المرأة قبل الإسلام: تعددية التقاليد القبلية ومنظومة المتعة  


ريتا فرج
2022 / 8 / 15


تحتاج دراسة حقبة ما قبل الإسلام  (Pre-Islamic) في شبه الجزيرة العربية، إلى تحري الدقة العلمية عند الكتابة عنها، فغالباً ما يُنظر إلى هذه المرحلة التاريخية، بحذر منهجي من قبل المؤرخين والدارسين في العلوم الإنسانية، نظراً لقلة المصادر الموثوقة عنها في المكتبة العربية[1]، مقارنة بالمدونة الإسلامية الضخمة.  
 شغل المجتمع وعاداته وتقاليده في شبه الجزيرة العربية، اهتمام الباحثين وعلماء الاجتماع. وإذا عدنا إلى  أحوال المرأة في هذه المنطقة، لا سيما في مكة والحجاز، قبل الإسلام لوجدنا أنفسنا أمام مفارقة . ثمة وجهان، الأول، يؤكد فاعلية النساء وحضورهن في الفضاء العام، والثاني يُحيلهن على مجال المتعة الجنسية والنظام البطريركي، علماً أن بعض القبائل عرف النظام الأمومي خصوصاً في اليمن السعيد.
 تحاول هذه الدراسة الإضاءة على العادات والأنظمة القبلية السائدة في شبه الجزيرة العربية، خصوصاً في الحجاز ومكة، قبل ظهور الإسلام، وتركز على البعد الجندري فيها، فتتناوله من زوايا عدة من بينها: التشبيب، أنواع الأنكحة، تعدد الزوجات، الإرث، زعامة القبيلة، الوأد، الخفاض، والحجاب.
أولاً: الاختلاط، الحرية الجنسية، والإرث
يمثل التشبيب بالنساء، أحد مفاصل علاقة رجل الصحراء بـ "أنثاه"، وما إن تبدأ غريزته الجنسية حتى يشعر بالحاجة إلى البحث عن الآخر الأنثوي. "إن التشبيب بالنساء وملاحقتهن، كان من إمارات الرجولة عند الجاهليين"[2] وإفشاء الغرام والصراحة في الحب لم يكونا من المحظورات عند عدد من القبائل، فها هو أمرؤ القيس (ت 540م) يبدي "شغفه بابنة عمه عنيزة بنت شرحبيل فيلاحقها، ويتسلل إلى  مقدمة هودجها، ويُدخل رأسه في الهودج يقبلها ويحادثها"[3]، وعلى هذا دوّن معلقته التي غدت من أشهر قصائد الحب في "الجاهلية". ومن أهم ما قيل في شعر الحب، قصيدة النابغة الذبياني، في المتجردة زوجة النعمان التي وصف فيها جسدها بأدق التفاصيل:
نَظَرَتْ بمُقْلَة شادِنٍ مُتَرَبِّبٍ/ أحوى، أحمَّ المقلتينِ، مقلدِ
والنظمُ في سلكٍ يزينُ نحرها/             ذهبٌ توقَّدُ، كالشّهابِ المُوقَدِ
صَفراءُ كالسِّيرَاءِ، أكْمِلَ خَلقُها/            كالغُصنِ، في غُلَوائِهِ، المتأوِّدِ
والبَطنُ ذو عُكَنٍ، لطيفٌ طَيّهُ/            والإتْبُ تَنْفُجُهُ بثَدْيٍ مُقْعَدِ
محطُوطَة المتنَينِ،غيرُ مُفاضَة/           ريّا الرّوادِفِ، بَضّة المتَجرَّدِ
قامتْ تراءى بينَ سجفيْ كلة/             كالشّمسِ يومَ طُلُوعِها بالأسعُدِ
أوْ دُرّة صَدَفِيّة غوّاصُها/   بهجٌ متى يرها يهلّ ويسجدِ
أو دُميَةٍ مِنْ مَرْمَرٍ، مرفوعةٍ/              بنيتْ بآجرٍ، تشادُ، وقرمدِ
سَقَطَ النّصيفُ، ولم تُرِدْ إسقاطَهُ/          فتناولتهُ، واتقتنا باليدِ
من القصائد الوصفية في النساء قصيدة "اليتيمة" التي ادعاها جمهور كبير من الشعراء في دعد. فقد كان لأمير من أمراء "الجاهلية"[4]، ابنة اسمها دعد، أعلنت أنها لا تتزوج إلاّ بمن يصفها أحسن وصف، فتوافد الشعراء على دارها من كل حدب، يأتونها بكل شعر ثمين، فلم يرق لها غير قصيدة، لما أتى منشدها على آخرها، أقبلت على قومها قائلة لهم: "اقتلوا قاتل بعلي" قالوا لها: "كيف علمتي ذلك" قالت: "إني رأيت الرجل ينتسب لكندة، وليس في لهجته ما يدل على أنه منها، فعلمت أنه قتل قائلها، وانتحلها لنفسه". فاستجوبوا الرجل فأقر بفعلته، فقتلوه، فسميت القصيدة "اليتيمة"[5].
على الرغم من أن "الشعر الجاهلي" تطرق في جزء منه إلى صفات المرأة والرغبة الجنسية فيها، لكنه ارتبط بالتقاليد الاجتماعية الضابطة للعلاقات بين الجنسين، والأمثلة على ذلك كثيرة، فالتشبيب بالفتاة العذراء إلى حد ما كان مسموح به، أما التغزل بالمتزوجات فـــ "مهلكة". وقصة تشبيب النابغة الذبياني بالمتجردة زوجة النعمان بن المنذر، وتهديد الملك له بالقتل معروفة، بل إن النظر بسوء إلى  البنات والنساء، حتى لو كان ذلك ضمن مجتمع، وفي بيوتهن، كان يعد منافياً لآداب السلوك العامة.[6]
في شعر الجاهلي مساحة رحبة " تتعلق بحب الرجل للمرأة، وليس العكس، ذلك أن من طبع الرجل التباهي والتفاخر بحبه للنساء. أما المرأة فإن طبعها الخجل الذي يمنعها من إظهار حبها وتعلقها برجل ما، ثم أن المجتمع لا يسمح لها بذلك، ويعد ذلك نوعاً من الخروج على الآداب العامة، وجلب العار إلى البيت والأسرة".[7]
سمُح بالاختلاط بين النساء والرجال في الفضاء العام واختلف ذلك بين الحضر والبادية "ولم يكن بين رجال العرب ونسائها حجاب، ولا كانوا يرضون مع سقوط الحجاب بنظرة الفتلة ولا لحظة الخلسة، دون أن يجتمعوا على الحديث والمسامرة، ويزدوجوا في المناسمة[8] والمثافنة[9]، ويسمى المولع بذلك من الرجال بالزير، المشتق من الزيارة، وكل ذلك بأعين الأولياء وحضور الأزواج، فلم يزل الرجال يتحدثون مع النساء، ثم كانت الشرائف من النساء يقعدن للرجال للحديث ولم يكن النظر من بعضهم إلى  بعض عاراً في الجاهلية".[10]
عرفت المرأة قبل الإسلام بـــ "الكيد"[11]، ونظروا إليها نظرتهم للشيطان[12] ولعل هذه النظرة تخفي معطيات أسطورية، فهي قوية وضعيفة في آن؛ قوية بسحرها الأنثوي/ الجنسي، ضعيفة بعين التقليد الذكوري القبلي الذي يهابها فيجعلها بمرتبة الشيطان، فثمة تلازم بين المقدس والأنثوي. هذه النظرة "لم تكن خاصة بالجاهليين، بل هي نظرة عامة نجدها عند غيرهم أيضاً. بل هي وجهة نظر الرجل بالنسبة للمرأة في كل العالم في ذلك الوقت. وهي نظرة نجدها عند الحضر بدرجة خاصة، لما لمحيط الحضر من خصائص التجمع والتكتل، والتصاق البيوت بعضها ببعض، ولما له من حياة اجتماعية واقتصادية وسياسية، قد تجبر المرأة على الاتصال بالغرباء، فنشأ من ثم هذا الرأي من أهل الحضر أكثر من الأعراب".[13]
ساد عند العرب قبل الإسلام أنواع عدة من الأنكحة مثل: نكاح البعولة، نكاح الضيزن، نكاح الخدن، نكاح المتعة، نكاح البدل، نكاح الشغار، نكاح الاستبضاع، نكاح الرهط، نكاح صواحبات الرايات.
