-سمعة العراق-.... امرأة



نساء الانتفاضة
2022 / 8 / 23

قد يكون أكثر شيء تسمعه من الأنظمة التي حكمت هذا البلد هو "سمعة العراق"، وأكثر شيء تتحلق حوله هذه السمعة هو "الشرف" بمعناه الشرقي، أي المقتصر فقط على المرأة "أعضاءً وسلوكاً"، فهي الشماعة التي تعلق عليها كل المصائب.

بعد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية، ووقوع نظام صدام في مأزق المديونية العالية "كلفة الحرب"، أراد ذلك النظام اختلاق ازمة ما ليصرف بها أزمته الخانقة، او يعاقب انظمة الخليج التي تملصت منه او بدأت بمعاقبته، فقام باحتلال الكويت، وكانت الحجة في ذلك "سمعة العراق"، فقد توج صدام حملته الإعلامية ب "شرف الماجدات"، والتي كانت مقنعة للكثيرين، فهو أراد الانتقام ممن دنس "سمعة العراق" وتحدث عن انتهاك "شرف الماجدات"؛ فكانت المرأة هي القربان الذي تم تقديمة على مسرح الاحداث، "الويلاد راحوا يدافعون عن عرض العراق"، ذاتها التي ستتكرر عند الإسلاميين كثيرا فيما بعد.

فيما بعد، وبعد مغامرات "القائد الضرورة"، وفي أعوام الحصار الاقتصادي الأمريكي الأسود، والتي في تلك الاعوام كانت الحياة بائسة وقاسية جدا، كانت الناس تتحدث عن هذا العقاب الجماعي، وبأن الله يعاقبنا على ما اقترفناه من "فساد"-بمعناه الأخلاقي-، وقد دشن صدام في وقت الحصار حملة ايمانية شرسة، اخرج بها رجال دين من جميع الطوائف، وقد اعتلوا المنابر والاعلام ليمتصوا زخم الغضب "الشعبي"، بحديثهم عن "الغجر، الحجاب، التعري...الخ"، وقد تفاعلت الناس في ذلك الوقت مع هذا الخطاب، بل ان قسما كبيرا من المجتمع بارك لصدام حملة قطع رؤوس بعض النساء، بواسطة "فدائيو صدام" بدعوى الدعارة، وقد كنا نسمع عبارات "شوف النسوان شلعبن" "چا هو الله بعد شيسوي بينا من وراهن" "نسوان مالهن رداد".. الخ؛ أيضا تم تقديم المرأة قربانا على مذبح الحدث.

بعد احداث 2003 ونهاية الحقبة البعثية المرة، جيء بتلامذتهم وابنائهم من الإسلاميين والقوميين، وكانوا هؤلاء الأكثر عدائية للمرأة، فهم محملين بأساطير دينية وعشائرية مقيتة، فجعلوا العمود الفقري ل "سمعة العراق" هي المرأة؛ شنت هذه القوى هجماتها على المرأة بشقيها "الرسمي-الدولة" على شكل سن قوانين أكثر رجعية وتخلفا "قانون 137، القانون الجعفري"، وفي الجهة الأخرى هجمة عصاباتية-ميليشياتية، لقتل النساء "المخالفات" للشريعة.

أكثر حدث أوضح هذه العدائية هي انتفاضة أكتوبر-تشرين، فقد كان حضور المرأة لافتا جدا، لا نبالغ اذ قلنا انه مرت عقود لم تخرج المرأة فيها بهذا الشكل، وهو ما استفز حفيظة الإسلاميون، فبدأت حملات التصفية والاغتيال (زهراء القرلوسي، ريهام يعقوب، انوار جاسم "ام عباس"، جنان الشحماني "ام جنات") وغيرهن الكثير، فضلا عن حملات التشويه التي طالت النساء المنتفضات، وتجلت العدائية بقوة أكثر عندما دخلت قوى الثورة المضادة للانتفاضة، خصوصا في مناسبة الثامن من آذار 2020، وتغريدات قادة الميليشيات، التي طالبت "بفصل النساء عن الرجال"، فقد اشتد الخوف على "سمعة العراق".

ظهرت في وقت سابق قضيتين متزامنتين تقريبا، صورة للفنان راغب علامة مع عائلة سفير العراق في الأردن؛ وبعدها خرج تسريب مسجل يٌظهر وزيرا يقسم بالولاء لنائب برلماني؛ لم يحظى التسريب بذلك التفاعل، فهو لا يمس "سمعة العراق" بشيء، لكن قضية احتضان زوجة السفير للفنان راغب علامة كانت هي الإفصاح "الشعبي" ل "سمعة العراق"، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، ونالت زوجة السفير الحصة الأكبر من التعليقات المهينة و "الفشار"؛ لكن لنفترض ان الخبر سيكون هكذا: "هيئة النزاهة تطالب بالتحقيق مع سفير العراق في الأردن لاختلاس أموال"؛ ترى هل ستثار مثل هذه الضجة؟

التعليم منهار، الصحة منهارة، الخدمات صفر، البطالة مليونية، حكم ميليشياتي عصاباتي، نهب لكل الثروات وفساد اداري ومالي، جفاف وتصحر؛ كل ذلك لا يمس "سمعة العراق".

النساء يغتصبهن "تنظيم الدولة الإسلامية" ويبيعهن في الأسواق؛ الميليشيات تقتل النساء وتختطفهن وتغيبهن؛ النساء تعمل في مكبات النفايات؛ النساء يتاجر بهن في ملاهي القوى الإسلامية الحاكمة، كل ذلك لا يمس "سمعة العراق".

عقدين من الزمن مرت على حكم القوى الإسلامية والقومية الهمجية، عقدين من الخراب والدمار طالت كل مفاصل الحياة، نهب واغتيال وخطف وتهجير وتدمير، لا توجد جزيئة في هذا البلد لم يطالها الخراب؛ المئات منهم يظهر على الفضائيات ليقول ان ولائنا لهذا البلد او ذاك، اننا نهبنا هذه الثروات وهذه الاموال، اننا قتلنا وخطفنا وهجرنا الناس؛ رغم ذلك لم يشر أحد الى "سمعة العراق"، اما ظهور المرأة وفي أي وضع كان، فأن "سمعة العراق" ستكون على المحك؛ انها ذكورية مقيتة؛ كان هناك فيلم مصري سبعيني اسمه "العذاب امرأة"، وهنا فيلم "عراقي" اسمه: "سمعة العراق .... امرأة".
#طارق_فتحي