أخر المناضلات المحترمات



محمد حسين يونس
2022 / 9 / 2

(1)إهداء الي المهندسة فاتن واصل التي لازالت تعمل بدون كلل مهندسة و فنانة و كاتبة و أم و جدة ..و صديقة و زوجة و تقرا و تفهم و تنبغ في كل نشاط .
المصريات عبر الزمن .. فاتن واصل
في عام 1919 نظّمتْ هدى شعراوى وقادت أول مظاهرة نسائية ضد الاحتلال البريطاني. وفي عام 1923 أسّست الاتحاد النسائي المصري وكان من أهم أهدافه: ((رفع مستوى المرأة الأدبي والاجتماعي للوصول بها إلى حد يجعلها أهلاَ للاشتراك مع الرجال في جميع الحقوق والواجبات... )).
بعد عشر سنوات و في مقابل نجاح الحركة النسوية الملفت والأصداء الواسعة التي حققتها ، أسّس حسن البنّا، في 26 أبريل 1933، جناحاً للأخوات داخل تنظيم الإخوان المسلمين، سمّاه (فرقة الأخوات المسلمات)؛ حدّد فيه دورهن الدعوي في ((التصدّي لحركة هدى شعراوي)) .
هذان التياران تبادلا السيطرة علي رأس وسلوكيات و توجهات و زى المرأة المصرية من الطبقة المتوسطة لما يقترب من القرن .
التيار الأول ...كما كتبت صحفية فرنسية ..أدى إلي ((بروز طبقة نسائية كانت تختفي وراء الأسوار والنقاب، لا تستطيع أن تنال أي وجود لها في الحياة العامة والسياسية فأصبحت ظاهرة للعيان ولها في الساحة أنشطة تتناقل الصحف أنباءها وإسهاماتها التي نالت تشجيع الدولة ورجالات السياسة وأهل الأدب والفكر)).
والتيار الثاني ...كما كتب حسن البنا ... يهاجم بكل قوة تطور سلوك النساء ..((مهمّة المرأة زوجها وأولادها... أمّا ما يريد دعاة التّفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة، فنردّ عليهم بأنّ الرّجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنّساء، وهنّ ناقصات عقلٍ ودين)).
خلال الفترة القادمة سأحاول أن أرصد هذا الصراع .. و كيف تحولت السيدات الأميات المستكينات بنات النصف الأول من القرن العشرين إلي طبيبات ومهندسات و وزيرات في النصف الثاني من نفس القرن ..
و كيف إنتكست ليعدن عورات يجب حجبهن عن عيون الرجال مع بدايات القرن الحادى و العشرين. .
ثم كيف حدث إنفصام ملحوظ بين سيدات الكومباوندات و قرى الساحل الترفيهية والمدارس و الجامعات باهظة التكاليف .. و غالبية سيدات المدن الريفية و الأحياء الشعبية .. و مدارس و جامعات الحكومة أو الأزهر.. و كل يدعي أنه يمثل المصريات .

(2) إهداء إلي الأنسة ( شفيقة محمد ) أول ضحايا رصاصات .. شابة لم يكتب بإسمها محور و لا كوبرى و لا مدرسة رغم أنها من أعز الشهداء .
المصريات عبر الزمن . ..شفيقة محمد
بداية القرن العشرين مع إنطلاق المطالبات بالإستقلال التام أو الموت الزؤام ...كان موعد المخاض للحركة النسوية التي إستطاعت أن تضم لها متعاطفات و داعمات من سيدات الطبقة الوسطي المتعلمات بحيث كانت أغلبية المتظاهرات من طالبات المدارس ساكنات المدينة البرجوازيات .
((صاحت نساء القاهرة المحجبات في الشوارع بشعارات الحرية والاستقلال عن الاستعمار الغربي. ونظمن إضرابات ومظاهرات، ومقاطعات للبضائع البريطانية، وكتبن عرائض تستنكر الأفعال البريطانية في مصر)).
((في 16 مارس 1919، خرجت ثلاثمائة امرأة في مسيرة إلي (بيت الأمة) للمطالبة بالاستقلال الوطني وحرية المرأة في نفس الوقت))....((ومع مرور الوقت، ونتيجة قمع جنود الاحتلال، ازدادت حدة المظاهرات، وخرجت النساء من جميع طبقات المجتمع.))
خلال تلك المظاهرات، سقطت أول شهيدة مصرية برصاص الاحتلال تسمي (شفيقة محمد). لن تعرفها فلا يوجد كوبرى أو محور أو مدرسة أو قصر بإسمها .. وتحولت جنازتها إلى مظاهرة كبرى، اشترك فيها الآلاف من النساء، سقط خلالها أربع شهيدات أخريات هن: (عائشة عمر) و (فهيمة رياض) و (حمدية خليل) و ( نجية إسماعيل).
