أقدم مهنة في التاريخ



سعيد مبشور
2022 / 11 / 11

يكاد يُجمع الكتبة ومدونو التاريخ وعلم الاجتماع على أن الدعارة أو البغاء (prostitution) هي أقدم مهنة في التاريخ، وذلك لورود ذكر هذا النزوع "الاحترافي" للبغايا في نصوص ونقوش قديمة من الحضارات البابلية والإغريقية والرومانية، بيد أن هذا التعبير "أقدم مهنة في التاريخ" لم يظهر لأول مرة سوى في نهاية القرن التاسع عشر على يد الكاتب البريطاني روديارد كيبلينغ (Rudyard Kipling) في قصته القصيرة المعنونة "على جدار المدينة" سنة 1888م، ليتحول بعد ذلك إلى تعبير دارج في الصحافة ودراسات المهتمين.

ويُرجع بعض الباحثين وصف أقدم مهنة في التاريخ إلى أنشطة أخرى غير الدعارة، كما هو الشأن بالنسبة للباحث الأمريكي في جامعة هارفارد منفير سينغ (manvir singh) الذي يعتبر أن "الشامانية" هي أقدم طبقة مهنية في التاريخ، والشامان هم المعالجون الروحيون أو السحرة في العصور القديمة، حيث كانوا يمارسون مهام الطب البدائي عبر الأعشاب والتعاويذ السحرية والأشكال الدينية الأولى، وكان الساحر (sorcier) حينها هو حكيم المجتمع وصاحب الكلمة الأولى فيه.

في حين يعتبر البعض الآخر أن مهمة المنقب عن منابع المياه (sourcier) هي أقدم مهنة في التاريخ، حيث دفعت الحاجة إلى الماء الإنسان إلى اختراع وسائل للبحث عن موارد المياه باستعمال وسائل تقليدية مثل العصي التي ما زالت تستعمل إلى اليوم، وتم تطويرها إلى تقنيات حديثة تنتمي إلى حقل "الجيوبيولوجيا".

أما الخبير الدولي في الأمن الرقمي نيكولا ارباجيان (Nicolas Arpagian) فيعتبر الجاسوسية (Espionnage) أقدم مهنة في التاريخ، لأننا لا يمكن أن نحكم في نظره بوجود عاهرة دون أن نعرف أين تفعل ذلك ومتى تفعله، وهذا يتطلب وجود شخص ما تجسس عليها وأوصل إلينا المعلومة حول العمل الذي قامت به هي وشركاؤها، وعلى الرغم من طرافة هذا التوصيف إلا أنه لا يخلو من جوانب واقعية.

لكن ثمة حرفة تمتهنها طبقات متنفذة في مجتمعاتنا وتجمع بين خصائص كل من المهن السالفة الذكر، من حيث كونها مهنة عهر أخلاقي بامتياز، ويتسم أصحابها بقدراتهم الخارقة في استمالة الناس بما يشبه السحر ويحاكي الشعوذة ويسوق لكل أنواع الأوهام، كما أنها مهنة تنقيب عن منابع الثروات ومواردها، وفيها تمارس أقذر أنواع الجاسوسية، حتى أن ممتهنيها في نفس الهيئة "الحِرٓفية" يتجسسون على بعضهم البعض باستمرار لصالح من يدفع أكثر ومن يحقق لهم مصالحهم الأنانية الضيقة، ويركبون بها على من يثق في شعاراتهم البراقة وخطاباتهم الرنانة، فيسرقون أقوات الشعوب باسم كل الأفكار والمبادئ والنظريات، وهم سبب كل الحروب التي عاش جحيمها العالم منذ الأزل.

هذه المهنة هي السياسة أيها السادة .. أم لديكم راي آخر ؟! ..