الرجل رأس المرأة



مجدي مهني أمين
2022 / 6 / 18

التقيت في رحلة مع بعض الأصدقاء، وأثناء الحديث تطوع أحدنا بقراءة نص من رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس، الإصحاح 11، تلك التي تحدث فيها عن المرأة، وكيف أن الرجل رأس المرأة، كما أن المسيح رأس الكنيسة.

- الرجل رأس المرأة!!

وهنا توالت أمامي صور العديد من الرجال المتقاعسين عن دورهم، هؤلاء الذين يتركون للمرأة كل الأعباء داخل وخارج المنزل،

- كيف يكون هذا الرجل رأس المرأة؟ دي هي تاج راسه، وهو لا يستحق التراب اللي بتمشي عليه،
- كيف يعطي بولس للرجل كارت على بياض، ويعطيه مكانة تفوقها!!

والحقيقة أن بولس في نهاية النص كتب يقول: "11 غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ. 12 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ، هكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ. وَلكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ." ولكن تداركه لم يمنع ثورتي على بولس وعلى المشاركين في الحوار، ورفضي وثورتي وضعونا جميعا في حالة توتر شديد، أنا أناقش مضمون النص، فاتفق ولا أتفق، وهم يتضامنون مع بولس، وبولس طبعا في النص متضامن معهم. حاولت أن أوضح قائلا:

- أنا أكون حذرا عندما يكون النص في صفي، وأقبله عندما لا يكون في صفي.

توتري لم يساعدني أن أوضح أكثر، وانصرفنا وكلنا في حالة من الغضب وعدم الارتياح، وعدت مع نفسي أتأمل الأمر برمته، ووجدت في المقارنة التي عقدها بولس -بين الرجل والمرأة من ناحية؛ والمسيح والكنيسة من ناحية- أن الحل بالنسبة لي كان في المسيح وعلاقته بمن حوله، فالناس كانوا يعاملونه بطريقة عادية وأحيانا فيها الكثير من التجاوز، فالمرأة السامرية ترفض أن تسقيه، وسمعان لا يُحسن ضيافته، وبطرس ينكره، والجميع لا يسمع كلامه، أو يسمعون ولا يعملون، فيقول لهم: "أنتم لا تعملون بما أقول (لوقا 46:6)"، أبرأ عشرة من البرص ولم يعد إلا واحد فقط كي يشكره.

إذن الكل يعامله خارج عصا السلطة، يعاملونه معاملة عادية وربما تكون جافة، أو بلا مبالاة، وأمام كل هذه المعاملات نجده يُحب، ويسامح، ويحنو، ويشفي، ويداوي؛ هو من يضمد جراحهم، ويرد على الإساءة برعاية بالغة.

لذا فعندما يقارن بولس العلاقة بين الرجل والمرأة، بعلاقة المسيح والناس، يكون قد وضع النص في صف المرأة، النص مش في صف الرجل، النص لا يعطي الرجل أمتيازا بل يطالبه برسالة وواجب، هكذا أفهم النص، "النص علينا مش معانا." هذا لو كنا صحيح نشعر بمسئوليتنا؛ مش بنطالب بامتيازات تخصنا. صَمِتُ كثيرا عند هذا الفهم، وعرفت أن أي نص هو رسالة لنا مش امتياز يخصنا، رسالة كي نجعل حياة من حولنا جنة، مش امتياز علشان اللي حولنا يخلوا حياتنا جنة، جنة نصنعها لهم، مش جنة نطالبهم أن يحققوها لنا.

- نحن مسئولون عمن حولنا، هي دي رسالة السماء لكل واحد فينا.

الحمدلله تصالحت مع بولس، ويبقى أن أتصالح مع الأصدقاء بعد ذاك الحوار العنيف.