسانيتهنّ ويفقدنها شيئا فشيئا بسبب إجبارهنَّ للعيش تحت ظروف غير إنسانية تجعلهنّ عاجزات على أن يتمردنّ عليها، هذه الإنسانية استُثنيت منها النساء لكون الأساس لدينا هو الرجل الذي سلبوه بدوره لإنسانيته ايضا فبات هذا السلب شيئا طبيعيا عليها ولا يحق لها أن تتمرد على الطبيعي والسائد في المجتمع ، فتمرّد النساء يأتي في آخر المطاف لكونهنّ الجنس الادنى ولا يحق لهنّ أن يتمرّدن على أي شكل من أشكال الظلم طالما يتوفر لهنّ المأكل والمشرب وكأنهن بهائم وعليهنّ التزام الصمت حين يتوفر لهنّ العلف.
يستمر الأزواج بعلاقة لا إنسانية فتنقلب الأمور لديهم ويكون الاستمرار بهذه العلاقة من ضمن الطبيعي وإن حاولوا تصحيح المسار سيُدينهم الجميع ويعتبروا فعلهم غير سوي لكونهم تعوّدوا على الخراب بعلاقات بُنيت على أساس قانون فاشل تبصم به الزوجة بحق الوصايا عليها من قبل الزوج فلا مفر للمرأة من هذه القوانين التي تُطيح بكرامتها أرضا بعد الزواج، وسيُكمل المجتمع الموبوء بامراضه عليها لتجد نفسها مُحاصرة من قبل الجميع والسبب في هذا هو إننا مهما امتلكنا من الوعي الذي هو سندنا الرئيسي في اختيار ما يناسبنا ستكون هناك عقبات كثيرة تُحيلنا للدمار أقوى من وعينا ذاته،ولكون الإنسان في مجتمعنا قد نشأ على الكذب والمراوغة ونسبة عالية من ازدواج الشخصية التي ارتفعت بين أوساط الذكور أكثر مما هي عليه لدى النساء لهذا نجد النساء تتحمل العبء الأكبر وتعاني أكثر.
اوجه كلامي للنساء الحائرات وهنالك الكثيرات منهنّ وممن يحلمنّ بالخلاص من ازواجهنّ ولكنهنّ لا يمتلكنّ شجاعة الاقدام ويقفنّ حائرات أمام نظرة المجتمع وأمام قلة حيلتهنّ المُتعددة الأسباب، وأقدم لهن خلاصة فكر وتجربة لم تأتي من فراغ وعسى أن تُغنيهنّ من ضياع أعمارهن، واقول هنا مهما كانت الصعوبات أنتِ قادرة على تجاوزها بالقليل من الشجاعة والحكمة قبل أن تكتمل سبحة تشويهك في مجتمع يشوه النفسيات وينتزع من الإنسان، والمرأة خاصة، اسمى صفاته، فلا تبالي لنظرة مجتمع مثل هذا وأهلا بالوحدة التي يُكمن بها خلاصكِ من تنغيص الزوج الذي لا يمتلك سوى قوانين ذكورية يستند عليها ويتسلط بها وسرعان ما يتأدب ما إن سحبتيها منه لكون قوته وعنجهيته نابعة من تلك القوانين، فتجرعي مر الدواء لأجل ان تنالي الشفاء ، واهلا بالعوز المادي لو حفظ كرامتكِ كإنسان مكتمل, فتدبر الأمر سواء كان ماديا أو معنويا يتطلب حياة صافية وخالية من المنغصات التي تعيشينها ,فلا شيء يعوّض الكرامة عندما تُمس وخصوصا لو كان من يمسها شخصا أدنى فكريا وعقلياً منكِ، وهذا هو الكفر بعينه في مجتمع يتفاخر بكونه بعيداً عن الكفر بل ويعتقد بأنه الأسمى من بقية الشعوب "كما توهم الذكر بأنه الأسمى" فكانت الغُلبة له ، في الوقت الذي ينبغي به أن تكون الغُلبة لعقل ولوعي الإنسان فقط، دون إعطاء الاولوية للجنس او للمعتقد أو غيرها من الفروقات الغير مرئية أمام الانسانية. فما أجمل أن يمتلك الإنسان معتقد معين يُدافع عنه حتى لو كان مختلفا عن بقية المعتقدات , وما أقبح الإنسان المستسلم عندما يعيش على هامش الحياة باختياره.