لماذا يخاف الذكور من حقوق المرأة؟



قيس الفرة
2022 / 10 / 27

هذه الأيام تشهد مواقع التواصل الاجتماعي نضال النساء في مختلف بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضد الثقافة الذكورية المهيمنة على مجتمعاتهن، يمكن وصف الأمر بالثورة الفكرية عبر تطبيقات ومواقع التواصل الإجتماعي حيث تكافح فيها النساء لتغيير السلوكيات والأفكار السلبية لمجتماعاتهم من أجل نيل حقوقهن كاملة.

في هذا الحراك الرقمي تقوم النساء بمشاركة تجاربهن وأرائهن والتكلم عن أهم القضايا التي تنتهك كرامتهن والتي عادةً ما يتم فيها إستغلال صمتهن في الحياة الواقعية بسبب قيود المجتمع والعادات والتقاليد المفروضة عليهن لتكبيل حريتهن وإسكاتهن وتهديد سلامتهن.

ويتباين رد الفعل أتجاه هذا الحراك بشكل كبير في مجتمعات شمال أفريقيا والشرق الأوسط مابين مؤيد ومعارض، هناك من يرى ان هذا الحضور الرقمي للنساء قد ساعد علي تعزيز حريتهم في التعبير والدفاع عن حقوقهن وجعلهن أكثر وعي وجرأة للمطالبة بالمساواة مع الرجل، كما أنه ساهم في كشف العديد من الإنتهاكات والجرائم التي تمارس بحق النساء وتسليط الضوء عليها وجعلها قضايا رأي عام وتحشيد الجموع للضغط علي المجتمع والجهات الرسمية لإتخاد الإجراءات اللازمة لحماية النساء ومحاسبة الجناة.

وفي المقابل نجد العديد والعديد من الحملات ضد هذا الحراك والتي يترأسها الذكور بدعم من النساء المؤيدات للثقافة الذكورية، منهم من يرى بأن المساواة بين الجنسين وحصول المرأة علي حريتها وحقوقها الكاملة هو تحدي للمجتمع وعاداته وتقاليده ومخالف لمعتقداته الدينية، وأخرون يرون بأن مفهوم حقوق المرأة هو مجرد محاولة محكاة وأقتباس لتجربة النساء في المجتمعات الغربية ولا يناسب مجتمعات شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

لا يمكن إنكار معاناة النساء في كل دول العالم من أذى التمييز الجندري والتسلط الذكوري ولكن الصورة الأكثر تخلفا وبؤساً هي في مجتمعات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تُذبح المرأة تحت ستار ووهم شرف الرجل وتحرم من أبسط حقوقها الإنسانية وتجبر علي الخضوع لوصاية الرجل ويتم وضع مختلف الحواجز والعراقيل أمامها من المجتمع للحفاظ علي إستمرار تفوق الرجل عليها.

لماذا قد يشعر الذكور بالاستفزاز من مطالبة النساء بحقوقهم والمساواة معهم ؟



"أنتِ لا ينقصك شئ"

"ليس كل الرجال هكذا، أنا لست هكذا"

"أنتِ تريدين الانحلال وافساد المجتمع"

"أنتِ تكرهين الرجال"

"أنتِ تطالبين بحقوقك بطريقة خاطئة"

"أنا أشعر بالإهانة والظلم"

هذه العبارات وغيرها الكثير دائماً ما نراها تتكرر كرد فعل من الذكور عند تكلم النساء عن المطالبة بحقوقهن وبالمساواة مع الرجال وعند انتقاد الظلم الواقع عليهن بسبب الثقافة الذكورية.

الثقافة الذكورية وتأثيرها علي الموروث الديني.

إن الثقافة الذكورية لم تكن محصورة علي مجتمع معين، بل حضرت في العديد من المجتمعات في عصور مختلفة، وفي مجتمعات شمال أفريقيا والشرق الأوسط تمتد جذور الثقافة الذكورية فيها من النظام القبلي البدوي والذي يعتبر مثال للنظام البطريركي، لم يكن إستغلال رجال الدين والحكام عبر العصور للدين وتحريف مفاهيمه وتوظيفه لخدمة أيدلوجياتهم وتوجهاتهم الشخصية بالشئ الجديد ولا حصراً علي حقوق المرأة، بل أمتد ليشمل مختلف أمور الحياة حتي أبسطها مثل فتاوي تحريم القهوة التي أستمرت لفترة طويلة، إن الموروث الديني الإسلامي جرى تكييفه ليدافع عن الثقافة الذكورية ويشرعنها، لقد أصبح الخطاب الديني يتمحور حول المرأة وخصوصياتها ويقوم بشيطنتها وتعظيم ذنبها علي ذنوب الرجل ويتوعدها بالعذاب إذا خالفت الرجل وكأن عذاب الأخرة قد وجد لها هي فقط، إن الموروث الديني بصورته الحالية هو مسيء للمرأة وللإسلام ويعتبر عقبة في طريق تطور المجتمعات الإسلامية، حيث يقوم المدافعون عنه بتوظيف الدين لإبقاء النساء سجينات وكبح حريتهن واخضاعهن تحت سلطة الرجل، هم يدعمون الثقافة الذكورية و يحمونها باسم الله والدين، ويحاربون كل المحاولات التنويرية الإصلاحية ويكفرون بفتاويهم من يحاولون الخروج على سلطتهم، بسبب هذا، تقع النساء تحت ضغط "التابوهات المقدسة" ويجدن أنفسهن مخيارت بين حريتهم ودينهم، وكلما حاولن الخلاص منها، يجدن أنفسهن أكثر تكبيلاً، وفي المقابل يجد الذكور المبرر للاستمرار في اضطهاد المرأة وحرمانها من حقوقها بإسم الإلتزام بتعاليم الدين.

