أحزمة العفة في القرون الوسطى أحد أقنعة ختان الأنثى!



إيرينى سمير حكيم
2022 / 12 / 8

يشتهر ختان الإناث بأنَّه قطع جزء أو كُلّي للعضو التناسلي الخارجي للأنثى، ولكن الحقيقة! هو أنَّ هذا التعريف الشهير للختان، ما هو إلا تعريف للصورة التقليدية لهذا التقليد الخبيث، الذي يرتدي أقنعة كثيرة، لتقاليد وعادات وممارسات أخرى، تفرضها المجتمعات على الإناث حول الأرض، بمختلف البلدان والأزمنة، والثقافات المتنوعة، فيتلوَّن فيها فِكر "الختان" وأهدافه، بحسب ما يلائم ظهوره وطريقة تجسده، فالختان في جوهره هو ذلك الفعل الذي يتعمَّد تقليم المرأة فكرياً وجسدياً، في صور شتَّى، ويستهدف بأقنعته المتباينة مناطق مختلفة في جسدها، للتشذيب.

ويُفضَح الختان وينكشف وجهه الحقيقي، بالرغم من خداع أقنعته المتجددة، بكشف جوهره، وهو تحجيم الأنثى وتقزيمها، سواء بذبح أو تشويه جزء في جسدها أو حتى في فكرها وعقلها، فالأنثى باعتبارها كائناً شديد التميز في تكوينه، وفي دوره وفي امتداد الحياة منه، كانت منذ البدء وحتى اليوم، محطَّ التقييد والتقليم معنوياً وفعلياً، وذلك تخوفاً من تحرُّر القوى الإنسانية في كيانها المتفرِّد، التي بإمكانها أن تتيح لها القدرة على القيادة والتسَيُّد!

حقاً إنَّه لمِن الحق أن يكون مصطلح "تشويه الأعضاء التناسلية"، هو المُسمى الأدق للختان التقليدي، الذي يعتبر ممارسة غير اَدمية، ولكن بحكم الواقع للأسف، تستَخدم الشعوب مصطلحات أخرى في تسميتها لفعلهِ، بينما تظل ملحوظة قائمة، وهي تماثل هذه المُسميات في الفكر والمعنى! وهذا المعنى، هو ما نحن بصدده هنا.

فمثلاً في مصر يُطلَق عليها شعبياً اسم "الطهور" أو "الطهارة"، وتُعرَف في السودان باسم "الطُهر"، وفي مالي "غسيل الأيدي"، وهكذا.

والحقيقة أن الإلزام بالبحث عن طُهر المرأة، وإبقائهِ رصد الجميع، وجعلهِ أمراً مفعولاً به، مُسيطَر عليه من قِبَل المجتمع، لا فاعلاً، يقوم بطُهره بنفسه، من قِبَل المرأة نفسها بنفسها، لَهو أمر قديم جداً في الضمير المجتمعي للبشرية، باختلاف ثقافاتها وأجناسها، ذلك الضمير الموَّجَه لمصلحة جنس على حساب الجنس الأخر، وتلك البشرية الساقطة في اندافعاتها غير العادلة وغير المُنصفة.

وهذا لا ينطبق على عصور مظلمة في البشرية وحسب، لا، بل إنَّه ينطبق كذلك على عصور وحضارات مزدهرة، أضفت للتاريخ قيمة خاصة بوجودها المتناثر في مراحله المتباعدة والمختلفة، وهنا أُطلعكم على قصة كمثال على هذا:

"أحزمة العفة"

الشهيرة بانتسابها إلى العصور الوسطى، ولكن الحقيقة أنها ليست تنتمي العصور الوسطى المُظلمة وحسب، بل عصور مستنيرة أخرى، كما سنواجِه ذلك بالبراهين الآتية!

