الطفل القديم



عبد الله خطوري
2022 / 9 / 2

دق آلْجرس.فُتحَ آلباب.دخلوا زرافاتٍ ووحدانا؛ وعلى عجل، اجتمعوا في ساحة واسعة؛ وإذا بصوت أجش يهتف صارخا:أريد مزيدا من القطيع لزريبتي..ذاك ما تقوله أرقام النتائج التي يوزعونها في آخر موسم قطاف آلرؤوس بعد أن تُقصلَ الأرواح والنفوس..لن أنخرط في لعبتهم المقيتة.. سأذهب الى أقرب حديقة وألعب كما آتفق ضاربا عُرْض الفراغ مراسيم أرقام الأعمار..جعلتُ أهمس لنفسي مشفقا لحال هؤلاء الصغار الذين، رغم تعليبهم وتسليعهم وتسريع وتيرة نموهم قبل الاوان، تُلفيهم يضحكون.يأتون المدرسة، هكذا، لأن سببا ما، لنقل صدفة العادة مثلا، تدفعهم للمجيء إلى حجرات درس يلجؤون إليها ربما فرارا من مجالات أكثر ضيقا وخنقا للأنفاس.بعضهم يترنح في مساره يسقط يعاود السقوط يتوقف لا يستمر.بعضهم يعمل أعمالا أخرى تفرغ الجهد تقلل التركيز، آخرون يعضون بالنواجد على مواظبتهم تثمر لهم تشدقات لابأس به حسن جدا ههه يغرقون ذويهم وذواتهم في مهزلة مكابدة سيزيفية سمجة ليلها كنهارها لا ينزاح عنها الا من ولدته أمه في خرقة ملائمة..وأين هي الملاءَمة في مدرسة تشحن تُعلب تصفف تضغط تصدر الأحكام تلقي كل شيء في أوعية نفاضة الأرقام..ورغم علمهم بوعورة الشعاب والمسالك وكثرة المطبات التي يصنعها يضعها أهل الحل والعقد في الطريق، تجد الصغار والكبار يجاهدون يناورون يشاكسون الزمن وآلِهِ المتحكمين في الرقاب كي يَخرجوا من ظلمات هاديس هشاشة المعيش بورقة بيزينطية تنقذهم من طوق الحروب البونيقية التي يحسونها مفروضة على قراجيطهم..سهلٌ جدا أن تحكم المدرسة على إنجازات مثل هؤلاء بقيمة قياس رقمية معينة تزن مهاراتهم ومعارفهم ومدى مسايرتهم للمكتسبات التي يتدربون عليها في إطار محاور مقررة؛ لكن،العسير هو سبر نوعية تلقيهم وإدراك حواسهم وإحساساتهم بوضعياتهم الخاصة، تشخيص أحلامهم، فَهْم رغباتهم ونفورهم المتفاقم من المساطر الرسمية التي من تحت لتحتٍ تقفُ في وجه سعيهم نحو عيش بالكاد يقف على رجليه حابيا دَادُّوشْ باعوش (١)في عيشة تحكمها ظروف متقلبة بدايتها شهقات ضغوطات بَزّزْ(٢) نهايتها زفرات اُوووف..يَعْلمون جيدا أن آنكبابهم هكذا على المجيء والذهاب لا يعدو أن يكون عادة من العادات آعتادوها وكفى، قد تسفر بعد طول نفس عن نتيجة معينة أو تنتهي بهِمْ إلى بِرك آسنة ليست تجود إلا فقاعات فارغة لا جدوى منها..لكنهم،رغم ذلك، ينخرطون في اللعبة حتى نهايتها التي بلا نهاية و..ينتظرون..أوووف ههه ينتظرووون..حتى إذا أسفرت المواسم عما تسفر به عادة، نتفاجأ بالطفل غدا فتى والفتى شابا والشاب كهلا والكهل شيخا..تتشابك الأجواء تتسارع مواسم النجاح والإخفاق وإذا بالانتظار يُسفر عن مزيد من الانتظار.يستغرق المنتكسون في ترنيمة هذا شعري آشتعل شيبا، ونجدنا نردد حسرات الحنين تأكل أحشاءنا:
كلُّ شيء صار مرًّا في فمي
بعدما أصبحتُ بالدنيا عليما
آه من يأخذُ عمري كلَّه
ويعيد الطفلَ والجهلَ القديما(٣)

_ إحالات:
*دادوش باعوش:عبارة تقال للطفل في أول عهده بالمشي
*بَزَّزْ:بالعنف والتعنيف
*البيتان لإبراهيم ناجي