لاريسا ريزنير (1895- 1926)



جودي كوكس
2022 / 5 / 23


القسم الثاني: سير ذاتية لحياة ثوريات بلشفيات

كتاب ثورة النساء: روسيا 1905-1917

تمثل لاريسا ريزنر النموذج المثالي للبطولة خلال ثورة عام 1917. تنتمي إلى جيل أصغر من كولونتاي وكروبسكايا، كانت ريزنر شاعرة وثورية ومقاتلة. كانت واحدة من أولئك الشابات اللواتي انتسبن إلى الحزب البلشفي عام 1918 بهدف الدفاع عن الثورة بوجه الجيش الأبيض. أصبحت لاريسا ريزنر قائدة عسكرية ولكن أيضاً كاتبة لشذرات وقصائد لخصت تجربتها.

ولدت ريزنر في ليتوانيا عام 1895 في كنف عائلة اشتراكية تؤيد حقوق النساء. أمضت أول 8 سنوات من حياتها في برلين، بعد أن فرّت عائلتها إلى هناك هاربة من الأعمال الانتقامية والاعتداءات. انضم والدها إلى الحزب البلشفي عام 1905 وكتب العديد من المقالات لمنشورات الحزب. وعندما أصبحت ريزنر مراهقة قرأت كتابات ماركس وإنغلز والعديد من الكلاسيكيات الاشتراكية الروسية والأدب، وبدأت بالكتابة. في صيف العام 1912، بات عمر لاريسا 17 سنة حين حملت الميدالية الذهبية كطالبة متفوقة. بمساعدة من عائلتها، سُمح لها بالتسجيل في جامعة سانت بطرسبرغ وأصبحت معروفة في المدينة خلال حقبة ما قبل الثورة ككاتبة. لكنها كانت مستاءة من الأشعار التي تمجد الحرب العالمية الأولى.


عام 1916، جالت مع أصدقائها في الجامعة في نهر الفولغا، تكشف رسائلها عن مدى فهمها للثورة التي كانت تتخمر في البلد. فكتبت إلى أهلها:

“أود أن أضيف أمراً آخر: علينا ألا نخاف من أجل روسيا. في نقاط الحراسة وأسواق القرى، في كل المرافئ في هذا النهر الواسع كل شيء يحدد بشكل نهائي، هنا، هم يعرفون كل شيء، ولا يسامحون أي أحد ولا ينسون أي شيء. وعندما يحين الوقت، سيصدرون أحكامهم وعقوباتهم الدقيقة كما لم يسبق أن حصل. أنا مرهقة في بعض الأوقات بسبب المشاعر اليائسة، إذا لم ينفجر الفتيل في وقت مبكر جداً، وإذا بقيت هذه الأفعال الهادئة والرهيبة مجرد كلمات. لكنها في كل مكان، خلف الغابات الصفراء، وراء الجزر والمنحدرات، ومضمونها ليس مخطئاً على الإطلاق.”(127)

بعد ثورة شباط/فبراير، عملت ريزنر في جريدة ماكسيم غوركي، الحياة الجديدة، وبدأت بتعليم العمال ضمن برنامج الحكومة المؤقتة لمحو الأمية. “كانت تجارب لاريسا الأولى خلال لقائها بالجماهير في بتروغراد هي التي جعلتها ثورية وغيرت مجرى حياتها”، كتبت كاثي بورتر.(128) في نوادي البحارة في كرونشتاد، التقت ريزنر بالبلشفي فيودور راسكولينكوف، الذي تزوجته لاحقاً. بعد ثورة تشرين الأول/أكتوبر مباشرة، ذهبت ريزنر إلى اللجنة المركزية البلشفية وقدمت خدماتها: “يمكنني القيادة، وإطلاق النار، والاستطلاع، والكتابة وإرسال المراسلات من الجبهة، وإذا تطلب الأمر، أموت…”(129) وبدأت بالعمل مع أناتولي لوناتشارسكي في قسم التعليم.