وفقاً للأسطورة، فقد اعتمد رجال العصور الوسطى على أحزمة العفة، لمنع زوجاتهم من الخيانة! فلقد كانوا قلقين حيال إخلاص نسائهم، بينما هم ذاهبون للحرب أو في رحلة حج، ولكي يطمئنوا، توصلوا إلى فكرة تطبيق "حزام العفة"، وهو عبارة عن أداة معدنية يمكن وضعها حول خصر المرأة، مُحاصِرَة لعضوها التناسلي، ويكون هذا الحزام متناسباً بإحكام شديد مع الجسم، سواء عند الخصر أو في الفخذين، ويحتوي على فتحة ضيقة تسمح بالتبول وأخرى للتغوط وحسب، ويكون مُقفَل بمفتاح يحمله زوجها فقط، ويتسبب ارتداؤه لفترة طويلة مضاعفات عدم النظافة، ولقد وُجِد منها بعض النماذج المصنوعة من الجِلد، ولكن المعدن هي الأكثر انتشاراً والأكثر شهرة.

ولقد أثارت أحزمة العفة حيرة المؤرخين منذ فترة طويلة حتى الآن، فمازال الحديث عن جدية استعمالها في العصور الوسطى، أمراً جدليّاً!

فلقد ظهر الحديث عن أحزمة العفة بالفعل في نصوص العصور الوسطى، التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر، لكن هناك القليل من الأدلة المادية التي تدعم وجودهم بشكل عملي استهلاكي! فعلى سبيل المثال، يقول الدكتور Albrecht Classen أستاذ الدراسات الألمانية بجامعة Arizona، وأحد العلماء المتخصصين في فترة القرون الوسطى، ومن قام بتأليف كتاب خاص بهذا الأمر اسمه "حزام العفة في العصور الوسطى":

"إنَّ الإشارات إلى أحزمة العفة في النصوص الأوروبية تعود إلى قرون مضت حتى الألفية الأولى بعد الميلاد، ولكن حتى القرن الحادي عشر الميلادي، كانت هذه الإشارات كلها مصاغة في رمزيات دينية، كاستعارات لفكرة الإخلاص والنقاء، على سبيل المثال: يحث الكاتب في أحد المصادر اللاتينية، "العذراء الصادقة" على "حمل خوذة الخلاص على الرأس، وكلمة الحق في الفم، والحب الحقيقي لله وجارك في الصدر، وحزام العفة في الجسد".

وفي هذا يجد Classen أنَّه من المحتمل أن يكون هناك من العذارى اللواتي أخذن هذه النصيحة بمعنى حرفي، وذهبن يرتدين خوذات معدنية، وكذلك استخدام الملابس الداخلية المعدنية!

وبالنسبة لأول مرة ظهر فيها رسم موجود لحزام العفة، كان فيما قام بنشره مهندس عسكري ألماني يُدعى Konrad Kyeser ، في كتاب عن الهندسة العسكرية يُدعى "Bellifortis" وتعني القوي في الحرب، والتي تُعَد بشكل أساسي كتالوجاً للأدوات العسكرية، تم إصداره في أوائل القرن الخامس عشر، وكان من بين رسوماته أحزمة العفة بين أدوات أخرى، مثل المنجنيق والدروع وأجهزة التعذيب، وقد ذُكِر فيه أنه مُقتَرَح ارتداؤه لنساء فلورسنا بايطاليا.

ومع ذلك يرى Classen أنَّ هناك دليلاً قوياً، على أنَّ أحزمة العفة قد صوِّرَت في الكتاب بدافع الدُعابة، وذلك لأنَّ الـ "Bellifortis" مليءٌ باختراعات سريالية عديدة ساخرة، مثل عربة على شكل قطة، وجهاز دفع يعمل بالضرطة.

بينما نلاحظ أنَّه مع حلول أواخر العصور الوسطى، أصبحت أحزمة العفة موضوعاً شائعاً للكتَّاب الساخرين، وأصبحت مُتداوَلة كاريكاتيرياً بكثرة في تلك الفترة.

وعلى سبيل المثال، يظهر ذلك في إحدى المطبوعات الألمانية المحفوظة في المتحف البريطاني، والتي تعود إلى أواخر القرن السادس عشر، للورد كبير في السن، يودِّع زوجته الشابة الجميلة، التي صُوِّرَت عارية باستثناء حزام معدني مُغلَق، وعشيقها يختبئ خلف ستارة سرير خلفهما مباشرة، بدون علم زوجها، وهو مًمسِك بمفتاح على شكل قفل حزام العفة، لفتح حزامها، ولقد أنبتت قبعة الزوج زوجاً واضحاً من آذان الحمير!!