1.    نكاح البعولة هو ذاك الزواج القائم على الخطبة، والمهر، وموافقة الأهل ومشاركتهم، والقبول بين الزوجين. أما نكاح الضيزن، سمي كذلك بـ "نكاح المقت"، وهو نكاح الابن لزوجة أبيه بعد وفاة والده. فالمرأة كأي متاع يملكه الرجل، يعود إلى أولاده الذكور من بعده وللابن الأكبر كحق أول. وإذا لم يكن له أولاد فهي، من إرث أقرب النساء إليه، كأخيه أو ابن أخيه، أو عمه. في الجاهلية لم يكن الوارث للمرأة ملزماً على نكاحها، وإنما إن شاء فعل، وإن لم يشأ عضلها، فمنعها عن غيره، ولم يزوجها حتى تموت. فالضيزن هو من يخلف أباه على امرأته إذا ما طلقها أو مات عنها. وقد أطلق على الولد المولود من هذا الزواج بالمقيت. وكان من عادات أهل يثرب أن يلقي ابن الرجل المتوفى على زوجة أبيه ثوبه ليثبت ملكيته لها. وعندما يقوم الوارث بنكاح امرأة المتوفى فإنه لا يدفع لها مهراً وإنما ينكحها بمهر مورثه، أو ينكحها ويأخذ مهرها، ولكن إذا سبقت المرأة وذهبت إلى  أهلها فهي أحق بنفسها".[14]
2.    نكاح المتعة، هو نكاح موقت، وهو زواج لأجل معلوم كسنة مثلاً؛ وسمي كذلك لأنه لمجرد التمتع، وإذا ما انتهى الأمد المحدد تمت الفرقة بين الرجل والمرأة المتعاقدين. وكان يرافق هذا الزواج اتفاق اقتصادي تكون المستفيدة منه المرأة. ومن الأسباب التي دفعت إلى وجود هذا نوع من الأنكحة عند "الجاهليين"، تنقل الرجل بين العديد من المدن، بسبب عمله في التجارة. وكانت المرأة إذا ما رُزقت ولداً من مثل هذا النكاح فإنها تنسبه إليها لارتحال الأب المتواصل. وللمرأة في نكاح المتعة صداق كما هو عليه الحال في نكاح البعولة.[15]  
3.   نكاح البدل، في هذا النكاح يتم تبادل الزوجتين بين الرجلين، فيقول أحدهما للآخر " انزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي، وأزيدك ". وفي حال نكاح البدل يكون الزواج دون مهر لأنه تمّ مبادلةً. وقد تتم المبادلة بالبنات، أي أن يتزوج كل واحد ابنة الآخر، وهذا الزواج كان يدعى عند عرب الجاهلية "زواج الشغار". ويرتبط هذا النوع من الأنكحة بسوء الوضع الاقتصادي الذي لا يمكِّن أحد الرجلين من الحصول على المهر.[16]
4.    نكاح الاستبضاع، وهو أن يرسل الرجل زوجته بعد طهرها من طمثها إلى  رجل آخر عرف عنه النجابة والشجاعة والسؤدد، كي تستبضع[17] منه أي كي تحمل منه، وعندما تعود يعتزلها زوجها ولا يصيبها حتى يتبين حملها. وسبب هذا النوع من النكاح، رغبة الرجل في ولد نجيب تكون له الصفات التي يتمتع بها السيد.[18]
5.    نكاح الرهط، وهو تقاسم رهط من الرجال قد يصل عددهم إلى العشرة، امرأة واحدة، برضا منها، فإذا ما حملت ووضعت أرسلت إليهم، فيجتمعون كلهم دون أن يستطيع أحدهم التخلف، وتخبرهم بولادتها، وتنسب ابنها إلى من تحب منهم. فيلحق به ولدها إذا كان المولود ذكراً أما إذا كان المولود أنثى، فإنها لا تفعل لكرههم للبنت أولاً، ولخوفها ثانياً من العمل على وأدها.[19]
6.    نكاح صواحبات الرايات، هنّ من البغايا، وكنّ في معظم الأحوال إماءً امتهن البغاء[20]، وكان يدخل على المرأة البغي الكثير من الرجال مقابل أجر، ولم تكن الأجور ثابتة، بل تتوقف على التراضي، وقد تكون نقداً أو متاعاً. وإذا ما حملت صاحبة الرايات ووضعت، جمعوا لها القافة، والحقوا ولدها بالذين يرون فيستلحقه به. وكانت صواحبات الرايات تنصبن على أبوابهن رايات حمراً تعريفاً بهن، فمن أرادهن دخل عليهن[21]. هذا النوع من النكاح لم يكن ليعيب الرجل، بل قد يتبجح به ويعتبره من أمارات الرجولة.
7.    زواج الخدن، أو المخادنة؛ وذوات الأخدان، هن اللائي حبسن أنفسهن على رجل سراً. ويمكن أن تكون ذات الخدن حرة، او متزوجة، أو أرملة، أو مطلقة. وقد يعاقب الرجل "الزاني" بغرامة مالية أي يفتدي نفسه بالمال، وقد يقوم الزوج بقتل الزاني والزانية لأنهما أهانا شرفه، ويظهر أن عرب الحجاز قد تأثروا باليهود الذين كانوا يعاقبون الزاني والزانية بالرجم حتى الموت. وبعضهم كان يقوم برجم المرأة فقط، أما لدى عرب الجنوب فلم ترد في نصوص إشارة إلى عقوبة الزاني بحرة.[22]
يكشف تعدد أنواع الأنكحة عن تنوع اقتصاد المتعة في مرحلة قبل الإسلام، وعن الحرية الجنسية التي تتمتع بها النساء، وعن السلطة الذكورية أيضاً. وعلى الرغم من سيادة النظام البطريركي في الحجاز ومكة قبل ظهور الإسلام، عرف بعض القبائل ظاهرة انتساب الأطفال إلى  أمهاتهم؛ أي النظام الأمومي[23]، مثل قبيلة خندف وجديلة، ومن ملوك العرب قبل الإسلام من نسب لأمه كعمر بن هند.[24]
أدت مركزية الأنثى عند بعض القبائل إلى  وجود آلهة من الإناث والذكور، فكانوا يؤمنون بأن إله كل قبيلة يحارب معها في حربها، لذلك حملت القبائل صوراً وتماثيل آلهتها في الحرب، وقد فعل ذلك أبو سفيان فحمل "اللات" و"العزى"[25] في معركة أُحد ضد محمد، وكانت اللات والعزى إلهات إناث.[26] كانت "اللات" إلهة بني ثقيف وكانت تبسط سيطرتها على مدينتهم الطائف، وكانت "مناة" معبودة الأوس والخزرج الذين يشكلون غالبية سكان المدينة. العزّى كانت إلهة القريشيين وتسيطر على مدينتهم مكة. ومناة كانت الأقدم، وكان العرب يتكنون بها مطلقين على أولادهم أسماء كعبد مناة وزيد مناة؛ واللات كانت قريش وجميع العرب يعظمونها فأطلقوا على أولادهم تسمية زيد اللات.[27]
أتاح النظام الاجتماعي تعدد الزوجات، فالرجل يحق له أن يتزوج من يشاء من النساء، وبالعدد الذي يريد، ويتسرى بالعديدات من الإماء. التعدد الذي كان مباحاً قبل الإسلام[28]، يُقدِم عليه الرجل إما للمتعة أو الرغبة في الإنجاب، إذا لم تسعده زوجته بالولد، أو حباً بإنجاب الذكور إذا كانت المرأة مئناثاً [لا تنجب سوى البنات]، أو للإكثار من الأولاد، دعماً للأسرة والقبيلة، وتفاخراً بكثرة الولد أمام الآخرين، وهذا الأمر ينطبق على الأفراد متوسطي الحال. أما السادة الأشراف ورؤساء القبائل فقد يعددون الزوجات لإحلال التفاهم بين قبيلتين أو بطنين متنافرين – هذا التعدد عبارة عن زواج سياسي-  أو لدعم تحالف قائم.[29]