وهكذا مهرت المصرية تحركها من أجل رفع الظلم عن وطنها بالدم .. أو كما أرخت كاتبة فرنسية
((ولدت الحركة (النسويّة) التي كانت (هدى شعراوي ) رائدتها، من رحم النضال الشعبي الذي شاركت فيه المرأة المصرية ضد الاحتلال الانكليزي خلال ثورة 1919؛ وقد تحولت تلك الحركة إلى تيار قوي قادر على أن يحشد نساء الطبقة البرجوازية تحت شعاراته ومبادئه.)).. بعد ذلك بأربع سنوات
عام 1923
شهد بداية تحرر المنطقة من أسر العثمانية إلي براح المعاصرة .. ففي هذا العام تولي مصطفي كمال أتاتورك رئاسة تركيا علي أنقاض الخلافة .. و في نفس العام صدر أول دستور مصرى معاصر بضغط من الإنجليز علي الملك فؤاد....و بدأ طلعت حرب دعوته لتمصير الإقتصاد ..وإنتشرت بين المصريات موضة رفع اليشمك عن الوجه بعد أن خلعته هدى شعراوى و سيزا النبراوى و نبوية موسى ليفاجئن مستقبليهن بوجوه مكشوفة بعد عودتهن من روما إثر حضور مؤتمر الإتحاد الدولي.
في عام 1923 كانت مصر تخلع جلد العصور الوسطي البالي .وتتغير.. يحكمها ملك بدلا من خديوى أو سلطان ..لا علاقة له بالباب العالي أو الواطي ....ودستورعصرى وبرلمان منتخب (بحق و حقيقي .. مش كدة و كدة ) و حكومة من الأغلبية .. وصحافة مطبوعة .. و حركة ترجمة واسعة .. و أغاني و موسيقي خارج أطر التخت الشرقي لسيد درويش و محمد عبد الوهاب .... وسينما و مسرح حديث ممثلاته مصريات ..والبنات و الأولاد في المدارس أو في جامعة فؤاد الأول أوفي مدرسة الفنون الجميلة العليا ..
و شارع سياسي ناضج بسبب نشاط الأحزاب المكثف و أول إتحاد نسائي في المنطقة ..مع إرتفاع صوت و نشاط مؤسسات المجتمع المدني و الجمعيات الخيرية و الملاجيء ..التي تعتني بالأيتام والعجزة و المرضى من كبار السن .
بكلمات أخرى في 1923 كنا نضع قدم علي بداية الطريق للدولة المعاصرة الحديثة ..و نتجاوب مع ريتم التغييرات الكبرى التي شهدها قرن الحربين العالميتين . .و نجني ثمار ثورة 1919..ليبرالية و مواطنة كاملة ..و أمل في بكرة .. و نساء لا يستسلمن لأسر النمط العثماني .

(3 ) إهداء إلي بنت المنيا نور الهدى محمد سلطان الشعراوي، أول من خلع اليشمك التركي علنا ومن مؤسسات الاتحاد النسوي المصري..و رئيسته .
المصريات عبر الزمن .. هدى شعراوى
نساء قرى مصر و بنات الأحياء الشعبية كانت ملابسهن ( مسلمات و قبطيات ) لا تختلف عن تلك التي تم رسمها في كتاب وصف مصر في نهاية القرن الثامن عشر .
يغطين أجسادهن بملاية واسعة سوداء غالبا ويستخدمن براقع لاتكشف عن الوجوه .. و يربطن شعورهن بمنديل (بقوية ) بما في ذلك السيدات شديدات الفقر ( أو الخادمات ) في المدن
سيدات الطبقة الوسطي يضعن علي شعورهن طرحة أو تربون وغطاء للوجه من التل و يمكن عروسة ذهب علي الأنف..يشذ عنهن من ينتمين للجاليات الأجنبية .. أوالمصريات اللائي يعملن في محلات المدن الكبرى و الكباريهات و المراقص فهن سافرات.
الأميرات وسيدات الطبقة الغنية.. يتبعن الموضة القادمة من بلد الخلافة .. يرتدين الطربوش التركي الصغير الملفوف بالطرحة الحرير .. مع يشمك من مادة خفيفة يخفي ملامح الوجة .
بكلمات أخرى لم يكن بمصر سيدة أو أنسة سافرة بما في ذلك تلميذات المدارس إلا الأجنبيات
المراة حتي هذه اللحظة 1923 كان يمكن بيعها و شراءها في سوق النخاسة ...فمصر لم توقف شراء الجوارى رسميا إلا بعد ثلاث سنوات حين وقعت الحكومة علي إتفاقية إلغاء الرق و العبودية في جنيف.
و كانت الغالبية العظمي من المصريات من الأميات أى يجهلن القراءة و الكتابة بعضهن يحفظن قليل من سور القرأن من أجل الصلاة .. يعشن في الارياف وفي الأحياء الشعبية بعادات لم تتغير ..توارثنها عبر الاف السنين عن الجدات
و كانت الطبقة الوسطي بكل شرائحها يتعلم فيها النساء حتي مستوى فك الخط.. و من كانت محظوظة تصل حتي الكفاءة ( تشبة الإعدادية ) أوتلتحق بالمدارس النسوية و المعلمات.. يستوى في ذلك اليهوديات و المسيحيات و المسلمات و يمكن البهائيات .
أميرات و الأرستقراطيات (بنات الطبقة العليوى ) أغلبهن من الأتراك.. بيضاوات منعزلات لا يتقن اللهجة المصرية ( منهن هدى شعراوى نفسها ) ..و يهتممن بدروس اللغات الأجنبية والبيانو و الكورشية و الإتيكيت و بزيارة لمبرات و المستشفيات و المدارس ودور الايتام و كثيراً ما شوهدت صور إحداهن بالطرحة و البرقع الخفيف وهي تطعم الاطفال أو تواسي المرضى .
