مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي الحلقة 6



صبحي خدر حجو
2006 / 9 / 28

بعد ان تبين لنا ، الاسباب التي تقف وراء تكوين الموقف الحقيقي للمجتمع من المرأة ، يمكن الان ان ننظر الى حالةالمرأة الايزيدية بشكل عام و كيف كانت قبل عقود من الزمن وحتى الان .

كما وضحنا فيما سبق ، فان القانون الذي كان يلجأ اليه الايزيديون وما زالوا في قضايا الاسرة والزواج ، هو القانون المستند للمفهوم العشائري . ولاحظنا ايضاً ان الاحكام الشرعية الدينية نفسها كانت مبنية هي ايضا على هذا المفهوم . وبهذا يجب ان لا نستغرب من مدى قوة تمكن هذه المفاهيم من الايزيدية وتحكمها بمواقفهم لفترات تاريخية طويلة تمتد الى وقتنا الراهن ، خاصة عندما نعلم ان الايزيدية يعيشون بين أقوام اخرى عديدة ، ولا يمكنهم ان يكونوا منعزلين عن تلك الاقوام . ولابد ان يتأثروا ويأخذوا بالكثير من العادات والتقاليد السائدة في تلك المجتمعات ، خاصة عندما يشكّل الايزيدية اقلية بين تلك الاقوام .
ورغم ان جميع الايزيدية يطبقون قانون ( العرف العشائري ) في مناطقهم الاّ انه كان هنالك اختلاف احيانا في تطبيق العادات والتقاليد بين منطقة واخرى لسببين رئيسيين:

الاول : لوجود فواصل جغرافية كبيرة بين البلدان التي يعيش فيها الايزيدية ، وحتى في البلد الواحد ايضا توجد فواصل جغرافية مسكونة باقوام اخرى . مثلاً شنكال عن الشيخان ، والشيخان عن ايزيدية دهوك وزاخو ، بعشيقة وبحزاني عن بقية المناطق ، وايزيدية الجزيرة ( سوريا ) عن منطقة عفرين ، تبليسي ( جورجيا ) عن ريف ارمينيا ، ويران شهر ( تركيا ) عن مدياد وديار بكر و...الخ .

الثاني :هو البعد والقرب من المناطق الحضرية والمدنية ، فالذين كانوا يسكنون في المدن او بقربها وبحكم الاختلاط والتجارة والعمل ...الخ كانوا يختلفون الى حد ما ، او بالاحرى كانوا متقدمين عن اولئك الذين يسكنون في القرى النائية . اضافة الى ان القرب من المدن قد وفر فرصا افضل واسرع للاستفادة من المدارس وللجنسين ؛ مثلا : تبليسي في جورجيا ، ويريفان في ارمينيا ، حلب في سوريا ، بحزاني وبعشيقة والشيخان في العراق .
وقد شكلت المناطق الريفية والقرى النائية عن مواقع الحضارة مثالا خالصا للتطبيق الحي للجانب السلبي من العرف العشائري في التعامل مع قضية المرأة . وكانت النظرة لها على العموم آنذاك متدنية الى أبعد الحدود في تلك الاصقاع النائية عن الحضارة . وكانت اغلب حالات تشكيل الاسر الجديدة ( الزواج ) تتم على اسس خاطئة ، وكان شائعا جدا عدم معرفة الفتى والفتاة لبعضهما ، او حتى في احيان غير قليلة يشاهدان بعضهما ليلة الزفاف فقط !! . ناهيك عن اخذ رأي الجانبين . وكان يعتبر امرا معيبا ـ وما زال في العرف العشائري ان يؤخذ رأي وموافقة الفتاة بشكل خاص !. فقد كان يتم الاستناد الى رأي وموافقة الوالدين او من ينوب عنهما . اضافة لذلك كانت ظاهرة تزويج الفتيات الصغيرات شائعة ايضا الى جانب ضعف الالتزام بعقد القران بشكل رسمي عند الشيوخ ، او عدم التزام الشيوخ انفسهم بالتحري ومقابلة الفتى والفتاة ومعرفة رايهم بشكل مباشر .