يذكر المؤرخ العراقي جواد علي (1907-1987) في موسوعته "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" "أن أهل الحرم أول من اتخذ الضرائر، والضرائر زوجات الرجل الواحد، وكل منها ضرة للأخرى. والغاية الأولى للزواج هي النسل، لذلك قالت العرب من لا يلد لا وُلد، وكرهت العاقر وعدتها شؤماً، واتخذ العقر من الأسباب الشرعية للطلاق، إذا كان الرجل يرفض البقاء مع امرأة لا تلد، لذلك كان يطلقها في الغالب لانتفاء المنفعة منها مع إنفاقه عليها، أو يتزوج عليها ليكون له عقب، وعندهم أن المرأة القبيحة الولود خير من الحسناء العاقر".[30]
خضعت النساء قبل الإسلام لنمط طبقي فتم تقسيمهن إلى حرائر، وإماء؛ المرأة الشريفة أي تلك المتحدرة من أسرة أرستقراطية، كان من حقها الاعتراض على الزواج أو القبول به، والعادة أن "أمر الزواج بيد الأبوين، وليس للبنت معارضة وليّها الشرعي في الزواج. واشترطت بعض النسوة من الأسر الشريفة، إن أصبحن عند زوجهن، كان أمرهن إليهن، إن شئن أقمنا معهم، وإن شئن تركتهم، أي إن حق الطلاق بيدهن، وذلك لشرفهن وقدرهن، ومن هؤلاء: سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش، وهي أم عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف ".[31]
لم يكن للمرأة قبل الإسلام -عند غالببة القبائل- الحق في الإرث بل كانت تُعد ملكية الرجل؛ فقد كان يراعى في الوراثة النسب، ودرجة القرابة، أي صلة الرحم حسب درجتها؛ والقاعدة العامة في الإرث أن يكون خاصاً بالذكور الكبار دون الإناث، على أن يكونوا ممن يركب الفرس ويحمل السيف. و"المرأة من ضمن تركة المتوفى وذلك إن لم تكن أم ولد، ويكون من حق الابن التزوج بها... والأخبار متضاربة في موضوع إرث المرأة والزوجة في الجاهلية، وأكثرها أنها لا ترث أصلاً، غير أن هناك روايات يُفهم منها أن من الجاهليات من ورثن أزواجهن وذوي قرباتهن، وأن عادة حرمان النساء الإرث لم تكن سُنّة عامة عند جميع القبائل، ولكن كانت عند قبائل دون قبائل، وما ورد من الأخبار يذهب على الأكثر عند أهل الحجاز".[32]
عدم توريث النساء بدعوة أنهن لا يمتطين الجياد ولا يحاربن، ظل سارياً إبان الدعوة المحمدية، التي أبطلت هذه العادة الذكورية/ القبلية، وقبل نزول الآية القرآنية التي حددت حصة الأنثى في الإرث، واجه محمد هذه المشكلة، إذ أتت إليه النساء يطالبن يـــ"تطبيق قانون جديد، ومن بينهن أم كجة، إحدى نساء الأنصاريات التي جاءته تشكو قائلة: "مات زوجي وقد مُنعت من ميراثه، إذ إن شقيق زوجها قال: "النساء لا يمتطين الجياد ولا يحاربن"، وكان لأم كجة خمس بنات أُبعدن جميعاً عن الإرث من قبل رجال القبيلة، فالرجال وحدهم يرثون، والمرأة والطفل الذكر مبعدان عن الإرث".[33]
ثانياً: الزعامة النسائية والمقاتلات
لا تذكر العديد من المصادر رئاسة المرأة للقبيلة، ولم يجد جواد علي أي أثر لها. يقول: "لم نقرأ في كتب أهل الأخبار -كما يؤكد جواد علي- ما يفيد سيادة النساء على القبائل، في الجاهلية القريبة من الإسلام. ولم نقرأ في المسند ما يفيد بوجود ملكات حكمن اليمن. بينما قرأنا في الكتابات الآشورية وجود ملكات عربيات حكمن قبائل عربية، كانت تنزل البوادي من بادية الشام. ووقفنا أيضاً على حكم الملكة "الزباء" لتدمر وذلك بعد الميلاد. ولكننا نقرأ في أخبار أهل الأخبار أخبار كاهنات، كانت لهن مراكز خطيرة عند القبائل. وكذلك أخبار حاكمات حكمن فيما بين الناس في الخصومات. وقد كان منهن من يقرأ ويكتب" [34]. لكن تقدم لنا مصادر معلومات عن الدور الذي لعبته زوج سيد القبيلة أو أمه أو أخته أو ابنته في الحياة السياسية والعسكرية.
كانت المرأة  وسيلة هامة لتوثيق عرى السلام، والتحالف بين القبائل عن طريق التصاهر. وعلى الرغم مما يحمله هذا الدور من مساحة للفعل السياسي، لكنه يعبر عن استخدام للأنثى في عقد المصالحات، ومرة أخرى توظف العادات القبلية القائمة على الغزو والسبي، عقل المرأة وجسدها في الحرب والسلم، وعلى هذا يمكن أن نفهم الحروب التي شُنّت قبل الإسلام ومن بينها حرب "البسوس" التي سميِّت باسم المرأة التي أثارتها. "البسوس" كانت خالة لجساس بن مرة أحد فرسان بني شيبان من قبلية بكر، وقد جاءت لزيارته، ونزل بها ضيف من ذويها يدعى سعد وكانت معه ناقته، وشردت الناقة مع نياق كليب بن ربيعة، زعيم قبلية تغلب، الذي يذكر الرواة أن جميع قبائل معد قد تجمعت تحت إمرته، وكان لا يسمح لأحد أن يرعى في حماه، فعندما رأى ناقة جار البسوس مع نياقه، رماها بسهم أصابها في ضرعها، فانطلقت إلى فناء البسوس وهي تشخب بدمها، ولما اتضح للبسوس الأمر، طرحت خمارها، وصاحت وأذلاه وأجاراه، وأنشدت تقول:
لَعَمْرُكَ لَوْ أَصْبَحْتُ في دَارِ مُنْقِذٍ/            لَمَا ضِيْمَ سَعْدٌ وَهْوَ جَارٌ لأَبْيَاتِي
ولكِنَّنِي أَصْبَحْتُ في دارِ غُرْبَةٍ/              مَتَى يَعْدُ فِيها الذِّئبُ يَعْدُ على شَاتي
فَيَا سعدُ لا تَغْرُر بِنَفْسِكَ واِرتَحل/            فإنَّكَ في قَوْمٍ عنِ الجارِ أَمْوَاتِ
وَدُونَكَ أَذوادِي فَإنّي عَنْهُمُ     / لَرَاحِلَةٌ لا يَفْقِدُونِي بُنَيَّاتِي.
عندما سمع جساس هذا القول استثارته الحمية، وأحس بوصمة عار إذا ما أظهر عجزاً عن حماية من استضافته خالته في حيه، واعتبر عمل كليب إهانة لن يغسلها إلاّ الدم، فقال لخالته: "اسكتي أيتها المرأة فليقتلن غداً جمل هو أعظم عقراً من ناقة جارك" وبالفعل فإنه قتله، وبذلك استمر القتال لأربعين عاماً.[35] 
الشواهد على الحرب التي شنت، وكان للمرأة دور فيها من البسوس إلى  الفجار الثانية كثيرة، وهي تكشف عن ثنائية الشرف/ العار لدى القبائل قبل الإسلام، كما تبرز الانفعال الذكوري لحماية المرأة بدعوى الشرف، ولعل الرجل الذي وجد بين الناقة والأنثى سمات مشتركة تؤنسه، بنى رؤيته تجاه النساء على ثنائية الأنثى/ العار التي لا تنفصل بدورها عن شرف القبلية.