ولقد استمرت أحزمة العفة في الظهور طوال القرن السادس عشر، ولكن كان استمرارها في صورة رسومات مضحكة فقط وليس كعينات مادية.

تحتفظ المتاحف ببعض القطع الأثرية لأحزمة العفة، ولكنها تعود في الغالب إلى القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وهناك من الآراء التي تقول أنها قد صُنِعَت على سبيل الزيف في العصر الفيكتوري، كتمثيل لما سمعوه أبناء عصرهم عن أحزمة العفة المستخدمة في العصور الوسطى، بدافع الفضول، وهناك أراء زَعمت أنه قد تم استخدامها في العصر الفيكتوري بالفعل.

وفي حين أنه قد تم إزالة الأحزمة المزيفة من العديد من معروضات المتاحف، إلا أنه يزال هناك القليل منها، وقد تم جمعها في أماكن مثل المتحف البريطاني في لندن.

ولكن عند عرض المتحف البريطاني لإحدى النماذج الأثرية لأحزمة العفة، كتب نصاً مع بعض المحاذير في هذا الشأن، في التعليق الأمني للمتحف على إحدى قطع أحزمة العفة قطعة كالآتي:

نص من كتاب عالم الأنثروبولجيا البريطاني Eric John Dingwall(1890م – 1986م):

"هناك أدلة على وجود أحزمة العفة منذ بداية القرن الخامس عشر وما بعده، يَخلُص الباحث Eric John Dingwall في كتابه"The Girdle of Chastity" (لندن عام 1931م)، إلى أنَّه تم اختراعهم في إيطاليا حوالي عام1400، وكانا قيد الاستخدام الفعلي، وإن كان ذلك في بعض الأحيان في القرن الحالي (يقصد القرن العشرين)، ومع ذلك فإن الأدلة على استخدامها في عصر النهضة، هي إلى حد كبير من وحي القصص أو الخيال الهزلي".

ولكنSarah E. Bond ، الأستاذة المساعدة في قسم الكلاسيكيات بجامعةIowa الأمريكية، والمهتمة بالتاريخ الروماني، قد ربطت بين أحزمة العفة وشيء آخر في التاريخ، يستحق الاهتمام، حيث أشارت إلى أنَّ العرائس في روما القديمة كن يرتدين سترات بيضاء مع عقدة هائلة، تُعرَف أيضاً باسم "عقدة الحب" أو رمز "الحب الأبدي"، للدلالة على عِفتها، فقد كانت تسمى كذلك بـ "عقدة العذرية" و"عقدة العفة"، حيث يقوم الزوج بحل العقدة ليلة زفافهما، وتجد Sarah أنَّه من المحتمل أن يكون هذا هو المكان الذي نشأت فيه الأفكار الأولى، حول مثل هذه الأجهزة، وعبارة "حزام العفة".

وعقدة العفة هي حزام الزفاف الروماني القديم، ويُطلَّق عليها أيضاً عقدة هرقل

وجرت العادة في تقليد الزواج الروماني القديم، أنَّ العروس ترتدي فستاناً خاصاً وحجاباً، وتنسج الأزهار في شعرها، وما جعل ملابس زفافهن فريدة من نوعها، هو العقدة أو الحزام الذي كن يرتدينه، فقد كان هذا الحزام جزءاً أساسياً من آداب الزفاف، فبحسب التقاليد تقوم والدة العروس بربطها بحزام مميز، وهو معروف بعقدة هرقل في صباح يوم زفافها، وكان يرمز لعفة العروس، لذا سُميَّ بحزام أو عقدة العفة.

أما سبب التسمية الأخرى للحزام بـ"عقدة هرقل"، فذلك نسبةً إلى حزام الإلهة ديانا، الذي تم الاستيلاء عليه من ملكة الأمازون هيبوليتا، والتي كان على هرقل أن يُحضره لابنة الملك أوريثيوس، كأحد المهام التسعة المطلوبة منه، حسب الأسطورة اليونانية والرومانية، بالإضافة إلى أنه غالباً ما كان يُصنَع من صوف النعجة حول خصر العروس، وقد كانت عقدة قوية بيضاوية الشكل، مُدمَجَة في حزامٍ واقٍ ترتديه العروس، ويكون من الصعب فكها، لذلك لا يمكن فك هذه العقدة القوية، إلا من قِبَل زوج العروس في ليلة الزفاف، وتشير التقاليد الرومانية إلى أنَّ العقدة ترمز إلى الرجولة والخصوبة الأسطورية لهرقل.