المصريةمن الطبقة العليا أو المتوسطة لم تكن تؤهل نفسها للعمل ففيما عدا أعداد محدودة من نساء المدينة العاملات في الأورنس الإنجليزى.. أو في المستشفيات و الملاجيء كمدرسات أو حكيمات أو دايات أو في الترفيه .. كان غير مسموح للمراة بعمل مستقل..لقد كانت متواجدة علي هامش الحياة محبوسة في الحرملك تحت السيطرة الكاملة للرجل .
الفلاحات الفقيرات كان من الممكن أن تعملن في الغيط أو حتي الترحيلة كمساعدة أقرب للقن أوتمرجيات بالمستشفيات .. أو في خدمةالمنازل بالمدن .
بكلمات أخرى كان هناك عجز في وسائل الإتصال و التواصل ..وإنفصام واضح علي مستوى النوع بين الرجل و المراة .. وعلي المستوى الطبقي حيث اللغة و الإهتمامات غير متوافقة بحيث كان من الصعب المطالبة بتغييرات مجتمعية موحدة لصالح تعديل وضع النساءبل كان يعتبر هذا كفر و خروج عن الدين .
و هكذا و من الطبيعي أن تأتي التغييرات من أعلي سواء بواسطة سيدات الطبقة الأرستقراطية اللائي إنبهرن بما يحدث في بلد مصطفي كمال أتاتورك .. فأردن تكراره في مصر... أو بسبب تقليد الأجنبيات و اليهوديات اللائي كن يعملن و يتكسبن عيشهن بعرق الجبين .. أو بسبب ما يكتب في المجلات و الجرائد الأجنبية التي كانت تأتي منتظمة للمدن الرئيسية
لذلك عندما نرصد تقدم و إرتداد الحركة النسوية خلال القرن الماضي .. فسنجده مرتبطا بمدى قناعات الأرستقراطية ( الأغنياء ) و تفاعل سيدات الطبقة الوسطي بجميع شرائحها .. ثم تمتد الموجة لتشمل بعض من ساكنات الريف .. و الأحياء الشعبية ..و لكن دون تغيير أساسي لمظهرهن أو نشاطهن .


(4 ) إهداء .. إلي بنت قرية السنطة بمديرية الغربية (زينب محمد مراد ) الشهيرة بسيزا النبراوى ..خلعت اليشمك,.. وتولت مسئولية رئاسة تحرير مجلة المرأة المصرية الصادرة عن الاتحاد النسوى اللأول (باللغة الفرنسية).. و من الداعين إلى مقاطعة البضائع الأجنبية ، و مساندة إنشاء بنك مصر .
المصريات عبر الزمن .. سيزا النبراوى
في عشرينيات القرن كانت تداعيات ثورة 1919 لا زالت قائمة .. و كان المجتمع بعد سقوط الخلافة يخلع ثوب العثمانية و يتخلص من نظام الحريم و التضييق علي نشاط النساء و كانت رياح التغيير فيما بعد الحرب العالمية الاولي تهب عاصفة من أوروبا لتبدأ الطبقة العليا عهدا جديدا تهجر فيه المصرية البرقع و تواجه العالم بإبتسامتها صارخة أنها لا تقل عن نساء العالمين حيوية و مقدرة
تميزت رائدات هذا التيار بمستوى تعليمي متقدم وإتقان لعدة لغات تعلمنها على أيدي مربياتهن الأجنبيات أومن من خلال المدارس التبشيرية ...فتعرفن على ثقافات تحترم إستقلالية المرأة .
من ضمن هذه الرائدات كانت ( زينب محمد مراد ) الشهيرة بسيزا النبراوى التي خلعت النقاب و تولت تحريرمجلة L Egyptienne (المصرية) التي أصدرها الاتحاد وكانت تُكتب وتُنشر باللغة الفرنسية.
الجريدة الأولي المتخصصة في شئون المراة كانت متاحة للمصريين المتحدثين بهذه اللغة ، والذين كانوا في الأغلب من الطبقات العليا.
أما القضايا التي كانت تُناقش في المجلة فقد ركزت علي الإصلاحات التركية تجاه المرأة، والتي أثرت على النساء المصريات المسلمات حيث كتبت سيزا نبراوي عام 1927 ((أننا النسويات المصريات، نحترم ديننا بشكل عميق. وهدفنا أن نراه يُمارس بروحه الحقيقية)).
الاتحاد النسوي المصري كرس جهده لخدمة قضايا نوعية للمراة مثل تعليم النساء والإتزان الاجتماعي، وإحداث تغييرات في القانون تهدف إلي توفير مساواة بين الرجل والمرأة .
لقد رفعت السدادة عن القنينة ليجرج المارد الأنثوى يسعي لتغيير المجتمع و جاءت الفترة من 1919 حتي 1923 .. غنية بكفاح المرأة لنيل حقوقها
وهكذا رغم أن دستور 1923 قد غير بعضًا من أوضاع المرأة، مثل رفع سن الزواج لـ 16 عامًا، إلا أن مسألة حقوق المرأة السياسية تم تجاهلها ، وكذلك الحق في الطلاق وإلغاء تعدد الزوجات. التي تحولت بعد ذلك إلي مطالب مستمرة للحركة النسوية
((الاتحاد إعتبر أن المشاكل الاجتماعية في مصر، كالفقر، والدعارة، والأمية، والحالة الصحية المتردية، ليست ناتجة عن خلل اجتماعي اقتصادي بعينه، ولكن بسبب إهمال الدولة لمسؤولياتها تجاه شعبها)).
