ماذا بعد أستشهاد مهسا أميني؟



رضي السماك
2022 / 9 / 25

في خطاب له في الستينيات يكشف الرئيس المصري الراحل عبد الناصر واحدة من أهم النقاط الخلافية بينه وبين حسن الهضيبي، مرشد جماعة الإخوان المسلمين عام 1953،وذلك أثناء المفاوضات التي جرت بينهما بعد أن حل الأول الأحزاب مستثنيا "الجماعة"على أمل أحتوائها، لكن عبد الناصر فشل في ذلك وأصطدم بقوة معها إثر تورطها في محاولة أغتياله في ميدان المنشية بالأسكندرية 1954،فقرر عندئذ أن يشملها قرار حل الأحزاب، وتتمثل النقطة الخلافية في أن الهضيبي وضع على رأس مطالبه فرض الحجاب على نساء مصر بأكملها، وهو مارفضه عبد الناصر،مفحماً إياه بأنه هو نفسه- الهضيبي - له بنت في كلية الطب وغير قادر على إلزامها بالحجاب!
وكما هو معروف لم يكن أرتداء الحجاب حينذاك شائعاً بين طالبات وشابات مصر المتعلمات، تماما كما كان حال طالبات وشابات إيران عند أستيلاء الملالي على الحكم وأستئثارهم به 1979،ما يعني أن تيار "الإسلام السياسي" في كلا البلدين لايعرف شيئاً في السياسة إسمه "الواقعية" أو "فن الممكن" عند تطبيق يرنامجه على المجتمع ، ولعل ما نتابع فصوله الآن من أحتجاجات دامية داخل إيران منذ مقتل الشابة مهسا أميني ( 22 عاماً) على أيدي "شرطة الأخلاق" ما هو إلا ردود فعل مكتومة طويلا آن لها أن تتفجر -إلى جانب عوامل اخرى- ضد سياسة القبضة الحديدية لفرض الحجاب، حتى أزاء من لم ترتديه -حسب مزاعمهم- وفق" الضوابط الشرعية"0 علماً بأن السلطة لطالما تساهلت حتى مع أنصارها على أرتدائه دون " الضوابط" المزعومة! فهل كانت هذه القضية حقاً أخطر قضية آنية قصوى تواجه الجمهورية "الإسلامية" في إيران من بين كل التحديات الأمنية الداخلية والاجتماعية الاخرى التي تواجهها، والتي من بينها تفشي البطالة والفقر والدعارة والمخدرات والجريمة؟ وجميعها ظواهر منافية لقيم الإسلام وأشد خطورةً من السفور، بل و أعترفت بها صحافة النظام نفسه قبل إعلام أعدائه في الخارج.
وما لا يتمعن في مغزاه ودلالاته الملالي الحكام أن شطراً غير قليل من جيلين من الفتيات بلغن اليوم زهاء العشرين من أعمارهن، لم تكن اُمهاتهن أو جداتهن محجبات قبل أكثر من 40 عاماً من قيام الجمهورية الإسلاموية،وبرضا أجدادهن، ولعلهن إطلعن على ألبومات لصور اُمهاتهن أو جداتهن سافرات، واللائي لم تكن متمردات على فروض دينهن أويدعون لممارسة الرذيلة،كما يصور النظام القائم سفورهن الوسطي المحتشم .
ثم ماذا يفيد نظام طهران أن تتقيد فتيات بالحجاب، لمجرد أتقاء بطشه بهن وهن غير مقتنعات به؟ ولايُخفى على أحد اليوم أن كثرة من الملتزمات بالحجاب في بلداننا العربية والإسلامية، لا يدل أرتدائه بالضرورة على تأييدهن ثقافة الإسلام السياسي، وإنما لأسباب معقدة -موضوعية وذاتية- ليس هنا موضع بسطها، فبينهن من مؤيدات الحداثة، إن جاز القول، دع عنك من يتخذنه لغايات أنحرافية بعيدة تماماً عن قيم الإسلام. ثم ماذا نفسر أن تُعهد مسؤولية الضبط لرجال شرطة الأخلاق الذين خلال عملية الضبط يلمسون بعنف أجسادهن لأخضاعهن للأعتقال، في حين يُحرّم على الرجال مصافحة النساء، كما يُفرض على النساء الأمتناع عن المصافحة؟ أما الجانب الآخر الذي تكشفت عنه فضيحة مقتل المغدورة أميني،هو ما يمارسه النظام من سياسة شوفينية تجاه الأقليات القومية والتي تتناقض مع ما يدعيه من تطبيق المساواة بينها بإسم الإسلام، ذلك بأن إسم "مهسا" الأصلي في الكردية هو "جينا"، تماما كما يحدث من تغيير في أسماء مواليد العرب بتحويرها لتنسجم مع اللغة الفارسية، وقضايا عرب خوزستان في هذا الصدد أكثر مما تعد.
والحاصل أن دماء الشهيدة المغدورة أميني، والتي بفضلها توحد الشعب الإيراني بمختلف قومياته في الاحتجاجات النسائية الجماهيرية التي عمت كل المحافظات فقد أسقطت هذه الأحتجاجات قرار الإلزام بالحجاب إلى الأبد. وإذ تلعب الحركة النسائية الإيرانية- ذات الجذور العريقة الضاربة في تاريخ إيران الحديث- دوراً محورياً مهماً في النضال من أجل حقوق المرأة وسط تلك الظروف القمعية، فمن أسف ألا تجد لها صدى تضامنياً بين الحركات النسائية والأحزاب المناضلة من أجل تقدم المرأة في عالمنا العربي إلا في أندر الأحوال.