النساء وكرة القدم



امال قرامي
2022 / 11 / 27

قديما أفصح الشاعر عن مكانة النساء في الإبداع فقال:
«ما للنساء وللكتابة والعمالة والخطابة هذا لنا، ولهنّ منا أن يبتن على جنابة»

ويبدو أنّ هذا الرأي قد تحوّل إلى قاعدة جعلت أكثرهم يتساءلون «ما للنساء والرياضة، وخاصّة لعبة كرة القدم» ؟ إذ ترسّخ في المتخيّل الجمعي أنّ علاقة الشابات والنساء بكرة القدم على وجه الخصوص، وبمباريات كأس العالم صدامية تكاد تتماهى مع علاقة الحماة بالكنة أو العلاقة بين الضرائر. فلا غرابة أن تكثر الخلافات في مثل هذه المناسبات، ويهجر الرجال البيوت ليجتمعوا بالأصحاب والخلان في أماكن «الفرجة الجماعية». وقد فهم أرباب المقاهي ومختلف المؤسسات الخاصة هذا الأمر فوفّروا الأفضية لممارسة طقوس المشاهدة والاحتفال الذكوري بمتعة «التكوير».
وبالرغم من تطوّر مستوى الوعي، والإرباك الحاصل في ترسانة الصور النمطية، وحرص فئة من الشابات والنساء على اقتحام المجال الرياضي وفرض وجودهن وكسب الاعتراف فإنّ الحضور النسائي المعبّر عن شغف حقيقي بلعبة كرة القدم وفهم لأصول اللعب لم يفض إلى تغيير في البنى الذهنية والسلوك والخطابات يتلائم مع ثقافة حقوقية تناهض كلّ أشكال التمييز والعنف ومع سياسات الدول التي اعتمدت أو اجبرت على إدماج النوع الاجتماعي. أمّا الفئة المؤمنة بالعلاقات المساواتية بين الجنسين فإنّها تكاد تكون غير مرئية.
ولا نكاد نعدم الأمثلة الدالة على هيمنة الصور النمطية ورغبة أغلبهم في مقاومة حضور الصحفيات في مجال تغطية المباريات أو التعليق عليها أو تحليل هفوات الفرق واللاعبين، وهو أمر راجع إلى عسر الاعتراف بتفوّق الشابات في هذا الاختصاص الذي شاع أنّه لا يفقهه إلاّ الرجال: أصحاب العقول والخبرة. ولذا من «العادي» التصريح بعبارات: «آش تفهم النساء في الكورة» باش تولي تحلل؟

تُعدّ الملاعب أفضية ذكورية بامتياز ففيها تتجسّد المجتمعية la sociabilité وتتوطّد العلاقة بين الأفراد فتنشأ الجماعات العضوية، وفيها تحدث المواجهات وممارسة العنف والتعبير عن الغضب من النظام المستبد والمؤسسة الأمنية القمعية ...ولكنّ «دخول» الشابات والنساء هذا الفضاء كشف عن «صراع جندري» وتحديات تطرح على عمليات بناء الرجولة وإعادة تشكيلها وصياغة الخطابات الداعمة لها.

وانطلاقا من هذا الواقع التمييزي والإقصائي الذي يكشف عن «قسمة ضيزى» صار على الشابات والنساء فرض حضورهن: إمّا من خلال التشبّه بالرجال على مستوى اللغة والسلوك العدواني وممارسة العنف وإظهار مشاعر الغضب... أو عناية بالأنوثة الصارخة وعرضا لها من خلال حركات الجسد والغناء والتعبير عن العواطف الرقيقة...وينجم عن الصراع بين الجنسين تطوّر أشكال التضامن الذكوري وشدّة مقاومة ممثّلي الرجولة التقليدية لهذا «الغزو» النسائي حفاظا على رأس مال وعلاقات اجتماعية وهويات أسسوها من خلال الرياضة.

وليس تداول صور «الجميلات الفاتنات» في الملاعب القطرية في تقديرنا، إلاّ علامة على لعبة أخرى تمارس على هامش لعبة كرة القدم إذ لا معنى للتركيز على صور هؤلاء «الجميلات» سوى تثبيت الهويات والصور النمطية إذ تبقى الشابات موصولات إلى عالم الإغراء والفتنة وتسليع الأجساد والاستهلاك والانفعالات... ويظلّ الاعتقاد السائد أنّ النساء يشاهدن فنّ اللعب ولا يلعبن في الميدان، ويختزل حضورهن في أجساد يُستمتع برؤيتها أو توظيفها «ديكورا» يضفي البهجة على الملاعب ويوحي بالتمدن ودخول عصر الحداثة. ولا تسل عن التعليقات على الفايسبوك التي توضّح كيف تستغل هذه المناسبات «الكروية» لممارسة العنف السيبرني وإجراء المقارنات بين جميلات السعودية ولبنان وتونس والمنافسة بين الأنوثات المصنّعة والمرمّمة والأنوثات «الأصيلة» وغيرها.

وهكذا يستمرّ النظر إلى أدوار النساء على أنّها داعمة للرجال /الأبطال ومناصرة لإنجازاتهم ومحتفية بها تماما كما كان الأمر في الغزوات والحروب ،وهو أمر يفضح مدى تغلل منظومة التمييز واللامساوة.

وفي مقابل هذا المشهد المتصرّف فيه وفق أهواء الرجال ثمّة شابات يناضلن من أجل الاعتراف بهنّ كلاعبات متميزات في كرة القدم او صحفيات محترفات أو حكمات أو... وليس أمامهن إلاّ مضاعفة الجهد حتى ينزعن الحُجب التي تُسدل عليهن، ويقاومن التغييب والتهميش والتحرش والابتزاز و... في سبيل تحقيق ذواتهن واكتساب حقوقهن ومرئيتهن.

لازلنا بعيدين عن المُثل الديمقراطية التي تُخضع الأنشطة والممارسات والعلاقات والتصورات والسياسات لمبدأ التشارك والشراكة....حتى ننتشي جميعا بفنّ اللعب بالمكشوف.