في عام 1935، حاضرت هدي شعراوي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة حول وضع النساء، ونادت بإلغاء تعدد الزوجات وقوبل خطابها بمعارضة شيخين من الأزهر. ولكن رغم ذلك الاعتراض، قابل الجمهور الخطاب بالترحاب، وأخذ صفها ، مما مَثَل موقفًا رمزيًا للتغير الحاصل في الرأي المتعلم.
و مع ذلك فلقد إنحصر هذا التغيير في المدن .. بل في الطبقة العليا و شريح أو شريحتين من الطبقة المتوسطة .. و ظل الريف علي حالة هو و المناطق الشعبية .. لم يغير عاداته و لا إسلوب حياته و لا ملابسة .. بل كانوا يتعجبون من التطورات التي يشهدونها تتم في الأحياء الراقية و المتوسطة
في نفس الوقت شن حسن البنّا هجوماً على حركة تحرير المرأة، ودعا المرأة إلى القيام بأدوارها التقليديةّ
لكن سرعان ما أدرك أن تحديد دور ((الأخوات المسلمات)) لن يحقق الغرض المطلوب منه في محاربة نموذج المرأة التحررية المتعلمة التي تتبنى في نظرهم المُثُل الغربية والذي بدأت نساؤه بالعمل والمشاركة السياسية وخوض تجارب اجتماعية.
لذلك تم توسيع مهام ((الأخوات المسلمات)) وتعليمهن وسُمِح لهن بالعمل والمشاركة بهدف طرح نموذج مشابه للمرأة التحررية في أدائه، لكن بشكل إسلامي يراعي حجاب المرأة ومتطلبات دينها.


(5 ) إهداء ..قبل روزاليوسف وأمينة السعيد و سهير القلماوى و عائشة عبد الرحمن و ليلي الراعي جاءت فاطمة نعمت راشد أول سيدة مصرية تتولى منصب رئيس تحرير لمجلة (المصرية) أصدرتها هدى شعراوي عام 1937 باللغة العربية .. و ترأست عام 1942 الحزب النسائي المصري
المصريات عبر الزمن .. فاطمة نعمت راشد .
ظلت المصرية ( في القرية و المدينة ) علي حالها دون تغير لالاف السنين .. مر عليها جنود عشرات المستعمرين فلم يضيفوا لها....و شهدت البلاد مئات التغييرات ..و لكنها لم تمس سلوك الكادحات .. فلم تصبحن في جمال و أناقة كليوباترا .. أو عقل و ثقافة هيباتيا.. أو ثراء و جمال قطر الندى ..أو تدبير و سياسة شجر الدر .. أو علم و تفوق سميرة موسي ..أو كرم و مسئولية الأميرة فاطمة بنت إسماعيل باشا..أو مغامرة و شجاعة لطيفة النادى.
سبب ذلك أمرين .. احدهما إنفصام دائم و مستمر بين طبقة الحكام والشعب كما لو كانا عالمين منفصلين ( كفر شبرا زنجي .. و قرى الساحل المترفة ) .. مع جهل و أمية الأغلبية النسوية التي إعتمدت علي التقاليد المتوارثة لإدارة حياتهن..
و الأخر ضعف وسائل التواصل الإجتماعي فالجريدة و الصورة الفوتوغرافية ..لم تكن معروفة إلا لقليلين و الإذاعة و التلفزيون لم تكن قد إجتاحت مصر و سيطرت علي عقول الناس بعد .. و الجامع كان للرجال فقط و ما يرشح منهم للسيدات لا يكفي لإحداث تغيير .
لذلك تركز إهتمام تنظيمات الرائدات الأوائل .. علي نشر التعليم و تواجد الجريدة و المجلة بين أيدى بنات الطبقة العليا و الوسطي وضمهن إلي عضويتها و أنشطتها
الرجال تفهموا هذا .. فكتب أحدهم ((بالرغم من الأحداث العاصفة بأوروبا التي سعت فيها النساء للمطالبة بالحقوق الفردية و منافسة الرجال في السياسة..إلا أنه لحسن الحظ هذه ليست قضيتنا... فنساؤنا، بارك الله فيهن، لا يطالبن بمثل تلك المطالب، والتي ستؤدي للإخلال بالسلم العام...هن يطالبن فقط بالتعليم والإرشاد))...
وبدأت رحلة المرأة تحت رقابة لصيقة لرجال الدولة و الحكومة ..فالمصرية لكي تصبح رئيسة تحرير مجلة باللغة العربية كان عليها أن تحصل من أجهزة الأمن العام بوزارة الداخلية علي شهادة تسمح لها بالعمل .
السيدة فاطمة نعمت راشد في 28 ديسمبر عام 1936 حصلت علي تصريح من هذا النوع و ظلت في موقعها لمدة 16 عام ..تكافح بنشر الوعي بالقضايا النسوية إجتماعيا .. و أكملت هذا سياسيا كرئيسة حزب نسوى له مطالب أكثر راديكالية .
