خلف الأبواب


صلاح الدين محسن
2022 / 7 / 2

شعب بأكمله الآن يتابع ويفتش عن سبب سقطة نسر ضخم . هوي فجأة من علياء تحليقه ، الي الأرض ، كعصفور صغير يتعلم الطيران ، خذلته أجنحته الصغيرة غير المدربة ، وسقط !
رجل كان يجلس فوق كرسي القضاء ليحكم بين الناس بالعدل ، ويقضي بأحكام علي المخالفين للقوانين والخارجين عليها - جُنح ، وجنايات !
وكان يرفرف في علا القيادية , لنادي القضاة ، ويحلق رياضياً وسط المتنافسين علي رئاسة نادي رياضي هو أحد أهم اثنين من الأندية بالدولة
وفجأة سقط بين يدي العدالة ، ومثل أمامها كمتهم يعترف بارتكاب جريمة بشعة جداً ، هزت ضمير الرأي العام للشعب كله : قتل مع سبق الإصرار والتخطيط ، مع محاولة تضليل العدالة بإخفاء الجريمة ! ، والاعداد للهرب لخارج البلاد للإفلات من يد القانون

الناس يتأملون جريمة الزوجة القتيلة ، من يعتصره الألم ، ومن يلقي باللوم عليها لمخالفتها علي ما اتفقت معه عليه ( أن يبقي الزواج سرياً .. وهي ضاقت من تلك السرية ، وتريد اشهار الزواج للعلن ، بعد ٨ سنوات من السرِّية انها زوجة جناب المستشار . كانت تعرف انه متزوج وله بنات - أسرة - ووافقت علي خطفه من زوجته وبناته كما فعلت نساء كثيرات ومنهن نجمات شهيرات - كل من تزوجتهم كوكب الشرق أم كلثوم , وكل من تزوجتهم الفنانة الكبيرة شادية , كانوا متزوجين ولهم أُسر .. ! - يقول المصريون عن مثل تلك المرأة : خطّافة الرِّجالة .. " أم الرجل فيقولون " حقّه الشرعي " ! )

بعد ٨ سنوات سبقها حب مشتعل وعشق ملتهب ، وصاحب تلك السنوات ، ما لم يمكن إحصائه من القبلات والهماسيات واللمسات ، واللثمات والعضّات , ومداعبات الأعضاء الداخلية والخارجية ، ورضاعة ومص شهد الرضاب ، والذوبان في بعضهما لدرجة تقبيل كل منهما ليدي الآخر . وربما القدمين أيضاً . ففي شريعة العشق كل شيء جميل ، وامتصاص ولحس الأعضاء الجنسية . وتناول أشهر المأكولات والمشروبات وتبادل ألذ الكلمات ... الخ
بعد ذلك الذي حدث طوال ٨ سنوات .. اختلفا ، ثم احتدم الخلاف ، لمشادات ، ووصل لدرجة المناكفات ، ، وبلغ حد الكراهية بعد الحب ! والكفر بالعشق بعد طول إيمان ! وصار كل منهما يفكر في كيفية التخلص أوالانتقام ، أو النجاة ، من الطوفان ، فوق جثة الآخر . فساع بقتلها شر قتلة ، وبإحكام أفلت وإنفك !
وتحول العشق الملتهب الي جريمة قتل .. وداعاً للحب ، وداعاً للقبلات وللأحضان ، وداعا للأنصهار و للذوبان ، باي باي للعشرة الطيبة . تلك أشياء كانت خلف أبواب مغلقة ... نحن الآن أمام جثة مشوهة أمام الطب الشرعي ، في مبردة المشرحة .

المجتمع الآن كل ما يعنيه هو القتلة البشعة للمذيعة علي يد زوجها
والسقطة البشعة للزوج .. سعادة القاضي ، الذي شوه وجه زوجته الحبيبة سابقة ، بعد قتلها للحيلولة دون معرفة هويتها ، لإخفاء الجريمة ، وشوه حياة نفسه ومكانته ، ومكانة القضاء والقضاة .. ولعل زوجة كل قاضي صارت تتحسس رأس زوجها ورأسها .. فقد تكون رأسها مبطوحة وهي لا تدري !
هناك من ينظرون للقضية بمنطق : الحيّ أبقي من الميت . من مات نطلب له الرحمة .. والحيّ نتلمس له الرحمة في الحكم
فخرج بالإنترنت ، من يقوم بتشريح الحياة الشخصية للزوجة القتيلة ، بالاضافة لتشريح جثتها .. ويلقي باللوم عليها .. بأمل حصول القاتل ( زوجها ) علي حكم مخفف
والمجتمع نسي وجود ذبيحة أخري .. امرأة أخري ( وبناتها ) هي ضحية نفس القاتل . انها الزوجة الأصلية أم بناته ..
هي امرأة كانت تعيش في عز. وهدؤ ، واعتزاز بأنها زوجة رجل مهم بالدولة ، ومهم بالمجتمع . قاضي .. يحكم بين الناس .. وفِي كل ليلة تنام سعيدة مطمئنة .. وفجأة صحت علي خبر لم تتصوره . أن زوجها كان متزوجاً من امرأة أخري ! ( أقسي كارثة (شرعية ! ) يمكن أن تسقط فوق رأس امرأة من شرع غير رحيم - وطوال ٨ سنوات مضت ، وان سعادة القاضي ، هو قاتل .. قتل زوجته السرية ..
لم يتطرق أحد لتصور الكارثة التي وقعت فوق رأس تلك المرأة ، لعلها تردد / دي مصيبة وجات لي بدري ، زي الصاروخ في ودانها .
لا أحد من الاعلاميين الذين ذهبوا وأجروا مقابلات مع أهل المذيعة القتيلة ، لينقل للرأي العام ، وقع الفجيعة علي قلب الأم ، والأخت ، والجدة ، والصديقة ... ذهب لينقل وقع الكارثة علي قلب الزوجة الأصلية للقاضي ، التي كان حريصاً علي ألا تعلم بأمر زواجه من أخري غيرها ، هي وبناتها ، وماذا قال لها الناس !
ربما لعلمهم أن فجيعتها أكبر من أن يحتملوا مواجهتها ! وأكبر من تكون لديها قدرة علي الكلام. ! انها قتيلة أخري ، بلا دماء ودون دفن ، انها قتيلة وجثتها حيّة
فأغلب الناس سيتعاطفوا مع أهل القتيلة ويواسوهم ..لكن من الذين سيتعاطفوا مع زوجة القاتل - المصدومة ، المكلومة في قلبها ، والمكلومة لأجل بناتها وسمعتهن .ماذا قالت لجيرانها ، ولأهلها ولصديقاتها . وهل منهم من استطاع مفاتحتها في المأساة !؟ أم انها تري الكلام في الوجوه والعيون .. فقط .. وهل خرجت بناتها من البيت كالعادة !؟ وكيف واجهن الناس بعار والدهن ، سعادة القاضي ذو اليدين الملطختين بالدماء ؟؟ لم تعد زوجته أم بناته هي الهانم حرم سعادة القاضي ، بل زوجة القاتل الجاني الفاجر ! . ان فجيعتها ومصيبة بناتها ، لعلها تفوق بكثير مصيبة أهل القتيلة الضحية