في آذار/مارس 1918، انتفض حوالي 50 ألف جندي تشيكي ضد البلاشفة، وهاجمت القوات اليابانية روسيا، وهجم الجيش الأبيض الممول من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا حرباً على النظام الجديد. عملت ريزنر خلف خطوط العدو، وخاطرت بحياتها وشهدت الكثير من مشاهد المعاناة الرهيبة. كانت نشطة على طول نهر الفولغا، بالقرب من مدينة سامارا، حيث خاطرت بمراقبة الأعداء هناك. عند عودتها إلى بتروغراد عام 1920، نشرت كتابها، رسائل من الجبهة، الذي حاز على شعبية واسعة، حيث أكدت فيه على دور النساء في الحرب. أصبحت ريزنر أول مفوضة سياسية بلشفية في الجيش الأحمر، وخلال العام 1919 خدمت المفوض في مقر أركان البحرية في موسكو.

أُرسلت ريزنر وزوجها إلى أفغانستان عام 1921 حيث عاشا هناك لمدة عامين. كلفت ريزنر باستقطاب أفغانستان إلى الثورة الروسية. عام 1923، سافرت بشكل “غير شرعي” إلى ألمانيا حيث شهدت الثورة الألمانية الفاشلة عام 1923. وفي ذروة شهرتها، عادت إلى روسيا وسافرت في جبال الأورال حيث وصفت الحياة الصعبة لعمال المناجم. قُرِئ كتابها على نطاق واسع واحتفي به في كل أنحاء روسيا السوفياتية خلال الـ 1920ات.

كان كتاب ريزنر، الجبهة، هو الأكثر شهرة، إذ تضمّن سرداً لتجاربها خلال الحرب الأهلية. كتبت بأسلوب أدبي جديد وبلغة مباشرة:



“المحاربة لمدة 3 سنوات، والمشي حاملين البنادق مسافة آلاف الأميال ماضغين الخبز المصنوع من القش، والموت والتعفن والارتجاف من الرعب على سرير وسخ في مستشفى مليء بالبراغيث- ومع ذلك فزنا! نعم، تغلبنا على عدو يفوقنا قوة ثلاث مرات، مسلحين ببنادق ومدرعات وطائرات منهارة وبنزين من الدرجة الرابعة، في وقت تصل فيه رسائلنا البائسة والغاضبة طوال الوقت إلى أحبائنا في المنازل… من أجل كل هذا، أعتقد أننا بحاجة إلى بعض العنف اللفظي، أليس كذلك؟”(130)

أشاد عرض للكتاب بكيف “وصفت المؤلفة، بموهبتها الاستثنائية، صناعة الناس للثورة، وكيف صنعتهم الثورة”.(131)

ماتت ريزنر بعد إصابتها بالتيفوس في شباط/فبراير عام 1926، كان عمرها 30 سنة فقط، ومن المفارقات المحزنة أنه من السهل اليوم العثور على كلمات الرجال الذين أشادوا بالكاتبة الثورية أكثر من العثور على كلماتها الخاصة. كتبت ريزنر القليل عن المعارك المحددة التي واجهتها النساء. كما أوضحت كاثي بورتر “لاريسا ريزنر نشأت في وقت بدا فيه ممكناً للنساء، أخيراً، تخطي أخلاقيات الأنثى التقليدية المتجسّدة بالخضوع والنكران والتدجين. ترتج كتاباتها بقوة حياة النساء في الثورة، مع إمكانياتهن غير المحدودة، بوجه الشكوك والمخاطر التي واجهتهن”.(132)

الهوامش:

127. Cathy Porter, Larissa Reisner, (London, 1988) p.39.

128. Ibid., p.42.

129. Ibid., p.45.

130. Ibid., p.152.

131. Ibid., p.53.

132. Ibid., p.2.