تداعيات قرار التعبئة الجزئية للجيش الروسي على العالم؟



علي ابوحبله
2022 / 9 / 22

المحامي علي ابوحبله
ما أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء الماضي في خطاب موجه إلى الأمة الروسية، التعبئة الجزئية في صفوف الجيش الروسي ، حتى قوبلت بانتقادات دولية واسعة وسط مخاوف من قرار التعبئة العسكرية وتداعياته، فيما سادت حالة من الذعر بالداخل من تأثيرات القرار، واضطربت الأسواق المالية صعودا وهبوطا.
ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، أمر الرئيس الروسي بالتعبئة العسكرية الجزئية، مؤكدا أن روسيا ستدافع عن نفسها بكل ما أوتيت من قوة في ترسانتها الضخمة إذا واجهت تهديدا من الغرب ، ورفع بوتن من لهجته تجاه الغرب حين تحدث عن "الابتزاز النووي"، قائلا: "لمن يطلق مثل هذه التصريحات، أود تذكيرهم بأن بلادنا كذلك تملك أسلحة دمار شامل وفي بعض أجزائها أكثر تطورا من نظيراتها لدى دول الناتو، وأمام أي تهديدات لوحدة أراضينا أو سيادتنا نحن قادرون على استخدام هذه الأسلحة وهذا ليس خداعا
ولم تكد تمضِ دقائق قليلة على الخطاب الاستثنائي للرئيس الروسي، حتى بدأت تداعياته الكبيرة تنعكس على العالم كله سياسيًا واقتصاديًا، فماذا تعني التعبئة الجزئية في الجيش الروسي؟. استدعاء ثلاثمائة ألف جندي من مختلف الوحدات العسكرية، وتغيير خطة المعركة واسمها، لتكون حرباً حقيقية شامله ضد أوكرانيا.
ويندرج تحت التعبئة الجزئية الروسية وفق المفهوم العسكري تجهيز الأسلحة الإستراتيجية الفتاكة، وفتح بوابات الترسانة النووية المدمرة، والتلويح باستخدامها، رداً على التهديدات الأمريكية والأوروبية، وتدخلهم في الحرب لصالح أوكرانيا، وتزويدهم لها بالسلاح النوعي والمعلومات الدقيقة، وانخراطهم الفعلي بالقتال من خلال خبراء عسكريين ومتطوعين من كبار الضباط المتقاعدين.
وبالمفهوم الاستراتيجي للعقيدة العسكرية الروسية " التعبئة الجزئية الروسية تعني بكل وضوح وصرامة أن هزيمة روسيا غير ممكنة، وأن انتصار أوكرانيا مستحيل، وأن كرامة موسكو يجب أن تحفظ، وأن أهانتها لن تقبل، وأن الحصار عليها لن يفرض، وعلى دول أوروبا أن تدفع ثمن عنجهية حكومتها وتبعيتها للإدارة الأمريكية، وأن تتحمل كامل المسؤولية عن قراراتها الطائشة، ورهانها الخاطئ".وأن بوتين لن يسمح بانكسار بلاده أو ضعفها، ولن يقبل بإطالة أمد الحرب واستنزاف بلاده، ولن يوافق على أنصاف الحلول والتفاهمات الملغومة، ولن يعود من الحرب قبل تحقيق أهدافه، كما لن يسمح لأوكرانيا بأن تكون مخلب الغرب ضد بلاده، ولا جبهةً مفتوحةً في مواجهة جيشه، ولا ساحةً للعبث والتهديد الأمريكي المستمر لأمن وسيادة بلاده".
خطاب بوتين انعكست تداعياته على الأسواق العالمية، فاهتز الدولار الأمريكي ، وسجل اليورو تراجعاً كبيراً ليسجل أدنى سعر له مقابل الدولار الأمريكي، وهبطت أسهم البورصات الأوروبية، وتراجعت قيمة أسهم الشركات، وارتفعت فواتير الكهرباء، وسارعت أوروبا إلى تقنين استخدام الغاز، وبدأت الحكومات الأوروبية في مراجعة حساباتها فيما يخص ، صناديق التعاضد والتأمين والشيخوخة والمرضى، ومساهمات الدولة في رفاهية مواطنيها.