عقدة الشرف والرجولة وربطها بحرية النساء.

لقد تم ترسيخ مفهوم الرجولة في المجتمعات القبلية لتعني الفحولة بالحصول علي أكبر عدد من النساء وكذلك التمسك بالعادات والتقاليد المتهتكة والتسلط على المرأة وإخضاعها والشعور بالقوة والتفوق عليها، فهي مستضعفة وأدنى من الرجل ولذلك تحتاج إليه لحمايتها وتوفير كل أحتياجات الحياة لها وتقويم سلوكها وإرشادها وحتي التفكير بالنيابة عنها، لا يمكن للرجل أن يتساوى مع المرأة وإلا لن يكون رجل وسيخسر رجولته، فالرجولة شرف لا يناله كل الذكور وهي نقيض الأنوثة، فيقال للذكر أنت مثل المرأة لغرض الإهانة والتقليل من شأنه، ويقال للمرأة أنتِ بمائة رجل لغرض الإطراء عليها.

إن رجولة وشرف الذكر في مجتمعات بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مرتبط بأجساد نساء عائلته وحريتهن، ويقع على عاتقه واجب حمايته من باقي الذكور والدفاع عنه منهم وإلا لحقه العار وخسر رجولته، فهو منذ ولادته يتم تربيته علي أن رجولته وشرفه أهم من حياته وحياة نساء عائلته، لذلك في سبيل الحفاظ عليه هو مستعد لممارسة عنف غير مبرر تجاه زوجته وأخواته وحتى أمه بالتعنيف والتسلط عليهن بإصدار الأوامر القمعية ومنعهن من الخروج أو التواصل مع الآخرين، والتحكم في لباسهن، وحرمانهن من الدراسة والعمل، ويصل الأمر للتطاول عليهن بالشتم والضرب وحتى القتل، في هذه المجمعات نجد بأن الذكور يلجؤون في صراعتهم إلي التعرض للنساء المقربات من خصومهم بالتحرش والأغتصاب.

الخوف من تفوق النساء وانقلاب الوضع.

إنهم خائفون من أن تتولى النساء زمام الأمور، لا يمكنهم تحمل فكرة تفوق المرأة عليهم، لا يريدون خسارة امتيازاتهم التي تضمن لهم التفوق والدخول مع النساء في منافسة عادلة في مختلف مجالات الحياة، في الدراسة والعمل وحتى العلاقات العاطفية، فا على الرغم من ادعاء معظم الرجال قبل الارتباط العاطفي أنهم يفضلون المرأة الذكية، فإن الحقيقة تظهر عندما يقابلون تلك النوعية من النساء ويحدث تفاعل معهن، وقتها نجد بأن كلما شعر الرجل بنجاح المرأة تقل ثقته في نفسه، وكلما شعر بالتفوق عليها زادت ثقته في نفسه، بينما يحدث العكس مع المرأة وثقتها بنفسها لا تتأثر بنجاح الرجل، وعندما نتحدث عن مجتمعات بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإن الرجل أحياناً كثيرة يشعر بالتفوق علي المرأة فقط لأن جنسه ذكر، ويكون دافعه الأساسي للخوف من تفوق النساء هو الحفاظ على استمرار هذا الشعور الوهمي بالتفوق والذي تدعمه السلطة الذكورية ونظام الوصاية.

حتي مع أختلاف الأوضاع في مختلف المجتمعات حول العالم، نجد بأن المشترك بينهم جميعاً هو في تعريف معنى أن يكون الإنسان رجلاً هو أن يكون متفوق علي المرأة وأعلى شأناً منها.

غياب الوعي عند الرجال وإعتقادهم بأن المرأة لا ينقصها حقوق.

