ما الذي تضيفه المرأة السورية إلى حياتهم؟



شذى كامل خليل
2022 / 8 / 8

هل من الجيد اعتبار ما قاله أدينوس عن المرأة صحيحا بقوله :( المرأة هي العملُ الوحيد غير الكامل الذي تركَ اللهُ عملية إتمامهِ للرجل) ؟
أو ما أكدّ عليه توما الأكويني بحديثهِ؛ أن المرأة كائنٌ ناقصُ التكوين، وعرضيّ! أي أنه جاءَ عن طريقِ الخطأ!
منذُ عام 2011م وحتى اللحظة، بدا أنهُ من المتعذرِ على شاهدي الحربِ السّورية أن يلغوا دور المرأةِ في تجاوز خرابٍ تعجزُ الفلسفة القديمة على وضعِ أسس الشفاء منه، كلُّ الخارجين من الحربِ الدائرة وجدوا ملاذهم في النساء، الشعراء منهم والمصابين الذين لا يمكن للواحد منهم حملَ ساقهِ اليتيمة إلى منزلٍ حيث يجلسُ فيه بمنتهى الفخر والدٌ يريدُ أن يحمل وسام ابنه على صدره ووالدة تحملُ عوضاً عن فخرها، هماً قاسياً كصخرة.
في المجتمع السوري قبلَ الحرب وبعدها، لا يمكن أن تسندَ تربية عائلة إلى رجلٍ، فالعملية التربوية لا تعني التعليم والتثقيف فحسب! هي عملية إطعام وتهيئة لتحمل المسؤولية مستقبلاً، هي عملية حوار تقيمهُ الأمُّ السورية بينها وبين أطفالها بطرقٍ يعجزُ فيها علم النفس عن فك طلاسمه الكبيرة، الأمر يشبه جلسة الحكواتيّ في القهوة القريبة حيث بإمكانه أن يطلقَ أكثر قصصهِ سوريالية في وجه السامعين، أن يعبرَ بهم من الطرف الجاف إلى الطرف الأكثر عمقاً من الحياةِ المائية بالغة الدهشة.
تحملُ النساءُ السّورياتُ على وجهِ العموم، جهلاً في حقوقهن، يرددن نشيدَ آبائهن وأمهاتهن، لا يمكن لهن أن يرفعنَ من طموحاتهن إلى أبعد من زوج ومنزل وأطفال، وإن تمكنَّ بطريقةٍ أو بأخرى من الحصولِ على حلمِ إتمام دراستهن ـ هذا الحلم الذي أيدّه المجتمع الأبويّ كي يحملّهنّ أعباءً أخرى تفوق طاقتهن حين يساهمنّ جنباً إلى جنب بتلبية متطلبات الأسرة الماديةـ فإنهن ( غالباً ) يفشلن في ترميمِ مساراتٍ شديدةِ الخطورة تطيرُ بهن نحو الاختلاف والتّميز.
قد تبدو المرأة بشكلٍ عام كائناً ناقصاً باعتبارهِ ينجب ويلد ويمنحُ جزءاً من تكوينه العاطفي لجنينٍ يتغذى على جسده بالمعنى الحقيقي للطفيليّ، امرأة تنجبُ هي امرأةٌ لا يمكن أن تعودَ إلى ما كانت عليه سابقاً، ثمة مخزون عاطفي ونفسي يسلُبه الجنين منها عن طيبِ خاطر، يسلُبها قدرتها على تعويضِ الفاقد الغذائيِّ في كثيرٍ من الأحيان، خاصةً في الأماكنِ المنكوبة، الأماكن التي لم تنته الحرب فيها، الأماكن الفقيرة حيث تبدو عملية الجنس أو التكاثر ممتعةٌ للرجل ولا ينتجُ عنها ما يعرض حياتهُ للخطرِ بقدر ما يعرض حياة المرأة له.