أي إنسان قد يتحول الي قاتل ! في لحظة غضب طائش ، في نوبة عناد هستيري ، في لحظة إهانة لا تحتمل وجهت له من إنسان ما .. وما إكثر ما يحدث ذلك لأي إنسان .. من موظف أو مدير ديكتاتور ، أو زوج طاغي ، أو زوجة شريرة وماكفة ، أو جار ، أو زميل ، من نفس تلك النوعية من الناس. أو اثر مشادة - رزقه بها الله , من رزقه الواسع ! - لا كانت علي البال ولا علي الخاطر .. مع بائع , علي مبلغ زهيد جداً ! , أو مع سائق تاكسي أو بائع جرائد . فتحولت لجريمة قتل !
لن أنسي وقتما كنت شابا في أول العشرينيات من. عمري ، ذهبت لإحدي الوزات التي تقرر توظيفي بها ، طالعت كشوف التوزيع علي الإدارات ، وذهبت أكثر من مرة ولَم أَجِد اسمي . قلت أسأل الموظف المسؤول ، أشاروا لي الي مكتبه . ألقيت عليه التحية وسألته ففوجئت به يرد بعجرفة بيروقراطية فظيعة ، شعرت معها بإراقة آدميتي !
هو أطول وأعرض وأقوي مني ، لكن للآن لا أدري كيف نزل كفي علي وجهه !! ( ولا أدري لماذا عاملني هكذا واضطرني لأفعل ما فعلت ! فلا سابق معرفة لنا ولا رآني أو رأيته من قبل ! )
وأعتقد في انه لو كان في جيبي مسدس وقت ذاك لأفرغت رصاصته في رأسه , ثأراً لكرامتي ، ومن المهانة التي وجهها لي .. وكنت سأتحول الي قاتل !
لو ركزنا علي حماقات كل قتيل ، وترحمنا عليه ، وخففنا من ذنب كل قاتل وبررنا له ما فعله ، بأمل تخفيف العقوبة ( والحي ابقي من الميت - كما يقول المثل الشعبوي ).. ولو تجاوزنا عن ضرورة أن يتحكم كل إنسان في انفعالاته ، وبالحكمة يضبط قراراته وتصرفاته .. فكيف ستكون الحياة ، سوي أن تشيع فيها المجازر والمذابح ! .

الطالب المتفوق ذابح زميلته بفناء الجامعة بالمنصورة - في وضح النهار - ، والقاضي المرموق ( القيادي ) الذي قتل وشوه وجه زوجته السرية ، ودفن جثتها ، وحاول مغادرة البلاد
يوجد أرفع منهما قدرا ، وليسوا فوق المستوي البشري . بل يمكن لقدِّيس أو فيلسوف أو عالم جليل رفع رأس بلاده بمخترعاته أو أبحاثه ، أو بطل حربي ، أبلي أحسن بلاء في سبيل نصرة بلاده ، يمكن أن يرتكب جريمة من أي نوع ..
والقانون هو الحقوق التي يجب المحافظة عليها ، أمام القانون لا شفاعة لتفوق دراسي ، أو لمنصب ، أو لعبقرية علمية أو سياسية او فكرية ، ولا شفاعة لبطولة رياضية أو حربية
القاتل يجب أن توقع عليه ، درجة العقوبة التي يستحقها . لحماية الحق العام ، من أن يستخف الكثيرون بقتل غيرهم . ويستسهلون القتل .

أتذكر واحد كان يدعي بطلا قوميا في الحرب وأسموه صاحب الضربة الأولي في معركة نصر.. و بعدما حكم البلاد , ضرب وطنه وشعبه ، علي عينه وعلي مؤخرته ، وفضربه في قلبه ، وأشاع الفساد .. فهل تشفع له بطولة الضربة العسكرية الأولي ..!؟

قد يقول البعض : من كان منكم بلا خطيئة .. الخ
حسنا ،،، يعني كلنا خطاة ويجب غفران خطايا كل الخطأة ... ؟
لا بأس ، و دعوا القانون يرتكب خطايا معاقبة الخطاة .. ولنغفر للقانون أيضا خطاياه ..
======