يعتقد أغلب الرجال أن المرأة بوضعها الحالي تعيش حياة رفاهية، هي تنعم بحماية الرجل ورعايته، حيث تقع المسؤولية على الرجل في توفير متطلبات الحياة بينما هي تجلس في المنزل معززة مكرمة ولا تحتاج إلى الخروج للعمل أو الدراسة، هم يرون بأن الأعمال المنزلية مثل الطبخ والغسيل وكذلك تربية الأطفال وخدمة الزوج وإشباع رغباته هي واجبات طبيعية للمرأة ومقياس لمدى مثاليتها ونجاحها في الحياة، و بالتسلط عليها وتقييد حريتها هم يحمونها ويحافظون عليها من الأذى.

التهرب من مواجهة غضب النساء وإنكار إمتيازات وفضل المجتمع الذكوري.

يقوم المجتمع الذكوري منذ بدايته علي توفير العديد من الامتيازات للرجل لتسهيل حياته وضمان تفوقه على المرأة وسيطرته عليها وإخضاعها له، فبينما يدعم المجتمع والقانون والعرف والدين الرجل في كل جوانب حياته ككيان متفوق، فإنهم يضعون مختلف العراقيل والحواجز أمام المرأة وترسيخ الصورة النمطية لإستحالة وجودها في الحياة بدون وصاية الرجل، لا يوجد مساواة ولا تكافؤ في الفرص وكل شئ لمصلحة الرجل وتحتاج النساء إلى بذل أضعاف ما يبذله الرجال لتحقيق نفس الإنجاز، واليوم مع تطور الحياة وإختلاف متطلباتها عن العصور القديمة، نجد بإن العديد من الرجال يفشلون في إستغلال كل الإمتيازات الممنوحة لهم من المجتمع الذكوري ويفشلون في القيام بالمسؤوليات المتوقعة منهم كرجال، بينما تنجح العديد من النساء في التغلب على كل العراقيل والتفوق على الرجال والقيام بالمسؤوليات التي كانت حكراً علي الرجال، هم يرفضون الاعتراف بأنهم يحصلون علي إمتيازات على حساب حرية المرأة ومع ذلك هم يفشلون في الوصول للتوقعات المفروضة عليهم من المجتمع الذكوري، يتهربون من مواجهة غضب النساء بسبب عدم تكافؤ الفرص بينهم ويرفضون فكرة تفوق النساء عليهم بالرغم من إنحياز المجتمع للرجال وتقييد حرية النساء وإجبارهم علي الخضوع وتصعيب إستقلالهم عنهم.

لا يعرفون أن دعم النسوية هو لمصلحتهم.

يخضع الذكور أيضاً لقيود النظام الأبوي وضغط الثقافة الذكورية التي تفرض عليهم صورة نمطية متخلفة وبدائية للرجل، الرجل الحقيقي لا يبكي ولا يعبر عن عواطفه أمام الآخرين ولا يمكن أن يكون ضعيف، هو يلجأ دائماً إلى العنف لحل مشاكله، الرجل الحقيقي هو الفحل المسعور جنسياً غير القادرعلى مقاومة رؤية أجساد النساء، ويجب عليه دائماً أن يكون مسيطراً ومتفوقاً على المرأة ولا يمكن أن يسمح أو يعترف بتفوقها عليه، هو الوصي على نساء عائلته ويقع عليه عبء توفير كل متطلبات الحياة لهم، شرفه لا يرتبط بأخلاقه وأفعاله الخاصة ولكن يرتبط بحرية نساء عائلته، ويجب عليه حمايته من باقي الذكور، هو لا يستطيع أن يحظى بعلاقة صحية مع أمه وأخواته وزوجته وبناته لأنه السبب في اضطهادهن وحرمانهن من الحياة

الخوف من مواجهة المجتمع الذكوري.

عندما تطالب المرأة بحقوقها، تتعرض لأشكال متعددة من الأذى، يتم اتهامها بالفسق والفجور والدعوة للانحلال ومحاربة الدين للتحريض على الإساءة لها وتبرير الاعتداء عليها، ودعم الرجل لحقوق المرأة يعني التمرد على المجتمع وتهديد السلطة الذكورية، سيتم التشكيك في شرفه ورجولته ويتحول إلى شخص منبوذ من الذكوريين وتتضرر مصالحه، هو لا يريد مشاركة المرأة عواقب مطالبتها بحقوقها لذلك يختار تجاهل معاناتها

بينما تخوض المرأة كفاحاً مستمراً لنيل حقوقها ومساواتها بالرجل اجتماعياً وفي أماكن العمل، يرفض معظم الرجال الاستماع إلى النساء ويتخذون موقفًا دفاعيًّا حين تصحح لهم النسويات تصرفاتهم لاعتقادهم بأنهم الأعلم بمصالح النساء واحتياجاتهن أكثر منهن أنفسهن، هم يرون بأن النسوية تمثل كرهاً وتهديداً لهم، بينما هي تقف ضد مئات السنين من الاضطهاد والظلم والتمييز ضد المرأة، لقد آن الأوان للرجال لاتخاذ موقف ضد الظلم والتخلف ومساعدة المجتمع على تخليص نفسه من الثقافة الذكورية التي تقف عائقاً أمام تطوره وتقدمه.