مع الحرب العالمية الثانية (1938 -1945 ).. حدث إنقلاب نوعي بين سيدات مصر .. لقد تزايدت أعداد النساء اللائي إلتحقن بالتعليم بجميع مراحلة ((سنة 1945 كان هناك 232 مدرسة للبنات بها 44319 طالبة )) وكان بعضهن من نساء الريف..وتزايدت نسبة إشتركهن في العملية الإنتاجية .. كما ضمت الأحزاب الليبرالية و اليسارية عضوات فاعلات .. لتتعدد الأفكار والأيدلوجيات والأهداف والاساليب بين المشتركات في الحركة النسوية،التي بدأت تتجاوز تكوينها النخبوى لتضم عناصر من شرائح أدني في السلم الإجتماعيى
وهكذا اتسمت مرحلة ما قبلة يوليو 52 بنهج أكثر راديكالية . وتعالت أصوات الأجيال الشابة من المتأثرات بالحركات الطلابية والعمالية يطالبن بالمساواة ، ولم يعدن راضيات عن وضع الإتحاد النسوي المصري الأرستقراطي الطابع ... .
بل صرحن أن تكتيكات وأساليب عمل الأميرات والهوانم قد ولى زمنها ، واحتاج النضال للتجديد، فلم يعد كافيًا إنشاء المبرات الخيرية...( دون إنكار) أهميتها... أو توزيع العطايا وما يماثل هذه السلوكيات ليست بحل مناسب لمشاكل المجتمع المزمنة
لقد تطور مفهوم الكفاح ، مع تغير المفاهيم السياسية بالشارع .. ليصبح المساواة الكاملة في الحقوق ..ولم يعد يعني فقط الحق في التعليم، ولكن تعدى ذلك المنظور بكثير.
عام 1942، ((أُنشى الحزب النسائي المصري، والذي ترأسته فاطمة نعمت راشد، حيث نادى باستكمال المسيرة للمساواة بين النساء والرجال في التعليم، والعمل، والتمثيل السياسي، والحقوق. كما نادى بأجازة وضع مدفوعة الأجر للنساء العاملات)).
و عام 1948 ((تشكل اتحاد نسائي أخر ، بعنوان ( بنت النيل) كان شاغله الرئيسي هو الحصول على كافة الحقوق السياسية للنساء. و التركيز على إشراك المرأة في عمليات اتخاذ القرار. كما دعم برامج محو الأمية، و تحسين الخدمات الصحية بين الفقراء، و تعزيز كفاح المرأة والعناية بالأطفال))..
وهكذا ما أن هلت خمسينيات القرن الماضي ..حتي كانت مصانع المحلة الكبرى و كفر الدوار تمتليء بالعاملات القادمات من القرى المجاورة ..و بنات الريف ينضممن بكثافة للترحيلة جنبا إلي جنب مع شبابها ..بل يشاركن في طبلية الخرسانة يحملن القصعة و يتحركن في طوابير طويلة لصبها.. و بعضهن يعملن في المدن تمرجيات أو بياعات لمنتجات الريف في الأسواق الإسبوعية و بدأ الريف رحلة التغير .
وكان بالمدن طبقة وسطي واسعة من النساء اللائي يرتدين ملابس عصرية حاسرات الرأس ..يمثلن نتاج حركة نسائية قوية.. سيدات يعملن في مهن مختلفة منها التدريس و التمريض و السكرتارية و البيع بالمحلات الكبرى .. و بعض الممثلات في المسرح و السينما مثل عزيزة أمير و بهيجة حافظ وفاطمة رشدى و أمينة محمد .. ثم في الإنتاج السينمائي مثل أسيا و مارى كوين .. .. و رائدات في الصحافة .. و قيادات تعليمية نسوية .. و أعتقد أن في ذلك الزمن كانت هناك سيدة تقود طائرة..( لطيفة النادى ).
الأميرات و الطبقة العليا .. كنت تراهن في الإحتفالات .. و الأعمال الخيرية .... تملأ صورهن الجرائد جميلات في ملابس فاخرة و زينه مكلفة ..و تدور الأحاديث و النميمة حولهن في المجلات .. و لكنهن خارج إطار بنات الشعب لهن مجتمعهن الخاص الذى يصعب اختراقة حتي لاسر الباشاوات المحدثين.
و كانت هناك أسماء نسائية تلمع في كل المجالات ..مثل صفية زغلول ( ام المصريين ) ،أسماء فهمي ، عائشة تيمور ، أمينة السعيد ،حكمت أبو زيد ،درية شفيق ،سهير القلماوي ،فاطمة راشد ، عائشة عبد الرحمن ،مفيدة عبد الرحمن ،ملك حفني ناصف ،نبوية موسى ، نفوسة خليفة ، عزيزة خليفة ،نعمات أحمد فؤاد ،هدى شعراوي ، سيدات ناضجات مؤثرات في محيطهن .
الشارع المصرى في بداية خمسينيات القرن الماضي .. كان مشبعا بعوامل التغيير .. و الثورة ضد المحتل .. والنظم و الأفكار الإقطاعية و الأرستقراطية الحاكمة المنفصمة عنه ....و كانت الأحزاب الفاشيستية ( مصر الفتاة و الأخوان المسلمين ).. و اليسارية .. و الشيوعية و القومية .. لكل منها أجندتها الخاصة و جرائدها .. و كوادرها من الرجال و النساء و حركتها بين الجماهير و بدأت المراة مرحلة جديدة من الكفاح لنيل حقوقها لم يعوقها إلا إنقلاب عسكر يوليو 52.. الذين كبتوا أى صوت يعلوا علي نمطهم في الحكم .. و منه الإتحادات النسوية التي اصبحت حكومية تحت سيطرة الضباط و شيعتهم .





