ترميم الختان.. هل يمكن إصلاح ما تم بتره؟



رحمة سامي
2022 / 6 / 18

سنوات من التفكير المُلحّ عشتها لمعرفة الفارق بين المظهر الطبيعي لمهبل النساء والفتيات والمظهر اللاحق للختان.

وكيف لحادثٍ أليم مرّت عليه سنوات أن يكون قادراً إلى هذا الحد على تغيير حياتي؟

جميعها تساؤلات لم أجد لها رداً، لكنني كَبرتُ، وكَبرتْ معي.

منذ سنوات بدأ تجريم تشويه الأعضاء التناسلية للفتيات في مصر”الختان“، وسط حملات لا تتوقف لمناهضة هذه الجريمة.

لكن النسبة استمرّت في الارتفاع حفاظاً على الموروث الثقافي المشوَّه في ما يخص النساء.

في ذلك الوقت، ظهرت عمليات “جراحة ترميم البظر” لتشوهات الختان، الذي أسسه ويديره د. عمرو سيف الدين ود. ريهام عواد، لتعيد بث الأمل من جديد في نفوس النساء والفتيات.

بقيت أتابع الأمر من بعيد، أقرأ عنه وأستمع إلى تجارب النساء الخاضعات لهذا الترميم، لعلّ قدماي تطاوعني وتأخذني إلى مركز الترميم، ولو بهدف الاستماع من الأطباء والطبيبات إلى أين تصل حالتي فقط، أو بمعنى أدق، لعلي أسمع جملة أن هناك أشياء يمكن إصلاحها بعد أن تنكسر.

بحسب منظمة الأمم المتحدة، الختان يعني “تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية”. ويشمل جميع الممارسات التي تنطوي على إزالتها بشكلٍ جزئي أو تام، أو إلحاق إصابات أخرى بتلك الأعضاء بدواعٍ لا تستهدف العلاج.

وتقدر المنظمة، أن هناك 200 مليون امرأة تقريباً في العالم تتعايش الآن مع آثار تشويه أعضائهن التناسلية في 30 بلد في أفريقيا والشرق الأوسط.

التداعيات النفسية والجسدية للختان
أتت الصدفة لتلعب دورها في ذهابي إلى المركز بحكم عملي كصحافية. وبعد مقابلة الطبيبة المختصة وجدت نفسي أتحدث معها عن آلامي، وتخوفاتي.

وبدأ الأمر يثير فضولي لمعرفة الخطوات العملية وتوابعها أيضاً. حاولت الطبيبة أن تطمئنني، وسرعان ما تحول الحديث إلى فحصٍ طبي.

أجريت الفحص مع الدكتورة ريهام عواد، أخصائية جراحات التجميل، التي تجري عمليات تجميل وترميم للنساء اللاتي تعرّضن للختان، وتساعدهن على تجاوز هذه التجربة جسدياً ونفسياً.

الاستلقاء على سرير فحص النساء، وفتح قدماي للفحص كان كفيلاً أن يعيدني 16 عاماً إلى الوراء.

وأنا قصتي مع الختان تختلف عن كثيرات -وإن اعتبرت أن ذلك من حسن حظي في مصيبتي- فمن قام بتشويهي هو طبيب يزاول المهنة حتى الآن في عيادته في أحد أحياء القاهرة، ولستُ ممن تعرضن للتشويه على يد “حلاقين” الصحة في القرى أو “الداية”.

قالت لي الطبيبة أن لا أخاف من النوم على هذا السرير، وإن ما يحدث داخل غرفة الفحص الطبي لا يعرفه سوانا.

سألتني عن عمري الآن، وفي أيّ سن تعرّضت للختان، وإذا كنت متزوجة أو لا، وأسئلة أخرى مشابهة.

ثم طلبت مني أن أتحدث بكل صراحة عن مشاعري وإحساسي أثناء العلاقة الحميمية. وهل وصلت إلى النشوة الجنسية من قبل أو أنه أمر لم يحدث؟

فبحسب عواد “عدد كبير من الحالات التي تصل إليها يومياً، تكتشف أنهن على جهلٍ تام بما يعرف بالنشوة الجنسية”.

حدثتني كثيراً عن ماذا يحدث لنا كنساء أثناء الخضوع لعمليات التشويه أو “الختان”. وكيف يتسبب الأمر في صدمة نفسية قد تلازمنا العمر كله.
بدأ الفحص الطبي يأخذ منعطفاً آخر، وهو الجزء العملي. في البداية كنت شبه مرتعشة غير قادرة على أن يلمسني أحد.