لذلك كان في فك العريس لعقدة عفة العروس، رمزية إلى أنَّه سيكون له رجولة الإله هرقل، كما أنَّ هذا الفعل يشير إلى فحولته وقوته الذكورية، في فك سياج عذريتها واقتحام سور عفتها!!

ومن الجدير بالذكر أنَّه بينما كان من متطلبات الزواج الروماني القديم، أن تكون العروس عذراء، كان من المتوقع أن يكون لدى العريس بالفعل، بعض الخبرات الجنسية مع العاهرات أو العبيد!

وإنطلاقاً من هذا العُرف الذي يبدو أنه يُلازِم مجتمعات وثقافات وأزمنة مختلفة، والذي آمن بمبدأ ضال، وهو أنَّ الرجل حر، وبلا عيب إذا كسر مبادئ الطُهر، وكأنَّه قد خُلِق بلا عِفة! وأنَّ العفة مُطَالَب بها المرأة وحدها، فقد أصبح من البديهي أن يتطور هذا الفكر إلى أعراف وتقاليد أشدّ قسوة وسطوة، ممثلاً في أحزمة العفة المعدنية وغيرها!

وفي تحليل نفسي وفلسفي لقصة تلك الأحزمة، نسمع من الدكتور Albrecht Classen نفسه، الذي يرتاب في أمر استخدام أحزمة العفة بشكل عملي تاريخياً، أنَّه يجدها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعقدة نفسية جنسية لدى الرجال، حيث يقول:
"إنَّ عقدة النقص الجنسي، النمطية عند الذكور، لابد أنه قد تم ترجمتها إلى مَزحة"

وهو يقصد بهذا، وجود أحزمة العفة في صورة أدبية ساخرة تاريخياً، والحقيقة أنَّ تلك النظرة من Classen بخصوص تفسير وجود هذه الأحزمة على مر التاريخ، ما هو إلا جزء من الحقيقة، وهو أمر منطقي بالفعل، فلابد وأن وجود تلك الأحزمة مرتبط بعقدة جنسية لدى رجال! تربط بين حبس الأنثى جنسياً، لضمان طاعتها وإخلاصها الإجباري للرجل، سواء كان يتمثل هذا في قطع جزء من لحم عضوها التناسلي، أو في سياج معدني حوله، أو ختن معنوي وجسدي بأوجه أخرى سياسياً، طالما أنَّ هذا يضمن سيطرة ذكر على قرارات وسلوكيات أنثى، أو مجتمع بأكمله، يحمل في ثقافته فكر ذكوري بحت!

أما بالنسبة لأحزمة العفة على وجه التحديد

فإنَّ الإجبار على ارتدائها ليس مقتصراً فقط على احتمالية خيانة الزوجة لرجلها، بل بأزمة نفسية ذكورية تجعل الرجل يعامل امرأته على أنَّها حيوان مِلك، لابد من تقييده لئلا يهرب، لئلا تزوغ أرجله ويَشرُد! لهذا تم التفكير في هذه الأحزمة لوضع سور معدني حول خصور النساء، وحبسه لأعضائهن التناسلية بتغليفها معدنياً، ووضع قفل عليها، كأقفاص الحيوانات الشرسة، في اعتقاد منهم أنَّهم بهذا يحبسون شهوة شَرِهة للنساء، وكأنهم بهذا يضمنون عفتهن، وطُهر أجسادهن، وإخلاصهن لهم.

ولكن في واقع الأمر أنَّ هذا الفكر الذكوري، لا يختلف على الإطلاق عن مشاكل لممارسات اجتماعية قهرية ضد الانثى تُطبَّق في مجتمعاتنا العربية وغيرها، المُستخدِمة للختان التقليدي، والذي فيه يتم ذبح منطقة من العضو التناسلي للأنثى، لضمان ضعف شهوتها ومنع شبقها في المستقبل، ليصبح الرجل، والمُمَثَّل في الزوج، كمستفيد مباشر من هذا الخلل الجسدي والحسي لدى أنثاه، حيث يكون هو موجِّه ترمومتر الشهوة الأوحد في العلاقة، ضامناً عفتها وإخلاصها له بهذا التصرف الظالم والساذج في نفس الوقت.