شكلت المرأة قبل الإسلام باعثاً لحرب القبائل؛ لكن في مقابل ضريبة الشرف الدموي، كانت داعية سلام، ومن بين الأخبار التي ترويها المصادر، قصة "بهيسة بنت أوس بن حارثة الطائي"، فبعد زواجها من الحارث بن عوف، وحملها له إلى حماه، كانت حرب داحس والغبراء، قد اشتدت أوارها بين بني عبس وبني ذبيان فعندما جاء إليها ليلة عرسه منها ورأته مرتدياً مطارف العرس، قالت: "والله لقد ذكرت من الشرف ما لا أراه فيك" وقال: "وكيف؟" قالت: "أتفرغ للنساء والعرب يقتل بعضهم بعضاً؟" قال: "فيكون ماذا؟" قالت:" اخرج إلى  هؤلاء القوم فأصلح بينهم". فخرج لساعته إلى  صاحبه خارجة بن سنان وقص عليه حديث امرأته، فقال: "والله إني لأرى همة وعقلاً ولقد قالت قولاً". فخرج الرجلان ومشيا بين القوم بالصلح وحملا حمائل _ أي ديات _ القوم وديات قتلاهم. فكان ما نزلا عنه ثلاث آلاف بعير في ثلاث سنوات.[36]
إن زعامة النساء للقبائل العربية قبل الإسلام نادرة، لكن ثمة شواهد تاريخية تبرهن على دور خفي مسكوت عنه. ثمة امرأتان، "رقاش الطيئية"[37] و "سجاح بنت الحارث التميمية". الأولى أوردت الأخبار أنها كانت ذات حزم ورأي ونفوذ، وكانت تغزو بقومها، وأغارت بهم على إياد بن نزار بن معد وظفرت بهم وغنمت وسبت. والثانية، لم تقد قبيلة واحدة وإنما تحالفاً قبلياً لتقف في وجه الإسلام في حروب الردَّة[38].
في التاريخ الأبعد من ظهور الإسلام، تحفل المدّونات بسرد معلومات عن وجود ملكات عربيات كنّ على رأس الممالك والمشيخات القائمة في شمال شبه الجزيرة العربية وعلى التخوم الشمالية والعراقية، ومن بينهن، "زبيبي" و "سمسي/" شمسي" (Shamsi) و"يطيعة" و"تلخونو" (Telhunu) وهؤلاء النساء، كنّ ملكات لمنطقة "عريبي" التي ضمت القبائل العربية القابعة على التخوم الشمالية لشبه الجزيرة العربية مما يلي بلاد الشام، وقد تمتد حتى الفرات، وكان مركزها "دومة الجندل".[39]
على الرغم من شحّ المصادر العربية حول القيادة السياسية للمرأة قبل الإسلام، غير أن القرآن في سورة النمل يورد قصة ملكة "سبأ" الملكة القوية، التي حكمت _ ما يعرف باليمن اليوم_  وكانت تستشير مجلسها. أثارت بلقيس ملكة سبأ حول هويتها روايات مختلفة، منهم من قال إنها من الحبشة، والبعض قال إنها من اليمن، وإذا اعتمدنا على ما أورده الإخباريون العرب، نجد أن الملكة سامية الشكل كالعرب، وهي تكلمت لغة سامية تجمع ما بين العربية والعبرية، وعندما استلمت الرئاسة والمُلك ازدراها قومها، لكنها بالحيلة استطاعت الحفاظ على عرشها.[40]
في الحرب، ثمة وجه آخر للمرأة، وجه دموي في بعض جوانبه، إلاّ أنه مؤثر ودينامي. شاركت النساء قبل الإسلام في غزو القبائل، وعلى مشارف الإسلام شكلت "هند بنت عتبة" العبشمية القرشية الكنانية، "المثال الأنموذجي للمرأة الدينامية" كما تصفها عالِمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي (1940-2015). لعبت هند دوراً دموياً في مقاومة المكيين لمحمد "إلى  حد أن اسمها كان عندما فتح النبي مكة، مدرجاً على القائمة بين المكيين القلائل الذين كان الرسول يطلب إعدامهم".[41] في معركة أُحد التي وقعت بين المسلمين الأوائل والقرشيين، رقصت هند وغنت بين جثث المسلمين، وقالت أبياتها الشهيرة:
نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ/ نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ،
الدُرُّ فِي المَخَانِقْ/ وَالمِسْكُ فِي المَفَارِقْ،
إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ/ أوْ تُدْبِرُوا نُفَـارِقْ،
فِرَاقَ غَيْرَ وَامِقْ.
المرأة المقاتلة الدموية، التي تمثل هند[42] مثالاً قوياً عنها، حرضت المقاتلين في الحرب، وشاركت فيها. ومن أشهر الأدوار العسكرية النسائية التي تبرزها المصادر، ما قامت به نساء بكر في إحدى المعارك، ما أدى إلى رصّ الصفوف، وتميزت فيها ابنتا الفُند الزماني، حيث حسرتا خمارهما وتوغلتا بين المقاتلين وأنشدتا:
وغى وغى وغى وغى/ حَرَّ الحَرَار واْلتَظَى
ومُلَئت منه الرُّبى /  يا حَبّذَا الُمحَلّقون بالضحى.[43]
ثالثاً: الوأد والخفاض والحجاب
في اللغة، الوَأْدُ والوَئِيدُ: الصوتُ العالي الشديدُ كصوت الحائط إذا سقط ونحوه؛ والوئيد: شِدَّةُ الوطءِ على الأَرض يسمع كالدَّوِيّ من بُعد؛ ووأَدَ المَؤُودةَ، وفي الصحاح وأَدَ ابنتَهُ يَئِدُها وأْداً: دَفَنها في القبر وهي حية؛ وامرأَة وئيدٌ ووئيدةٌ: مَوْءُودةٌ.
يحمل وأد البنات دالاً متناقضاً يجمع بين المقدس والمحرم، ولا ينفصل عن "المركزية الذكورية" في "الوعي الأبوي/ القبلي". إن الأنثى الموءودة، بالمعنى القبلي، كان جسدها الخاص، من حق المجال العام، أي القبيلة، في الزواج وأنواعه، والصداق، والإرث. أما الوأد بمعناه المادي المباشر، فلم يكن الأب وحده، هو الذي يتخذه تجاه الطفلات، كانت المرأة تعمد إلى  قتل ابنتها خوف الطلاق: فالحامل "إذا قربت ولادتها حفرت حفرة فمخضت على رأس تلك الحفرة، فإذا ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة وإذا ولدت ولداً حبسته".[44]
ارتبط الوأد عند العرب بفكرة "الأنثى المقدسة" لأنها بنت الآلهة، لهذا قُدمت قرباناً، على اعتبارها من أجود أنواع العطايا، وليس أدل على ذلك من أن الأب كان يُجمّل البنت قبل تقديمها قرباناً بشرياً خالصاً لوجهة الآلهة، وبواسطته ينخرط بعلاقة تبادلية مع معبوده، وتكون البنت/ الأنثى الواسطة بين الدنيوي والمقدس.[45] وعليه فإن الإله "ودّ"، يرمز للأنوثة والخصوبة، والتضحية بالدم، والأنثى رمز للدم بدورتها الشهرية المرتبطة بدورة القمر كذلك؛ والوأد[46] بهذا المعنى، ارتبط بالمودة بين الإله والعبد المضحي، بابنته.