وأعلنت كبرى شركات الاستيراد الأوروبية، العاملة في أسواق القمح والمحاصيل الزراعية، أنها تواجه مشاكل كبيرة في عقد صفقاتٍ جديدةٍ، ولا تستطيع تحمل تكاليف شركات التأمين الدولية، التي باتت بوالصها تفوق ثمن البضائع المنقولة، في ظل ندرة المصادر الأخرى وفقر الأسواق العالمية وحاجتها للقمح والبذور والأسمدة الأوكرانية والروسية معاً.
أما أسواق النفط الأوروبية فقد كانت الميزان الحساس والمؤشر الأدق لخطاب بوتين، وهي المعيار التي على أساسها تقاس الأمور وتحدد الاتجاهات، فبعد أن هدأت الأسواق العالمية لعدة أسابيع سابقة، وتراجع سعر برميل النفط نسبياً، عادت اليوم لتقفز من جديد، وتهدد أوروبا كلها بالعتمة والبرد، وبالجمود الاقتصادي وتوقف عجلة الإنتاج، وتعطل الحياة العامة، ما دفع العديد من المراكز والهيئات الأوروبية المختصة لاستدعاء ملفات الحرب العالمية الثانية، والظروف الاقتصادية الطاحنة التي كانت سائدة، وسياسة البطاقات التموينية، وحساب السعرات الحرارية اللازمة لكل مواطن للبقاء على قيد الحياة.
وفي ردود الفعل على خطاب الرئيس الروسي بوتن وجه الرئيس الأميركي جو بايدن انتقادات حادة إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء في كلمته التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وحذر بايدن من أنه "لا يمكن الانتصار في حرب نووية، ولا يجب خوضها أبدا"، قائلاً "نرى اتجاهات مقلقة. روسيا توجه تهديدات نووية غير مسئولة لاستخدام الأسلحة النووية".وأضاف أن "الولايات المتحدة مستعدة للتفاوض على إجراءات أساسية للحد من التسلح".
وحض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المجموعة الدولية على "ممارسة أقصى الضغوط" على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أبدى استعداده لاستخدام "كل إمكانات ترسانته" ضد الغرب. وقال على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك إن قرارات بوتين الذي أعلن أيضا عن تعبئة الاحتياطي "تؤدي الى عزلة روسيا بشكل إضافي".
وأعرب المستشار الألماني أولاف شولتس عن اعتقاده بأن إخفاقات روسيا العسكرية في حربها على أوكرانيا هي السبب في إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية.
من جهته، قال رئيس وزراء بولندا ماتيوس مورافيسكي: إن روسيا ستحاول تدمير أوكرانيا وتغيير حدودها، وذلك في تعليقه على قرار موسكو إعلان التعبئة الجزئية للجيش ،وأضاف "سنفعل كل ما في وسعنا مع حلفائنا حتى يتمكن حلف شمال الأطلسي من دعم أوكرانيا بصورة أكبر ليتسنى لها الدفاع عن نفسها" وحث على تقديم الحلفاء الغربيين مزيدا من المساعدة لكييف.
واعتبر رئيس وزراء هولندا، مارك روته، أن قرار التعبئة علامة على ذعر بوتين، مضيفا «التعبئة والدعوة إلى استفتاءات في دونيتسك كلها علامات على الذعر، فخطاب بوتين بشأن الأسلحة النووية شيء سمعناه مرات عديدة من قبل».
قد لا يكون خطاب الرئيس بوتين هو الخطاب الأخير في الحرب الروسية الأوكرانية، فهو خطاب التعبئة الجزئية، والاستدعاء المحدود لعناصر وضباط الجيش الروسي، في رسالةٍ واضحة إلى قادة أوروبا والإدارة الأمريكية، أن يعودوا إلى رشدهم، وأن يكفوا عن عبثهم، وأن يتفهموا المصالح الروسية الإستراتيجية، والامتداد الجيوسياسي الطبيعي لبلادهم، وإلا فإن خطاب التعبئة الشاملة، والاستدعاء الكلي للجيش والقوات المسلحة، وتفعيل الصندوق النووي قد يكون الخيار الأخير لروسيا والعالم كله معها