ثمة من يطرح سؤالاً غير مناسبٍ حول ( ما أهمية مقتل النساء مقارنةً بمقتلِ الرجال في الحرب السورية ؟)
عوضاً عن سؤال آخر مغاير تماماً وينحصرُ بمصيرِ النساءِ السّوريات عبرَ رحلة حربٍ مدمرةٍ لم تضع رحالها حتى اللحظة أو هي انتهت في الخارجِ المكاني فيما آثارها ما تزالُ تعيثُ فساداً في الداخل الإنساني لأيّ كائن سواءَ كان امرأة أم رجل
وإن جازَ التعبير فإننا لا بد أن نكتشف خلال خرابِ بلد بكاملهِ ما الذي قدمتهُ المرأة أو ما الذي أُخذ منها عنوةً دون أن ينتقصَ من قيمتها أو يقلل من تأثيرها على عالمٍ متهاوٍ وما يزال يتهاوى تباعاً في بوتقة المجتمع الأبويّ الصارم.
فمن التاريخِ القديم للفلسفة وحتى تاريخنا الحديث فيه، لا أهمية للمرأة سوى ضمن عملية الجنس والإنجاب، رغم أن الواقع الحياتيّ يقول ما يخالف هذه الحقيقة.
النساءُ تعملُ جنباً إلى جنب مع الرجل، تتولى مناصب قيادية، تقدم مخزوناً ثقافياً أكثر نضجاً من الرَجلِ بحكمِ العاطفة التي تتحكم فيها وهي غالباً عاطفة تشفُّ عن قلقٍ وجوديٍ ينبعُ بطريقة مباشرة من رغبتها باكتشافِ المدهشِ والمختلف.
وإن كنتُ شخصياً أحملُ رأياً خاصاً يتعلقُ بطرفٍ واحدٍ من النزاعات البشريّة وهو الأدب حيثُ أعتبر فيه أن الكتّاب السوريون يمتلكون مساراً واحداً مشابهاً بما يخصُّ البنية السّردية حيث الحوارات القصيرة، الشّخصيات المُختلقة بطريقة مملة. أرى أن الكاتبات السُّوريات مفعمات بالتغيير سواء في البنية السرّدية أو بطريقة إلقاء الضوء على ناحية حيّاتية معينة. غير أن هذا الرأيّ يبقى قاصراً ما لم تتم قراءة كتب الجميع والاطلاع على الواقع الكتابيّ والإبداعي لكل من الكتّاب والكاتبات السّوريات. ثم ربط كل ذلك بأطراف النزاعات الأخرى مثل القوانين المدنية أو العادات والتقاليد القاسية على النساء دون الرّجال، مروراً بالأذى المادي الذي يطالُ المرأة أكثر مما قد يطال الرّجل لأسبابٍ قد أعللّها ـ بطريقة قد تبدو غير صحيحة ـ بالهرمونات الأنثوية!
في نهاية الأمر لا يمكن تلخيص معاناة المرأة بشكلٍ جيد من خلال مقالِ واحدٍ، سيرة حياة بكاملها لن تكون كافية أيضاً، فالمرأة من أيّ جنسية كانت تحتملُ الكثير من القصص حولها؛ تبعاً لطبيعتها الأنثوية المتغيرة، ونضجها الذي تختبره على مدار سنوات عُمرها بالكامل، نضجٌ متفاوتٌ في التركيبِ بين سنٍ وآخر. بين نقطةٍ تحول في جسدها ونقطة تحول أخرى في عالمها المحيط، أو العالم المُتخيل بطبيعة الحال.
من هنا أعتقدُ أن إطلاق أيّ حركةٍ نسويّة هو عملٌ يحتاج إلى الكثير من القوة للاعتراض عما يجب الاعتراض عليه، فمهمة النّسوية لا تقتصر على تلقف عيوب المجتمع الأبويّ بقدر التسليط على حقوقنا كنساء، خاصة تلك التي تتعلق بالقوانين سواء بالتوريث أو حضانة الأطفال أو الطّلاق وحتى منح الجنسية للطفل.
على النّسوية ترك التفاصيل الحياتيّة الهامشية والتركيزُ على الأسسِ التي تدعمُ مسيرة المرأة بحيث يتم فرض هذه الأسس على المجتمع الأبويّ دون تذمر، أمرُ مُلاحقةِ الّتفاصيل الفارغة من مَضامين تغيير حقيقية هي مُلاحقة تنم عن جهلٍ بأحقية المرأة في بلوغ ذات مكانة الرجل، أو هي محاولة فاشلة يراد لها التّملص من توجيه دفةِ مركب النساء نحو البرّ، وإغراقه بدافعٍ غير معروفٍ أو مبهم