إنَّ هذا الفكر الذكوري المُشترَك بين القصص الحديثة والقديمة، يكشف الوجه الحقيقي المُستتِر خلف استخدام أحزمة العفة، وهو: وجه الختان التقليدي! بخوفه ومتطلباته وقمعه، ومناطق تنفيذه في جسد المرأة!

ربما يرى باحثون في التاريخ أنَّ قصة أحزمة العفة في العصور الوسطى، ليست مؤكده عملياً، ومنهم من يراها قصة خيالية، ولكنَّنا في عصرنا الحالي وبكل تأكيد ، أمام قصص واقعية مؤكدة، تُصنَّف كتراجيدي وسايكودراما، بل وكوميديا سوداء أيضاً، وليس هذا على سبيل التشابة المعنوي مع أحزمة العفة، لا ... لا، بل الفعلي أيضاً.

فنحن أمام دخانٍ لم يولد دون نار!

والآن! أنظروا بتأمل إلى ألسنة لَهَب، تلك النار التي نتحدث عنها في القصص التالية:

في عام 2007م في ولاية راجاستان Rajasthan بالهند، عُثِرَ على راكبة في حافلة عامة، تنزف من فخذيها، قام الركاب بنقلها إلى المستشفى، وهناك وَجَد الأطباء الذين فحصوا السيدة، أنها كانت ترتدي حزام العفة! لقد كانت تلك السيدة تنزف من الجروح التي تسبب فيها هذا الحزام.

إنَّ هذا الحادث ليس عابراً لزوج همجي مسيطر، أو مهووس بالجنس وتطبيق الأمور الأكثر غرابة حيال هذا الأمر، ففي راجاستان يتم إجبار النساء على ارتداء حزام العفة، وهو ممارسة شائعة جداً هناك، لدرجة أنَّ موقع الويب الذي يستضيف إعلانات عن الصناعات الهندية، يفتخر بتصميمات مختلفة لأحزمة العفة، والتي تُصنَع من معادن ثمينة مثل الفضة والذهب! ليس هذا وحسب فولاية راجاستان تُعتبَر مقبرة لحقوق المرأة بسبب هذه الممارسة المهينة وغيرها من الممارسات العنيفة والمُذِّلة للمرأة.

ومن المحزن حقاً أن تكون الصورة في مجملها عن راجاستان في النهاية، أنَّها واحدة من الواجهات السياحية الرئيسية في الهند وحسب، وأن يكون أقل ما يُعرف عنها، هو تلك الحالة المروِّعَة التي تحياها المراة في تلك الولاية!

ولكن! لم يقتصر الأمر على راجاستان وحدها!

في عام 2012م تم القبض على رجل هندي بالغ من العمر 38 عاماً، يُعرَف باسم Sohanial Chouhan، يقيم مع زوجته Sitabai Chouhan في Indore إحدى أكبر المدن في ولاية Madhya Pradesh في الهند، ولديهما خمسة أطفال، وذلك لاتهامه بعمل حزام العفة بنفسه لزوجته! لمنعها من الانخراط في علاقات جنسية مع رجال آخرين، أثناء تواجده في العمل!

ومن المؤسف أن يكون قد تم الكشف عن وحشية هذا الرجل بمحضّ الصدفة، وذلك عندما تم نقل زوجته Sitabai إلى المستشفى بعد محاولتها الانتحار بسم الفئرانف، عندما أراد الأطباء في المستشفى إدخال أنبوب في جسدها لتصريف السمقد ، فوجئوا بالعثور على قفل في مِهبلها!!

