آثار الانتفاض الثوري في ايران عابرة لحدود البلدان والقوميات



مؤيد احمد
2022 / 9 / 24

آثار الانتفاض الثوري في ايران
عابرة لحدود البلدان والقوميات

ان الانتفاض الثوري الجماهيري الحالي ضد قمع المرأة، و الحجاب الاجباري، ونظام الاسلام السياسي في ايران، يشكل دفعا قويا لنضال المرأة والطبقة العاملة والشيوعيين والتحررين في العراق ومنطقة الشرق الأوسط.
منذ ثورتي مصر وتونس لعام 2011، وبالرغم من كل الانتكاسات والقمع الوحشي الذي واجهته مساعي ونضال الملايين من العمال والكادحين والمعدومين للتحرر من براثن الانظمة القمعية البرجوازية الاسلامية والقومية؛ حماة وممثلي النظام الرأسمالي وبربرية راس المال، فان هذا النضال والمساعي لم تتوقف، ليس هذا فحسب، بل اكدت بان طابعها ثوري وطبقي وعابر لحدود البلدان والقوميات والطوائف والاديان واللون والجنس والجيندر.
كما وإن انتفاضة أكتوبر 2019، وتزامنا معها استمرار التظاهرات في لبنان وتظاهرات الجماهير في ايران بالضد من رفع سعر البنزين، شكلت محطات مترابطة في النضال الجماهيري للشغيلة والكادحين والمضطهدين. ما يحدث الان في ايران محطة أخرى متقدمة من مسيرة هذا النضال اذ هو انتفاض ثوري على استعباد المرأة وقهرها، وبهذا المعنى انه اغنى العملية الثورية في المنطقة بأكملها بمحتوى وجذر اجتماعي واسع وعميق.
لأول مرة وبعد سنوات طويلة من سيطرة الإسلام السياسي على مقدرات الجماهير في منطقة الشرق الأوسط تحدث هبة كهذه وتصدي بهذه القوة لإسقاط سطوة الإسلام السياسي على حياة ومصير المرأة. فضلا عن ذلك، وهي المرة الأولى التي ينبثق فيها النشاط السياسي الثوري لجماهير الشغيلة، نساء ورجالا، في المنطقة ونقطة ارتكازه مقارعة قمع المرأة والحجاب الاجباري ويستمد القوة من قضية تحرر المرأة ومساواتها.
مثل كل قضية اجتماعية كبيرة أخرى في التاريخ، فإن ما يحدد مصير المرأة و تحررها النهائي ضمن مسار تطورات هذه الانتفاضة الثورية، وبالأخص في حال انتصار ها، هو التقدم بالثورة الى غايتها، وهو، في الثورة الحالية، تدمير المرتكزات الاساسية التي يقوم عليها استعباد المرأة، والتي هي راس المال والنظام الرأسمالي. غير ان هذا التقدم في مسيرة الثورة يتطلب، وبطبيعة الحال، تطور النضال الموحد للطبقة العاملة والمرأة المضطهدة وجميع المفقرين. فمن الواضح اذن، ان تأثيرات ما يحدث حاليا في ايران لن تظل محصورا في اطار هذا البلد وذلك لا لمجرد وسعة وضخامة الضربة التي وجهتها الانتفاضة للنظام الإسلامي في ايران لحد الان، بل لكون هذه الهبة الجماهيرية الثورية مرتكزة على النضال ضد استعباد ليس فقط تستند عليه الجمهورية الإسلامية، بل يستند عليه راس المال والنظام الرأسمالي في ايران ودول منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
ان تأثيرات الثورة ضد الحجاب الاجباري والنظام الاسلامي في ايران، باتت حاضرة، خلال أيام معدودة، في وجدان ووعي الملايين من النساء والتحررين في بلدان منطقة الشرق الاوسط. ان تصدي المرأة والتحررين لسطوة الإسلام السياسي ونظامه على المرأة في ايران ولرمز هذه السطوة؛ الحجاب الاجباري، خلق واقعا جديدا ومحطة متقدمة من محطات النضال التحرري للمرأة وجماهير الشغيلة والكادحين في البلاد، وبالتالي أضاف عنصرا نوعيا الى عناصر العملية الثورية في المنطقة باسرها من ضمنها العراق.