تذكرت مشهد تخديري على كرسي مشابه، وبعد ساعات استيقظت على الألم.

لحظات لم أستطع نسيانها، وصرخات لم تتوقف، وبكاء هستيري، وسط مباركات لا تنتهي لأمي وجدتي.

طلبت مني الطبيبة أن لا أفكر في شيء سواء الإجابة على أسئلتها. كانت تحاول إلهائي لتتمكن من استكمال الجزء العملي من الفحص لتحديد حالتي.

وبعد الانتهاء، طمأنتني أن الأمر بسيط، وأنني من سعيدات الحظ في هذه المصيبة.

كشفت لي معلومات لم أكن أعرفها من قبل، مثل الإجراء الطبي اللازم لحالتي، وخطوات يجب اتباعها لتخفيف الألم المصاحب لي دائماً أثناء الحركة وغيرها من النصائح.

لكنها أكدت أن الجزء الأكبر من تعاستي وألمي المستمران حتى الآن، هو أمر نفسي وليس جسدياً، وأنني بحاجة إلى جلسات دعمٍ نفسي مع المعالجة النفسية التابعة للمركز.

وحين سألتني لماذا أرغب في الترميم، توقفت كثيراً عند هذا السؤال. وأجبتها أنني لا أعلم تحديداً الأسباب.

هل لإعادة إحساسي إلى طبيعته؟ أو رغبةً مني في تجميل ما تم تشويه؟ أو ربما حتى لا أشعر بأنني منكسرة ومنقوصة، أو لأثبت لنفسي أنه يمكن إصلاح ما ينكسر في بعض الأحيان.

وربما لتشجيع الكثيرات غيري أو لنسيان ما مررت به والبدء من جديد. وربما لرؤية الشكل الطبيعي لجسدي قبل ذبحه.

الختان
ما هو تشويه الأعضاء التناسلية؟
يحصل الختان غالباً بين سن الرضاعة والـ15 عاماً. ويُنفذ عادةً باستخدام أدوات تقليدية مثل شفرات الحلاقة أو السكاكين.

وهناك أنواع عدة من ختان الفتيات، فتنطوي عادة الطقوس على الإزالة الجزئية أو الكلية للأعضاء التناسلية الخارجية بما في ذلك البظر.

ويمكن أيضاً أن تخضع الفتيات لخياطة فتحة المهبل، وغيرها من إجراءات قطع وتشويه الأعضاء التناسلية.

وعلى الرغم من ارتباط هذه الممارسة الخطيرة في العقل بالمعتقدات والديانات، إلا أنها لم تُذكر في أي من الكتب السماوية. ويرجح أنه يعود لتقاليد وعادات عصور قديمة مضت. إلا أن كثيرون لا يزالون يرونه سنّةً دينية.

عام 2021، أقر مجلس النواب المصري مشروع قانون يغلّظ عقوبة ختان الفتيات لتصل إلى السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات.

فتح هذا القانون الباب أمام معاقبة ولي/ة الأمر، الذي يحاول/تحاول إجراء عملية الختان لابنته/ا بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات.

وإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهةً مستديمة، فالعقوبة تصبح السجن المشدد لمدة لا تقل عن 7 سنوات.

أما إذا أفضى الفعل إلى الموت، فتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات.

من جهتها، صنّفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مصر كرابع دولة على مستوى العالم، وثالث دولة على مستوى الدول العربية، في انتشار ختان الفتيات.

مع العلم أنّه لا يتوافر أي عدد دقيق لضحايا تلك العمليات، لأنها تجري غالباً في إطارٍ طبي غير شرعي، بالإضافة إلى خوف الأهل من الإبلاغ عن أي وفاة أو إصابة، بسبب تلك العمليات.

عمليات التجميل والترميم
في مقابلة خاصة مع “شريكة ولكن”، قالت أخصائية جراحات التجميل الدكتورة ريهام عواد، إنها “فوجئت بهذا الكم من النساء اللواتي تعرّضن للختان، ويعانين من مشاكل نفسية كبيرة تؤثر على صحتهن الجسدية”.

وأضافت أنه “لذلك، الهدف من عمليات الترميم، هو إصلاح ما تم إزالته في الختان، ويسميها البعض ترميم أو تقويم الأعضاء التناسلية، وتشمل العلاج والتجميل والتقويم للبظر والأعضاء التناسلية للفتاة”.