(6 ) إهداء ..إلي بنت طنطا ..الدكتورة درية شفيق التي درست الفلسفة في باريس و حصلت علي الدكتورا من السوربون 1940 م ..أخر القيادات التي عكست التوجه الليبرالي للنسويات الحديثات، والذي تحدى نشاطهن الدولة بشكل ظاهر.فدمرهن عبد الناصر
المصريات عبر الزمن.. (أخر المناضلات المحترمات ).. درية شفيق .
دعم الرجال الأكثر تحررا للحركة النسوية بدأ مع كتاب ((المرأة في الشرق )) تأليف مرقص فهمي 1894م ، ((دعا فيه إلى القضاء على الحجاب وإباحة الاختلاط وتقييد الطلاق، ومنع الزواج بأكثر من واحدة، وإباحة الزواج بين النساء المسلمات والنصارى)) .
ثم كتابي قاسم أمين (تحرير المرأة ) عام 1899م، و (المراة الجديدة) 1901 م .بدعم من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول، وأحمد لطفي السيد. قال فيه ((أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة إلى السفور ليست خروجاً على الدين..وناشد أمين في خاتمة الكتاب ضرورة الاعتماد على المنطق والتدقيق في البحث وعدم التمسك الأعمى بالعادات.))
الإمام محمد عبدة أيضا قال(( لا نجد في الشريعة نصا يوجب الحجاب على هذه الطريقة المعهودة وانما هي عادة عرضت عليهم من مخالطة بعض الامم فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين منها براء.)) .
ثم سلامة موسي.. الذى نصح في كتابه (المرأة ليست لعبة الرجل ..)
((إني أدعوك أيتها المرأة المصرية إلي أن تثبتي وجودك الإنساني و الإجتماعي في الدنيا بالعمل و الإقدام و أن تختارى حياتك و إختباراتك )) . ..
((أدعوك أن تدربي ذكاءك و تربي شخصيتك و تستقلي في تعيين سلوكك و تزدادى فهما و خيرا و نضجا بالسنين )) ..
((لا نكوني لعبة نلعب بك نحن الرجال للذتنا نشترى لك الملابس الزاهية و الجواهر المشخشخة و نطالبك بتنعيم بشرتك و تزيين شعرك و كأن ليس لك في هذه الدنيا من سبب للحياة سوى أنك لعبتنا نلعب بك و نلهو )) ..
لقد كان العم (سلامة) متأثرا بمسرحية الكاتب النرويجي إبسن ( بيت الدمية ) والتي يبشر فيها بتمرد النساء و تغير دورهن في المجتمع الأوروبي .
لقد كان للفن خصوصا السينما و الأغاني المذاعة في الراديو و الأدب دور هام في تعديل مفاهيم المصريات .. يمكن مشاهدة أثاره في الأفلام المبكرة أو قصص كتاب ذلك الزمن .. و بالخصوص طه حسين .. الحكيم .. ثم نجيب محفوظ بعد ذلك .كما تحول التلفزيون إلي دور مدمر للصحوة التي إستمرت من1919 حتي 1952 .
الأخوان المسلمين خلال هذه الفترة .. كانوا قد خاضوا معارك إغتيالات متبادلة بينهم و بين الحكومة أدت لوفاة رئيسي وزارة أحمد ماهر و النقراشي .. و تصفية حسن البنا .. لذلك لم يظهر علي السطح كوادر نسائية يعتد بها عدا زينب الغزالي و لم يزاولوا إلا ما بدأ به مرشدهم الأول ..في تقديم بعض الخدمات لفتح مشاغل أو فصول تعليمية أو كتاتيب تحفيظ القرآن أو تقديم مساعدات إجتماعية للمحتاجين .
دور ضعيف لا يوازى المد الذى يغير من كينونة نساء الطبقة الوسطي .. لدرجة أن المرشد بعد 52 و كان قد تصور أن الضباط المنقلبين .. من رجاله .. طلب من عبد الناصر أن يجعل نساء مصر تلبس ( طرح ) و لكنه كما جاء في خطبة شهيرة له رد (( عندما تلبس إبنتك الطبيبة طرحة سأقوم بهذا ))
أنا لا أعمل مؤرخا .. و لا أكتب التاريخ و إنما أتأمل الأحداث و أستشرف من خلال تجارب أمس المسار المحتمل لحركة اليوم
إذا كان هناك من يطلق عليها( زعيمة ) الحركة النسوية منذ شفيقة محمد حتي اليوم .. فهي السيدة درية شفيق التي قالت (لن يُعطى أحد الحرية للمرأة إلا المرأة نفسها)..و عاداها عبد الناصر ودمر أنشطتها و حاصرها حتي إنتحرت .. ليبدأ عهد جديد للمراة المصرية لا يعلو فيه صوتها عن التوجيهات الحكومية و إرشادات الزعيم ..