سيفرض هذا الواقع الجديد نفسه على اجندة اية هبة جماهيرية مقبلة تُستحق ان تُوصف بالثورية. فإذا قيّمنا هذه الاحداث في ايران من منظور مادي تاريخي، نرى ان احتمالات قمع الانتفاضة الحالية او التغيير في توازن القوى الحالي بين الجماهير الثورية وقوى الثورة المضادة لصالح الأخيرة، لن يغير شيئا من واقع كون الاحداث الحالية في ايران جعلت مسالة حرية المرأة ومساواتها، وبشكل عمل جماهيري، جزءا أساسيا من العملية الثورية في المنطقة. وهذا يعني ببساطة انه لا يمكن تكرار نسخة جديدة منتصرة لثورتي مصر وتونس في المنطقة، ولا نسخة جديدة منتصرة لانتفاضة أكتوبر في العراق، سوى عن طريق تجاوز احدى نقاط ضعفها الرئيسية، وذلك بجعل تحرر المرأة ومساواتها في محور أولوياتها.
ان النظام الدموي الإسلامي في ايران بات يرتكب الجرائم بحق المنتفضين يوميا وقتل لحد الان العشرات منهم و سيستمر في ذلك. كما وان قوى الثورة المضادة البرجوازية دولا واحزابا وتيارات واقطاب امبريالية وإقليمية ستتوحد لقمع هذه الهبات الجماهيرية الثورية في المنطقة والاجهاز عليها بكل الطرق، وتحاول بشتى الوسائل والطرق تماشيا مع تطور الأوضاع الثورية، غرق بلدان هذه المنطقة بالمزيد من الحروب والعسكرتاريا والحروب بالوكالة وغيرها من الجرائم. غير ان العمال والشغيلة والمحرومين والمرأة المضطهدة والشبيبة العاملة والتحررية تشكل قوة اجتماعية وسياسية وثقافية هائلة بإمكانها ان تنتصر.
ان احد اهم اركان انتصارها هو ان نفس النظام الذي يقمعها ويسلب منها الحرية والعيش الرغيد والرفاهية، يستند على نفس هذه القوة الاجتماعية والطبقية ويتغذى من ثمار عملها وكدحها، ليس فقط داخل بلد معني، بل داخل منظومة عالمية؛ وهي شبكة راس المال العالمي أي علاقات الانتاج الرأسمالي العالمي. ان القيام بالنضال ضد مختلف ابعاد الاضطهاد والتمييز والتهميش للطبقة العاملة والمرأة وجميع الفئات المفقرة والمحرومة، وتوحيدها في نضال طبقي واحد، داخل بلد معين، وعلى صعيد بلدان مختلفة، ورفع الأحزاب العمالية للراية الاشتراكية الثورية والأممية هو الضمان لانتصار نضال هذه الطبقة والفئات الاجتماعية.
ان النضال ضد الاستعباد الحالي للمرأة في ايران والعراق ومنطقة الشرق الأوسط وضد شكل هذا الاستعباد الاسلامي والقومي الذكوري وضد النظام السياسي الذي يجسده، هو خطوة ثورية كبيرة على مسار النضال الثوري ضد كامل النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يعيد انتاج هذا الاستبعاد.
لندعم بكل قوة ونتضامن مع النضال الثوري الجاري في ايران ضد قمع المرأة والحجاب الاجباري وضد نظام الإسلام السياسي الحاكم، ولنقف بوجه كل التيارات والأحزاب البرجوازية المحلية و الدول الامبريالية و الإقليمية والتي تريد استغلال هذه الانتفاضة الثورية لصالح أهدافها السياسية وصراعاتها الجيو- سياسية والجيو -اقتصادية.
23 أيلول 2022