حالة طلاق لا تنسى



عبله عبدالرحمن
2022 / 5 / 30

لا ادري كيف تتأرجح مشاعرنا ما بين الغضب والفرح في ذات المواقف. اذ وجدتني استمع بدهشة وابتسامة عريضة وخالي يحدثنا عن اول حالة طلاق تمت بالعائلة وكان ذلك قبل منتصف القرن الماضي. واذا كنت اكتب لافهم جوهر اسباب الطلاق في حكاية تلك الجدة التي تزوجت من تاجرا للمواشي والاغنام. فأنني ابدا لن افهم كيف بدأت حياتها وزوجة اخرى كانت تنتظرها في بيتها. وبعيدا عن البحث في اسباب تعدد الزوجات في ذلك الزمن الذهبي النبيل والذي كان شاهدا على صبر الاجداد والجدات وحياة القلة، فأن الطلاق كان من الحالات النادرة حينذاك. ان تجبر احد الاطراف على الاخر سواء في متطلبات الزفاف او في صعوبة العشرة يكاد يكون السبب الاول للطلاق في اي زمان ومكان. اما قريبتي فأنني احاول ان اصف بدقة ما حصل معها من غير زيف لتعود مطلقة، اذ انها لم تخضع لقاعدة الخوف ليبقى زواجها صامدا، بل تمردت على حياتها واكتسبت من وتيرة الحياة التي عاشتها مع ذلك الزوج قسوة وجرأة حتى تقول له لا على طريقتها حدسا منها بالسعادة المقبلة. واذا اردنا ان نوضح كيف قالت لا! على بساطتها وبساطة زمانها: بأن حضر الزوج ومعه الضيوف ولم يجد سوى الارز بالبندورة طعاما في البيت وهذا الطبق بالمطبخ الفلسطيني يسمى هلالوبة ويقدم للأطفال الصغار في مرحلة التسنين. استشاط الزوج غضبا وهو يرى اللحم مهملا في زاوية من زوايا البيت ولم يطهى كما اتفق معها، بيدا انه كتم غضبه واستعان بزوجته الاخرى والتي كانت تقيم في بيت عائلتها لتقوم بأعداد الطعام اكراما لضيوفه. عادت قريبتنا مطرودة ومطلقة الى بيت اهلها بعد مغادرة الضيوف. فكرت بعد ان ضحكت لما قامت به، وقلت لابد انها فعلت ذلك بنفس راضية، وكأنها اقسمت الا تحتمل فوق طاقتها كما كن يفعلن النساء في ذلك الزمن. لا استطيع ان اتخيل مقدار ما وقع عليها نتيجة قرارها، واشفق عليها لان الجميع كانوا يرون بأنها داست بقدميها على سعادتها، وقد تركت وراءها بيتا عامرا وخيرا وفيرا. بيدا ان الغالبية يقولون من وسع وقرارها هي يأتي عن تجربة. اذ انها وحدها من تقرر انها لا تستطيع ان تبقى في حالة جري وراء متطلبات الحياة الاقرب منها الى الموت منها الى الحياة وهي تذوب فيها يوما بعد يوم. بالنسبة لقريبتنا حدسها بالسعادة المقبلة كان صحيحا وتحقق بزواجها الثاني وعاشت الحياة التي تشبهها. ان طلاق قريبتي لم يكن وليد اللحظة ولم يكن بسبب الارز مع البندورة بل لأسباب عديدة لا نعلمها وان ظهر منها ما عرفنا، حتى جعلها انسانة لا تنسى! نتندر بحكايتها وكأنها قصة مروية. وكأن الايام تعيد نفسها لم اتمالك نفسي من الضحك وانا استمع لصديقة وهي تتحدث عن عريس تقدم لخطوبتها وكان قد سبق له الزواج ولكن لأسباب تشبه سبب الارز بالبندورة اخبرها في جلسة التعارف ان حياته الزوجية انتهت بعد مضي تسع سنوات وسبب طلاقه ان الكيمياء بينه وبين زوجته كان صفرا. في جلسات التعارف نستمع للأسباب لنرضى ونبرر لأنفسنا اننا بمعية خير الناس وفي الحقيقة نحن نحتكم لظروفنا التي تجعلنا نقبل بما لا نريد. الحقيقة انني كنت اريد اعرف منها ان كانت قد سألته عن اسباب اخرى للطلاق. وما اكتبه الان ليس تصورا من الخيال وانما وصف بدقة لما قاله لها في جلسة التعارف قال: ان تلك الزوجة المهملة برأيه! لم تكن تشغل جهاز التكييف كما كان يطلب منها قبل حضوره البيت متعبا من العمل وانه في كل المرات هو من كان يقوم بتشغيله. اذا اعتبرنا ان هذا تذليلا على ان الكيمياء بينهما كانت صفرا كما يقول، فأن الحياة ما زالت تمشي بمنطق الرز بالبندورة وان مثل هذا السبب يعتبر تحديا من تلك الزوجة لزوجها حتى تستحق عليه الطلاق، أن مثل هذه الحيوات لا تشبه الا افلام الرعب القائمة على الآكشن. في النهاية اردت ان اقول اننا نحتاج لنرى الناس مرة اخرى وكأننا نتعرف عليهم مرة اخرى، ومعرفتنا تلك بقين التكيف مع الحياة حتى لا نفقد بريق الوانها من دون الضرر بأنفسنا.