الخيط الواهي



جرجس نظير
2022 / 5 / 25

قصة قصيرة
إني أكرهك أكرهك أكرهك، ولا أطيق النظر إلى محياك لحظة واحدة، لقد لعنت اليوم الذي شاهدت صورتك فيه، قالها بنبرة زلزلت جدران المكان، كانت ملامحه تشع غضبا كبركان نار، ونظرته تحمل كرها لا حدود له، اختنق المكان بالأنفاس المتناحرة ودخان الغضب ، الأمر الذي أضفى على المكان الحزن واليأس وعبث الأمل في غد أفضل.
قالت له: وأنا أيضا ،أقابل مشاعرك بمشاعر تماثلها وأكثر
قال: ألا تخجلين؟ تقوليها أمامي يا ملعونة، وبحركة جنونية أمسك بفازة كانت تزين وسط الحجرة ألقاها عليها، فانحنت لتفاديها، وخرج غاضبا بعد أن حطم ما تبقى أمامه.
سالت الدموع كالنيران على خديها، لتسقط على هشيم أواني الورد المحطمة، ثم ألقت نفسها على فراشها بلا حول، عاجزة تماما عن أي حركة جدية عدا حركة العينين بالبكاء، لا تعلم أي من الوقت مضي، استيقظت من النوم مثقلة الرأس من فرط البكاء، شاحذة همتها لملاقاة المتاعب واستقبال المنازعات
وقفت أمام صورة السيد المسيح المعلقة على الجدار أمامها، ونظرت إليها باكية قائلة: لماذا يا رب كل هذا؟ لم أعد أحتمل مثقال ذرة، خارت قواي،وانهارت عزيمتي وذبلت إرادتي، ما من ساعة من نهار أو ساعة من ليل إلا وتشاجر معي لأتفه الأسباب، غضبي قتل محبتي، واحتمالي لم يستطع تجرع قسوته، خطيئتي في الكره تتغير طرديا مع معاناتي ، فهل هذا يرضيك؟ إذا كان هذا صليبي، فأنا لا أستطع حمله، فسخر لي أخر ليحمله عني، كما فعلت أنت يا سيدي الفادي.
بعد أن انتهت من الصلاة أخذت الهاتف
ألو مساء الخير يا أبونا
الكاهن: مساء النور
هل الوقت مناسب للحديث؟
تفضلي
أريد مقابلتك
الكاهن: لو تسمحين أي مشاكل بينك وبين زوجك، لا شأن لي بها، يكفي ما قاله لي في المرات السالفة، أمامك أب اعترافه إلجئي إليه
قالت بنبره يائسة: أنا آسفة يا أبي
أغلقت الهاتف، بعد أن أرخى اليأس سدولة على إنحاء نفسها المحطمة، فحتى رجال الدين لا تجد راحة في واحتهم، ولا من سبيل لإيقاف هذا.
فكم باتت الليالي لاهثة باحثة عن حَلّ وحِلّ وتجد أمامها عبارة لا طلاق إلا لعلة الزنا
عاودت الاتصال ولكن مع أب اعترافه في هذه المرة
اتفقا على المقابلة بعد قداس اليوم التالي، لصدور قرار حديث بعدم أخذ الاعتراف في المنازل، بعد مشاكل عديدة حدثت أثر ذلك.
جلست مع أب اعتراف زوجها، قالت بصوت يكبّله البكاء: لقد اعترف لي بخيانته الفعلية، وإنه لا يريد الحياة معي، فماذا أنتظر؟
أجاب الكاهن: لكنه ينكر أمامنا بكل هذا، احضري دليلا ملموسا على صدق ما تدعيه، واتركي لي الباقي، دليلاً واحدًا، إنه يقسم ببراءته وينعتك بالكاذبة التي تريد أن تشوه صورته، فمن نصدق إذن؟ ما هو الدليل ؟
قالت: حتى أنت يا أبانا !!!
فهاج الكاهن وماج، ما معنى حتى أنت؟ ماذا أعطاني زوجك لأدافع عنه؟ اخبريني؟
لم أقصد ما وصل إليك يا أبي، فصاح: إذن ماذا تقصدين؟
رفقًا بي رفقًا بي يا أبي، فأنا إناء ضعيف كما قال بولس الرسول، وهل قال لك بولس الرسول أن تلقي التهم جزافا على أبائك؟
أخطأت يا أبي سامحني، أريد حلا
أجاب الكاهن: المحبة تحتمل كل شيء، التفاهم والقبول أساس الحياة بين الزوجين، لكنك تريدين الانفصال، وقد قلنا مرارا وتكرارا: لا طلاق إلا لعلة الزنا
هل يسمح لي أبي بالمناقشة ولو مرة واحدة؟
تفضلي
الكنيسة تعلمنا أن الحرف يقتل والآية تقول: الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي. (2 كو :3: 6)
صحيح
واستطردت قائلة:
وعندما طبق العلامة أوريجينوس الآية القائلة: يوجد ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات، الواردة في أنجيل متى الإصحاح التاسع عشر، وخصى نفسه حرمته الكنيسة لأنه طبق الآية حرفيا، وهذا الكلام موجود يا أبي في كتاب أوريجانوس عبقري المسيحية الأولى – هنري كريمْونا - دار المشرق ص6، وكتبه الدكتور سامح فاروق حنين
فلماذا أنتم تطبقون الآية حرفيا.
حاول الكاهن الحديث، فاستجدته قائلة: أمهلني يا أبي أرجوك
حتى أباء الكنيسة أنفسهم من ناحية أخرى وصفوا الزنا بالابتعاد عن الله، وهذا واضح في كتاب حياة التوبة والنقاوة للبابا شنودة الثالث
والسيد المسيح نفسه لو أخذنا كلامه حرفيا عندما قال : كل من نظر لامرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، إذن على كل الأصعدة والتفسيرات، إذا أخذنا بحرفية النص أو بروح النص نجد أنفسنا غير ملزمين بالتفسير الراهن، فلماذا ، فقاطعها الكاهن قائلا:
لا أستطيع أن أحتمل كلمة أخرى ثم قال ساخرا : اذهبي لبابا الكنيسة واخبريه بكل علمك الذي لا يعلمه غيرك
وتركها ومضى