لم يجرٍ الوأد بالضرورة بعد ولادة الطفلة مباشرة، بل يُبقى عليها حتى تغدو سداسية، فيطلب من والدتها تطييبها وتزيينها، ويأخذها الأب معه، فيدفعها إلى  الحفرة، حفرها لها في الصحراء، ويدفنها حية تحت التراب. وقد يتم الوأد بعد البلوغ، وقد تكون البنت على معرفة بما يريد منها أبوها، عندما يرافقها إلى البئر، فيطلب منها أن تنظر فيها، ويرميها، وكان في مكة جبل يُقال له "أبو دلامة" كانت قريش تئِّد البنات فيه.[47]
للوأد عند عرب قبل الإسلام أسباب اقتصادية، فقد ارتبط بجفاف الصحراء، وندرة الموارد الطبيعة فيها، والخوف من المجاعة، وبما أن الذكر يخرج إلى  الغزو ويساعد القبيلة اقتصادياً، لم يتعرض للوأد، علماً أن بعض القبائل العربية قبل الإسلام وأدّت الإناث والذكور خصوصاً في مرحلة القحط والمجاعات.
رافق الشرف "أنثى الجاهلية" منذ ولادتها، بسبب خوف الأب المزدوج: من السبي، وعدم الكفاءة القبلية؛ الأب خاف من وقوع ابنته "سبية" بسبب غزو القبائل لبعضها البعض، فعمد لوأدها، خوفاً من العار، ودرءاً "لتزويجها من رجل لا يكافئه نسباً"[48]. للوأد أدبياته الشعبية، وهو بمعناه الرمزي، يؤشر إلى ذهنية ذكورية شرسة، وإلى نمط قبلي معادٍ للمرأة منذ انطلاق تدبير الإذكار، أي الإعداد لإنجاب الذكور، وإذا عدنا إلى  الذاكرة الشعبية الجاهلية، لوجدنا عدداً لا بأس به من الأمثال العنفية، نورد بعضها: القبرُ صهرٌ؛ نعم الختنُ القبر؛ دفن البنات من المكرمات؛ نظر أعرابي إلى  بنت تدفن، فقال: "نعم الصهر صاهرتم"؛ وإذا هنّأوا بالبنت قالوا: "أمّنكم الله عارها وكفاكم مؤونتها وصاهرتم قبرها.[49]
رُهاب "العار" المزدوج نتيجة السبي وعدم فاعلية الأنثى، دفع بالعرب قبل الإسلام إلى  ممارسة "الخفاض" أي ختان المرأة، بغية التخفيف من شهوتها[50]: "وسادت عند بعض "الجاهليين" عادة ختان النساء للحد من طغيان الشهوة، فإن البظراء تجد اللذة ما لا تجده المختونة". كان العرب يفخرون بخفاض بناتهم ويعيرون من كانت بظراء، "ويذم الرجل ويشتم ويعير بأنه ابن القلفاء إشارة إلى  غلمتها".[51]
تلاحظ الأكاديمية التونسية آمال قرامي في أطروحتها "الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية" أن الخفاض لم يحظ باهتمام المؤرخين، حتى في موسوعة جواد علي، لم نعثر إلاّ على بعض التفاصيل النادرة. هذه العادة عرفها عرب الجنوب، وأهل مكة والأحباش. ويزعم البعض أن هاجر زوج إبراهيم، كانت أول امرأة خفضت بسبب غيرة سارة منها، فهي التي حلفت "لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فخاف إبراهيم أن تجدع أنفها وتقطع أذنها، فأمرها بثقب أذنيها، وختانها، وصار ذلك سُنّة في النساء"[52]. هذا الخبر الذي أورده ابن قيم الجوزية في "تحفة المودود بأحكام المودود" يطرح أسئلة عدة: كيف انتقلت هذه الممارسة إلى  الجزيرة العربية؟ وهل كان الخفاض سائداً عند العرب؟ أم إنهم أخذوه عن  اليهودية؟
 بقي الخفاض سائداً عند العرب بعد الإسلام، واختلف حوله الفقهاء، فاعتبره الشافعية والحنبلية واجباً، في حين أن المذاهب الأخرى رأت أنه مكرمة. وقد أفرد ابن القيم فصلاً في "تحفة المودود بأحكام المولود" للحديث عن الختان، ولكنه تعرض باقتضاب شديد إلى  الخفاض. لم يشر إلى  الزمن الذي يحبذ فيه إجراؤه ولا إلى الشروط التي يجب توفرها في الخافضة، غاية ما قدمه استحسان الفقهاء ختن المرأة البظراء حتى وإن كانت في سن متأخرة".[53]
بصرف النظر عن موقف الفقهاء من الخفاض، تختلف  الدلالة الجنسية والمقدسة لختان الذكر عن خفاض الأنثى؛ لم تكن غاية ختان الذكور الحد من المتعة الجنسية، إنما عبارة عن طقوس تطهيرية أخذها العرب عن اليهودية، وهو إثبات للفحولة؛ أما الخفاض، فغايته الحد من شهوة الأنثى التي ارتبطت شهوتها بخوف الذكر نفسه منها، وهنا لن ندخل في خلاصات التحليل النفسي التي تقدم بها سيغموند فرويد، حول "عقدة الخصاء"[54].
تعددت التأويلات حول مسألة ارتداء المرأة للحجاب قبل الإسلام، وعلى الرغم من أن هذا التقليد ساد لدى بعض القبائل، لكن كثيرات من النساء "دخلن مجالس الرجال وتحدثن فيها عن مناقب أزواجهن دون كلفة"، بل عرف أن النساء كن يقصدن سوق عكاظ على اختلاف مقاماتهن، ويبعن ويشترين، ويدخلن في منافسة أدبية مع الرجال. وممن اشتهرن في اِرْتِيَاد هذه الأسواق الخنساء وهند بن عتبة.
 يشير الأديب والشيخ الأزهري  عبد الله عفيفي الباجوري (ت1944) في كتابه "المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها" إلى أن الحجاب يطلق على أمرين: أولهما: قرار المرأة في دارها والاحتجاب دون الرجال فلا تكون بمرأى ولا مسمع منهم، والثاني: إرخاء القناع على وجهها إذا غادرت دارها لبعض شأنها، أما الأول فما كان بالمرأة من حَرَج أن تغشي مجالس الرجال، وتطرُق أنديتهم، وتخطب في محافلهم ومشاهدهم، لا في الخطب الملم (...)  وهنالك في سوق عكاظ وهو أحفل مجامع العرب، وأجمع مواسمهم، كان النساء يأتين من كل صوب وحَدَب على اختلاف مقاماتهن، وانشعاب ديارهن، فيزاحمن الرجال بالمناكب في كل ما قصدوا له، واحتفلوا به. فبينما كنت ترى امرأة تناضل الرجل في حومة القول، إذا بأخرى تخطب الناس. وإلى جانب من هؤلاء امرأتان تتناشدان الشعر وقد اجتمع عليهما خلق كثير. فلقد حدثوا أن هند ابنة عتبة، والخنساء بنت عمرو بن الشريد، تلاقتا هنالك، فتذكرتا مصيبتهما، وكانت الأولى قد قتل عنها أبوها وعمها وأخوها يوم بدر. ومات عن الثانية أبوها وأخوها، وادّعت كل واحدة أنها أوجع مصاباً، وأَحَرُّ كبداً من أختها ولكي تفي كل بدليلها جاءَت بأبرع الشعر وأروعه في وصف مصابها، وجُهد ما فعل بها وبقومها. ثم انصرفتا وقد جاش بالناس الحزن، وتملكهم الإعجاب. وما كانت الخنساء ولا صاحبتها بالتي ينكرها أحد من العرب، فهما جميعاً في المكان الأرفع من زكاء الحسب، وسناء المنزلة"[55].
