المرأة من السياسة الي الرئاسة



عطا درغام
2022 / 7 / 2

لم يدر في خلد أحد ممن دعوا إلي حصول المرأة علي حقوقها السياسية في مطلع القرن الماضي إلي هذه الحقوق ،وأنها ستكون مليئة بالعقبات والمطبات،وأن الخطو فيها سيتعثر كما لم يكن متصورًا حينئذ علي الأرجح أن هذه الطريق ستكون متعرجة ،وأن بعض ما فيها من عقبات سيفرض العودة إلي الوراء.
وربما اعتقد كثير منهم أنه قبل أن ينتهي القرن الذي اقتحموه بدعوتهم ستكون المرأة قد نالت حقوقها السياسية كاملة. وقد حدث ذلك فعلًا،ولكن ليس في مصر وعموم العالم العربي- الإسلامي.
حدث في أوربا التي كانت الحقوق السياسية محجوبة عن المرأة فيها حتي أوائل القرن الماضي مثلها في ذلك مثل نساء مصر وغيرهم في عموم الأمة.
فعندما دُعي إلي هذه الحقوق في بلادنا وبعض بلدان الأمة، لم يكن الفرق كبيرًا في هذا المجال بين مناطق العالم وثقافاته المختلفة.لن تكن المرأة جزءًا من المشهد السياسي في أوربا حتي الحرب العالمية الأولي.
ولكن ما إن وضعت تلك الحرب أوزارها حتي بدا الفرق يظهر ويزداد وضوحًا .فما إن عرفت المرأة الأوربية طريقها إلي الحياة السياسية حتي انطلقت بلا قيود تذكر أو عراقيل يُحسب حسابها.
في بريطانيا مثلًا ،لم تدخل المرأة البرلمان(مجلس العموم) إلا في نهاية عام 1918 ،وكانت امرأة واحدة هي التي فازت في أول انتخابات شاركت فيها النساء.كان عدد المرشحات 17 فقط مقابل نحو ألف وستمائة مرشح من الرجال.
ولكن عندما وصلت سيدتان إلي البرلمان المصري للمرة الأولي في يوليو 1957 ،كانت البريطانيات قد ملأن العشرات من مقاعد مجلس العموم في كل الانتخابات.
وبعد نصف قرن علي ذلك التاريخ لم تحقق المرأة المصرية تقدمًا يُذكر في تمثيلها البرلماني بخلاف ما أنجزته المرأة البريطانية في فترة زمنية أقل منذ أن دخلت البرلمان في 1918 وحتي 1968.
ولذلك اقتضي الأمر تخصيص مقاعد محجوزة للمرأة في مجلس الشعب عام 1979، ثم عام 2009 لضمان تمثيلها كميًا،ولكن دون أن يكون هناك ما يضمن هذا التمثيل وجدواه، مادام المجتمع غير مقتنع في معظمه بدور سياسي لها.
ولعل ماحدث في مجتمعنا منذ الربع الأخير من القرن العشرين هو أكثر مالم يكن ممكنًا لرواد تحرير المراة أن يتخيلوه في مطلع ذلك القرن- كان مفهوم التقدم غالبًا في تفكيرهم علي نحو خلق اعتقادًا، بدا راسخًا لدي كثير منهم في أن التاريخ يسير في خط صاعد، وأن التحديث الثقافي الذي بدأت إرهاصاته في القرن التاسع عشر يتواصل، ويقود إلي مجتمع حديث لا يتنكر لخصوصيته ولكن لا يجعل هذه الخصوصية في الوقت نفسه سجنًا يعيش وراء أسواره.
لم يتصور أمثال د. محمد حسين هيكل وقاسم أمين وسلامة موسي وأحمد لطفي السيد ،ومن قبلهم رفاعة الطهطاوي وأحمد فارس الشدياق أن "الحرملك" الذي ثاروا ضده سيتوسع ليصبح سمة عامة في مجتمع اخذ يميل إلي إخفاء نسائه وراء أشكال شتي من الحجب لبتسًا وسلوكًا ومكانًا ،وأن اختلاط الجنسين الذي بدا لهم من طبائع الأمور سيُنظر إليه باعتباره خارجًا علي المألوف حينًا،وعلي مقتضيات الشرع حينًا آخر.
