رسائل إلى ابنتي- الرسالة الثانية



نجوى صبح
2022 / 8 / 11

رسائل إلى ابنتي
الرسالة الثانية: التاريخ: الآن، في هذه اللحظة

حبي ليس سجنًا

زهرة أيامي...
أرجو أن تستمتعي بقراءة رسائلي رغم أنّها تحتوي الكثير من النصائح، والنُّصح عادة مملّة.
ربما كنتُ قاسية في رسالتي السابقة حين طلبتُ منكِ أن تقتليني،
أعلم، التنظيف يحتاج إلى مجهود قاسٍ، و قد يكون في الموت حياة.
لقد رأيتُ يا صغيرتي كيف نؤذي نحن الأهل أطفالَنا حين نحفر صوَرَنا عميقًا في داخلهم،
فقيمُنا تصبح قانونًا يحكمهم ويُملي عليهم سلوكهم وردود أفعالهم، دون أن يعلموا.
لذلك أردتُ لهذه الصورة ألّا تكون وشمًا لا تستطيعين محوه،أو تحاولين، دون وعيٍ منكِ
فتجرّحين مرآتكِ، بل أردتها أن تكون لوحةً أثيريّة، رأيتِ وفهمتِ كيف شكلتّها رياح الحياة
فعَبَرَتْ عبور غيمة في سمائك.
أعلم _ غاليتي_ أنّني أحبكِ وأنّكِ تحبينني، لكنّ حبّي ليس سجنًا يمنعك من النمو والتطوّر،
ويحوّلك نسخة عني كما كنتُ نسخة عن جدتكِ.
هل تذكرين يا صديقتي حين سألتِني عن إحدى صديقاتي، لمَ لم تستطع تغيير حياتها؟ لمَ لم تحاول على الأقل؟
سوف أهمس لك بالسبب هنا، لأنها تُحسّ بعيون أمّها الصابرة تراقبها من بعيد، وتهنّئها كلما استكانت،
فتغدو مثلها مستمتعة بدور الضحيّة. (نحن الأمّهات نموت وتبقى عيوننا مفتوحة تراقب من بعيد).

هي لم تقتل أمها بوعيٍ، كما طلبتُ منكِ أن تفعلي.
فهي تحبّها وتفضّل قتل نفسها على التفكير في مواجهة نظرات نبع الحنان
(لقد اخترتم هذه التسميّةللتعبير عن احساسكم بما أقول).
للأسف كلنا نهرب من هذه المواجهة.
لأني أعلم كم تحمل صوَرُنا نحن الأهل خرافاتٍ من الماضي
ولأنّي أعلم كم تحتوي هذه الصور على عقدٍ ومكبوتات نُفرغها على أطفالنا
ولأنّ التربية عندنا ليست عملًا مدروسًا نتحمّل مسؤوليته، بل هي فعل عيش تلقائي،
أطلب منك أن تتجرأي وتمحي صورتي، إمحيها ولا تتجاهليها، فإن تجرأتِ على ذلك لا شئ سيخيفك بعدها.
هل تعرفين يا زهرة أيامي، أنّ جميعنا نحسّ في مراحل مختلفة من حياتنا
أنّنا نتمنّى لو نستطيع أن نمحي صورَ أحباء لنا من داخلنا
لكن حبنا لهم يمنعنا من الوعي لهذا الإحساس، فنحس أنّنا مذنبون، ونخاف من ذاتنا ومن أحاسيسنا.
لقد قلتُ لك سابقاً، أنّ الخوف هو عدوّك الأكبر، وأنكِ إذا خفتِ من الخطأ، سوف تخافين من كل جديد.
سوف تخافين من اكتشافكِ لجسدكِ، تخافين من أحاسيسكِ، من أفكاركِ، من أيّ تغيير يطرأ عليكِ.
من الكلام ومن التعبير عما يجول في خاطرك. فتصبحين كتلة خوفٍ وألم متنقلة، مليئة بالعقد والمكبوتات،
تعيش حياتك بدل منك، وتقوم بعمليّة تدمير دائمة لتحافظ على بقائها.
ثمّ سوف تحفرين هذه الصورة وشمًا داخل ابنتك، وهكذا تتجدّد دائرة الألم
فتحطمين ذاتكِ وتقضين على ما تبقى فيكِ وفيها من حياة.

دمتِ للحياة حياة
نجوى

ملاحظة: كثيرون لم تعجبهم رسالتي السابقة (أخوك أحدهم) خاصة موضوع القتل، إنهم يحبوننا أحيانًا أكثر مما نحبّ نحن أنفسنا