لا يمكن الحديث عن نظام واحد كان سائداً قبل الإسلام بِشأن الحجاب، ففي القبيلة الواحدة قد ترى المرأة التي يدعونها "البَرْزَة " تختلط بالرجال كالرجال، وتتحدث معهم سافرة غير محجبة، وهناك "الخجلة" التي ترخي قناعها إذا خرجت من البيت فلا تطرحه حتى تعود، ولا فرق في ذلك بين الفتيات الشابات والمتقدمات في السن.[56] ويذكر عباس محمود العقاد (1889-1964) أن الحجاب للرأس وللوجه كان معروفاً عند الشعوب القديمة، وقد كان يتخذ لوقاية الرأس من الظروف المناخية المختلفة، وكذلك شأن البرقع وقناع الوجه، وهذه الظاهرة عرفها العبرانيون، وكانت المرأة الجاهلية تضع في معظم الحالات الخمار على رأسها. الإماء في الجاهلية، كنّ يخفين وجوههن بالقناع، وقد وضع لإخفاء أمر غير مستحب أكان في الوجه أم الشخصية، وفي مثل هذا يقول الحارث بن كعب المذحجي " ولا طرحت عندي مومس قناعها".[57]
ثمة قصائد في حقبة قبل الإسلام تشير إلى  وجود الحجاب والنقاب، وما يؤكد ذلك قصيدة أم عمرو بنت وقدان، من النساء المتحمسات تحرض قومها على أخذ الثأر:
إن أنتم لم تطلبوا بأخيكم/  فذروا السلاح ووحشوا بالإبريق
وخذوا المكاحل والمجاسد وألبسوا/ نقب النساء فبئس رهط المرهق.[58]
ومن بين الشعر الجاهلي الذي أشار إلى  ستر وجوه النساء، رثاء الربيع بن زياد العبسي لمالك بن زهير:
من كان مسروراً بمقتل مالك/  فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسراً يندبنه/ يلطمن أوجههن بالأسحار
قد كنّ يخبئن الوجوه تستراً/  فاليوم حين برزن للأنظار
يضربن حرّ وجوههن على فتىً/ عف الشمائل طيب الأخبار.
ظهر الحجاب عند العرب قبل الإسلام، لكنه لم يكن ظاهرة عامة، ولم يكن لأهداف دينية، وإنما كان تقليداً اجتماعياً. تشير بعض النصوص إلى أن المرأة كانت تغطي رأسها بطريقة خاصة قائمة على كشف الصدر، "كانت جيوب النساء واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها، وكنّ يسدلن الخمار من ورائهن فتبقى مكشوفة، فأمرن أن يسدلنها من قدامهن حتى يغطينها".[59]
إذن، الحجاب ليس ظاهرة  منتشرة، واختلف وجوده بين قبلية وأخرى، وتنوع الروايات يشير إلى  تعددية  التقليد بين القبائل، فمن جهة ارتدت النساء الحجاب، ومن جهة أخرى حدثتنا المصادر عن سفور المرأة وعدم تقيدها بستر الوجه أو الرأس، ودخولها إلى مجالس الرجال بحرية. بعد استقرار الإسلام عمل الفقهاء على تأصيل "فقه الحجاب" ومؤسساته، وأصدروا فتاوى تتحرى فقط عن أدق التفاصيل في جسد المرأة وحواسها، فأصبح حجب "الجسد الأنثوي" على حد تعبير آمال قرامي، "آلية استحدثها الرجال لغرضين: السيطرة على فتنة؛ وضبط نمط العلاقات بين الرجال أنفسهم".
خلاصة
تبرهن الوقائع التاريخية التي تطرقنا إليها عن تقاليد قبلية عدة عرفها العرب قبل الإسلام. لقد خضعت النساء لضبط قبلي/ عنفي وصل إلى ذراه مع وأد البنات، مما يعكس مأزق الأنثى منذ ولادتها في مرآة الذكر، الذي يمثل ركن القبلية وحامي حماها.
 على الرغم مما نلاحظه من أدوار نسائية قتالية لدى نماذج عدة لا سيما في الأنموذج الأنثوي الأعنف الذي جسدته "هند بن عتبة"؛ تحمل مشاركة النساء في الحرب والغزو مؤشرين: الأول: إثارة اللاوعي الجنسي الذكوري المرتبط بشرف القبيلة؛ يؤكده صراخ "نساء بكر في إحدى المعارك" ضد المسلمين؛ والثاني: دور المرأة القتالي والحربي والزعماتي خارج حدود الدافع الجنسي.
لازم "مأزق العار"[60] المرأة قبل الإسلام، فهي بالنسبة لقبيلتها أكثر من عبءٍ على الرجل/ الأب، وبصرف النظر عن التفسير الاقتصادي للوأد، ثمة أزمة شرف وعار تلاحق الأنثى منذ اللحظات الأولى للولادة؛ أزمة يمكن تفسيرها على قاعدة العجز المتصل "بأخلاق الشرق أو أنوية الذات، والعجز عن نهوض الأب بواجبه لتربيتها، وأداء حاجاتها، وهو أخيراً يدرك أنه مهما فعل لأجلها، فهي لن تكون له في النهاية، مهنؤها لغيره".[61]
تكشف أنواع الزواج عند العرب قبل الإسلام عن مفارقة أو تباين في اقتصاد المتعة، فإذا قارنا بين "نكاح الضيزن"، وبين "نكاح صواحبات الرايات" وجدنا أن النساء قبل الإسلام خضعن لمعيارين، معيار التملك في النكاح الأول، ومعيار الحرية الجنسية في النكاح الثاني، وعلى الرغم من ارتباط الأخير بتاريخ البغاء المقدس، لكنه مؤشر على دينامية الحربة الجنسية التي أُتيحت لعدد من النساء.
   يمثل الخفاض أقصى أنواع العنف الذكوري تجاه الأنثى؛ فيؤكد الحد من شهوة المرأة، مقابل إعلاء شهوة الرجل عبر الجسد الأنثوي، ما يؤشر على العلاقة التبادلية بين الجنس والسلطة الأبوية.
في "الغزو الجاهلي"، المرأة السبيّة، تدفع الثمن، ثمن عبوديتها، وعلى قدر "ما جرى استرقاقها بشكل خاص للاستمتاع بها"، على قدر ما دفعت بجسدها عنوة باتجاه عادات قبلية لم تجد فيها سوى موطئ للمتعة. في هذا السياق يخلص خليل أحمد خليل إلى أن "المرأة في العصر الجاهلي كانت إحدى الضحايا الرئيسة للتبادل غير المتكافئ بين القبائل: فهي تدفع من مقامها الاجتماعي والإنساني والنفسي ثمن الهزيمة العسكرية لقبيلتها فتقع في السبي، وتُخفض من الحرية النسبية إلى  العبودية؛ وهي تغدو سلعة للتبادل والمتاجرة".[62]
يمكن الخروج في هذه الدراسة بعدد من النتائج المفتوحة على النقاش نوجزها على النحو الآتي:
أ‌.       حظيت المرأة قبل الإسلام بحرية نسبية (منها الحرية الجنسية) مقابل عبودية تمارسها القبلية.
ب‌.   تعددية التقاليد بين القبائل في ما يتعلق بأدوار النساء والجندر والجنس والعلاقات الاجتماعية.
ت‌.   تكشف النماذج النسائية الزعماتية عن أدوار ريادية للنساء في زعامة القبيلة تحتاج إلى مزيدٍ من الدرس.
ث‌.   إن الدور الديني للمرأة، لا سيما حين تحدثنا المصادر عن الكاهنات، يتطلب تكثيف الحفر الأركيولوجي في هذا الحقل المعرفي.
ج‌.    كانت الأنثى منذ ولادتها بمثابة العبء على الأب ومن ثم القبيلة بسبب "مأزق العار".
ح‌.    الاقتران بين الأنثى والمقدس وبين الأنثى والمدنس في الوعي القبلي. 