لم يحسب رواد الدعوة إلي حقوق المرأة حساب أن مجتمع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين أن يكون ذلك الذي تصوروه استنادًا علي اعتقاد في أن التاريخ يسير في اتجاه واحد.
لم يدركوا وقتها الأثر الفادح للاستعمار الغربي الذي جثم علي صدور أمتنا ،فأطلق مقاومة لم تكن فقط سياسية .فقد كان علي مجتمعات الأمة أن تتحصن وراء تقاليدها الاجتماعية الموروثة التي اختلط كثيرًا منها بالدين فاكتسب نوعًا من القدسية. بالرغم من عدم وجود أساس يسنده في صحيح هذا الدين،ولكنها آليات الدفاع الذاتي اللاشعوري التي تبرز في مواجهة الآخر المختلف ثقافيًا واجتماعيًا حين يغزو البلاد ويتبدي خطره مباشرًا علي العباد.
لقد خلق وجود الفرنجة الغزاة في داخل التيار أنماطًا من التفاعلات المجتمعية لم يحسب دعاة حقوق المرأة حساب آثارها المحتملة التي كان أهمها الخلط بين ماهو تقليد اجتماعي موروث وقيم دينية.
لم يدركوا في زمنهم مغزي الكتاب الذي أصدره الشيخ حمزة فتح الله في نهاية القرن التاسع عشر تحت عنوان(باكورة الكلام علي حقوق النساء في الإسلام) دفاعًا عن حق المرأة في أن تُصان بعيدًا عن الأنظار وهجومًا علي حقها في أن تشارك في بناء مجتمعها وأمتها.
ربما ظنوا أن هذا الاتجاه سيكون جزءًا من التاريخ وليس من المستقبل.ولكن ماحدث هو تقريبًا وبشيء من التبسيط عكس ماظنوه فاتجاههم الذي تخيلوه تعبيرًا عن المستقبل هو الذي يبدو الآن كما لو أنه تاريخ.
فالميل الأغلب في المجتمع المصري وكثير من مجتمعات أمتنا يرتبط باعتقاد واسع في وجود تعارض بين الدين وحضور المرأة. فلا يدور نقاش حول المرأة والسياسة في الأغلب الأعم إلا انطلاقًا من مقولات دينية، بغض النظر عن مدي إدراك المشاركين في هذا النقاش لها أو فهمهم دلالاتها أو قدرتهم أصلًا علي الإحاطة بها.
ويحدث ذلك بشأن مستويات دور المرأة السياسي وصولًا إلي المستوي الأعلي وهو رئاسة الدولة.
ومن هنا أهمية هذا الكتاب الذي يقدمه الأستاذ محمد عبد المجيد الفقي دراسة فقهية يعرض فيها مواقف مؤيدي الدور السياسي للمرأة ومعارضيه في الفكر الإسلامي وحجج كل من الفريقين بأسلوب سهل للقاريء وصعب علي من لا يحيط بموضوعه إحاطة كاملة.
وتتسم الدراسة بموضوعية محمودة ساعد المؤلف عليها إلمامه بموضوعه وتمكنه منه وحرصه علي أقصي دؤجة من الأمانة في تقديم وجهتي نظر مختافتين ، يميل هو إلي إحداهما يحكم اقتناعه بأن الإسلام كرَّم المراة وأتاح لها مجالًا واسعًا للمشاركة في بناء مجتمعها وتمكين أمتها ولكن ميله إلي الاتجاه الذي يُقال عنه أكثر انفتاحًا يقف عند حدود قضية رئاسة الدولة، فلا يجيز حق المرأة فيها باعتبارها نوعًا من الولاية العظمي.
وهذا هو رأي المؤلف الذي تختلف معه عليه، بحقه في أن يري ما يعتقد في صوابه ومقدرين له جهده في هذا الكتاب الذي نأمل ان تعم الفائدة منه سواء علي مستوي التعريف بأسانيد وحج اتجاهين مختلفين في الفكر الإسلامي تجاه الحقوق السياسية للمرأة أو علي صعيد الحوار الذي سيثيره الكتاب.