في منظماتنا النسوية : كيف نفكر اموميا ؟



منال حميد غانم
2022 / 6 / 12

تختلف المرأة عن الرجل بطريقة او منهجية التفكير التي تكونت وتطورت عبر الاف السنين فعلم الانثروبولجيا يخبرنا ان تقسيم العمل بين الرجل والمرأة في بيئة صعبة وقاسية, كتلك البيئة البدائية جعلت من الرجل وبحكم قوته البدنية وقدرته على تذكر تفاصيل الطرق مهما كانت دقيقة الى صائد للحيوانات, والى من يوكل اليه مهمة حماية المجموعة .
والمرأة وبحكم وظيفتها البايلوجية " الانجاب " وما هو متصل بها من فترة ارضاع او عناية تحتاج الى الاستقرار الى جامعة للثمار وصانعة للأدوات المنزلية والملابس ونقل ماتعلمه الاباء من الاجداد الى الابناء , ومن ثم مكتشفة للزراعة ذلك الحدث الذي سيقلب موازين القوى فيما بعد ويحولها من " ربة" الى مملوكة .
هذا التراكم جعل المرأة تفكر بمنهجية " العمل على الاستدامة" وكونها الشخص الذي ينتج فهي لا ترغب ولا تجازف بالخسارة سواء خسارة الارواح عبر الحروب , او خسارة الاراضي الزراعية عبر المنازعات والصراعات او خسارة الممتلكات التي صنعتها عبر الانتقام او الغزو . بعكس التفكير الابوي سيء الصيت الذي يرمز الى التحكم والاستغلال والوصاية .
هذه الطريقة في التفكير هي من انقذت وتنقذ العالم كان اخرها ما حصل اثناء جائحة كورونا , فالبلدان التي نجحت في تبني تلك الطريقة في التفكير وسواء كان قادتها رجال او نساء هي من خرجت من الجائحة بأقل الخسائر لان العالم خلالها اصبح لديه معيار اخر في تقدم الدول وهو قدرتها على الحفاظ على ارواح مواطنيها الى اقصى حد وهو ماتفكر به الامهات " الحياة " .
ان التفكير الامومي له اهداف وهي (الحماية, والنمو, وقبول الاخر المختلف ) كما بينت الفيلسوفة النسوية سارة روديك , فله سمات متعددة ليتحول بها الى مايسمى بالممارسة الامومية لا محض طريقة تفكير فقط وهي : حماية الافراد والحفاظ على حيواتهم , تعزيز النمو المجتمعي وتقديم المساعدة لبلوغه , والسمة الثالثة هي التوجيه وخلق الموازنة بين المتطلبات الشخصية الصرفة ومايتطلبه المجتمع وفق ما وضع من اطر .
والتفكير الامومي غير مقتصر على النساء حيث يمكن تبنيه من قبل النساء والرجال معا ومثال ذلك رفض الحروب, بسبب تداعياتها وخسارة ماتم انتاجه من ممارسات امومية ممتدة لسنوات فمن يفكرون اموميا وفقا لسارة روديك يرفضون الحرب لا لأنهم يعتبرون بلدهم في القمة بل لأنهم لايرون في الحرب سوى الموت " العدو اللدود للأمهات " .
تلك الممارسة التي تحمل خصائص متعددة جميعها متأتية من وظيفة الامومة وهي الاحتواء وتقبل الجميع لان مايجمعهم معا هو الام نفسها , فهي تركز على المشتركات التي تقرب جميع الابناء من بعض اكثير من تركيزها على نقاط الاختلاف وتنمية وتطوير اولادها والحفاظ عليهم احياء .
وكان من المفترض ان يتربع ذلك التفكير على العرش عندما نبني منظماتنا النسوية ( لجان , روابط , جمعيات , مؤسسات , منظمات غير حكومية ) والجماهيرية منها على وجه الخصوص ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك, وبنيت المنظمات وعاشت واندثرت العديد منها وهي تعمل وتفكر بطريقة ابوية لا تشبه عضواتها , بل تحولت في كثير من الاحيان الى مستغل لمعاناة النساء وتكريس بؤسهن ونسخة من هياكل الهيمنة التي ترفضها عمليا. تلك الهياكل التي تحاول ان تبني ثرواتها على تعاسة النساء .
اقصيت العديد من المتطوعات والناشطات بسبب الاختلافات التي حولتها طريقة التفكير الذكورية ومنهجيات الادارة التجارية الى خلافات. خلافات قادرة ان تفكك اي مبادرة او نشاط وتحوله الى عدم فعلى الرغم من انها تأسست لانهاء اضطهاد النساء فهي تضطهد النساء داخلها وتهمشهن وتلقي بهن الى الهامش, ولم يتم توزيع القوة والمسؤولية بين الادوار لتعزيز الممارسة النسوية في القيادة , وما شرعن ذلك هو عدم وجود تمويل ذاتي يشعر الجميع بأن المنظمة مملوكة لهن وعلى مسؤوليتهن تطويرها وتنميتها بل كان التمويل من الخارج .
هذا التمويل الذي اثبت فشله في تجربة حية وهو ماحدث في افغانستان التي عملت على مدار عشرون عام بعد السيطرة الاولى عليها لترجع الى نقطة الصفر عندما عادت طالبان الى الحكم عام 2021, وحاولت منظمات المجتمع المدني ومانحيها الهاء الناس عن تلك النقطة لغرض عدم الانتباه اليها . الاف الدولارات يتم صرفها في الفراغ مع ضبابية المصادر ولم تحقق سوى الشرذمة بدل التجمع حول المصلحة المشتركة . فعصب الأعين طريقة ليست امومية البتة وهذا ماتقوم عليه سياسة او عمل المنظمات , ففي افغانستان يستطيع ان يجتمع مؤتمر المانحين في مقر الامم المتحدة ويقرر ان يغيث افغانستان ببضع مليارات من الدولارات ليتم ايصالها للناس عبر المنظمات لكن تلك الامم لاتستطيع ان تجتمع وتحاسب على رفع اليد الذي قامت به الولايات المتحدة فيها مثلا.
تلك البلاد التي تناضل من اجل ادخال المساعدات الانسانية الان وتفاوض من اجل السماح للمنظمات الغير حكومية لمواصلة نشاطاتها "الكارتونية" حول التعايش وبناء السلام وتعزيز الديمقراطية ومشاركة النساء وغيرها دون الالتفات الى الاسباب الجذرية التي خلقت هذا الوضع العام ومعالجته .
ان التفكير بطريقة امومية يحتاج الى الايمان به اولا, ثم تحويله الى ممارسات فعلية يتم استخدامها في كل مجالات الحياة وبشكل خاص في العمل النسوي فهو مايقربنا الى التضامن والى النماء بشكل مستقر والوصول الى الهدف والتمتع به لفترات طويلة واول الخطوات هي رفض طريقة الادارة التجارية الحالية في تسيير منظماتنا .