وفقًا للسيدة Sitabai، فلقد تزوجت من Chouhan وهي في السادسة عشر من عمرها، ولمدة تسعة عشر عاماً، أما عن هذه الجريمة فتمت في عام 2008م، حيث قام زوجها بتخديرها، وحبسها في غرفة في وقت متأخر من الليل، ثم شرَع في حفر ثقوب بأداة شائكة على جانبي أعضائها التناسلية بالترتيب، لتركيب قفل لمنعها من ممارسة الجنس مع رجال آخرين أثناء وجوده في العمل، ولقد تحملت تلك المرأة كل هذه المعاناة المرعبة لسنوات، وهو يُدخل قفلاً صغيراً في الحفرة المُصاغة في عضوها التناسلي كل صباح، ويحتفظ بالمفاتيح تحت جواربه، ثم يذهب إلى عمله في سلام! ويقوم بفتح القفل عندما يعود من العمل، وهي مستسلمة لهذا التنظيم المخيف لعملية فتح وغلق القفل الذي بين قدميها!

ما هذا القدر المخيف من التملُّك والخنوع؟ الوحشية والرضا؟ وما هذا القدر من الغباء والخبال الذي لكلا الشخصيتين؟!

ولكن أتعلمون؟

إنَّ صمت المرأة هو أكثر ما يخيف حقاً في هذه القصة، لا ما فعله الرجل!

فلقد صمتت هذه المرأة أمام وحشية زوجها طيلة سنوات، ويوم أن عُرِف أمر هذه الكارثة، كان سببه إحدى نتائج استسلامها المستمر والمتزايد، فلقد كان بسبب انتحارها، الذي حتى لم يكن رد فعل على ما فعله زوجها معها هي شخصياً، بل بسبب ما قالته بنفسها، وهو أنها حاولت الانتحار لأن زوجها جعلها في حالة سُكر وحاول التحرش بابنتهما الكبرى!

نعم! لقد تحمَّلت الإذلال والتعرض لتصرفات مروِّعة وماحية للأنوثة بل وللإنسانية يومياً، فلم تسلم أنوثة وإنسانية ابنتها بل وشرفها، الذي تعرض للاعتداء من والد مُختَّل، بسبب أم راضية ومتسترة على جريمته في حقها، بعد أن تعقبَت الشرطة هذا المجرم وقبضت عليه، تم فتح القفل بعد استرداد المفتاح منه، وكان رده المبرِر لأفعاله أمام استجواب الشرطة، هو أنَّه وجد لنفسه الحق كزوج، أن يكون وصيّاً على مهبل زوجته، بهذه البساطة، بهذه البساطة الوقحة والجنونية، رد هذا الرجل، مُعبِّرٌ عن فكر الكثير من الرجال والأزواج المنفِّذين والمشترِطين للختان التقليدي والمُقنَّع، على مستوى العالم، وفي عصور مختلفة.

وللأسف! على شاكلة الشهرة المخادعة لراجاستان من التحضر الزائف، نجد أنَّ مدينة Indore تشتهر بروعتها المعمارية، وتُعدّ موطن للعديد من الصناعات، وتساهم بشكل كبير في معدل النمو السريع لاقتصاد الهند، ولها واجهة حضارية جميلة، إلا أنَّها تشبه أي مكان آخر في الهند، تم تصنيفه مؤخراً من خلال دراسة استقصائية أجرتها TrustLaw، كأسوأ مكان ممكن أن تكون فيه امرأة، ففي تلك المناطق، لا تزال الطفلة يُنظر إليها على أنها أقل منزِلَة وليس لها قيمة مالية للأسرة، فلا يزال يتم تزويجهن في سن العاشرة، ومن الممكن أن يتم حرقهن نتيجة الخلافات المتعلقة بالمهر أو بيعهن كممتلكات!

عموماً الهند ليست بطلة القصة الوحيدة هنا!

في مثال أخر من المكسيك، وفي عام 2013م، قامت امرأة مكسيكية تبلغ من العمر 25 عاماً، تعيش في Zacatlame، وهو مجتمع فقير في ولاية فيراكروز المكسيكية الخليجية Mexican Gulf state of Veracruz، بتقديم شكوى إلى قسم الشرطة من صديقها البالغ من العمر 40 عاماً، لأنه استخدم حزام العفة على سروالها لسنوات، بهدف منعها من خيانته!