 


[1] لاحظنا تطور الاصدارات والكتب الأجنبية والعربية في التأريخ لهذا الحقبة في العقود الأخيرة. عموماً، ثمة اتجاه معرفي لتطوير الأبحاث والدراسات في هذا المضمار، بالتركيز على التاريخ وعلم الآثار. 
[2] دروزة، محمد عزة: تاريخ الجنس العربي في مختلف الأطوار والأدوار والأقطار، الجزء الخامس، بيروت، د.ط. 1961، ص 283.
[3] بيهم، محمد جميل: المرأة في التاريخ والشرائع، بيروت، 1921، ص 124.
[4] نشير إلى أننا بعد مراجعة الاستخدامات السابقة، فضلنا الابتعاد عن تسمية حقبة ما قبل الإسلام بالجاهلية، فالتسمية فيها حمولة دينية وتراثية، لكن خلال الاستشهاد بالنصوص أبقينا عليها، دون تدخل، حفاظاً على أخلاقيات البحث. 
[5] بيهم، محمد جميل، المرأة في التاريخ والشرائع، مرجع سابق، ص، 135_ 136.
[6] علي، جواد: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جامعة بغداد، الطبعة الثانية، 1993، الجزء الخامس، ص 270.
[7] علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء الرابع، ص 630.
[8] ناسمه مناسمة: دنا منه وشامّه وحادثه وساره.
[9] ثافنت الرجل مثافنة: صاحبته لا يخفي على شيء من أمره.
[10] الجاحظ: رسائل الجاحظ، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، الجزء الثاني، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1964، ص  148-149.
[11] طبعاً ظلت هذه الصفة ملاصقة للنساء بعد الإسلام وقد ظهر هذا الكيد في سورة يوسف الآية 28 { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}. من المفيد الإشارة إلى أن الكيد (الحيلة والتآمر) ليس صفة أنثوية مرتبطة بالمرأة كما هو سائد في الوعي الفقهي الديني والوعي الجمعي العربي، فهي صفة  يلجأ إليها الرجال والنساء. 
[12] علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء الرابع، ص ص  116-117.
[13] المصدر نفسه، ص 120.
[14] الطبري، ابن جرير: جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) القاهرة، د.ت. الجزء الرابع، ص  207_ 208.
[15] صباغ، ليلى: المرأة في التاريخ العربي، في تاريخ العرب قبل الإسلام، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، الطبعة الأولى، 1975، ص 177.
[16] المرجع نفسه، ص 178.
[17] هذا النوع من النكاح كان معروفاً لدى اليونان القدماء، فشريعة ليكورغوس (Lycurgus) كانت تُتيح للرجل أن يدفع بزوجته الى الاستبضاع من آخر، على أن يكون الولد للزوج. كما أن الزوج في شريعة مانو الهندية يبيح للرجل العقيم أن يستولد امرأته من أحد أخواته أو أهله. (انظر: بيهم، محمد جميل: المرأة في التاريخ والشرائع، م.س، ص 72).
[18] ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر، القاهرة، 1963، الجزء الأول، ص 98.
[19] علي، جواد: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، م.س، الجزء الرابع، ص 647.
[20] تجرز نوال السعداوي أن البغاء لم يعرف ولم يبدأ إلاّ ببدء النظام الأبوي، فقد اقترن هذا النظام منذ نشأته بالبغاء، لأنه الحل الوحيد لنظام يفرض زوجاً واحداً على المرأة في حين يمنح الرجل حرية جنسية مع نساء أخريات خلاف زوجه. انظر: السعداوي، نوال: دراسات عن المرأة والرجل في المجتمع العربي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1986، ص، 817.
[21] صباغ، ليلى: المرأة في التاريخ العربي، م.س، ص، 181_182.
[22] المرجع نفسه، ص 185.
[23] كانت المرأة في جنوب الجزيرة العربية تتمتع بحرية أكثر على الصعيد الجنسي، وهو ما كان يُعبر عنه بمخلفات النظام الأمومي. ومن أبرز علامات تلك الحرية، أن العادات والتقاليد كانت تسمح للمرأة بأن تنجب خارج الزواج وكان الأطفال في هذه الحال يحملون لقب الأم أو الخال. ولم يكن الزنا سبباً في تسليط العقاب على الزوجة. وكانت المرأة في بعض القبائل تنتدب عندما يسافر زوجها، عشيقاً لها من قبليتها أعزب أو متزوجاً، على قاعدة خصال معنوية بارزة حتى يكون حقيقاً بالأطفال. وكانت هذه العادة تسمى "الاكتساب" وكان الطفل الناجم عن هذه العلاقة المذكورة يسمى الفرخ، دون أن يكون ذلك ذم أو قدح في نسبه. وقد عرفت يثرب تأثيرات من العادات والتقاليد الأمومية، بحكم الهجرة اليمنية إليها. (انظر: Chelhoud, Josef: Du nouveau a propos du patriarchate Arab, Arabica, 1981, pp 70- 106؛ انظر أيضاً: صالح، سلوى بالحاج: دثّريني يا خديجة، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الثانية، 2011، ص 59).
[24] عفيفي، عبد الله: المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها، دار إحياء للكتب العربية، مصر، الجزء الأول، 1921،  ص 195.
[25] كانت قريش تطوف بالكعبة وتقول: واللاتِ والعُزى ومناة الثالثة أخرى فإنهن الغرانيق العُلى وإن شفاعتهن لتُرتجى، وجاء عند الباحثين أن العرب قدسوا من سموهم بنات الله وكنّ في الدرجة الأولى تمثيلاً للقوى المولودة في الطبيعة، وكان لقريش وبعض العرب شجرة خضراء عظيمة يقدسونها سميت "ذات أنواط"، والاسم "ذات أنواط" هو أحد ألقاب الشمس التي تمّ تعريفها بالاسم "إلات" كإلهة أنثى، وفي ذلك دعم لعلاقتها بالخصب والجنس في نظر العرب. وقد أثبتت النقوش أن العرب قبل الإسلام عبدوا الكواكب فزوجة إله القمر وهي الشمس، أطلق عليها اسم "إلات"، فيصبح "إل" هو إله القمر لأن "إلات" الشمس هي مؤنث "إل". ويفترض بعض الباحثين أن "إل" إله السماء الذكر أو "القمر" و "إلات" إلهة السماء الأنثى أو الشمس جاء منهما الضلع الثالث ممثلاً في الوليد الإلهي "عشتر سمين" أي عشتر السماء، وتذكر روايات أهل الأخبار على تعبد بعض العرب للشمس وعلى مخاطبتهم لها بـ "الإلاهه" وبـ "لاهه" وعلى تعبد بعضهم لزحل أو للمشتري أو لغيرهما من الأجرام السماوية. ويشار إلى أن كتب التاريخ الإسلامية وكتب السير تحدثت عن أن النبي في المراحل الأولى من دعوته في مكة، وبعد أن هاجر بعض أتباعه إلى الحبشة، ورأى تجنب قريش له، وأنه في نفر قليل من أصحابه استشعر الوحشة فتمنى قائلاً: "ليته لم ينزل عليّ شيء ينفرهم مني". وكما يروى أنه قرأ سورة النجم في المسجد الحرام أمام سادات قريش ومعه بعض أتباعه يصلون معه، ولما وصل إلى الآيات "أفرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" روي أنه استمر يقول "تلك الغرانيق العلا، إن شفاعتهن لترتجى. وقد فسر المفسرون هذا الخلط عند النبي بناءّ على الآيتين 73- 74 من سورة الإسراء أن الشيطان انتهز فرصة تمني النبي القرب من قومه، فتدخل في الوحي إبان تلقيه، وألقى إليه بتلك الآيات (التي سميت الآيات الشيطانية)، فنسخها الله بالآيات الصادقة. (أنظر: النعماني، شاكر فضل الله: الجذور الوثنية للديانة الإسلامية، دراسة منشورة على الانترنت).
[26] علي، جواد: المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، م.س. الجزء الخامس، ص 367.
[27] ابن هشام: السيرة النبوية، الجزء الثاني،  دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية، 1987، ص 99.