تجري د. ريهام عمليات تجميل وترميم للنساء اللاتي تعرّضن لهذه الجريمة، وتساعدهن على تجاوز هذه التجربة جسدياً ونفسياً.

توقفتُ عند هدف العملية كثيراً، وتساءلت: هل رغبتي الأساسية هي استعادة ثقتي بنفسي، أو محاولة أن أعرف إحساس لم يحالفني الحظ من قبل كي أعرف ماهيّته؟ والأهم ربما الرغبة في التحسن الذي يطرأ على صحتي النفسية.

بينما أثبتت الأبحاث التي أجريت حول هذه العمليات أنها تساعد الفتيات والنساء، اللواتي تعرّضن لهذه الجريمة على استعادة الثقة بالنفس. والشعور بأنهن كاملات، ولا فرق بينهن وبين غيرهن من الفتيات اللواتي لم يتعرّضن للختان.

وبحسب الدكتورة ريهام: “كثير من الفتيات والنساء المتضررات من الختان يعانين من مشاكل صحية عدة ويبحثن عن حل للمشكلة. لكنهن لا يعلمن بوجود هذه العمليات، وربّما كان السبب أيضاً أن هناك عدد قليل جداً من الأطباء والطبيبات الذين/اللواتي يجرينها/يجرونها في العالم كلّه”.

كما يعتبر الجانب المادي، الجانب الأسوأ في العملية، خصوصاً أنها مكلفة، وليست في متناول الجميع.

وعلى الرغم من أن الضرر طال القطاع الأكبر من المصريات، إلا أن المعلاجة لن تصل لهن جميعاً. فالعملية تكلّف عشرات الآلاف من الجنيهات، وهو أمر ليس في استطاعة جميع الفتيات والنساء، خصوصاً في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعانين منها.

وأوضحت ريهام أن “العملية مكلفة مالياً في كثيرٍ من أنحاء العالم، لكن هناك أمر إيجابي بعض الشيء، هو عدم حاجة جميع الفتيات والنساء إلى التدخل الجراحي، بل تحتاج بعضهن إلى بعض العلاج مثل حقن البلازما في البظر أو المهبل. أو قد يحتجن للدعم النفسي فقط لتجاوز آثار هذه التجربة المُهينة، وما تسببه من عدم ثقة بالنفس وتقبل لجسدهن، بجانب عدم القدرة على البوح بمعاناتهن الجنسية”.

أخبرتني الدكتورة ريهام أن النساء اللواتي لجأن إلى المركز كنّ من أعمارٍ مختلفة. هناك فتيات عمرهن أقل من 20 عاماً، وسيدات تجاوزن الأربعين عاماً. وأجمعن على الحاجة إلى الترميم مرة أخرى، سواء بتدخل جراحي أو غير جراجي. وجميعهن بحاجة إلى الدعم النفسي.

فبحسب تعبيرها: “لم تأتِ إليّ امرأة استطاعت أن تمحو ذكريات ذلك اليوم من مخيلتها”.

كما أكدت أن الختان يتسبب كثيراً بألمٍ مزمن ومشاكل في الدورة الشهرية، والتهابات في المسالك البولية المتكررة والعقم. وقد تعاني بعض الفتيات من النزيف حتى الموت، أو الموت الناتج عن الالتهابات.

كما يمكن أيضاً أن يسبب مضاعفات الولادة القاتلة في وقتٍ لاحق من الحياة. ويرتبط باضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب واضطرابات نفسية أخرى.

والأهم برأي ريهام أن “الأزواج يتسببون كثيراً بضغطٍ نفسي للنساء بسبب تعليقاتهم، التي تشعرهن بالإحباط”.

لذلك، لا بد أن تسبق هذه الخطوة الجراحية، تأكيد من الاختصاصية النفسية أن المرأة جاهزة من الناحية النفسية، بعدها تدرسان كيف يمكن حل المشكلة.

يعد تشويه الأعضاء التناسلية من الانتهاكات البغيضة لحقوق الإنسان التي تتعرّض لها النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم.

وهي ممارسة تسلبهن كرامتهن، وتعرّض صحتهن للخطر. وتتسبّب بلا داعٍ بالألم والمعاناة. وقد تؤدي حتى إلى الموت.

ويستمد الختان جذوره من أوجه عدم المساواة، وعدم التوازن في القوة بين الجنسين، ويديمها بالحد من الفرص المتاحة للفتيات والنساء لإحقاق حقوقهن وتحقيق كامل إمكاناتهن، بحسب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.