حول قرار الحكومة البريطانية بتسفير طالبي اللجوء الى رواندا



نساء الانتفاضة
2022 / 6 / 3

استمرارا لسياساتها المناهضة للاجئين، تسعى حكومة المحافظين في بريطانيا الى تمرير قانون جديد. ففي منتصف شهر نيسان 2022 ابرمت اتفاقية مع رواندا من شانه ان يمنح رواندا مسؤولية تقييم طلبات اللجوء للوافدين إلى المملكة المتحدة.

وفقا لهذه الاتفاقية، ومقابل 120 مليون جنيه استرليني، ستكون رواندا، التي تبعد عن المملكة المتحدة اكثر من 6500 كم، مسؤولة عن نقل طالبي اللجوء، والبت في طلباتهم وفي النهاية، اذا تم قبول طلباتهم سيتم توطينهم في رواندا لامد بعيد.

ان هذه الاتفاقية هي واحدة من بنود مشروع قانون المواطنة والحدود* والتي بموجبها يمكن لاي شخص يصل الى بريطانيا بصورة غير قانونية وبظمنهم من دخلو اراضيها منذ 1.1.2022، ان يتعرض للاعتقال والمحاكمة (بتهمة دخول البلاد بطريقة غير قانونية)، لا بل ويمكن ايضا نقلهم الى رواندا، وخاصة اولئك الشباب والشابات الذين يصلون البلاد بطرق غير قانونية وخطرة مثل الزوارق الصغيرة.


هذه الاتفاقية المناهضة للاجئين وللانسانية، هي ضد اناس يمرون باصعب ظروف حياتهم اناس اجبروا بسبب الحروب وانعدام الاستقرار والعنف او الكوارث الطبيعية واثارها (والتي هي مباشرة من صنع النظام الراسمالي الطبقي وبريطانيا كاحدى ممثليها العالميين)، على ترك بلدانهم ومجتمعاتهم والعيش في مخيمات النزوح وهم في مسيرتهم هذه يتعرضون لعشرات المخاطر على حياتهم، حيث ان المئات والالاف منهم يموتون او يغرقون او يختفون سنويا.


هذا القانون هو خطوة اخرى لهذا البلد ضد الفقراء والمضطهدين، من اجل ترسيخ اوجه عدم المساواة وتخلي الدولة عن مسؤوليتها تجاه حياة ورفاهية الناس. مثلما تشن على الدوام هجمات على الخدمات والحقوق العامة كالصحة والتربية والتعليم وظمان البطالة عن العمل والسكن الاجتماعي والمواصلات...الخ. فهي تقول لهم ان لا تتوقعوا اي دعم او تسهيلات من الدولة، البلد بلد الراسماليين والبنوك والشركات والكارتيلات العملاقة وهي في خدمة مصالحهم. ان كنت انت منكوبا، ان كنت جائعا، فقيرا، مريضا، معاقا، نازحا، مظطهدا، اميا، عاطل عن العمل، متشردا بدون مسكن ام كنت باي شكل مهمشا في المجتمع، فان ذلك مسؤوليتك انت. النظام الراسمالي وموديله النيوليبرالي الجديد يستغل كل فرصة وكل ازمة من اجل تخلي الدولة عن توفير الرفاهية والخدمات العامة للعمال والمفقرين والمظطهدين.


ان هذه الاتفاقية تتجاهل كل المعايير العالمية وحتى تلك المعاهدات الخاصة بالتعامل مع اللاجئين والتي لازالت بريطانيا نفسها من موقعيها***. جدير بالذكر بان بريكزيت (خروج بريطانيا من الوحدة الاوربية) فسح المجال لها للتخلي عن هذ المعاهدات والكثير من الالتزامات الاخرى مثل حقوق العمال كساعات العمل والراحة، الحد الادنى للاجور وحقوق التنظيم والتضاهر والاعتراض..الخ ولكي يتيح لها، من دون الالتزام باية معايير عالمية، الحرية في التمادي في استغلال الناس وتعميق اللامساواة خدمة لتقوية الراسمالية النيوليبرالية و التراكم الاكثر للراسمال.


واضح ان حكومة جونسون اليمينية ممثلة بوزيرة الداخلية بريتي باتيل، تقدم على هذه الخطوة في سبيل مكتسبات سياسية لحزب المحافظين ومن اجل ارضاء الراي العام ليمينيي بريطانيا الذين يعتقدون بان اللاجئين هم من المصادر الرئيسية للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلد وتدعي ان هذه السياسة سوف تضع حدا لوصول اللاجئين الغير قانونيين الى اراضيها عن طريق القناة الانكليزية. جدير بالذكر ان بريطانيا والدول الاوربية بصورة عامة يعملون على الدوام على ترصين الحدود وتصعيب، او وضع العراقيل أمام، كل الطرق الاخرى للجوء بحيث يصعب اللجوء "القانوني" فيها يوما بعد يوم. كلنا نتذكر المشاهد المروعة والماساوية للجثث ال 27 الذي انقلبت بهم زورقهم البلاستيكي في القناة الانكليزية في نوفمبر 2021، فكانت هذه واحدة من اكثر الحالات التراجيدية من هذا القبيل وهي نتيجة مباشرة لترصين الحدود. ان كانت هناك طرق قانونية مناسبة لطلب اللجوء فلماذا يضطر هؤلاء الشباب لتسليم مصيرهم وحياتهم وعوائلهم لرحمة امواج البحر.


