رغم المطالبات والتشريعات.. عاملات المنازل المهاجرات يعانين أشكالا متعددة من العنف



أحمد الملكاوي
2022 / 11 / 30


تبحث الأوغندية سيرينا (اسم مستعار) عن طريقة لإيصال شكواها إلى الأمم المتحدة، بعد أن جاءت إلى الأردن عام 2017 لتكون عاملة منزل، لتقع في فخ انتهاك أصحاب العمل لحقوقها، وعدم دفع أجورها لعامين ونصف العام، ولم تعد اليوم تأمل في مستقبل يليق بها في بلادها أو هنا في الأردن.

تزامناً مع الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة (حملة الـ16 يوما). يكشف "المرصد العمالي الأردني" أوضاع عمل تتعلق بعاملات المنازل المهاجرات، اللاتي ما يزال العديد منهن يتعرضن للعنف الجسدي واللفظي، ومنهن من لا يحصلن على أجورهن أو العطل الأسبوعية التي يكفلها قانون العمل.

بالعودة إلى سيرينا، تروي لـ"المرصد العمالي الأردني" قصتها؛ حيث عملت في أحد المنازل أول مرة عام 2017، لتنتقل بعدها إلى صاحب عمل آخر ومعها 800 دينار وهو المبلغ الذي استطاعت توفيره من العمل السابق على أمل تأمين مبالغ أخرى تعود بها إلى بلادها لتدرس في كلية الفنون وتساهم في تعليم شقيقتها الصغرى.

إلّا أنّها تعرضت إلى اعتداءات جسدية من صاحب المنزل تمثّل في ضربها عدة مرات، فضلاً عن الصراخ والتعنيف اللفظي طيلة ثلاث سنوات، لم تستطع خلالها الحصول على أجورها أو ترك المنزل الذي تعمل فيه ويؤويها، وعندما طالبت صاحب المنزل بحقوقها اشتكى عليها بتهمة سرقة نقود من بيته، فأودعت أحد مراكز التوقيف 3 أسابيع، وشهراً كاملا في مركز للإصلاح والتأهيل، وعندما خرجت وجدت نفسها بلا عمل وبلا نقود ولا جواز السفر الذي بقي مع صاحب المنزل.

خرجت سيرينا من السجن وهي تعاني من آلام في صدرها نتيجة تعرضها للضرب من قبل صاحب المنزل، وعند وصولها إلى المحكمة، لم يُسمح لها بالحديث وكانت اللغة عائقا في ذلك.

وعلى مدى عام ونصف العام، ظلت سيرينا تعمل لدى إحدى مواطناتها الأوغنديات تساعدها في صالون تجميل وتحصل على أجور متقطعة لعدم قدرتها صحياً على الالتزام بعمل محدد.

اضطرت سيرينا قبل أشهر إلى الزواج، لأنها، وبحسب قولها، "لم يكن لديّ الخيار لإنقاذ حياتي سوى الزواج".

سيرينا ليست عاملة المنزل الوحيدة التي تتعرض إلى عنف لفظي وجسدي وحرمان من أجورها في العمل، فقد تكررت الحادثة المسجلة لدى مراكز مساعدة قانونية مختصة في الدفاع عن العمال.

صور التعنيف المتكررة بحق عاملات المنازل قادت "هانا" التي جاءت من الفلبين قبل عام 2010، إلى ترك الالتزام في العمل داخل المنازل والمبيت فيها، واعتمدت على العمل المستقل اليومي، حيث تعمل عدة ساعات ثم تغادر المنزل باتجاه سكن استأجرته بالشراكة مع عاملتين أخريين، وبخاصة بعد أن واجهت مشاكل التواصل اللغوي والتعامل وتأخير دفع الأجور بالإضافة إلى الشتائم بين الحين والآخر.

كذلك، كانت هانا في المنازل التي التزمت بالعمل الدائم لها، تبدأ العمل في السابعة صباح كل يوم وحتى الحادية عشرة ليلاً مع استراحات قصيرة لتناول الطعام، ولم تحصل على يوم عطلة أسبوعية في منزلين من أصل أربعة منازل عملت فيها.

بداية العمل المستقل كانت عام 2011، وكانت تحصل على أجر يبلغ 3 دنانير في الساعة الواحدة على أن تعمل ما لا يقل عن ثلاث ساعات يومياً للحصول على أجر يعينها على تأمين حاجاتها اليومية وإيجار المسكن.

تقول هانا لـ"المرصد العمالي الأردني" إنّ تركها للعمل والمبيت جاء من مبدأ أنها ترعى أبناء غيرها في الأردن مقابل تركها رعاية أبنائها في الفلبين دون الحصول على أجر أو معاملة جيدة، ما دفعها إلى الاستقلال والعمل بالمياومة لحفظ كرامتها.

وتؤكد هانا أنّها تعرف العديد من عاملات المنازل اللواتي ما زلن يعانين من العديد من المشاكل داخل منازل التي يعملن فيها، منها الضرب وعدم دفع الأجور والعمل طوال اليوم دون الحصول على استراحات، وبخاصة من هنّ من الجنسيات الأفريقية، اللواتي يعتبرن "الحلقة الأضعف" في سوق العمل المنزلي برأيها.

وجاء ذلك الانطباع حين فتحت هانا منزلها لاستقبال العاملات المعنَّفات اللواتي يتعرضن للاستغلال من قبل أصحاب وصاحبات المنازل، أو لا يحصلن على أجور، فيتحولن إلى العمل المستقل كما فعلت هي، فبات منزلها شاهداً على جلسات مليئة بالحديث عن ألم الغربة والتعرض لسوء المعاملة والصورة النمطية التي تتهمهن عادة بسلب أصحاب المنازل أو سرقتهم..

تطالب هانا اليوم بالرقابة الشديدة لتحصيل حقوق عاملات المنازل اللائي ما زلن يعانين شروط عمل سيئة مليئة بالعنف بمختلف أنواعه.

تقول مديرة جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان ليندا كلش إنّ عاملات المنازل المهاجرات يتعرضن لانتهاكات كتلك التي يتعرض لها العديد من العمال المهاجرين، كانتقاص الأجور أو عدم دفعها، وسوء المعاملة من قبل أصحاب العمل.

وتوضح الكلش، في حديثها إلى "المرصد العمالي الأردني"، أن من أكبر المشاكل التي تعاني منها عاملات المنازل منع انتقالها من صاحب منزل إلى آخر بعد انتهاء عقدها، حيث ما زال ذلك يشترط موافقة صاحب العمل الأول، فضلا عن عزلهن عن العالم الخارجي ومنعهن في كثير من الأحيان من الخروج وحدهن.

وتوضح الكلش أنّ أوضاع العاملات، وإن كان سيئة في الوقت الحاليّ، إلّا أنها أفضل مما كانت عليه قبل سنوات، حيث لم يكن لديهن وعي بمسائل الانتهاكات والقوانين، فيما الآن، "العديد منهن يَعينها ويطالبن بحقوقهن".

حالات عدة، عرضها "المرصد العمالي الأردني"، تمثل انتهاكات صارخة لقانون العمل تتعرض فيها عاملات المنازل لأشكال عنف متعددة، وقد تضع الأردن في لاحق الأيام أمام مسائلات منظمات حقوقية ودولية على رأسها منظمة العمل، لعدم وفائه بالتزاماته واتفاقياته.