درية شفيق بدأت نشاطها بأن شكلت عام 1948 م حركة اتحاد بنت النيل المنادية بتحرير المرأة، ثم جمعيه لمحاربة الأمية والجهل المتفشي بين السيدات في مصر آنذاك، و في بداية الخمسينات تحويل (اتحاد بنت النيل) مع المد الثورى للمرحلة من حركة بلا هدف سوى تحرير المرأة إلى حركة تربط المرأة بالكفاح السياسى ليكون حزب (اتحاد بنت النيل) أول حزب نسائي سياسي في مصر.
تزعمت درية شفيق مظاهرة ضمت 1500 سيدة، اقتحمت بهن البرلمان للمطالبة بحقوق المرأة، كانت بمثابة نقطة تحول في تاريخ المرأة المصرية.
كذلك أسست عام 1951م مليشيات شبه عسكرية تضم مجموعة من السيدات لمقاومة الاحتلال الإنجليزي في قناة السويس، وعاك 1954 م احتجت على عدم مشاركة المرأة في لجنة الدستور، وأضربت عن الطعام هي وزميلات لها لمدة عشرة أيام.
عام 1957 م طالبت برحيل عبد الناصر لكونه ديكتاتور فاشيستي ، فاستبعدت من الحياة السياسية والاجتماعية وحددت إقامتها وتم إغلاق كل المجلات التابعة لها ودار النشر واستبعاد اسمها من الصحافة، وظلت في عزلة شبة كاملة 18 عاماً.
درية شفيق .. بما طرحت و ناضلت في سبيله ساعدت المرأة المصرية على أن يكون لها حق الانتخاب والترشيح عن طريق تعديل مواد الدستور المصري، وإصلاح قانون الأحوال الشخصية، وكان لها شعار فى الحياة (لن يُعطى أحد الحرية للمرأة إلا المرأة نفسها).
عام 1954 تمكن عبد الناصر من السلطة .. و قوبل ذلك بردود فعل قد لا تتفق مع هذا النهج .. عالجها بالعنف و المعتقلات و منها أن ((شاركت درية شفيق ومعها عدد من النساء في إضراب عن الطعام لعشرة أيام، اعتراضًا على لجنة إعداد الدستور التي لم تضم نساء )).
و مع ذلك من خلال دستور 1956 منحت الدولة فيما منحت (للأخرين) بشكل علوى عددا من الحقوق للنساء ليس فقط فيما يخص التعليم والعمل، ولكن أيضًا حق الانتخاب والترشح..كخطوة نهائية لمساواة الجنسين فيما عدا ما يتصل بالشرائع الدينية .
و رغم هذا ففي عام 1957، بدأت درية شفيق إضرابا سياسيا أخر عن الطعام إعتراضا على ((الحكم الديكتاتوري للسلطات المصرية والتي تدفع البلاد نحو الإفلاس والفوضى)).م كانت هي النهاية
بكلمات أخرى مع حركة ضباط يوليو حدثت تغييرات في مسار كفاح المرأة.. ليخفت ويصبح جزءاً من مشروع وطني أتاح التعليم المجاني للجميع و العمل متساوى الأجر للجنسين من مختلف الطبقات .. و إتاح الفرصة لبذل الجهد الفردى من خلال جمعيات المجتمع المدني و إن إقتصر علي الأعمال الخيرية دون مردود سياسي ..
وهكذا في عام 1966 وبأمر من الرئيس جمال عبد الناصر تمّ استبدال اسم ((الاتحاد النسائي)) بـ (( جمعية هدى شعرواي)) ثم تم تشكيل ((الإتحاد النسائي المصري)) الرسمي الذي أصبح المؤسسة الحكومية التي تشرف وترعى النشاط النسوي .
بمعني أخر في ستينيات القرن الماضي .. تم الإنسلاخ عن الحركة النسوية التي دامت من 1919 .. و جرى ترويض بنات الطبقة المتوسطة المشاركات فيها ليغردن ضمن الكورال الحكومي بما يتناسب مع سياسة الدولة .. و منحت المرأة بواسطة الدستور و القانون .. كل ما كانت تناضل من أجله
و إن كان عيب التنظيمات التي تأتي من رحم السلطة أن من يشغل مناصبها و يتولي أمرها في الأغلب الاعم من العناصر الإنتهازية .التي ترشحت لمجلس الشعب و تولت مناصب وزارية .. و مثلت بلدها في الخارج ..و حصلت علي المكافئات و الإمتيازات سيدات مثلها مثل العمال ذوى الياقات البيضاء .. و فلاحين الحكومة الذين لم تتلوث أقدامهم بطين الحقل .
يقول البعض أنه أثناء إنتفاضة 25 يناير كانت بنات القاهرة النشطات في الميدان يهدفن إلي طرح تيار جديد بعيدا عن الحركة النسائية الرسمية المتجمدة تحت رئاسة سوزان مبارك ..وإدارة مشيرة خطاب التي ((تفخر بتغيراتها في قوانين الأحوال الشخصية و جعل سن الزواج لا يقل عن 18 سنة و رفع سن الحضانة و السماح للزوجة بالسفر دون إذن زوجها بالأضافة لمنح الجنسية لأبناء الأم المصرية .. و إتاحة الخلع للزوجة التي تفشل في زواجها)) ..
