الاعتداء على النساء نهج الجبناء



جلبير الأشقر
2022 / 9 / 7

إن منطقة «الشرق الأوسط» بمفهومها الأوسع الجيوسياسي، ممتدةً من شرقي البحر المتوسط إلى باكستان وأفغانستان، هي أسوأ مناطق العالم بالنسبة لحالة النساء وحرياتهنّ. وبالطبع سوف يختلف مع ما نقول الذين يشاطرون الذهنية والأيديولوجيا الذكوريتين اللتين تعتبران أن موقع النساء الطبيعي دونيّ ولا بدّ أن يكنّ مقيّدات بإرادة الرجال. وليس الأمر عائداً للدين، كما يحلو للبعض ادعاؤه سواء أكان قصدهم الدفاع عن اضطهاد النساء أم نقد الدين، والحال أن العقيدة الإسلامية منتشرة في مناطق أخرى من العالم، من أوروبا إلى شرقي آسيا مروراً بأفريقيا من شمالها المغربي إلى جنوب الصحراء، حيث حالة النساء الغالبة، إن لم تكن متقدّمة كما في بعض الدول الأوروبية، لاسيما الإسكندنافية، فتضاهي على الأقل متوسط أحوال النساء في الجنوب العالمي.
أما في «الشرق الأوسط» فإن الحالة الغالبة لا تزال متميزة باحتقار ذكوري شنيع للنساء، تعكسه المؤسسات الحقوقية والسياسية، وبتقييد شديد لحرياتهنّ بلغ ذروته في أفغانستان تحت حكم الطالبان، لكنّها ذروة إزاء متوسط بالغ الارتفاع. وقد يظنّ الذكوريون الراضون عن هذه الحالة أنها تعبير عن «رجولة» فائقة يفضّلونها على «تخنّث» المجتمعات الغربية، لكنّ الحقيقة هي أن اضطهاد النساء إنما هو تعبير عن احتقار للجنس البشري برمّته بنسائه ورجاله، حيث يتميّز الإنسان عن الحيوان بتوقه إلى المساواة بعيداً عن «قانون الغاب». لذا فإن الطبع الذكوري يتماشى مع السلطوية وتفضيل الاستبداد، كما بيّن علماء النفس منذ وقت طويل، والأنظمة القائمة على اضطهاد النساء كركن أساسي من أركانها إنما هي بطبيعتها أنظمة استبدادية.

أما الاستبداد السياسي فليس تعبيراً عن القوة بل عن الضعف، إذ إن حكماً ذا أسس متينة في رضى الشعب عنه لا يحتاج لفرض نفسه على الشعب بالقوة. ولا يخشى الحريات السياسية والتنافس الديمقراطي على السلطة سوى غير الواثقين بأن غالبية الشعب راضية عنهم. هذا أمرٌ بديهي، مثلما هو بديهي أن الحكّام الذين يعتدون على النساء إنما هم جبناء، يرون في النساء، وهنّ مقيّدات أصلاً في بلدانهم، فرائس سهلة المنال، فيظنون أن دغدغتهم لأقبح المشاعر القائمة في مجتمعاتهم من شأنها أن تغطّي على عجزهم عن تلبية الاحتياجات الأساسية التي تواجه بلدانهم وأن تجلب عليهم إعجاب الذكوريين، وهم كثُر بحكم الميل الطبيعي الذي يؤدّي بمن يُمنح سلطة الاضطهاد على غيره إلى الاستمتاع بها في غالب الأحيان بدل رفضها والترفّع عنها باعتبار الاضطهاد من الدنايا (وهذا أيضاً ما بيّنه علماء النفس).
أما نماذج ما نقول فلا تُحصى في منطقتنا، ومن أكثرها طرافة ادّعاء بعض الحكام أنهم من أنصار «تحرير» النساء (وليس تحرّرهنّ، والأمران مختلفان اختلافاً جذرياً) بينما ينهالون على النساء اللواتي يتجرّأن على إبداء شيئاً من الانتقاد لأفعالهم الاستبدادية، ولو بأبسط أشكال التعبير عن الرأي علاناً مثل التغريد، ينهالون عليهنّ بعقوبات لا ينالها في البلدان الديمقراطية سوى الذين ارتكبوا أقبح جرائم القتل وأعظمها.
مثال آخر عن استسهال التعرّض لحريات النساء تعويضاً عن عقم السياسات العامة نجده في هجمة حكم إبراهيم رئيسي على نساء إيران لفرض ارتداء الحجاب عليهنّ، بل فرض ارتدائه بأكثر الأشكال تزمّتاً. فبينما لا تني الأسعار ترتفع في أسواق إيران، على خلفية حالة اقتصادية نتجت عنها حتى اليوم سلسلة من الانتفاضات الشعبية المحلّية أو المعمّمة، لم يجد الحكم الإيراني وسيلة لإلهاء الرأي العام سوى شنّه حملة بالغة التزمّت لفرض ارتداء الحجاب وفق المقاييس التي حدّدها، شملت اعتقال المئات.
وقد قرّر الحكم الإيراني استخدام التكنولوجيا العصرية متمثّلة بأنظمة التعرّف على الوجه لإضافة «أخ أكبر» في الباصات والساحات العامة، يراقب النساء على غرار ما صوّره الكاتب البريطاني جورج أورويل في روايته الشهيرة 1984، لكن في نسخة طريفة عن الرواية يصبح فيها «الأخ الأكبر» متخصصاً في اضطهاد «شقيقاته» كما في الحالة المتفشّية في المجتمعات القائمة على التربية الذكورية. هذا ولا يحتاج المرء لبُعد البصر كي يدرك أن مراقبة النساء هذه لن تكون سوى مدخل إلى مراقبة المجتمع بأسره. والعبرة من كل ذلك أن «الشرق الأوسط» خير تأكيد للفكرة العميقة القائلة إن حالة المجتمعات تُقاس بمنزلة النساء فيها، فلن تتحرّر مجتمعاتنا سوى عندما تتحرّر نساؤها.