وقد روى لي احد الاصدقاء (* ) حادثة طريفة ، كمثال على الطريقة الخاطئة في الزواج . والحادثة جرت في بداية ترحيل الايزيدية من قراهم الى مجمعات قسرية في شنكال ، حيث تزوج احد الشبان بهذه الطريقة ( بدون ان يتعرفا على بعضهما ) ، وبعد ايام من زواجه ذهب للالتحاق بالخدمة العسكرية ، وعند عودته مجازا ، وصل للمجمع الذي تسكن فيه عائلته ، وبسبب ضخامة المجمع وحداثة السكن فيه ، فانه لم يكن يعرف داره ، مما اضطره ان يقصد اول تجمع يصله وكان التجمع مكونا من بعض النسوة، وسأل احدى النساء عن سكن العشيرة الفلانية او سكن اهالي قريته !! . وقالت له اتبعني ، فتبعها وعند الوصول الى الدار فقط تبين له ان التي قادته للبيت لم تكن سوى زوجته بعينها ! .. وكانت شائعة ايضا ظاهرة اخرى هي وقوف الاقرباء في طريق زواج قريباتهم ( التحيير ) في العرف العشائري ، وكان لهذه الظاهرة سند في العرف العشائري . ومن خلال ذلك كان يتم تزويج الفتيات دون رضاهن ، ورغم ارادتهن .
وفي كل مناطق الايزيدية كان هناك رد فعل مقابل من الشبان والشابات على الطرق والاساليب الخاطئة ، وعلى غلاء المهور . وكانت لهم حلوهم الخاصة ، فقد كانوا يلجأوون الى عادة الخطف في حالة وجود عوائق جدية تقف في طريقهم . وكانت تجري هذه الحالات على الاغلب في المناسبات والاعياد . وكان الناس يتفهمون هذه القضية ويقفون موقفا ايجابيا منها الاّ في حالات قليلة . وكانت هذه الظاهرة تشكل متنفسا جيداً للشبان والشابات .
الاّ ان تلك الطرق الخاطئة وحالات الارغام والتحيير والزواج المبكر وعدم الالتزام بالحد الادنى مما يتطلبه ترصين الوضع الاجتماعي ادى الى ظهور مشاكل اجتماعية كثيرة ونزاعات و خلافات كان يمكن في حالة تطورها ان تؤدي الى خلخلة الوضع الاجتماعي برمته . مما حدى بالامير سعيد علي بك لا صدار امر الى شيوخ الملة بحسب سلطته التشريعية في عام 1929 م ، مآله : ان البنت التي يعقد نكاحها يجب ان لا يقل عمرها عن الـ 15 عاما ، كما انه شدد على ضرورة حصول التراضي والقبول فيما بين الشاب والشابة اولا ثم عقد نكاحهما ضاربا عرض الحائط ولو ( نظرياً ) التقاليد التي توجب على الفتاة ان تخضع لارادة ابيها في تزويجها بمن يشاء .
ونظراً للاهمية البالغة لذلك القرار ولانه كان يتصف بجرأة كبيرة في ذلك الوقت ، ولانه حسب علمنا اول قرار رسمي يصدر عن الامارة و يتعلق بالشؤون الايزيدية بشكل علني ، ارتاينا ايراده بالنص : (2)
اولا : عندما يعقد النكاح ، يجب ان يكون بحضور شاهدين عن الوكيل للبنت التي يعقد النكاح عليها .
ثانياً : يجب ان يحصل التراضي والقبول فيما بين الشاب والبنت اولا ، ثم يعقد نكاحهما .
ثالثاً : ان البنت التي يعقد نكاحها يجب ان لا يقل عمرها عن خمسة عشر سنة .
رابعاً : من الان فصاعدا نرجو الفات نظركم الى ما عرضناه آنفا ولي وطيد الامل بانكم ستقومون به حرفيا .وعنتد عقد نكاح اي بنت كانت او شاب بدون رضائهما سوف تجري المعاملة القانونية بحق هؤلاء ، ويكونون عرضة للعقاب .
والسلام .
التوقيع .. الامير سعيد علي بك

باعذرا/ في 12 / يار / 1929

وربما تم الالتزام بهذا القرار فترة قليلة من الزمن ، ولكن جرى تجاوزه ونسيانه فيما بعد ، بدلالة ان ممارسة الظواهر السلبية بقي مستمرا والبعض منها الى وقت قريب . حيث صدرت قرارات اخرى بصدد هذه الظواهر كما سنرى .
ومما يلفت النظر هو وجود حالة استثناء بارزة وقديمة عند عشائر الخوركان في منطقة شنكال ، وهي تستحق اجراء دراسة خاصة بها . ففي بحر ذلك التخلف وطغيان الافكار العشائرية وانعدام الصلات والعلاقات باي شكل بين شباب وشابات الايزيدية ، فقد كانت عشائر الخوركان خاصة السموقي منها يشكلون استثناءاً بارزا عن ذلك ؛ اذ كانت العلاقات الاجتماعية بين ابناء وبنات هذه العشائر متميزة بالانفتاح وعلى درجة كبيرة من التقدم قياسا لذلك الزمن . بحيث كانت تضاهي علاقات هذه الايام . ولكن لم تكن هذه الظاهرة الفريدة لتمر من دون ان تخلف مشاكل او احراجات او بعض المتاعب لابناء هذه العشائر . فقد تكوّن تصور سلبي عنها لدى بقية العشائر في شنكال وحتى مناطق الشيخان ودهوك ايضا . واعطيت صفات اخرى " سلبية " لهذا الانفتاح . وكانت تلك العلاقات مدار تندر وتصنيف للعشائر الاخرى ، حتى انه كان من الصعب ، بل يعتبر امرا معيبا ان يتزوج ابناء العشائر الاخرى من بنات الخوركان خاصة السموقي ، او ان يعطى لهم نساء . ولكن من جهة اخرى كان شباب وشابات تلك العشائر المتعصبة يتمنون في قرارة انفسهم لو كانت عشائرهم ايضا بهذه الصورة على غرار الخوركان !.
الان وبعد عقود من الزمن يعترف الكثير من كبار السن من تلك العشائر بان الخوركان كانوا على حق ، ويضيفون : كان يفترض منذ ذلك الحين ان تتبع بقية العشائر نهج الخوركان ، لانه في واقع الامر ونتيجة ذلك الانفتاح في العلاقات ، كانت المشاكل الاجتماعية لابناء الخوركان قليلة جداً قياسا بالعشائر الاخرى .

يتبــــع
27 / 9 / 2006