وأفادت CNN أن المرأة أخيراً أخبرت رجال الشرطة عن تلك الإساءة، بعد أن تُرِكَت غير قادرة على الذهاب إلى الحمام، لعدة ساعات لأنها لم تستطع فتح قِفل سروالها الجينز! فلقد دفع الألم الكبير تلك المرأة إلى الذهاب إلى الشرطة هذه المرة، لتُخبرهم أنها كانت تخشى أن يُمسِك صديقها بمقص، ويقطع حلقة الحزام التي تم ربط القفل بها، وقال قائد بالشرطة لمحطة الأخبار، أن الرجل اعترف بقفل سروال المرأة وأعطى الشرطة المفتاح عندما تم احتجازه، ولكن في النهاية أُفْرِج عن صديقها، بعد أن رفضت المرأة توجيه أي اتهامات له!

وقالت Araceli Gonzalez المديرة التنفيذية لـ Equifonia، وهي منظمة تعنى بحقوق المرأة:

"أنَّه كان يمكن فعل المزيد ضد صديقها، لكن السلطات لم تكن مهتمة"، وأضافت: "إن هذا الموقف يعطي المعتدين حافزًا أكبر للتصرُّف"، لكن في نفس الوقت أكَّدت سلطات الدولة أنه ليس بوسعها فعل الكثير، لأن المرأة ببساطة رفضت توجيه اتهامات.

إنَّه لَأَمر غريب حقاً، ولكن ثمَّة سؤال وارد! وهو:

"ربما تكون تلك حوادث مرتبطة بمناطق تتسم بالفقر أو تحضر أقل؟!"

والحقيقة أنَّ هذا رأيٌّ مريحٌ للمنطق المتوتر جرَّاء الخوف من مواجهته لصدمة حضارية قاسية، ولكنني للأسف، سأرد على هذا التخمين في قصة تالية.

في عام 2004م في مطار أثينا، انطلق تنبيه جهاز الكشف عن المعادن، عند مرور امرأة بريطانية تبلغ من العمر 40 عاماً، حيث وجد أفراد الأمن المرتبكين أن سبب ذلك هو حزام العفة الذي كانت ترتديه! وقال Dimitris Tzouvaras المسؤول بشرطة المطار لوكالة فرانس برسAFP :

"حدث ذلك قبل أيام قليلة من عيد الميلاد، حيث أطلق جهاز الكشف عن المعادن إنذاره، وبعد فحص آخر اكتشفنا أنها كانت ترتدي حزام العفة"، وأضاف: "سُمِح للمرأة بالسفر إلى لندن على عاتق الطيار"، وبحسب التقرير الصحفي، قالت المرأة لضباط الشرطة، إن زوجها قد أجبرها على ارتداء الحزام للتأكُد من أنها لن تقوم بعلاقة جنسية خارج الزواج ، خلال زيارتها القصيرة لليونان!

يا للهول! بطلا القصة بريطانيان؟! في القرن الواحد والعشرين؟! وتدور الأحداث في أثينا؟!!

ما هذه المكونات الحضارية بامتياز، لممارسة قصة مُتَّهَمه بالخيالية في عصورٍ سالفةٍ، تُعَد أقل تحضراً ووعياً مما نحن عليه الآن؟!

ولكن! ثمَّة سؤال آخر:

"ربما هذه الحادثة ما هي إلا ممارسة فردية في تلك الدول المتقدمة، لرجل مسيطر وامرأة خانعة؟!"

للأسف! لا يبدو الأمر كذلك، مع القصة التالية!

ففي مدينة Padovaبإيطاليا عام 2016م، جاءت سيدة في منتصف العمر إلى مقر إدارة الإطفاء، عندئذٍ وجد الموظفون البالغ عددهم 115 موظفاً، أنهم في مواجهة موقف بالغ الإحراج، حيث قالت لهم السيدة:

"لقد فقدت مفاتيح القفل ولا يمكنني فتحه بعد الآن"

وعندما سألوا السيدة عن عنوان منزلها، في اعتقاد منهم أنها فقدت مفتاح قفل على باب أو بوابة، فرفعت سترتها وأظهرت للجميع القفل الذي كانت تتحدث عنه، لقد كان قفل حزام العفة!