ويقال أن جمعيات مثل ( المرأة الجديدة ).. و (المرأة و الذاكرة ) .. و ( نهوض و تنمية المرأة ) .. كانت متواجدة في كل مراحل الأنتفاضة
و أن هناك جمعيات أخرى ظهرت بعد يناير .. مثل (نظرة ) .. ( حريتي هي كرامتي ) ..بسبب الرغبة في إستكمال مسيرة التحرر التي صاحبت أحداث يناير 2011
و رغم أن أكثر من عاني من تواجدة في الميدان كانت السيدات و الأنسات بسبب مليشيات الحكومة التي كانت تتحرش بهن قصدا لبث الرعب في قلوبهن ..
إلا أن حضور النساء الكثيف ومشاركتهن الفعّالة أثناء الثورة كان لافتاً للانتباه في مجتمع ذكوري، تقليدي، يهمّش دور المرأة ويحرمها الكثير من حقوقها.
على الطرف الآخر، عاد نشاط الجناح النسائي لجماعة الإخوان المسلمين بشكل لافت أثناء و بعد هبة يناير حيث تابعوا نشاطهم السياسيّ من خلال حزب (الحريّة والعدالة ) وخاض الحزب انتخابات لمجلس الشعب في يناير 2012 فحصد غالبية المقاعد و كونت عضواته أغلبية بين النساء .
كان نجاح الإخوان المسلمين السياسي ...إيذاناً ببدء الإرتداد علي كل مكتسبات القرن التي حققتها المرأة المصرية في رحلة نضالها فقد طالبت عضوات مجلس النواب من جماعة الإخوان إجراء تعديلات على بعض قوانين الأحوال الشخصية التي تخص المرأة كتحديد سن زواج الفتاة وحق الخلع وقانون حظر الختان، و بإختصار كل ما منحتها السلطة إياه بشكل علوى.
فبالنسبة لهن (نواب حزب الحرية و العدالة ) لا يوجد ظلم واقع على النساء بل على العكس إنّ حقوقهن محفوظة لمجرد انتمائهن للتيار الإسلامي ...وهن لا يعترضن على الأحكام الفقهيّة والشرعيّة؛ لأنها تصب في مصلحة النساء.
فلنستمع إلي أمينة المرأة في الحزب..هدى عبد المنعم، المحامية في النقض والدستورية والادارية العليا
(( لكي تأخذ ناشطات الحركة النسويّة حقوقهن يجب عليهن أن يكن موضوعيّات ويُقْرِرْنَ أن الله قد أعطانا حقوقاً ينظرُ إليها الغرب الآن بعين الحسود، فالرجل ملزم أن ينفق على المرأة في الإسلام، حتى قارورة العطر الذي تضعه المرأة ملزم أن يشتريها لها، وللمرأة أن تحتفظ بمالها لنفسها، فذمة المرأة المالية منفصلة، مكاسب كبيرة يحققها فيها الإسلام للمرأة، ونحن نصر على الحفاظ على هذه المكاسب. لن تتغير حالياً منظومة الأحوال الشخصية...، كل أحكام الشريعة الإسلامية تؤدي إلى الحفاظ على حقوق المرأة.، لا يوجد إقصاء للمرأة)).
و كاد أن يضيع قرن من الكفاح . إن الميزات التي تعتبرها الأخت هدى .. هي نفسها ما يناضل ضدها التيار الليبرالي .. ((الذي يرى أن حقوق المرأة مسلوبة ويجب النضال من أجل المساواة مع الرجل والحرية من أسر نفوذه ))، وهذا ما أدخل غالبية النساء والناشطات النسويات وأعضاء المجلس القومي للمرأة ...في مواجهات عنيفة مع النائبات الإسلاميات
إن الرعب الذى أصاب سيدات مصر من توجهات الأخوات المسلمات .. صاحبته أنباء قادمة من العراق و سوريا عن ما يفعله الدواعش في النساء .. و كيف يتحولن لسبايا .. يبعن في أسواق النخاسة يتبادلهن من يدفع ثمنهن .. و لم تكف طمأنتهن بأن تركيا بلد يحكمها الأخوان .. و مع ذلك حرية المرأة مكفولة .. لقد طافت كل كوابيس الحياة بعقول نساء المدن في مصر .. و تصورن أن جماعات الأمر بالمعروف السعودية ستتعقبهن .. و تفرض عليهن النقاب و الحجاب .. و الطرحة و البرقع .. و بدأ التنافس بين عقلية البيكيني وتوجهات البوركيني .. و التعريض بالثاني بأخذ الصور للشواطيء كما يراها أبو إسماعيل .
لقد أصبحت هناك كتلتان رئيستان، الأولى تجمع تحت مظلتها غالبية الفئات من النساء الناشطات مما ساعد على وحدة الحراك في مواجهة الكتلة الثانية التي جمعت غالبية الإسلاميات.
قالت نيرفانا سامي من كتلة الليبراليات : ((الأخوات المسلمات هم أخوات لبعض بس مش أخوات ليّ.. بالشكل ده أنا ما ليش أخوات، أنا شخصية حرّة، أخواتي هم اللي كانوا معايَ بالميدان، أخواتي هم الأحرار...)).
و لم يستطع حزب العدالة و الحرية أن يقنع سيدات القرن الحادى و العشرين بمفاهيم القرن التاسع عشر .. فرحل تاركا مخاوف و جروح لم تندمل وعادت الدولة للتحكم في حياة البشر و منهم النساء . ليزداد الإنشقاق .. و يظهر بين سيدات كفر شبرا زنجي .. و مثيلتهن في كومباوندات الحكومة و الجيش . .