بارسال اللاجئين الى رواند سوف تتضاعف مأسيهم ولاشك بان ذلك سيخلق بضعة كوارث ومشقات جديدة امامهم وخاصة لكون نسبة لايستهان بها من اللاجئين هم من النساء والاطفال الفارين من العنف والظلم، فهم سيرسلون الى بلاد غير مستقرة، بلد ينعدم فيه نظام وخطط لاستقبال واسكان اللاجئين والاستقرار بهم وتوفير التسهيلات لضمان اندماجهم بالمجتمع، بلد لازال يعاني من اثار الابادة الجماعية لعام 1994 (حيث قتل اكثر من 80000 شخصا في خلال 100 يوما، معظمهم من التوتسيين، في الحرب الاهلية)، وحتى ان الحكومة البريطانية نفسها اعربت العام الماضي أمام الأمم المتحدة عن مخاوفها تجاه حالات القتل ووفيات السجناء والتغييب القسري والتعذيب… في رواندا وكذلك تجاه ضيق الحقوق المدنية والسياسية في هذا البلد.

لايخفى على احد ان العراق وكوردستان هما من أكبر مصادر اللاجئين في العالم. وانه في ضل 30 سنة من النمط الاقتصادي الراسمالي النيوليبرالي والنظام السياسي القومي والطائفي لهذا البلد أصبحت الحياة جحيما لايطاق، وهذا مما يدفع بحشود من شباب هذا البلد للتوجه نحو الحدود يوميا، لاخيار أمامهم سوى تسليم مصيرهم واطفالهم الى ايدي عصابات المتاجرة بالبشر. إن إرسال هؤلاء الشباب والشابات والأطفال والعوائل إلى رواندا ليس إلا صفعة قاسية بوجههم وخنق كل امل لهم بالوصول إلى حياة آمنة ومطمئنة والتي هي من حقوقهم الأساسية.

إن حق الناس في اللجوء إلى والاستقرار في بلد أمن يحفظ فيه سلامتهم، هو أحد المكتسبات المهمة للتحرريين في العالم انتزعوه بسنين طويلة من النضال المرير. إن افلحت هذه السياسة فتلك ليست فقط خطوة كبيرة إلى الوراء وانما تمهيد الطريق للمزيد من السلب للمكتسبات والحقوق المدنية والسياسية. إن مشروع القانون هذا ليس إلا تاجيج نار الخطاب السياسي للعنصرية والتفرقة واللامساواة وانه من واجبنا نحن التحرريين ان نقف بوجهه بكل صرامة.

- شيرين عبدالله
************************************************************


*مشروع قانون المواطنة والحدود الذي تم طرحه أمام البرلمان البريطاني في تموز 2021، يتضمن عدة بنود أخرى منها المواطنة واللجوء والهجر ة وضحايا العبودية المعاصرة والاتجار بالبشر.

**احدى البنود المتعلقه باللاجئين تقتضي بانه : يمكن ان يتعرض اللاجئين الذين يدخلون الأراضي البريطانية بطرق غير قانونية، للمحاكمة بتهمة جديدة الا وهي الدخول الغير قانوني إلى بريطانيا وقد يتم سجنهم لمدة أربعة سنوات.

*** ان بريطانيا لازالت متعهدة باتفاقيتين دوليتين؛ اولها، معاهدة اللجوء للأمم المتحدة لعام 1951 والتي ابرمتها قبل أكثر من سبعة عقود، والتي تمنع إرجاع اللاجئين الى بلد فيه خطورة على حياتهم او تقيد من حرياتهم. والثانيه، المعاهدة الأوربية لحقوق الانسان والتي تقر بمنع اخضاع اي انسان للتعذيب و العقوبات اللا انسانية وسوء التعامل والاذلال.

يحق لاي انسان، حسب القوانين الدولية، طلب اللجوء في البلد الذي يصل اليه. قانون الاتحاد الأوروبي المعروف بقانون دبلن الثالث يسمح بارجاع طالب اللجوء إلى أول بلد عضو دخل الاتحاد منه أذا استطاع الشخص إثبات ذلك.

ولكن بعد بريكزت لم تعد بريطانيا جزءا من هذه الاتفاقية وهي لم تضع مكانه اية خطة أخرى بهذا الشأن، فلذلك أصبح نقل اللاجئين مشكلة بالنسبة لها. ومن جهة أخرى، كونها غير ملتزمة بأية تعهدات دولية، سنح لها فرصة التلاعب بمصير اللاجئين حسبما تشاء.