وذلك بعدما بحثت كثيراً عن هذا المفتاح الملعون ولم تجده، وبعد عدة محاولات يائسة لفتح القفل بمفردها، فوجَدَت أخيراً أن الحل الوحيد هو الذهاب إلى المقر، وطلب المساعدة من رجال الإطفاء، الذين تمكنوا من فتح قفل الحزام، الذي ظهرت منه أيضًا سلسلة، وكان القفل حديدياً وهو نفس مادة الحزام، والذي كان يَربُط معاً، رباطاً عند الخصر مع شريط على العانة ذهب لتغطية المنطقة التناسلية، حتى يتعذَّر الوصول إليها!

وعندما استفسر الطاقم المعني، عما إذا كانت قد أُجبِرَت على ارتداء الحزام من قِبَل شخص آخر، أو إذا كانت ضحية للعنف الأسري، أخبرتهم السيدة أن ارتداء حزام العفة كان فكرتها، الذي وجدته الحل الأمثل لمنعها بشكل فعال من ممارسة الجنس!

نعم! هذه هي حقيقة ما حدث هذه المرة في قصتنا العصرية الجديدة، في بلد مُتحَضِّر كإيطاليا، ولا عجب على الإطلاق، أن يكون الاختيار لارتداء حزام العفة غير الآدمي، هو اختيار حر من امرأة مثقفة حرة، وعلى قناعة منها أنه الحل الرادع لها من الانخراط في علاقة جنسية، لا بسبب تعنيف رجل، ولا خوف من تدمير أسرة، بل هو حرية خالصة من أي تأثير للابتزاز أو الإجبار.

وفي هذا أؤكد على دور المرأة للمرة الثانية، في الرضوخ لممارسة أحزمة العفة، خاصة في قصص عصرنا الحالي الواضحة الواقعية والوجود، ولكن هذه المرة ليست فقط في صورة قبول، بل بحث! بحث من امرأة بنفسها عن السور الذي ستحبس خلفه نفسها، ظناً منها أنه الحماية المُثلَى لجسدها وإرادة عفتها، فلا شك أن هناك من الضحايا الذين يستعذبون الألم في مرحلةٍ ما من مراحل تطوُّر الشعور بالدونية، وسحق الكرامة وغياب الإرادة الحرة من داخلهم.

وفي هذا، يكون في مجريات العبودية وتطبيقاتها في حياتهم، التلذذ بوهمٍ بالغٍ من الشعور الزائف بالحرية، وارتياح الضمير الشاذ في توازناته وتفسيراته للأمور.

ومن الجدير بالتنويه عنه هنا، أنَّ حالة هذه المرأة وأخريات غيرها، ما هن إلا نتاج متطوِّر عن أمراض مجتمعات، قد أيدت العنف الذكوري لفترات طويلة! وبالتالي فإن الأمراض النفسية والاجتماعية الأنثوية من هذه النوعية، والمتسمة بلَعق ملعقة سم العبودية وإيثاره بقناعة واختياريه، لهو استرسال طبيعي لسريان أمراض المجتمع من حولها فيها! خاصةً وإن كانت عبودية تم اختيارها بحرية، فهنا تكمن الخطورة الكبرى.

وفي هذه النقطة بالتحديد، علينا ألا نغفل حقيقة وماهية هذا الفِكر المُحرِّك للشخصيات في قصص أحزمة العفة، وهو فِكر هؤلاء الرجال المسيطرين جنسياً، وهؤلاء النسوة الراضخات والقانعات بالتدني إنسانياً، في صور مختلفة للقبول والرضا الخانع!

أما العفة!

البطلة الحقيقية للقصة، فتقف صامتة، غير قانعة، وغير راضية، ومتبرئة من دوافع الشخصيات من حولها، ومن مسارات الأحداث وقرارات التصرفات المُتخذَّة باسمها! هذا الاسم الذي يتحوَّر بنفس مضمونه إلى ألفاظ وألقاب مختلفة، باختلاف الزمن والبقاع والثقافات، حتى تتركز هذه المسميات بأنماطها المتنوعة في الاتفاق على محور فكري واحد، يرتكز على مفهوم الطهارة الزائفة، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بثمن فادح تدفعه الأنثى، نيابة عن عفتها المفروضة، وعفة ذكور مجتمعها غير المشروطة!