ماذا تركت لنا سيمون دي بوفوار العرب (نوال السعداوي)؟!



نساء الانتفاضة
2022 / 7 / 9

لو وضعنا اسم "السعداوي" في محرك البحث جوجل، ستظهر معلومات تعرِفها بأنها؛ طبيبة أمراض صدرية، وطبيبة أمراض نفسية، وكاتبة وروائية مصرية مدافعة عن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص، كتبت العديد من الكتب عن المرأة في الإسلام، اُشتهرت بمحاربتها لظاهرة ختان الذكور والإناث، ثم أسست جمعية تضامن المرأة العربية عام 1982، وساهمت في تأسيس المؤسسة العربية لحقوق الإنسان.

ولكن هذا كله غير كافٍ أمام أكثر شخصية نسوية جريئة ومثيرة للجدل بمطالبتها ودفاعها عن حقوق الأنسان والمرأة في الوطن العربي.

يجيب زياد أحمد سلامة على سؤال لماذا الكتابة عن نوال السعداوي: ما يدفعنا للكتابة عن السعداوي أنها أثارات ما أثارت من أفكار وآراء لا بد من معرفتها والوقوف عندها، فقد كان لها أتباع ومتؤثرون بأفكارها لا سيما فيما يُعرف بقضايا المرأة، فقد كانت السعداوي بارزة في هذا المجال، ولها كتب ومؤلفات ومواقف في هذا الشأن. ولها آراء حادة وصادمة حول الديانات لا سيما الإسلام وما فيه من عقيدة حول الذات الإلهية والموت والجزاء والجنة والنار، والعبادات والأخلاق والزواج والطلاق والميراث وغير ذلك، لهذا نرى أنه ينبغي التعرف على هذه الأفكار من مصادرها بشكل موضوعي محايد.

يبتدئ الشاعر العراقي عامر الطيب حديثه لنا: تمثّلُ نوال السعداوي بالنسبة لي واحدة من أهم العقول الحرة في العالم العربي ليس بما أثارته من صخبٍ شخصيٍ من قبيل إعلانها الحادها أو إنكارها للعقاب و الثواب حسب الموروث الديني أكثر من مرةٍ إنما بما قدمته من رؤية صلبة حول حرية المراة و حرية الرجل و محاولتها تخليص الإثنين من القيود التاريخيّة و الدينية التي تعيق تقدمهما و بالتالي تحول دون تأسيس كيانهما الخاص. هكذا يبتدئ الشاعر العراقي عامر الطيب حديثه عن نوال السعداوي.

مضيفاً أنها انتقدت الحجاب الذي اعتبرته رمزاً للسلطة الذكورية و انتقدت العري بالوقت نفسه إذ عدته تسليعاً تجارياً لجسد المرأة، لم أطلع على مؤلفات السعداوي كاملة لكن ما قرأته له و شاهدته من مناظرات و لقاءات يخلص إلى أن السعداوي تمتلكُ مشروعاً مركزياً في كل ما كتبته ألا وهو الدفاع عن المرأة المضطهدة و التي ترى بأن الدين باعتباره منصفاً و منحازاً للذكر لا للأنثى في كل شيء- تراه عاملاً أساسياً في اضطهاد المرأة و حجرها و منعها لا من العمل فحسب إنما من التعبير بشفافية كما يفعل الرجل ، أن اللغة بالنسبة لنوال السعداوي أول القيود التي ينبغي أن تتحرر منها المرأة، و ضمن ذلك السياق فإن حرية اللغة و الفكر هي الخطوة الأولى نحو حرية الجسد.

يرى الأستاذ سمير اليوسف أنه لم يكن من المستغرب اختيار مجلة "تايم" الأميركية نوال السعداوي كواحدة من بين 100 شخصية نسائية هي الأشد تأثيراً في العالم على مدى قرن من الزمان، وتكريس أحد أغلفتها لها، منذ ظهور كتابها الأول، الجريء والخطير ، "المرأة والجنس" عام 1972 وحتى اليوم لم تظهر في العالم العربي امرأة توازيها في الأهمية والتأثير.
لماذا؟

هناك أسباب عديدة ولكن أهمها برأيي الشجاعة.
لا أمرأة، ولا رجل، في ثقافتنا تمتّعت بالشجاعة التي تحلّت السعداوي بها. واذا كان هناك من تمتّع بهذه الشجاعة فانه ظل محدود الانتشار بحيث لم يواجه حملات النقمة والغضب والتشهير والتكفير التي تعرضت لها السعداوي على مدى نصف قرن.

ويبين اليوسف أن رواية "سقوط الإمام" هي نقلة نوعية في "الرواية النسوية" التي كانت السعداوي رائدة كتابتها وأمهر من كتبها، بخلاف رواياتها السابقة، خاصة الأشهر منهما، "مذكرات طبيبة" و"إمرأة عند نقطة الصفر"، فإنها تعتمد فيها على الخيال بأهم ما تعتمد على الواقع كمصدر لها. الرواية تدور في عالم أقرب إلى "الطوبيا المظلمة" حيث السلطة الذكورية الحاكمة تتخذ من تطبيق الشريعة الإسلامية سياسة للتسلط والقمع والعنف.

الرواية تعرضت للمصادرة ولكنها لم تثر أي اهتمام يشبه ذلك الذي أثارته روايات أخرى، هذا التجاهل طبعاً هو الموقف المألوف من المثقفين والكتّاب العرب تجاه ما تنتجه الكاتبة العربية. ولكن في حالة "سقوط الإمام" هناك أسباب أخرى أهمها أن الرواية صعبة القراءة. هنا أيضاً مظهر آخر، ولعله الأهم، من مظاهر النقلة النوعية في كتابة "الرواية النسوية" عند السعداوي. فهي تتوسل اسلوياً سردياً ما يشبه تقنية رواية "تيار الوعي" التي برع فيها جيمس جويس وفرجينيا وولف ووليم فوكنر، وحيث السرد أقرب الى منولوجى متعدد المستويات بحيث تتداخل الأمور على نحو يصير من العسير على القارئ تبيّن هوية الشخصية الروائية أو هوية الراوي.

موضحاً لا أظن ان السعداوي لجأت الى هذه الإسلوب السردي رغبة في محاكاة كتّاب راوية "تيار الوعي" كما فعل ويفعل بعض الروائيين العرب.


- روزة الحميد