المرأة في الإسلام .. رؤية وإشكالات



جلال إبراهيم
2022 / 7 / 30

قيل الكثير في قضية المرأة، ومع ذلك، لا تزال القضية إشكالاً عالقاً بين توسيع مدى الدور وتأطير أفق الحرية، بحيث تُصادر المساحة التي تُعطى لها على المستوى الأول، القيود الخفية أو المعلنة التي تُفرض عليها في المجال الثاني. ويبقى الاعتراف بالمحورين الأساس للقضية، حرية المرأة وأهمية دورها في الحياة العامة، مجرد كلام جميل معلق في فضاء وهمي لا ينزل إلى أرض الواقع إلا لماماً، وإذا ما نزل تبخر بعنوانيه معاً.

وفي عالم المرأة الواسع تدور الكثير من الاشكالات وتستجد الكثير من القضايا بحكم تطور الحياة وتعقدها، مما يضع كماً هائلاً من علامات الاستفهام الملحة، بانتظار الجواب المقنع والرأي الحاسم.

أول هذه الإشكالات، إشكالية القوامة التي يفسرها اتجاه واسع من رجال الدين بأنها أفضلية للرجل على المرأة على المستوى الماهوي، وليس أنها تمايز وظيفي. ويستندون في ذلك على آية “الرجال قوامون على النساء” وكذلك على آية “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة”. وإذا كان فريق من رجال الدين جعل القوامة للرجل محصورة في الدائرة الزوجية، فإن الفريق الآخر والأوسع انتشاراً جعل من قوامة الرجل على المرأة تشمل كل شيء، بحيث يصبح الرجل هو القائم على مختلف شؤون المرأة ولا قوامة للمرأة على أي شأن من شؤونها.

وإذا كانت القوامة معللة بإنفاق الرجل على المرأة، فإن مشاركة المرأة للرجل في عملية الإنفاق تُعتبر مُزيلة لهذا التعليل. إلا أن رجال الدين يعدون إنفاق الزوجة تبرعاً منها، وليس واجباً عليها!، وبسبب الدرجة التي أعطاها الإسلام للرجل على المرأة في الحياة الزوجية يجب الطاعة المطلقة من قبل الزوجة لزوجها، حتى لو أمرها بالامتناع عن زيارة أبيها! ومن هنا قولهم (طاعة الزوج من طاعة الله).

ومن الإشكاليات الهامة التي تعاني منها المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية حق الطلاق. يعود إعطاء حق الطلاق للزوج دون الزوجة إلى كونه المسؤول عن المؤسسة الزوجية مالياً وإدارياً. وأن الواجب الأساسي على الزوجة هو إشباع حاجة الزوج الجنسية حماية له من الانحراف.

وإذا كان الإسلام لم يَحرم المرأة من فرصة الطلاق إذا ما أرادت ذلك واشترطت ضمن عقد الزواج بأن تكون وكيلة عن الرجل في طلاق نفسها على رأي المذهب الشيعي، أو تكون عصمتها في يدها على رأي المذهب السني، فإن نسبة تحقق ذلك على أرض الواقع محدودة جداً. والسائد في المجتمع أن الرجل يُكره المرأة على أن تتخلى عن مهرها وأبنائها وباقي حقوقها، كي لا يخسر شيئاً بالطلاق. أو قد يتعنت الزوج في طلاق زوجته التي تطلب الانفصال عنه ويجعلها معلقة لسنوات طويلة تتجرع فيها أقسى أنواع الأذى النفسي.

كذلك تُعد إشكالية تعدد الزوجات من أهم القضايا التي تعاني منها المرأة المسلمة، حيث يُعطي الإسلام للرجل حق الزواج من أربع نساء في آنٍ معاً. وفي الواقع يمثل ذلك انتقاصاً من قيمة المرأة كإنسان، واعتداء على حقها في حياة عائلية آمنة ومستقرة مع شريك لا يشاركها فيه أحد.

وإذا ربط الإسلام تعدد الزوجات بتحقق شرط العدل، فإن النص القرآني يُشير بوضوح إلى استحالة تحقق العدالة الشاملة بين الزوجات من قبل الزوج “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم”. وتم تبرير ذلك بأن على الرجل العدل في النفقة والفراش لا في الميل القلبي. وأن التعدد أمر تفرضه طبيعة المصلحة العامة للإنسان، وإن على المرأة أن تعيش الإحساس بالبعد الإيجابي العام للتشريع، لتتجاوز إحساسها الذاتي الخاص بالأذية!

من القضايا الإشكالية للمرأة في مجتمعاتنا أيضاً، الإرث التي تكون فيه حصة الذكر ضعف حصة الأنثى، الأمر الذي يوحي بأن المرأة تعادل نصف الرجل. ويعلل أغلب رجال الدين ذلك بأن الله لم يكلف المرأة بأعباء مادية، لكنه فرض على الرجل بالمقابل جملة من الالتزامات المادية، كالمهر والنفقة على الزوجة والأولاد. وعلى الرغم من دخول المرأة إلى سوق العمل ومشاركتها الفعلية في الواقع الاقتصادي، سواءً في بيت زوجها أو في بيت أهلها، يبقى مع ذلك الحكم واحداً بالنسبة للإرث.

هذه بعض الإشكاليات التي تعاني منها المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية ويدور حولها جدل واسع بين رجال الدين والمثقفين والمؤسسات النسوية. حيث تحتاج هذه الإشكاليات إلى إعادة النظر في قراءتها بصورة علمية ومتزنة من مختلف المسؤولين والمختصين تراعي السياق التاريخي والاجتماعي في تطوره عبر السنين والقرون، ووضعها في قالب قانوني متقدم يحمي المرأة ويجعلها على مستوى واحد من الرجل في الماهية والقيمة.