بين مفهوم الستر ومفهوم التستر



حنان محمد السعيد
2022 / 8 / 31

انتشر في الأونة الأخيرة وسم بعنوان #ميدوسا ذكر فيه المشاركون والمشاركات ما تعرضوا وما تعرضن له خلال حياتهم وحياتهن من حالات اغتصاب وتحرّش وخاصة في أعمار صغيرة نسبيًا وعلى يد الأقارب ومن هم كانوا أولى بحمايتهم وحمايتهن والحفاظ على سلامتهم وسلامتهن.

عندما تكون الخطيئة الوحيدة هي الكشف عن الجريمة

ما لفت نظري حقًا في مشاركات الناس على هذا الوسم أعداد الأشخاص الذين اعتبروا أن الحديث عن هذه الجرائم الفادحة المهينة للإنسانية هو بمثابة فضح لما ستره الله، وأن ضحايا هذا النوع من الجرائم إنما يفضحون أنفسهم قبل أن يفضحون المعتدي، بل أن منهم من استشهد بمواقف من سيرة السلف كتلك الحادثة التي لا أعلم مدى صحتها والتي رواها أحدهم عن شخصية إسلامية حين سالها رجل عمّا يفعل بابنته التي "مارست الزنا" مع أحدهم ثم تابت وجائها من يريد زواجها فهل عليه أن يطلعه عما بدر منها أو يزوجها زواج العفيفات وهنا قال له هذا الشخص إن الأولى أن يزوجها زواج العفيفات وأن لا يفضح ما ستره الله!!
إلى هذه الدرجة اختلت المفاهيم وعميت القلوب! إن هذا هو بالضبط الفرق بين الستر والتستر، فهذه الفتاة بمليء إرادتها مارست الزنا مع أحدهم فطلب لها هذا الرجل الستر بحسب القصة، أما المشاركات والمشاركين في وسم #ميدوسا فهم وهنّ ضحايا لانتهاك جسدي وتعنيف وجريمة قذرة أهدرت فيها كرامتهم وكرامتهن وأدميتهم وأدميتهن وثقتهم وثقتهن بالناس وربما بأنفسهم وأنفسهن وشتّان ما بين الأمرين.
ولكن هذا المجتمع الذي يطالب بالستر على جرائم الاغتصاب لن يستر على علاقة غير مشروعة قانونًا يمارسها شخصان بالغان بمليء إرادتهما، وسيطالب لهما بالقصاص وربما نفذ هو فيهما ما يراه عقوبة شرعية، الأمر هنا لا يتعلّق أبدًا بمفهوم الستر ولكن بمفهوم معاقبة الضحية ولومها ومساعدة الجاني على الإفلات من العقاب.

لا يدافع عن مغتصب إلا مشروع مغتصب

ولا يدافع عن متحرش إلا متحرش أو مشروع متحرش، أنا حقًا لا أفهم لماذا تعامل المرأة دائمًا هذه المعاملة المهينة، فيصبح الفعل جريمة إذا كان بموافقتها، ويصبح أمر يجب الستر عليه والسكوت عنه إذا كان بالإكراه!
القيم المختلّة
إن البيت يجب أن يكون الملاذ الأمن لكل إنسان ومن يجعل منه مكان للرهبة والمهانة والإذلال والإنتهاك يجب أن يعاقب ويحاسب على جرمه، وعلى الأسرة أن تحافظ على أولادها وبناتها من المجرمين الذين يحاولون استغلالهم بشتى الوسائل المتاحة وهذه الوسائل لا يدخل فيها بالتأكيد السكوت عن تلك الجرائم وكأنها لم تكن واعتبار الإفصاح عنها ومحاولة استرداد حق الضحية بمثابة فضيحة لهم، فهذا الصمت الذي يتبعه إفلات المجرم من العقوبة يشجعه على الإستمرار في جرائمه ويشجع غيره على إتيان نفس الأفعال.

الجريمة والعقاب

إن أول مبدأ يجب أن يقام عليه المجتمعات هو مبدأ الجريمة والعقاب وإلا سحقًا لهذا المجتمع الذي يفلت فيه المجرم وتعاقب الضحية ويطلب منها الصمت دائمًا وأبدًا والتغاضي عن الجريمة والتعامي عنها وكأنها لم تكن تحت أي مسمى.
وحتى نتمكن من العيش في مجتمع لا يتم فيه مساندة الجاني والتستر عليه، يجب ان تجد كل امرأة وسيلة للدفاع عن نفسها وأن لا ترضخ لهذا المجتمع المنافق الذي يستضعفها ويهدر حقوقها تحت مسميات غير حقيقية ولا منطقية.