النساء والقضاء المستعجل في العراق



منال حميد غانم
2022 / 8 / 13

ازدادت في الآونة الأخيرة أعداد اللواتي يتم تهديدهن بالتشويه العمد او الأبتزاز الألكتروني أو القتل بدافع جنساني. وبشكل خاص بعد أنتشار المخدرات ورواجها وسهولة تداولها , وانفلات السلاح وغياب الدولة "العمدي " حتى وصل الامر الى مراسلة الكثير منهن عبر تقنيات تخفي هوية المرسل ليهددهن بالقتل او نشر معلومات او صور. فيثير الرعب في نفوسهن وبعض تلك التهديدات حدثت وبخاصة بعد قتل الطالبة المصرية الشهيدة نيرة اشرف لتكشف لنا عن بيئة كارهة للنساء بشكل مثير للدهشة .
مما يجعلنا نتسائل عن التنظيم القانوني الذي تندرج تحته جريمة التهديد وهي المادة 430 من قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969 والتي تجعل العقوبة تصل الى سبع سنوات سجن . ولكن طريقة الوصول الى (7سنوات سجن ) هي الأصعب وفي بعض الاحيان يتعذر الوصول لها وتنتهي القصة بخبر قتل امرأة جديد على شاشات التلفاز والقنوات الاخبارية في مواقع التواصل .
فبسبب تطور التكنولوجيا فأن التهديد الذي يواجه النساء والفتيات بشكل خاص هو أتصال هاتفي او رسالة بدون مرسل او ارسال رسالة من خلال مجموعة سرية تحتوي على نص يجبر الضحية على القيام بشيء او الامتناع عن القيام بشيء دون ذكر هوية المعتدي .
ومن الجدير بالذكر ان أبلاغ السلطات عن أي جريمة سواء تهديد او غيرها تمر بسلسلة من الأجراءات والمعاملات الروتينية حتى يتم الحكم فيها . تبدأ بتقديم الشكوى ثم التحقيق الأبتدائي في مركز الشرطة ثم رفعها الى المحقق وهو يقرر المحكمة المختصة والقانون الواجب النفاذ فأذا تقرر وقوع جريمة تأخذ الجريمة وقت وتاريخ على سجل المحكمة بلا اي استثناءات حتى لو الجريمة تهديد بالقتل او التشويه او خسارة اموال او اتلاف ممتلكات او "تشويه سمعة" تلك الجريمة التي تساوي جريمة القتل في مجتمعنا .
مما يجعل المشكلة اكثر تعقيدا غير مشكلة انعدام الثقة بالقضاء فيما يخص قضايا النساء وتمييع القضية عبر الأجرءات المملة وشبه ندرة وصولهن الى مراكز الشرطة بسبب كل ماتقدم , مضاف اليه النصائح غير المرغوب بها من افراد الضبط القضائي في مراكز الشرطة او تتفيه المشكلة من اجل الطمئنة الزائفة للضحايا, فأن العراق وعلى الرغم من مصادقته على اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية رقم 20لسنة 2007 فأنه لم ينشأ ادارة الوقاية من الجريمة التي نصت عليها والتي تمكنه من توفير تدابير حمائية لمنع حدوث الجريمة لتوفر الحماية والطمئنة الحقيقية .
كذلك لم يسن قانون جرائم تكنولوجيا المعلومات او قانون الجرائم المعلوماتية الذي يمكنه من ان يحقق في الجرائم التي يكون فيها المعتدي مجهول وتتم عبر مواقع التواصل وفق اسلوب حديث غير تقليدي , يتناسب مع حداثة تلك الجرائم وبالتالي يستطيع التحقيق فيها محققون مدربون على التعامل مع جرائم ذات ادلة غير مادية او مجرمين قادرين ان يمحو الدليل ويدمروه .
ان الأجراءات الوقائية لمنع حدوث جريمة غير متوفرة وبنفس الوقت لاتوجد "سرعة حسم" في القضايا وبخاصة تلك التي تقع على النساء, فمشاهد قتل النساء وتشويههن تتصاعد بوتيرة سريعة دون ايجاد حد لأيقافها او ردع الاخرين عن ارتكاب جرائم مماثلة. بل على العكس تماما اصبح البطئ في محاكمة المجرمين ونشر خبر العقوبة الشافي مسوغ لأرتكاب جرائم اخرى واكثر وحشية .
وهنا لايبقى امامنا سوى أدراج قضايا النساء على لائحة القضايا التي ينظرها القضاء المستعجل . وبالرغم من علمنا بأن هذا النوع من القضاء اجرائي وقتي لايتضمن الفصل في الدعوى و يخص الاجراءات المدنية والتجارية فلا نجد من مشكلة او بد من تطبيقه على القضايا الجنائية مثل جرائم التهديد عبر الوطنية او الوطنية , أي التي ترتكب من مجهول قد يكون داخل البلد او خارجه مما يجعل الوصول اليه اصعب واعقد ويستنزف وقت تكون الضحية بأمس الحاجة له كونها تعيش الرعب والخوف وقلة الحيلة طوال الوقت .
ان القضاء المستعجل مناط تطبيقه هو وجود الخطر المهدد للحق والأستعجال لحمايته , وخطر خسارة حق الحياة او خسارة السمعة في مثل هكذا مجتمع يعتبر خطر محدق يلزم درؤه بسرعة , تلك السرعة التي لن تكون كافية مهما قصرت مواعيد القضاء العادي فهذا ضرر مؤكد يتعذر تعويضه او أصلاحه فتكوين فكرة الأستعجال تعتمد على الظروف المحيطة وضراوة الخصم في ان واحد .
والقضاء المستعجل مرجعه الأول القانون المدني الذي حكم بأن كل الامور او القضايا او الأشكالات التي لم يصدر بها نص يمكن الرجوع اليه فيها وتطبيق القواعد العامة منه عليها . والقواعد الخاصة بالقضاء المستعجل هي قواعد عامة تمكننا من توفير حلول وقتية لحين البت في قضايا التهديد بالقتل بدافع جنساني او الابتزاز, ومنها توفير الحماية او الايداع في مركز آمن او مؤسسة من مؤسسات الدولة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية وتوفير الدعم الصحي والنفسي والأمن لحين الوصول الى المجرم او البت في القضية اجمالا .