[28] استمر تعدد الزوجات بعد الدعوة المحمدية وتم تحديده حسب التفسيرات الفقهية بأربع زوجات، علماً أن الآية الثالثة من سورة النساء أثارت وتثير سجالات قوية في تاريخ الإسلام الكلاسيكي والمعاصر. 
[29] الطبري، ابن جرير: جامع البيان في تأويل القرآن، م.س، الجزء الرابع، ص 153.
[30] علي، جواد: المفصل في تاريخ العرب، م.س، الجزء الرابع، ص 642.
[31] المصدر نفسه، ص 636.
[32] انظر: الطبري: تاريخ الرسل والملوك، الجزء الرابع، دار الاستقامة، القاهرة، 1939، ص 185. انظر أيضاً: جواد، علي: المفصل في تاريخ العرب، م.س، الجزء الخامس، ص 563.
[33] المرنيسي، فاطمة: الحريم السياسي، النبي والنساء، تعريب عبد الهادي عباس، دار الحصاد، دمشق، الطبعة الثانية، 1993، ص 154.
[34] علي، جواد: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء الثامن، نسخة إلكترونية.
[35] انظر: عاقل، نبيه: تاريخ العرب القديم وعصر الرسول، د.ت. دمشق، ص  212-213؛ انظر أيضاً: صباغ، ليلى: المرأة في التاريخ العربي، م.س، ص 294.
[36] الأصفهاني، أبو فرج: الأغاني، مطبعة دار الكتاب المصرية، القاهرة، 1927، الجزء التاسع، ص ، 142-143.
[37] يرد في كتاب المؤرخ السوري عمر رضا كحالة (ت 1987) أنها "كانت "كاهنة جاهلية، ذات حزم ورأي ونفوذ فكانت تغزو بقومها طيء برأيهاـ فأغارت بطيء على إياد بن نزار بن معد، فظفرت بهم وغنمت وسبت، فأصابت فتى جميلاً فمكنته من نفسها فحبلت منه، فلم تلبث أن دنا وقت الغزو فقالوا لها. الغزو. فقالت: رويد الغزو ينمرق [أي أمهل الغزو حتى يخرج الولد فأرستلها مثلاً]. كحالة، عمر رضا، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، طبعة مزيدة وفيها مستدرك، الجزء الأول، مؤسسة الرسالة، بيروت، د.ت، ص 452
[38] المرجع نفسه، ص 383. لقراءة حداثية عن سجاح نحيل على: الوريمي بوعجيلة، ناجية، زعامة المرأة في الإسلام المبكّر ين الخطاب العالِم والخطاب الشعبي، دار الجنوب، تونس، 2016.
[39] علي، جواد: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء الأول، نسخة إلكترونية.
[40] راجع: منى، زياد، بلقيس امرأة الألغاز وشيطانة الجنس، دار رياض الريس، بيروت، الطبعة الأولى، 1997.
[41] المرنيسي، فاطمة: الحريم السياسي، م.س، ص 147.
[42] أوردت المصادر الإسلامية أن هند من أكلة لحوم البشر، فقيل إنها أكلت كبد حمزة عم النبي الذي كانت تكرهه. (انظر: ابن هشام: السيرة النبوية، الجزء الثالث، ص 96) وتلفت مصادر إلى أن إفراط هند على ساح معركة أحُد، يعود إلى رغبتها الجامحة للانتقام من عم النبي لأنه كان قد قتل عمها شعبة، وساهم في الكمائن التي أدت إلى موت والدها عتبة.
[43] صباغ، ليلى: المرأة في التاريخ العربي، م.س، ص 341.
[44] الألوسي، محمود شكري: بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، تحقيق محمد بهجة الأثري، الجزء الثالث، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1999، ص 43.
[45] قرامي، آمال: الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية: دراسة جندرية، دار المدار الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 2007، ص 94.
[46] ظاهرة الوأد لم تكن تخصّ العرب وحدهم، فعادة نذر نحر الأولاد الأوائل وتقديمهم قرابين للإلهة كانت معروفة عند الشعوب السامية. لعب العامل الاقتصادي دوراً هاماً في تفاقم هذه الظاهرة، تحديداً في زمن الكوارث، وكان العبرانيون يضحون بأبنائهم الأبكار، ويبدو أن القبائل البدوية كانت تعمد عند حلول القحط والأوبئة وغيرها إلى قتل المولودة حتى تتمكن من إعالة الذكور من أبنائها، نظراً لاعتقاد القوم أن الذكر أنفع من الأنثى، وهو الجدير بالعيش. انظر: قرامي، آمال: الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية، م.س، ص  94-95.
[47] الطبري، ابن جرير: جامع البيان في تأويل القرآن، م.س، الجزء الثامن، ص 18.
[48] صباغ، ليلى: المرأة في التاريخ العربي، م.س، ص 232.
[49] خليل، خليل أحمد: المرأة العربية وقضايا التغيير، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1985، ص 38.
[50] يورد الإخباريون أن الرسول قال لأم عطية الخاتنة: "أشمّيه ولا تنهكيه، فإنه أسرى للوجه، وأحظى عند البعل". (انظر: علي، جواد: المفصل في تاريخ العرب، م.س، الجزء الرابع، ص 637).
[51] قرامي، آمال: الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية، م.س، ص 86.
[52] اين القيم، الجوزية، تحفة المودود بأحكام المولود، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت، ص 103.
[53] قرامي، آمال، الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية، م.س، ص 87.
[54] كتب فرويد لأول مرة عن عقدة الخصاء سنة 1908، واعتبرها جزءاً من النظرية الجنسية الطفلية، انطلاقاً من معتقد يطاول كل الأطفال: بأن العالم مكوَّن من نوع واحد يتمتع بامتلاك الذكر، وتتزعزع عنده هذه النظرية عندما يتبين له أن هناك طرفاً آخر ينقصه هذا العضو، فتبدو له أولوية الذكر. وهوام الخصاء يأخذ صوراً متعددة في حياة الراشد الواقعية والخيالية. ويقول فرويد لا يوجد إلاّ الذكر، وهي المرحلة المسماة بالقضيبية، "فالوس" وهي تشمل الطفل والطفلة على السواء، ويحض فرويد التصور النفسي لوجود الفرْج، فهو لا يعطي أي أهمية لهذه المرحلة، الماقبل أوديبية إلاّ للقضيب سواء كان ذلك عند الطفل أو الطفلة. لكن فرويد يخلص أيضاً الى خوف الذكر من أن يبتلع الفرج قضيبه. انظر: حب الله، عدنان: التحليل النفسي للرجولة والأنوثة من فرويد إلى لاكان، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولى، 2004، ص ص  111-113.  
[55] عفيفي، عبد الله: المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها، الجزء الأول، م.س، ص 101-102.
[56] المرجع نفسه، ص 103.
[57] الألوسي: بلوغ الأرب، م.س، الجزء الثاني، ص 180.
[58] بيهم، محمد جميل: المرأة في التاريخ والشرائع، م.س، ص 156.
[59] الزمخشري، أبو القاسم: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995، الجزء الثالث، ص، 225.
[60] لاحق "مأزق العار" في أبعاده القبلية/ الذكورية المرأة عبر العصور. ما زالت مجتمعات عربية وإسلامية عدة تعد أجساد النساء ملكية خاصة للعائلة أو الأب، ويتم ضيط أو منع النساء من حرية التصرف بأجسادهن ومتعتهن الجنسية خارج الزواج بدعوى الشرف المرتبط بغشاء البكارة. الجدير بالذكر أن العديد من القوانين العربية والإسلامية تخفف من عقوبة قتل النساء على أساس نشاطهن الجنسي تحت باب ما يسمى "جريمة الشرف".
[61] خليل، خليل أحمد: المرأة العربية وقضايا التغيير، م.س، ص 39.
[62] المرجع نفسه، ص 35.